الأحد ديسمبر 7, 2025
  • قصة أصحاب البستان

     

    الخطبة الأولى:

     

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة صلوات ربي وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله، أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم .

    يقول الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ﴾.

     

    إخوة الإيمان، لقد ذكر الله تعالى في القرءان الكريم في سورة القلم شيئا من قصة أصحاب الجنة أي البستان الذين لم يؤدوا حق الله تعالى فيه فحرمهم منه عقابا على نيتهم الخبيثة. قال تعالى: ﴿ كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ﴾ .

     

    ذكر أهل التفسير أن رجلا كان بناحية اليمن له بستان وكان مؤمنا وذلك بعد سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام وكان يجعل عند الحصاد نصيبا للفقراء والمساكين، وكان يقول: “هذا المال مال الله مكنني فيه وأمرني أن أخرج منه حقوقا زكاة للفقراء والمساكين” ، فكل واحد منكم أيها الإخوة المؤمنون من الله عليه ووسع عليه في رزقه فليتذكر الفقراء والمساكين ولا سيما الأرحام منهم بزيارتهم والإحسان إليهم، فهذا الرجل الصالح الله تعالى أعطاه فشكر الله ولكن بعد موته بعض أولاده عزموا على حرمان المساكين وتحالفوا فيما بينهم يوما واتفقوا سرا أن يقوموا أول الصبح قبل أن يستيقظ الناس فيأتوا إلى بستانهم ويقطفوا ثمارهم ويحصدوا زرعهم ويقتسموه فيما بينهم فلا يبقى شىء للفقراء . فبالله عليكم أليس هذا بحال كثير من الأغنياء اليوم تعلقت قلوبهم بهذه الدنيا الزائلة الفانية وقست قلوبهم ؟

     

    فلذلك أخي المسلم اعتبر بمن كان قبلك فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك. واليوم عند زيارتك للقبور تذكر أنك لا بد راحل واعمل لقبرك واعمل لآخرتك.

     

    يـا مـن بدنيـاه اشتغل                           وغـره طـول الأمــل

    المـوت يأتـي بغتــة                     والقبـر صنـدوق العمـل

     

    هؤلاء الأبناء أرادوا أن يمنعوا حق الله تعالى في مالهم وكان الله تعالى عالما بما يكيدونه وما اتفقوا عليه فأرسل سيدنا جبريل عليه السلام ليلا ببلاء شديد. قال تعالى: ﴿ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ﴾ .

     

    فصارت جنتهم أي بستانهم كالليل الأسود بسبب احتراق البستان وطلع عليهم النهار وهم على مشارف بستانهم يتساءلون أهذا بستاننا وقد تركناه بالأمس مورقا بأشجاره وافرا بثماره؟ ما نظن هذا بستاننا وإننا ضالون عنه. قال أوسطهم وكان طيبا كأبيه: بل هي جنتكم حرمتم منها قبل أن يحرم الفقير منها وجوزيتم على بخلكم وشحكم، فأقبل بعضهم يلوم البعض الآخر، فالأول يقول: أنت أشرت علينا بمنع المساكين، ويقول الآخر: بل أنت زينت لنا حرمانهم، فيجيبهم أحدهم: أنت خوفتنا الفقر، ويقول ءاخرهم: بل أنت الذي رغبتنا بجمع المال. ثم قالوا:  ﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ﴾ أي عصينا ربنا بمنع الزكاة .

     

    ثم رجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم الله خيرا من تلك الجنة أي البستان فقالوا: ﴿ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ﴾.

     

    فأدركهم الله تعالى برحمته عندما أظهروا استعدادهم للتوبة وأمر جبريل عليه السلام أن يقتلع بستانهم المحروق ويجعله في مكان بعيد وأن يأخذ من أرض الشام بستانا عامرا ويجعله مكان الأول فكانت البركة فيه ظاهرة وعادوا إلى ما كان عليه والدهم لا يمنعون فقيرا ولا مسكينا يطهرون أموالهم وأنفسهم بما يرضي الله عز وجل .

     

    إخواني … يقول الله تعالى: ﴿ ولعذاب الآخرة أكبر ﴾.

     

    عقوبة الآخرة لمن عصى ربه وكفر به أكبر يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها فليعتبر كل واحد منا وليقبل بهمة عالية إلى طاعة ربه وتذكروا حديث رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام: ” أطعم الطعام وصل الأرحام وصل بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام” .

    هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    الخطبة الثانية :

     

              إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

              أما بعد، عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز :﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم  ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾.

              واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين  ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.