الأحد ديسمبر 7, 2025

 

بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، قائد الغر المحجلين، إمام الأتقياء العارفين، سيدنا وقائدنا وحبيبنا ونور أبصارنا محمد النبي العربي الأمي الأمين، العالي القدر، العظيم الجاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

الأخلاق الإسلامية

الدرس الأول

الإخلاص فى العبادة والرياء والعجب

   الإخلاص فى العبادة من أعمال القلوب الواجبة وهو من الأخلاق الحسنة. ومعنى الإخلاص فى العبادة إخلاص العمل بالطاعة لله تعالى وحده أى أن لا يقصد بعمل الطاعة محمدة الناس والنظر إليه بعين الاحترام والتعظيم وقد جعل الله تعالى الإخلاص شرطا لقبول الأعمال الصالحة. قال الله تعالى ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾. والمخلص هو الذى يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وقراءة للقرءان وغيرها ابتغاء الثواب من الله وليس لأن يمدحه الناس ويذكروه فالمصلى يجب أن تكون نيته خالصة لله تعالى وحده فقط لا ليقول عنه الناس فلان مصل لا يترك الفرائض والصائم يجب أن يكون صيامه لله تعالى وحده فقط وكذلك الأمر بالنسبة للمزكى والمتصدق وقارئ القرءان ولكل من أراد أن يعمل عمل بر وإحسان قال النبى صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» قيل وما إتقانه يا رسول الله قال «يخلصه من الرياء والبدعة» رواه الحافظ السيوطى.

   الرياء ويقابل الإخلاص: الرياء ومعناه أن يقصد الإنسان بأعمال البر كالصوم والصلاة وغيرهما مدح الناس وإجلالهم له. والرياء يحبط ثواب العمل الذى قارنه فأى عمل من أعمال البر يدخله الرياء لا ثواب فيه سواء كان مجرد قصده الرياء أو قرن به قصد طلب الأجر من الله تعالى.

   العجب بطاعة الله: أما العجب بطاعة الله فهو شهود العبادة صادرة من النفس غائبا عن المنة أى أن يشهد العبد عبادته محاسن أعماله صادرة من نفسه غائبا عن شهود أنها نعمة من الله عليه أى أن الله هو الذى تفضل عليه بها فأقدره عليها وألهمه أن يقوم بها. والرياء بأعمال البر والعجب بطاعة الله معصيتان من معاصى القلوب وخصلتان رديئتان يجب على المكلف أن يجتنبهما ويكون مخلصا فى عبادته لله تعالى حتى ينال الثواب.

 

الدرس الثانى

الصبر والرضا عن الله

   قال الله تعالى ﴿استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين﴾ الصبر من الواجبات القلبية وهو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه. والصبر ثلاثة أنواع  (1) الصبر على أداء ما أوجب الله. (2) والصبر عما حرم الله. (3) والصبر على المصائب.

   الصبر على أداء ما أوجب الله أى قهر النفس على أداء الواجبات الدينية التى فرضها الله كإقامة الصلاة فى وقتها وصيام شهر رمضان وحضور مجالس العلم لتعلم ما فرض الله تعلمه من علم الدين وغير ذلك من الواجبات. الصبر عما حرم الله أى كف النفس عن ارتكاب ما حرم الله وهذا يحتاج إلى مجاهدة كبيرة لمنع النفس وكبحها عن ارتكاب المحرمات كترك الصلاة وشرب الخمر والسرقة وغير ذلك. الصبر على المصائب أى على ما يزعج النفس من ألم أو أذى أو ضيق معيشة أو حزن يلحق الإنسان بسبب مصيبة لأن الدنيا دار بلاء واختبار ودار عمل والآخرة دار حساب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يقول إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه أى عينيه فصبر عوضته منهما الجنة» رواه البخارى. الرضا عن الله بمعنى التسليم له: يجب على المكلف أن لا يعترض على الله تعالى وأن يرضى بقضائه وقدره والرضا عن الله من الواجبات القلبية ومعناه التسليم له تبارك وتعالى فإن كثيرا من الناس يقعون فى المعاصى بتركهم الصبر على المصائب. فينبغى على المسلم أن يتحلى بالصبر ويعود نفسه عليه ويسلم أمره لله ويتوكل عليه فى أموره كلها.

