الإثنين ديسمبر 8, 2025

حجرات رسول الله

 

سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الهيبة العظيمة وأكثر الناس تواضعا. كيف كانت بيوته وكيف كانت حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. الرسول عليه الصلاة والسلام لما هاجر إلى المدينة مكث أولا في بيت أبي أيوب الأنصاري وبعد ذلك بنى النبي عليه الصلاة والسلام مسجده وبنى بيوت زوجاته قرب المسجد. وإذا كان المصلي يصلي ويتجه إلى القبْلة في مسجد رسول الله ﷺ تكون بيوت زوجات الرسول ﷺ على يسار المصلي. وكانت أولى زوجات النبي ﷺ أي بعد ممات خديجة سودة بنت زمعة. وتزوج بعدها عائشة بنت أبي بكْروبعدها حفْصة بنت عمر. فكانت أولى البيوت بناء بيت سودة وبعد ذلك بيت عائشة وبعده بيت حفْصة. وبنى النبي ﷺ بيتا لبنته فاطمة الزهراء بعد البيوت الثلاثة بيت سودة بنت زمعة وعائشة وحفصة. وبهذا تكون البيوت على هذا الترتيب. بيت حفصة بنت عمر وبيت سودة بنت زمعة وبيت عائشة بنت أبي بكر وبعد ذلك بيت فاطمة وبعد ذلك بيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم. بنى رسول الله ﷺ بيوت زوجاته بعد بيت فاطمة. وكان كلما تزوج امرأة بنى لها بيتا هناك.

وأما عن وصْف حجرات زوجات النبي ﷺ فكانت هذه البيوت على هيئة التواضع. بنيت البيوت إما من الطين أو من جريد النخل مع الطين. وكانت هذه البيوت قد سقفت بجريد النخل.

فبيت السيدة عائشة مثلا كان له بابان. باب من جهة المسجد وباب من الجهة الأخرى. وكانت تلك الجهة الأخرى ممرا للنبي ﷺ يمر منه إلى باقي بيوت زوجاته رضوان الله عليهن.

وكان بيت السيدة فاطمة له شباك يطل منه على بيت أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأما عن طول هذا البيت وعرضه وارتفاعه فيرْوى أن بعض التابعين كان قد تربى في بيت زوجة النبي ﷺ فقال لما كنت مراهقا كنت ألامس سقف البيت فلذلك يكون ارتفاع البيت تقريبا أقل من ثلاثة أمتار وأما عن طول البيت وعرْضه فكان قريبا من خمسة أمتار في أربعة أمتار وهذا يدلنا على أنه كان بيْتا صغيرا متواضعا لكن كان ملؤه البركة. ويدلنا أيضا على صغر هذا البيت من حيث الحجم ما تخبره السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي ﷺ كان يكون أحيانا في صلاته في الليل وكانت هي مسْتلْقية وكانت مستلقية في قبْلة النبي ﷺ وقدماها في مسجد رسول الله ﷺ أي في مكان سجوده فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد السجود غمز لها قدمها أي وضع يده الشريفة على قدمها حتى ترد قدميها فكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تضم قدميها إلى نفسها ليسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عليه الصلاة والسلام اذا ارتفع من سجوده عادت وامتدت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

وبنى النبي ﷺ فوق بيته مشْربة أي علية وهي بيت صغير جدا يبْنى فوق البيت يسمى علية لأنه يكون عاليا. والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقعد فيه أحيانا. وكان لبيت السيدة عائشة بابان وكانا من شجر العرعر أو الساج وهو شجر صلْب ولم تكنْ جدران البيت مطْلية بطلاء إنما كانت على حالتها عملت من الطين أو عملت من جريد النخل ممزوجا بالطين. وأما عن أثاث بيت النبي ﷺ فكان بيت الرسول عليه الصلاة والسلام قليل الأثاث. فيرْوي صحابي من صحابة الرسول ﷺ أن للنبي عليه الصلاة والسلام وسادة وكانت هذه الوسادة أديما أي جلْدا محْشوة بالليف والليف شئ معروف. فالنبي عليه الصلاة والسلام ألقى الوسادة لهذا الصحابي ليجلس عليها. فقال ذلك الصحابي بل أنت اجلس عليها يا رسول الله. فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا بل أنت اجلس عليها. يقول الصحابي فجلسْت على وسادة رسول الله ﷺ وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض.

