الإثنين ديسمبر 8, 2025

5. قال تعالى: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147].

الشرح: قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير نصه([1]): «أما قوله {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} فيه مسألتان: المسألة الأولى: في ما اختلفوا فيه على أقوال أحدها: فلا تكونن من الممترين في أن الذين تقدم ذكرهم علموا صحة نبوتك وإن بعضهم عاند وكتم قاله الحسن، وثانيها: بل يرجع إلى أمر القبلة، وثالثها: إلى صحة نبوته وشرعه وهذا هو الأقرب لأن أقرب المذكورات إليه قوله: {الْحقُّ من رَّبِّكَ} فإذا كان ظاهره يقتضي النبوة وما تشمل عليه من قرءان ووحي وشريعة فقوله: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين} وجب أن يكون راجعًا إليه.

المسألة الثانية: أنه تعالى وإن نهاه عن الامتراء فلا يدل ذلك على أنه كان شاكًّا فيه». اهـ.

قال الخازن في تفسيره ما نصه([2]): «{الْحَقُّ} أي الذين يكتمونه هو الحق {مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الشاكين في أن الذين تقدم ذكرهم علموا صحة نبوتك وقيل يرجع إلى أمر القبلة والمعنى أن بعضهم عاند وكتم الحق فلا تشك في ذلك فإن قلت: النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتر ولم شك فما معنى هذا النهي؟ قلت: هذا الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن المراد غيره والمعنى فلا تشكوا أنتم أيها المؤمنون». اهـ.

وذكره القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرءان ما نصه([3]): «قوله تعالى: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} يعني استقبال الكعبة لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ الحق منصوبًا بـ(سيعلمون) أي يعلمون الحق ويصح نصبه على تقدير الزم الحق والرفع على الابتداء أو على إضمار مبتدأ والتقدير هو الحق أو على إضمار مبتدأ والتقدير هو الحق أو على إضمار فعل أي جاءك الحق، قال النحاس: فأما الذي في سورة الأنبياء {ألْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ} فلا نعلم أحدًا قرأها إلا منصوبًا، والفرق بينهما أن الذي في سورة البقرة مبتدأ آية والذي في سورة الأنبياء ليس كذلك.

قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الشاكين، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته يقال امترى فلان في كذا إذا اعترضه اليقين مرة واشك أخرى فدافع إحداهما بالأخرى، ومنه المراء لأن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه والامتراء في الشيء الشك فيه وكذا التماري. وأنشد الطبري شاهدًا على أن الممترين الشاكون قول الأعشى:

تدُّر على أسْق الممتريـ

 

ـن ركضًا إذا ما السراب ارجحن

 قال ابن عطية: ووهم في هذا، لأن أبا عبيدة وغيره قال: الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزًا لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها وليس في البيت معنى الشك كما قال الطبري.

قلت: معنى الشك فيه موجود لأنه يحتمل أن يختبر الفرس صاحبه هل هو على ما عهد منه من الجري أم لا؟ لئلا يكون أصابه شيء أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جريه. قال الجوهري: ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غير. والاسم المرية بالكسر وقد تضم» اهـ.

([1]) التفسير الكبير للرازي (الجزء الرابع ص128، 129).

([2]) تفسير الخازن (الجزء الأول ص94، 95).

([3]) الجامع لأحكام القرءان (الجزء الثاني ص163، 164).