 

الدرس الثالث

محبة الله ورسوله

   المحبة والبغض من أعمال القلوب فيجب على المكلف أن يستعملهما فى موافقة شرع الله تعالى فيحب الله تعالى وما يوافق شرعه ويبغض الشيطان وما يوسوس به من معاص. (1) محبة الله ورسوله: يجب على المكلف محبة الله تعالى ومحبة كلامه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك باتباع أوامر الشرع واجتناب نواهيه قال الله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ وهذا نابع من الإيـمان بالله تعالى وبما أنزل وبتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عنه. أما الشك فى الله تبارك وتعالى أو فى كلامه أو فى رسوله صلى الله عليه وسلم فهو من معاصى القلب وهو كفر مخرج من ملة الإسلام. (2) محبة الصحابة والآل والصالحين: من الواجبات القلبية محبة الصحابة والآل والصالحين، وعدم محبتهم من معاصى القلوب وشتمهم وسبهم من معاصى اللسان بل سب الصحابة جملة كفر. الصحابة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصار دين الله تعالى ولا سيما السابقين الأولين منهم من المهاجرين والأنصار، وهم أى الصحابة من لقوه فى حياته صلى الله عليه وسلم مع الإيـمان به سواء طالت صحبتهم له أو لم تطل وماتوا على ذلك أى على الإيـمان به. الآل يطلق على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم مثل خديجة وعائشة وأقربائه المؤمنين مثل حمزة والعباس وعلى والحسن والحسين وأمهما فاطمة رضى الله عنهم أجمعين فمحبتهم واجبة لما خصوا به من الفضل أما إن أريد بالآل مطلق أتباع النبى الأتقياء فتجب محبتهم لأنهم أحباب الله تبارك وتعالى بما لهم من القرب إليه بطاعته الكاملة. الصالحون هم الأتقياء الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات ومنهم العلماء العاملون وكل ولى صالح. (3) بغض الشيطان والمعاصى: كذلك من أعمال القلوب الواجبة بغض الشيطان والمعاصى والندم عليها.

 

الدرس الرابع

التكبر والحقد والحسد

   التكبر والحقد والحسد من معاصى القلب وهى صفات مذمومة تخفى على كثير من الناس لعدم تعلمهم ما هى وكيف يتجنبونها. (1) التكبر هو رد الحق على قائله واستحقار الناس قال النبى صلى الله عليه وسلم «الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه مسلم، ومعنى بطر الحق دفعه ورده على قائله ومعنى غمط الناس احتقارهم. ويفهم من هذا الحديث أن التكبر هو رد الحق على قائله مع العلم بأن الصواب مع القائل إما لكونه صغيرا أو فقيرا أو تلميذا أو ضعيفا، واستحقار الناس أى ازدراؤهم كأن يتكبر على الفقير وينظر إليه نظر احتقار أو يعرض عنه أو يترفع عليه فى الخطاب. (2) الحقد هو إضمار العداوة للمسلم مع العمل بمقتضى ذلك وعدم استشعار الكراهية لهذا العمل قال النبى صلى الله عليه وسلم «من أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس بما يحب أن يؤتى إليه» رواه ابن حبان والبيهقى. (3) الحسد هو أن يكره الشخص النعمة التى أنعم الله بها على المسلم دينية كانت أو دنيوية وتمنى زوالها واستثقالها له وإنما يكون معصية إذا عمل بمقتضاه فإن كرهه ولم يعمل بمقتضاه لم يكن عليه ذنب. ومعنى عمل بمقتضاه كأن يسرق ماله حسدا أو يخرب سيارته حسدا.

 

الدرس الخامس

الغيبة والبهتان والنميمة

   قال الله تعالى ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾. فى هذه الآية بيان أن كل ما يتلفظ به الإنسان سواء كان خيرا أو شرا يكتبه ملكان أحدهما رقيب والآخر عتيد، والإنسان العاقل ينبغى أن يحفظ لسانه عن كل ما هو شر ومن هذا الشر الغيبة والبهتان والنميمة وهى من معاصى اللسان ومن الخصال المذمومة. ثبت أن أحد الصحابة خاطب لسانه وقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه» رواه الطبرانى. (1) الغيبة هى ذكر المسلم بما فيه مما يكره فى غيبته فلو كان شخص مسلم قصير القامة فقال عنه شخص فى غيبته «فلان قصير» وكان يكره أن يقال عنه ذلك فإن ذلك من الغيبة المحرمة التى نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾. (2) البهتان هو ذكر المسلم بما ليس فيه مما يكرهه وإثمه أشد من إثم الغيبة لأنه يتضمن الكذب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا بعض الصحابة «أتدرون ما الغيبة» قالوا الله ورسوله أعلم قال «ذكرك أخاك بما يكره» قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول قال «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» رواه مسلم، ومن استمع للغيبة المحرمة فقد وقع فى معصية من معاصى الأذن وعليه النهى عن ذلك. (3) النميمة هى نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم كنقل الكلام للتفريق بين اثنين متحابين للإفساد والقطيعة أو العداوة بينهما قال الله تبارك وتعالى ﴿هماز مشاء بنميم﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة قتات» رواه البخارى، والقتات هو النمام أى لا يدخل الجنة مع الأولين بل بعد أن ينال العذاب الذى يستحق فى نار جهنم إن لم يعف الله عنه.

