س49: ما معنى قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]؟
قال الإمام البخاري في الصحيح (كتاب التفسير، باب تفسير سورة القصص، 4/1787) في قوله تعالى: {إلا وجهه} [القصص: 88]: «إلا ملكه».اهـ. وقال الإمام سفيان الثوري: «إلا ما أريد به وجه الله».اهـ. أي: الأعمال الصالحة([1]).
[1])) السيوطي، الدر المنثور، 6/447.
* إن قال المشبه: إن استواء الله على العرش جلوس لكن لا كجلوسنا. ويستشهدون لذلك بقول بعض الأئمة: «لله وجه لا كوجوهنا، ويد لا كأيدينا، وعين لا كأعيننا». الجواب عنه: الجلوس في لغة العرب لا يكون إلا من صفات الأجسام، فالعرب لا تطلق الجلوس إلا على اتصال جسم بجسم، على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل، وليس للجلوس في لغة العرب معنى إلا هذا، وهم في هذا أثبتوا الجسمية لله، ولا يجوز ذلك على الله، لأنه لو كان كذلك لكان له أمثال لا تحصى، فالجلوس يشترك فيه الإنسان والجن والملائكة والبقر والكلب والقرد والحشرات، وإن اختلفت صفات جلوسهم. ويقال لهم: أما الوجه واليد والعين فليست كذلك، فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم وغير الجسم. والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي سائر ذوات الأرواح.
* وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب، فمنه:
ماذا تقول الوهابية فيه؟! فهل هنا يؤولون الوجه أم يتركونه على الظاهر؟! فإن أولوا بما أول به السلف كان ذلك موافقة للسلف ونقضا لمذهبهم بمنع التأويل، وإن أولوه بالذات فقد نقضوا اعتقادهم بأن الله فوق العرش، لأنه يلزم على هذا بأن الله قريب إلى المرأة بالمسافة، فماذا يصنعون، وهذا إلزام لا مهرب منه.
* وأما اليد فلها في لغة العرب معان: منها: ما هو أجرام وأجسام، ومنها ما هو غير الأجرام، فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في الإنسان وفي البهائم، وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة كما في قوله تعالى: { والسماء بنيناها بأيد} [الذاريات: 47]. وتأتي بمعنى العهد كما في قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10].
* وأما العين فتطلق في لغة العرب على الجرم كعين الإنسان والحيوانات، وتطلق على الذهب والجاسوس والماء النابع، والحفظ. وبهذا بان الفرق بين الجلوس وبين الوجه واليد والعين، فلما كانت هذه الألفاظ الثلاثة واردة في القرءان مضافة إلى الله كان لها معان غير الجسم وصفات الجسم، أراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة: «لله وجه لا كوجوهنا، ويد لا كأيدينا، وعين لا كأعيننا» معاني هذه الألفاظ الثلاثة التي هي غير الجسم ولا هي صفة جسم مما يليق بالله، كالقوة والـملك والذات والحفظ، كما قال المفسرون في تفسير قوله تعالى: {ولتصنع على عيني} [طه: 39]: على حفظي.