الإثنين ديسمبر 8, 2025

س49: ما معنى قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]؟

قال الإمام البخاري في الصحيح (كتاب التفسير، باب تفسير سورة القصص، 4/1787) في قوله تعالى: {إلا وجهه} [القصص: 88]: «إلا ملكه».اهـ. وقال الإمام سفيان الثوري: «إلا ما أريد به وجه الله».اهـ. أي: الأعمال الصالحة([1]).

[1])) السيوطي، الدر المنثور، 6/447.

* إن قال المشبه: إن استواء الله على العرش جلوس لكن لا كجلوسنا. ويستشهدون لذلك بقول بعض الأئمة: «لله وجه لا كوجوهنا، ويد لا كأيدينا، وعين لا كأعيننا». الجواب عنه: الجلوس في لغة العرب لا يكون إلا من صفات الأجسام، فالعرب لا تطلق الجلوس إلا على اتصال جسم بجسم، على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل، وليس للجلوس في لغة العرب معنى إلا هذا، وهم في هذا أثبتوا الجسمية لله، ولا يجوز ذلك على الله، لأنه لو كان كذلك لكان له أمثال لا تحصى، فالجلوس يشترك فيه الإنسان والجن والملائكة والبقر والكلب والقرد والحشرات، وإن اختلفت صفات جلوسهم. ويقال لهم: أما الوجه واليد والعين فليست كذلك، فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم وغير الجسم. والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي سائر ذوات الأرواح.

* وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب، فمنه:

  • الملك. كما فسر البخاري في صحيحه (كتاب التفسير، باب تفسير سورة القصص، 4/1787)، أول سورة القصص، قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]: قال: «إلا ملكه».اهـ. بينما المشبهة عكفوا على تفسيرها بظواهرها وحرموا التأويل الذي سلكه بعض السلف وكثير من الخلف، فوقعوا في الخزي، فبتفسيرهم الوجه المضاف إلى الله في الكتاب والسنة على الحجم وقع بعضهم في أبشع الكفر، وذلك مثل ما وقع لبيان بن سمعان التميمي من حمل الوجه المذكور في ءاية: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] على الجسم، فقال: الله شيء أي موجود، والعالم شيء أي موجود، فإذا الله يفنى إلا وجهه، والعالم يفنى كله يوم القيامة، وذلك لأنه لما استثنى الوجه في الآية فهم أن الله يفنى ويبقى منه وجهه الذي هو الجزء المركب على أعلى البدن. تعالى الله عن ذلك، وكان بيان هذا له طائفة تنسب إليه يقال لهم «البيانية»، كما يقال للوهابية «الوهابية» نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب.
  • ما يقرب إلى الله من الأعمال: كالصلاة والصيام وسائر الأعمال الصالحة، كما في حديث: «وإنها لا تكون [المرأة] إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها». والحديث ثابت أخرجه ابن حبان في صحيحه، (كتاب الحظر والإباحة، ذكر الإخبار عما يجب على المرأة من لزوم قعر بيتها، 6/347).

ماذا تقول الوهابية فيه؟! فهل هنا يؤولون الوجه أم يتركونه على الظاهر؟! فإن أولوا بما أول به السلف كان ذلك موافقة للسلف ونقضا لمذهبهم بمنع التأويل، وإن أولوه بالذات فقد نقضوا اعتقادهم بأن الله فوق العرش، لأنه يلزم على هذا بأن الله قريب إلى المرأة بالمسافة، فماذا يصنعون، وهذا إلزام لا مهرب منه.

  • الذات: والذات بالنسبة إلى المخلوقين الجرم الكثيف أو اللطيف كحجم الإنسان وحجم النور والريح، هذا معنى الذات في المخلوق، أما الذات إذا أضيف إلى الله فمعناه حقيقته، لا بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف.

* وأما اليد فلها في لغة العرب معان: منها: ما هو أجرام وأجسام، ومنها ما هو غير الأجرام، فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في الإنسان وفي البهائم، وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة كما في قوله تعالى: { والسماء بنيناها بأيد} [الذاريات: 47]. وتأتي بمعنى العهد كما في قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10].

* وأما العين فتطلق في لغة العرب على الجرم كعين الإنسان والحيوانات، وتطلق على الذهب والجاسوس والماء النابع، والحفظ. وبهذا بان الفرق بين الجلوس وبين الوجه واليد والعين، فلما كانت هذه الألفاظ الثلاثة واردة في القرءان مضافة إلى الله كان لها معان غير الجسم وصفات الجسم، أراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة: «لله وجه لا كوجوهنا، ويد لا كأيدينا، وعين لا كأعيننا» معاني هذه الألفاظ الثلاثة التي هي غير الجسم ولا هي صفة جسم مما يليق بالله، كالقوة والـملك والذات والحفظ، كما قال المفسرون في تفسير قوله تعالى: {ولتصنع على عيني} [طه: 39]: على حفظي.