 

الدرس السادس

الكذب

   الكذب من معاصى اللسان وهو الإخبار بالشىء على خلاف الواقع عمدا أى مع العلم بأن خبره هذا على خلاف الواقع وهو حرام سواء كان على وجه الجد أو على وجه المزح فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم «لا يصلح الكذب فى جد ولا فى هزل» رواه البيهقى وقال صلى الله عليه وسلم «إياك والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» رواه ابن ماجه. ويدخل تحت الكذب أشياء كثيرة من معاصى اللسان منها اليمين الكاذبة وشهادة الزور والكذب على الله ورسوله. (1) اليمين الكاذبة: اليمين الكاذبة من كبائر الذنوب كأن يحلف إنسان بالله تبارك وتعالى بخلاف الواقع فيقول «والله فعلت كذا» وهو لم يفعل أو يقول «والله لم أفعل هذا الشىء» وهو قد فعله فهذا من التهاون فى تعظيم الله تعالى. (2) شهادة الزور: معنى الزور الكذب وشهادة الزور من أكبر الكبائر كأن يشهد شخص عند القاضى أن فلانا سرق وهو يكذب قال النبى صلى الله عليه وسلم «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» رواه البيهقى أى شبهت بالإشراك من عظم الذنب الناتج عنها وليس المراد أن فاعلها يخرج من دين الإسلام ولكنه مذنب ذنبا كبيرا. (3) الكذب على الله وعلى رسوله وهو من كبائر الذنوب قال الله تعالى ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة﴾ والكذب على الله كأن يقول شخص «خلق الله فى جهة كذا جبلا من ذهب» وهو يكون غير موجود فهو خلاف الواقع مع العلم أن الله قادر على أن يخلقه. ومن الكذب على الله ما يكون كفرا كمن يقول إن الله جالس على العرش أو ساكن فى جهة من الجهات أو من يقول إن الله حال فى كل شىء فهذا كفر وكذلك من ينسب إلى الله تحليل ما حرمه فى شرعه أو تحريم ما أحله فى شرعه مع العلم به. أما الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كأن ينسب كاذبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما لم يقله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن كذبا على ليس ككذب على أحد فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» رواه مسلم.

 

الدرس السابع

فضل العلم والعمل به

   قال النبى صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه البيهقى. العلم والتفقه فى الدين هو أسنى ما تنفق فيه نفائس الأوقات لأن الطريق السليم لوقاية النفس والأهل من عذاب النار يكون بتعلم الأمور الدينية أى تعلم ما فرض الله علينا تعلمه واجتناب ما فرض الله علينا اجتنابه. قال الله تبارك وتعالى ﴿يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ وقال النبى صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين» رواه البخارى.

   العلم والأخلاق الفاضلة: لا يكون العبد صالحا إلا بالعلم مع العمل أى بأن يتعلم أمور الدين ويطبق ما تعلمه على نفسه فمن تعلم وعمل بما تعلم فهو الشخص الذى يعرف كيف يصرف قلبه وجوارحه فى طاعة الله وبذلك يصل المسلم إلى الأخلاق الفاضلة فهو يستعمل سمعه فى تلقى العلم ويستعمل لسانه فى مذاكرته وكذلك فى تبليغ ما تعلمه فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم «بلغوا عنى ولو ءاية» رواه البخارى.

   تجنب معاصى اللسان: ومن جملة ما ينبغى على المتعلم تجنبه معاصى اللسان ومنها الفتوى بغير علم وكتم العلم الواجب مع وجود الطالب والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع الاستطاعة.