وأما عن فراش رسول الله ﷺ فكان فراشا متواضعا .كان أيضا من أديم أي جلْد قد حشي بالليف. وهذا كله يدل على أن رسول الله ﷺ لم يكنْ معلق القلب بالدنيا ولم يكن معلق القلب بالزينة وزخارفها. وكانت حجرات النبي ﷺ كلها بعد وفاته باقية كما كانت إلى أيام الوليد بن عبد الملك. وبعد وفاة النبي ﷺ بقيت هذه البيوت كما هي. بقيت نساء الرسول ﷺ يسْكن في تلك البيوت إلى أن قبضْن أي توفين. وفي أيام الوليد بن عبد الملك لما كان حاكما لبلاد المسلمين وكان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة المنورة. أمر الوليد بن عبد الملك بتوْسعة المسْجد فأدْخلتْ كل بيوت النبي ﷺ في المسْجد كما هو الحال الآن إلا بيت السيدة عائشة وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد دفن في تلك الحجْرة المشرفة. والنبي ﷺ كان قد قبض في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها. واختلف الناس في مدْفن النبي ﷺ أي أين يدْفن فقال أبو بكْر إني سمعت رسول الله ﷺ يقول الأنبياء يدْفنون حيث يقْبضون. فدفن النبي ﷺ في حجْرة السيدة عائشة . وبعد أن دفن رسول الله ﷺ هناك بقيت السيدة عائشة تسْكن تلك الحجْرة . جعلت بينها وبين القبْر ستارا. فكان يحجزها عن القبْر ستار أرْخته وكانت إذا أرادت رأت القبر الشريف المبارك.

ودفن عند كتف النبي ﷺ أبوها أبو بكْر الصديق وذلك لأن هذا البيت كان بيتها وكانت قد أرادت دفْن أبيها قرْب حبيبه وصديقه وصاحبه رسول الله ﷺ لما مرض عمر بن الخطاب مرض الوفاة استأذن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن يدْفن مع صاحبيْه رسول الله وأبي بكر فأذنت له بذلك فدفن عمر بن الخطاب عند كتف أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وأرضاهما وبقي مدْفن رابع يقال إن عيسى بن مريم عليه السلام عند نزوله إلى الأرض يعيش في الأرض ويدْفن بعد مماته قرْب النبي ﷺ في حجْرة السيدة عائشة. وأما السيدة عائشة رضي الله عنها فدفنت في البقيع. هذه بيوت رسول الله ﷺ وهذه بيوتنا فلينظرْ كل منا إلى بيته ولْيقارنْه ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل نحن أفضل من رسول الله لا والله. هل نحن أعلى من رسول الله لا والله. هل نحن أكرم من رسول الله عند الله لا والله. ومع ذلك هذه بيوت النبي عليه الصلاة والسلام فليحاسب كل منا نفسه ولْينظر كيف انشغل بالدنيا وترك الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه بيوت رسول الله ﷺ الذي ملأ الأرض علْما وحكْمة ونورا وإيمانا. ودانت له ملوك وكان أكثر الناس تواضعا. هذا الرجل الذي جاءه جبريل ذات يوم قال له يا محمد إن الله يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو أن تكون نبيا عبْدا فنظر النبي عليه الصلاة والسلام نظرة متعلم إلى جبْريل فأشار له جبْريل أن يا محمد تواضعْ فقال النبي عليه الصلاة والسلام يا رب أجوع يوْما وأشبع يوْما.

هذا حبيبي رسول الله ﷺ الذي لم يسأل ربه الشبع في كل يوم قال أجوع يوْما وأشبع يوما. فما لنا نسعى خلف دنيا زائلة. نسعى خلف زينة تالفة ولا نسعى خلف آخرة باقية. نسأل الله تبارك وتعالى أن نحْشر تحت لواء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وأن يكون شفيعنا في يوم الفزع الأكبر وآخر دعوانا أن الحمْد لله رب العالمين.