س14: تكلم على التوسل بالأنبياء.
يجوز التوسل بهم بالإجماع، والتوسل هو طلب جلب([1]) منفعة أو اندفاع([2]) مضرة من الله بذكر نبي أو ولي إكراما للمتوسل به، مع اعتقاد أن الله هو الضار([3])، والنافع على الحقيقة.
قال الله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة: 35]([4]).
الحديث: الرسول ﷺ علم الأعمى أن يتوسل به، ففعل الأعمى في غير حضرة النبي ﷺ، فرد الله بصره إليه. الطبراني، المعجم الكبير (9/17، 18)، والصغير (1/183، 184)، وصححه([5]).
[1])) مثال على جلب منفعة: اللهم ارزقني مالا حلالا، ارزقني أولادا صالحين.
[2])) مثال على اندفاع مضرة: اللهم ارفع البلاء عن فلان.
[3])) الضار والنافع على الحقيقة هو الله، فنحن نتوسل بالنبي أو الولي، ولكن الطلب من الله. الله جعل الدنيا على الأسباب. والنبي ﷺ علمنا التوسل في حديث الأعمى، والله تعالى هو الذي أظهر المعجزات على أيدي الأنبياء، وهو الذي رد للأعمى بصره.
[4])) كل شيء يقربكم إلى الله فاطلبوه، يعني هذه الأسباب، اعملوا الأسباب فيحقق الله لكم المسببات، يحقق الله لكم مطالبكم بهذه الأسباب، معناه بالأعمال الصالحة، فإذا جاز التوسل بالمفضول جاز التوسل بالأفضل من باب أولى، لأن الأعمال الصالحة مخلوقة، والرسول ﷺ أفضل المخلوقات على الإطلاق.
[5])) ولفظ الحديث عند علماء الحديث يطلق على ما يرفع إلى النبي ﷺ وما يوقف على الصحابي، كما هو مقرر في كتب الاصطلاح. السيوطي، تدريب الراوي، 1/29.
وقد أطلق الإمام أحمد لفظ الحديث على أثر لعمر t في الجبن الذي يأتي به المجوس، وكان من عاداتهم أن يستعملوا في الجبن أنفحة الميتة. ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ص633.
* وممن صحح حديث الأعمى:
المنذري في «الترغيب والترهيب»، 1/272، 283.
وابن تيمية (المجسم) في كتابه المسمى «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة»، ص155، 156 (وهو المشهور في تحريم التوسل والتبرك).
والسخاوي في «القول البديع»، ص433 – 435.
* ورواه ابن ماجه في السنن، (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الحاجة، 1/441، 442)، والحاكم في المستدرك، (كتاب صلاة التطوع، 1/458)، والترمذي في السنن، (كتاب الدعوات، باب 119، 5/569)، وغيرهم كثير.
* ورد في الحديث: «حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم». الهيثمي، مجمع الزوائد، (باب ما يحصل لأمته ﷺ من استغفاره بعد مماته،
24/9). والبزار، مسند البزار، (5/ 308 ، 309)، ورجاله رجال الصحيح.
فهذا الحديث حجة في جواز التوسل بالرسول ﷺ في حياته وبعد مماته، في حضرته وفي غير حضرته، وليس الأمر كما يقول ابن تيمية، فإنه قال: لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر. ابن تيمية، الكتاب المسمى قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص 155، 156. وبما أن الألباني يتبعه في هذا الشذوذ فقد طعن في القدر الموقوف من الحديث. الألباني، الكتاب المسمى التوسل أنواعه وأحكامه، 83. ومنشأ هذا الخبط للألباني هو مجاوزته حده، حيث لم يقف عند نصوص علماء الحديث أن من لم يبلغ مرتبة الحافظ ليس له التصحيح والتضعيف، وكذا الحكم بالوضع.
* ثم إن توسل الأعمى بالني محمد ﷺ بالصيغة التي علمه رسول الله ﷺ لم يكن بحضور الرسول ﷺ؛ بل ذهب إلى الميضأة فتوضأ وصلى ودعا باللفظ الذي علمه رسول الله ﷺ، ثم دخل على النبي ﷺ، والني ﷺ لم يفارق مجلسه، لقول راوي الحديث الصحابي عثمان بن حنيف t: «فوالله، ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر».اهـ.
ومما يدل أيضا على أن توسل هذا الأعمى كان في غير حضرة النبي ﷺ، وأنه قال: «يا محمد» في غير حضرته، أنه قد ثبت النهي عن نداء الرسول محمد ﷺ باسمه في وجهه، وذلك بقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63] كما تقدم.