   (1) الفتوى بغير علم: وهو أن يقول الشخص فى أمور الدين برأيه وهذا حرام يوقع صاحبه فى المهالك كأن يقول عن شىء يجوز فعله أو لا يجوز وهو لا يعلم حكمه فى الشرع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفتى بغير علم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» رواه السيوطى. (2) كتم العلم الواجب مع وجود الطالب: من معاصى اللسان كتم العلم الواجب كتعليم فرض العين للشخص المحتاج إليه مع وجوده قال النبى صلى الله عليه وسلم «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» رواه ابن ماجه والحاكم وابن حبان. (3) السكوت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: ويكون معصية من معاصى اللسان مع الاستطاعة أى إن كان مستطيعا فإذا رأى شخصا يترك الصلاة وهو يقبل النصيحة وجب أمره بالمعروف أى بأداء الصلاة.

 

الدرس الثامن

الألعاب المحرمة

   من معاصى اليد اللعب بالألعاب التى حرمها الشرع وهى كثيرة منها النرد والشدة لأنها تعتمد على الحزر والتخمين لا على الفكر والحساب وتصوير ذى روح والقمار. والألعاب المحرمة بعضها يؤدى للتخاصم والفتن بين الناس وينتج عنها شرور كثيرة. (1) النرد: ويسمى أيضا النردشير وهو نسبة لملك من ملوك الفرس لأنه أول من وضع له قال عليه الصلاة والسلام «من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده فى لحم خنزير ودمه» رواه أبو داود وابن ماجه. (2) والشدة: وتقاس على النرد لأن كل لعبة كان الاعتماد فى لعبها على الحزر والتخمين لا على الفكر والحساب فهى حرام مثل اللعب بالأوراق المعروفة بالشدة. وكذلك الدومينو والبرجيس لأنها ألعاب ليس العمل فيها إلا على الحزر والتخمين وهذه الألعاب إن كانت بعوض أى على مال يدفعه الخاسر فى اللعب فهو قمار حرام من كبائر الذنوب. أما الشطرنج فإنه ليس فى معنى اللعب بالنرد لأن العمدة فيه على الفكر والحساب قبل النقل وما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذمه غير ثابت إذ هو موضوع لصحة الفكر وصواب التدبير ونظام السياسة وهو معين على تدبير الحروب والحساب. (3) وتصوير ذى روح. ومن معاصى اليد تصوير ذى روح سواء كان مجسما أو منقوشا فى سقف أو جدار أو مصورا فى ورق أو منسوجا فى ثوب أو غير ذلك ويستثنى من ذلك لعب البنات الصغار ويشترط لتحريم استبقاء الصورة أن تكون الصورة بهيئة يعيش عليها الحيوان.

 

الدرس التاسع

عقوق الوالدين

   عقوق الوالدين من الكبائر التى توعد الله فاعلها بالعذاب الشديد فى النار ومعنى العقوق أن يؤذى والديه أو أحدهما أذى ليس بهين وإيذاء الوالدين سواء كان أذى شديدا أو خفيفا حرام. ومن الأمثلة على العقوق شتم الأم أو الأب أو ضرب الأم أو الأب أو إهانتهما أو أحدهما. ومن جملة العقوق إذا أطاع الولد أمه على ظلم أبيه أو أطاع أباه على ظلم أمه ولا ينفعه عند الله تعالى إن أطاع أمه وظلم أباه لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق فنصرة أحد الأبوين فى ظلم الآخر حرام. قال الله تعالى ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا﴾. ومعنى قوله تعالى ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾ أى أمر الله أن لا يعبد سواه وببر الوالدين، ومعنى قوله تعالى ﴿وقل لهما قولا كريما﴾ أى قولا لينا لطيفا فالله سبحانه وتعالى نهى عن أن يقال لهما أف وهذا من الكبائر وأمر سبحانه وتعالى أن يقال لهما القول الكريم أى اللين لا سيما عند الكبر وأن نخفض لهما الجناح بأن نكلمهما بأدب واحترام.

   عذاب العاق لوالديه: إن عذاب عقوق الوالدين عند الله تعالى عظيم حيث إن عاقهما لا يدخل الجنة مع المسلمين الأولين بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين إن لم يعف الله عنه وذلك لأن هذا الذنب هو من كبائر الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة عاق» رواه البخارى ومسلم، أى لا يدخلها مع الأولين وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة.

   ءايات قرءانية فى الحث على بر الوالدين:  قال الله تعالى ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير﴾ وقال الله تعالى ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا﴾.

