الأحد ديسمبر 7, 2025
  • سيدنا سليمان مع الفلاح والنملة والطيور

     

    الخطبة الأولى:

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يـهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا مثيل له ولا جسم ولا أعضاء له ولا شكل ولا صورة له، ولا حد ولا مكان له، جل ربي لا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء ، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير .

    وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أنت طب القلوب ودواءها وعافية الأبدان وشفاءها ونور الأبصار وضياءها، الصلاة والسلام عليك سيدي يا محمد، يا محمد ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا، أدركنا يا رسول الله ، أدركنا بإذن الله.

    أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم و نفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: ﴿ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ (سورة يوسف/ 111) .

    اعلموا رحمكم الله أن أفضل الخلائق علويها وسفليها الأنبياء لما أعطاهم الله من الصبر والتقى، وإن أحسن القصص قصصهم لما جعل الله فيها من مواعظ وعبر. وبالاطلاع على قصص حياتهم -صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين- وما حفلت به من أحداث واشتملت عليه من أفعال لدليلا لنا ننهجه ونستنير ونستعين به للوصول إلى الإيمان الكامل الذي هو سبيل النجاة والفوز في الآخرة، وكلامنا اليوم بإذن الله رب العالمين عن سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام. يقول رب العزة في محكم التنـزيل: ﴿ وورث سليمان داوود وقال يـا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين ﴾ (سورة النمل/16) . أي كأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث.

    فلقد علمه الله تعالى منطق الطير ولغته وسائر لغات الحيوانات، فكان يفهم عنها ما لا يفهمه سائر الناس . روي أنه صاح هدهد فقال سليمان عليه السلام: يقول استغفروا الله يا مذنبون، وصاح خطاف فقال يقول: قدموا خيرا تجدوه، وصاحت رخمة فقال: تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري (وهو نوع من الحمام) فأخبر أنه يقول سبحان ربي الأعلى ، وقال: الحدأة تقول كل شىء هالك إلا الله ، والقطاة تقول من سكت سلم ، والديك يقول اذكروا الله يا غافلون، والنسر يقول يا ابن ءادم عش ما شئت ءاخرك الموت، والعقاب يقول في البعد من الناس أنس (أي من بعض الناس)، والضفدع يقول سبحان ربي القدوس.

    وسخر الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام الريح فكانت تنقله إلى أي أطراف الدنيا شاء، يقول الله تعالى: ﴿ فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ﴾ (سورة ص/36) . وذلك تبليغ الملك له عن الله.

    وأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض: “إني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم أحد بشىء إلا ألقته الريح في سمعك” .

    فيحكى أنه مر بفلاح يحرث أرضه، مر سليمان وهو على بساط الريح يسير بين السماء والأرض فنظر إليه الفلاح وقال: “لقد أوتي ءال داود ملكا عظيما” فألقت الريح كلام الفلاح في أذن سيدنا سليمان عليه السلام ، فنزل سليمان عليه السلام ومشى إلى الفلاح وقال: “إني جئت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه” ثم قال: “لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك خير من الدنيا وما فيها”.

    ومن نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام أن جنده كان مؤلفا من الجن والإنس والطير وكان سليمان عليه السلام قد نظم لهم أعمالهم ورتب لهم شئونهم فكان إذا خرج خرجوا معه في موكب حافل مهيب يحيط به الجند والخدم من كل جانب وأخبر الله تعالى عن عبده ونبيه سليمان عليه السلام أنه ركب يوما في جيشه المؤلف من الجن والإنس والطير ، يقول ربنا في القرءان العظيم : ﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾ (سورة النمل/18) .

    فهذه النملة (واسمها طاخية أو منذرة) تكلمت بصوت أمرت فيه أمة النمل في ذلك الوادي أن يدخلوا مساكنهم حذرا من أن يحطمهم سليمان عليه السلام وجنوده أثناء سيرهم لقد ألهم الله عز وجل تلك النملة معرفة نبيه سليمان عليه السلام كما ألهم النمل كثيرا من مصالحها  ﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾ (سورة النمل/18) .

    ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ لا يعلمون بمكانكم، أي لو شعروا لم يفعلوا، قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال فتبسم عليه الصلاة والسلام من قولها متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل فأمر سليمان عليه السلام الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن أوقف سليمان عليه الصلاة والسلام موكبه العظيم حتى يدخلن إلى بيوتهن ودعا ربه، قال تعالى إخبارا عن سيدنا سليمان     ﴿ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صـالحا ترضــاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ﴾ (سورة النمل/19)

    ﴿ رب أوزعني ﴾  أي ألهمني .

    هذا كله من فضل الله تعالى على عبده ونبيه سليمان عليه السلام الذي كان عبدا مطيعا أوابا داعيا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وكان من عباد الله الشاكرين، يقول الله تعالى: ﴿ ووهبنا لداوود سليمـان نعم العبد إنه أواب ﴾ (سورة ص/ 30) .

    هذا وأستغفر الله لي ولكم.

     

    الخطبة الثانية :

              إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يـهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

              أما بعد، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز : ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم  ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾.

              واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين  ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

     

              عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.