1013- ثم أتى الرجال فوجا فوجا |
| صلوا فرادى ومضوا خروجا |
ولما غسل رسول الله ﷺ وكفن وضع على سرير يوم الثلاثاء (ثم أتى الرجال) فدخلوا عليه ﷺ (فوجا فوجا) أي جماعة تلو جماعة، فـ(ـصلوا) عليه ﷺ صلاة الجنازة (فرادى) لا يأتمون بإمام، يدخلون من باب (و)يصلون عليه ﷺ أفذاذا، فإذا فرغوا (مضوا خروجا) من باب غير الباب الذي دخلوا منه، كذلك روي عند الإمام أحمد. أما تعليل صلاتهم عليه ﷺ فرادى بلا إمام يؤمهم فقد قال فيه الإمام الشافعي رضي الله عنه([1]): «وذلك لعظم أمر رسول الله ﷺ وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد، وصلوا عليه مرة بعد مرة»، وقيل: إنه كان ءاخر العهد برسول الله ﷺ، فأراد كل واحد منهم أن يأخذ البركة بالصلاة عليه مختصا به دون أن يكون فيها تابعا لغيره([2]).
(ثم) دخل (النساء بعدهم) أي بعد فراغ الرجال من الصلاة على النبي ﷺ، فصلت النسوة عليه ﷺ صلاة الجنازة فرادى كذلك (فـ)ـبعدهن دخل (الصبية) ثم العبيد.
(و)جاء (في حديث) رواه البيهقي([3]) بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه (و)لكن (به) أي في الحديث المروي ضعف سببه (جهالة) في حال أحد رواته، ومتن هذا الحديث أنه (صلى) صلاة الجنازة (عليه) ﷺ (أولا) الملائكة سابقين على الإنس والجن، فصلى عليه (جبريل) عليه السلام (ثمت) أي بعده صلى عليه ﷺ (ميكال) لغة في ميكائيل عليه السلام وهو ملك القطر وأحد رؤساء الملائكة، (فـ)ـبعد ميكال صلى عليه ﷺ (إسرافيل) عليه السلام وهو الملك الموكل بالنفخ في الصور وأحد رؤساء الملائكة أيضا (ثم يليهم) أي بعد الثلاثة المذكورين من الملائكة صلى عليه ﷺ (ملك الموت) عزرائيل وكان (معه) في الصلاة على رسول الله ﷺ (جنوده) أي أعوانه وهم (الملائك المجتمعة) تحت إمرة عزرائيل عليه السلام.
وهذا الحديث الذي رواه البيهقي تفرد به سلام بن سليمان الـمدائني([4]) وهو حديث طويل مرفوع جاء فيه: «غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني وحنطتموني([5]) وكفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي خليلاي وجليساي جبريل وميكائيل، وإسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة» الحديث.
وهل صلى عليه الـمسلمون صلاة الجنازة أو لا، قولان، والثابت أنهم صلوا عليه ﷺ صلاة الجنازة المعهودة إلا أنهم كانوا أفذاذا غير مؤتمين بإمام([6])، (وقيل) إن الصحابة (ما صلوا عليه) ﷺ صلاة الجنازة (بل عدوا) له بما يليق بحاله الرفيع ﷺ (وانصرفوا) بعد ذلك، وتعليل هذا القول أن الصذلاة شفاعة للميت، وهو ﷺ صلاة الجنازة (بل دعوا) له بما يليق بحاله الرفيع ﷺ (وانصرفوا) بعد ذلك، وتعليل هذا القول أن الصلاة شفاعة للميت، وهو ﷺ صاحب أعلى الـمنازل في الآخرة، سيد الأولين والآخرين، غني عن أن يشفع له أحد بل هو ﷺ صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، (وذا) أي القول بأنه لم يصل عليه ﷺ (ضعيف) مردود بالأحاديث الكثيرة الثابتة الشاهدة لقيام الـمسلمين بالصلاة على النبي ﷺ صلاة الجنازة، كذا نقله الشيخ الصالحي عن الحافظ النووي والقاضي عياض([7]).
ولم يضبط عند أهل السير عدد الأفواج التي دخلت للصلاة عليه ﷺ، (و)لكن البعض (رووا عن) الإمام (مالك) ابن أنس رضي الله عنه (أن) بتخفيف الثقيلة (عدد) ما أقيم من (الصلاة) عليه ﷺ (تسعون) مرة (واثنان من المرات) أي مرات الصلوات (وليس) هـ(ـذا) النقل (متصل الإسناد) بل في إسناده انقطاع (عن) الإمام (مالك) وهذا الانقطاع معلوم (في كتب النقاد) مردود عندهم، هذا الـمروي عن مالك هو الذي نقل فيه الشيخ الصالحي([8]) عن صاحب كتاب «المورد» قوله: «نقلت من خط شيخنا الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن عثمان المعروف بالضياء الرازي قال: قال سحنون بن سعيد: سألت جميع من لقيت من فقهاء الأمصار من أهل الـمغرب والـمشرق عن الصلاة على النبي ﷺ بعد وفاته: هل صلوا عليه وكم كبر عليه؟ فكل لم يدر حتى قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن الماجشون فسألته فقال: صلي عليه اثنان وتسعون صلاة، وكذلك صلي على عمه حمزة، قال: قلت: من أين لك هذا دون الناس؟ قال: وجدتها في الصندوق التي تركها مالك وفيه عميقات الـمسائل ومشكلات الأحاديث بخطه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما».
([1]) الأم، محمد بن إدريس الشافعي، (1/314).
([2]) جامع الآثار، ابن ناصر الدين الدمشقي، (2/882).
([3]) دلائل النبوة، أبو بكر البيهقي، (7/232).
([4]) ضبطه العسقلاني في «التقريب» (ص261) بتشديد اللام من سلام وقال إنه متروك الحديث.
([5]) بإسكان النون أي استعملتم الحنوط في بدني وكفني، والحنوط عطر مركب من أنواع من الطيب، قال في «القاموس» (ص663): «حنطه يحنطه وأحنطه فتحنط».
([6]) الأم، محمد بن إدريس الشافعي، (1/314).