   فاعلم أن المرء مهما كان مواظبا على أداء الصلوات الخمس والصيام ونحو ذلك من الفرائض إذا كان عاقا لوالديه يؤذيهما أذى شديدا بالقول أو الفعل فإنه لا يكون عند الله من المتقين الصالحين. فاحرص على بر الوالدين وإياك والعقوق فإنك إما أن تموت قبلهما أو يموتا قبلك فلا تفوت هذا الفضل العظيم بر الوالدين.

 

الدرس العاشر

قطيعة الرحم

   قطيعة الرحم هى من معاصى البدن وهى من الكبائر وتحصل بإيحاش قلوب الأرحام وتنفيرها إما بترك الإحسان بالمال فى حال الحاجة النازلة بهم أو ترك الزيارة بلا عذر كأن يفقد ما كان يصلهم به من المال أو يجده لكنه يحتاجه لما هو أولى بصرفه فيه منهم. قال الله تعالى ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾ وقال النبى صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة قاطع» رواه البخارى، ومعنى قاطع أى قاطع رحم فهو لا يدخل الجنة مع الأولين بل يدخلها بعد عذاب إن لم يعف الله عنه.

   صلة الرحم: والمراد بالرحم الأقارب كالخالات والعمات وأولادهن والأخوال والأعمام وأولادهم، سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما النجاة يا رسول الله قال «تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك» رواه الترمذى. فهذه الخصال الثلاث العظيمة كانت من أوصاف الرسول وأخلاقه والتى منها وصل من قطع أى أن للرحم حق الصلة فلا يجوز للمرء أن يقطع من تجب عليه صلته من الأقارب بحيث يشعر بالجفاء ولو قطع هذا القريب زيارته.

   الصلة الكاملة للرحم: والصلة الكاملة للرحم هو أن يصل المرء من قطعه من الرحم فلا يقول هذا رحمى لا يزورنى فلا أزوره لا يجوز أن يقابل القطيعة بالقطيعة بل يجب عليه أن يقابل القطيعة بالصلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من وصل رحمه إذا قطعت» رواه مسلم، ففى هذا الحديث إيذان بأن صلة الرجل رحمه التى لا تصله أفضل من صلته رحمه التى تصله لأن ذلك من حسن الخلق الذى حض الشرع عليه حضا بالغا.

 

الدرس الحادى عشر

احترام المؤمن

   خلق الله الإنسان فى أحسن تقويم وسخر له ما فى السموات وما فى الأرض جميعا وجعل له عقلا ولسانا وشفتين وعينين وأذنين ليستعمل هذه الأدوات فيما يرضى الله تعالى، خلقه ليقوم بعبادته وليستعمل جوارحه فى طاعته. قال الله تعالى ﴿وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير﴾.  وجعل الله للمؤمن ميزة على غيره لأنه أدى أعظم حق من حقوق الله وهو توحيده تعالى وترك الإشراك به شيئا. فالإنسان المؤمن له حرمة عظيمة عند الله تعالى وقد حث الشرع على احترامه وعدم تحقيره وجعل إيذاءه معصية يعاقب عليها فإذا اغتابه شخص ولا عذر له ارتكب معصية من معاصى اللسان، ولو ضربه بغير حق ارتكب معصية من معاصى اليدين وهكذا.

   بعض أبواب المعاصى التى يجب تجنبها: من معاصى القلب التكبر والحقد والحسد. من معاصى العين النظر إلى المؤمن بالاستحقار والازدراء. من معاصي اللسان الاستهزاء بالمؤمن أى التحقير له وكذلك كل كلام يؤذى المؤمن والضحك عليه استحقارا له بما فيه من الإيذاء قال صلى الله عليه وسلم «بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه» رواه مسلم. من معاصى اليدين ضرب المؤمن بغير حق ومثل الضرب ترويع المؤمن والإشارة إليه بنحو سلاح قال صلى الله عليه وسلم «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» رواه ابن حبان. من معاصى الرجلين السعاية بالمؤمن والوشاية به لإيذائه عند الظلمة. من معاصى البدن محاكاة المؤمن استهزاء به إن كان ذلك بالقول أو الفعل أو الإشارة قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم﴾ وقد تكون المحاكاة بالضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط أو على صنعته وقبح صورته. فينبغى على المؤمن أن يحب أخاه المؤمن وأن يعطف عليه ويعينه. قال النبى صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه البخارى ومسلم.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://www.youtube.com/watch?v=Nim1m2bStrs&t=49s

 

للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/thaqafah-5-3

 

 الموقع الرسمي للشيخ جيل صادق: https://shaykhgillessadek.com/