الإثنين ديسمبر 8, 2025

لباس رسول الله

يقول الله تعالى: “يا بني آدم قدْ أنْزلْنا عليْكمْ لباسا يواري سوْآتكمْ” الله تبارك وتعالى امتن علينا بمنة عظيمة، وهي نعمة ستر العورة، لكن كان من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام أن يشكر الله تعالى على نعمه. ومن جملة هذه النعم ما يلبسه عليه الصلاة والسلام، فكان إذا كان الثوب جديدا، قال عليه الصلاة والسلام:“اللهم لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له.” وكان النبي عليه الصلاة والسلام غير معلق القلب بالدنيا، فكان لباسه لباس المتواضعين، لباس المنكسرين . وكان عليه الصلاة والسلام يقول:”آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد،وأجلس كما يجلس العبد” ويريد بالعبد، المسكين المتواضع. فكان عليه الصلاة والسلام سيد المتواضعين، ولو نظر كثير من الناس اليوم في حالهم، لوجدوا أنفسهم متقلبين في النعم، يلبسون مفاخر الثياب، ويدعون أن ثيابهم قليلة. فلننظر كيف كان لباس رسول الله ﷺ،وهل نحن أفضل من رسول الله، وهل نحن أجمل من رسول الله، وهل نحن أرفع من رسول الله، ومع ذلك كان رسول الله ﷺ زاهدا في لباسه. وقد كان النبي ﷺ يحب من اللباس ما ينفع البدن فكان يلبس القميص في الكثير من الأحيان، لأنه يساعده بالقيام بالكثير من الأمور،-والمراد بالقميص ما نسميه نحن العباءة أو الدشداشة، وهي تكون طويلة-. فالنبي عليه الصلاة والسلام لبس كثيرا القميص،وكان أكثر لبسه وكان كمه يصل إلى الرسغ -والمراد بالرسغ المفصل بين الكف وبين الساعد-. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن قميصه واسع الكم

 وأما عن تفصيل لباس رسول الله ﷺ، فنبدأ بالرأس، لبس رسول الله ﷺ العصابة، والعصابة شيء يربط حوالي الرأس، وقد فعل ذلك غير مرة،وآخر مرة فعل ذلك رسول الله ﷺ في مرض وفاته، عندما خرج للمسلمين  فصلى بهم آخر صلاة فيهم، وجلس على المنبر يكلمهم، وكان عليه الصلاة والسلام، قد عصب على رأسه عصابة من شدة الوجع. ولبس رسول الله ﷺ العمامة، والعمامة معروفة مشهورة تلف على الرأس، تكون بقلنسوة وبغير قلنسوة، تكون بعذبة وبغير عذبة، فرسول الله ﷺ ، لبس غير مرة عمامة، والنبي  عليه الصلاة والسلام روي عنه أنه مرة لبس عمامة وألقى طرف العذبة على عاتقه، فأنزل الرسول ﷺ العذبة وألقاها على الكتف، وهذا فيه من الجمال ما فيه. فلو أن الإنسان رأى رسول الله ﷺ بهذه الحالة، لأيقن أنه رأى أجمل البشر. وكذلك لبس رسول الله ﷺ القلنسوة، والقلنسوة إن أراد الإنسان بلبسه للقلنسوة اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي ذلك الثواب العظيم، والخير الكثير.

وأما عما لبسه رسول الله ﷺ في جسده، فتعدد ذلك. لبس رسول الله ﷺ الإزار، وهو ما يلبس في الجزء الأسفل من البدن، وللتقريب فما يلبسه الحاج أو المعتمر في الإحرام، هو إزار ورداء. والإزار لم يكن خاصا بالإحرام عند العرب، بل كانت العرب تلبس الإزار في أيامها عادة. فقد لبس رسول الله ﷺ الإزار، لكن كان النبي ﷺ يحب ألا يطول ثوب الرجل تحت الكعبين، إزارا كان أو قميصا، فقال عليه الصلاة والسلام:“إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه” ومن لطيف ما ورد أن سيدنا وحبيبنا رسول الله ﷺ رأى ذات يوم رجلا وقد طالت إزرته تحت الكعبين، فناداه  النبي من خلفه وقال له:”ارفع إزارك فإنه أنقى وأبقى.” أنقى أي أنظف وأبقى معناه يدوم. فرد هذا الرجل على رسول الله ﷺ، بأن هذا الثوب زهيد ليس ذا قيمة، ليس ثمينا، ليس من نفيس الثياب فهو لا يبالي إن تخرق الثوب أو انمحق. فقال له عليه الصلاة والسلام:“أما لك في أسوة؟”- أي ألا تقتدي بي- قال هذا الرجل :”فنظرت إلى إزار رسول الله ﷺ  فوجدته إلى نصف الساق.” وبذلك نتعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان حقيقة سيد المتواضعين،فارتفاع الثوب إلى نصف الساق، هو دليل على التواضع، فإن النفس لا تميل عادة إلى ارتفاع الثوب هذا الارتفاع.

وأما عن السراويل، فلبس بعض الصحابة السراويل أمام رسول الله ﷺ ولم ينكر ذلك. كما وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام اشترى السراويل، وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يلبسها، أما البردة فهو ثوب لبسه النبي ﷺ وهو ما يكون فيه خطوط، فقد ورد أن النبي ﷺ لبس بردة فيها خطوط خضراء. وكذلك لبس النبي ﷺ الحلة، وأما الحلة ويخبرنا بعض الصحابة عن لباس الرسول ﷺ قائلا:”ما رأيت من ذي لمة، في حلة حمراء أحسن من رسول الله ﷺ .” وأما اللمة فهي الشعر الذي يبلغ الأذن. أراد بذلك الصحابي أنه ما رأى إنسانا ذا لمة، يبلغ شعره إلى أذنه، يلبس حلة حمراء أحلى وأحسن من رسول الله ﷺ. فما هي الحلة، وما معنى كونها حمراء؟ وقد نهى رسول الله ﷺ الرجال عن لبس الأحمر، وهذا النهي ليس للتحريم، إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يحب للرجل أن يلبس الأحمر القانع. فمعنى الحلة ما يكون من ثوبين، لبس رسول الله ﷺ الحلة أي لبس ثوبين، ثوبا يكون لأسفل البدن وثوبا يكون لأعلى البدن، وكان مخططا باللون الأحمر، وهذا معنى :”ما رأيت من ذي لمة، في حلة حمراء  أحسن من رسول الله ﷺ “

وأما عن الأردية، فلبس رسول الله ﷺ الرداء وكان طريقة لبس النبي ﷺ للرداء متعددة، فلبسه بكيفيات متعددة. فمن ذلك وضع النبي ﷺ الرداء على كتفيه، ومن ذلك اختلاف أطرافه، ومن ذلك جعله طرفا تحت الإبط وطرفا تحت الكتف. كما ولبس الرسول ﷺ بكيفيات أخرى. وأخيرا نقول كان عليه الصلاة والسلام يحب من اللباس الأبيض، فقال:”البسوا البياض وكفنوا فيها موتاكم.”

ما ذكرناه عن لباس رسول الله ﷺ إنما هو شيء قليل جدا مما ورد عن لباس رسول الله ﷺ ، ولكن نستفيد مما ذكرنا أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان متواضعا في كل حالاته، في طعامه وشرابه، في جلسته، في قيامه، وفي كلامه كما وفي لباسه.  أسأل الله تبارك وتعالى الاقتداء الكامل بسيد هذه الأمة،بسيد العالمين وحبيب الله محمد عليه الصلاة والسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.