الإثنين ديسمبر 8, 2025

6. قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} [البقرة: 186].

الشرح: ذكر الخازن في تفسيره ما نصه([1]): «معناه قريب بالعلم والحفظ لا يخفى عليه شيء، وفيه إشارة إلى سهولة إجابته لمن دعاه وإنجاح حاجة من سأله إذا توفرت شروط الدعاء، وقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} أي أسمع دعاء عبدي الداعي إذا دعاني، وقيل: الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله تعالى كقول العبد: «يا الله لا إلٰــه إلا أنت» فقولك: «يا الله» فيه دعاء وقولك: «لا إلٰــه إلا أنت» فيه توحيد وثناء على الله تعالى، فسمى هذا دعاء بهذا الاعتبار وسمى قبوله إجابة لتجانس اللفظ وفيه إشارة إلى أن العبد يعلم أن له ربًّا ومدبرًا يسمع دعاءه إذا دعاه ولا يخيب رجاء من رجاه وذلك ظاهر فإن العبد إذا دعا وهو يعلم أن له ربًّا بإخلاص وتضرع أجاب الله دعوته، فإن قلت إنا نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب له فما وجه قوله أجيب دعوة الداعي، وقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} قلت ذكر العلماء فيه أجوبة: أحدها: أن هذه الآية مطلقة وقد وردت آية أخرى مقيدة وهي قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء}، والمطلق يحمل على المقيد وثانيهما: أن معنى الدعاء هنا هو الطاعة ومعنى الإجابة هو الثواب وذلك في الآخرة، وثالثها: أن معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عامًا فيكون معناه أجيب دعوة الداعي إذا وافق القضاء أو أجيبه إن كانت الإجابة خيرًا له أو أجيبه إذا لم يسأل إثمًا أو محالًا ورابعها: إن معناها عام أي أسمع وهو معنى الإجابة المذكورة في الآية، وأما إعطاء الأمنية فليس بمذكور، فالإجابة حاصلة عند وجود الدعوة وقد يجيب السيد عبده ولا يعطيه سؤله، وخامسها: أن للدعاء آداب وشرائط وهي أسباب الإجابة فمن استكملها وأتى بها كان من أهل الإجابة ومن أخطأها كان من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الجواب والله أعلم». اهـ.

وذكر النسفي في تفسيره مدارك التنزيل وحقائق التأويل مطبوع في حاشيته على تفسير الخازن ما نصه([2]): «علمًا وإجابة لتعاليه عن القرب مكانًا». اهـ.

وأفرد ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير([3]) فصلًا في الدعاء فقال ما نصه: «إن قال قائل هه الآية تدل على أن الله تعالى يجيب أدعية الداعين وترى كثيرًا من الداعين لا يستجاب لهم. فالجواب: أن أبا سعيد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يعجل دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»([4]). اهـ.

وجواب آخر: وهو أن الدعاء تفتقر إجابته إلى شروط أصلها الطاعة لله ومنها أكل الحلال فإن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء ومنها حضور القلب ففي بعض الحديث «لا يقبل الله دعاءً من قلب غافل لاهٍ»([5]).

وجواب آخر: وهو أن الداعي قد يعتقد المصلحة في إجابته إلى ما سأل وقد لا تكون المصلحة في ذلك فيجاب إلى مقصوده الأصلي وهو طلب المصلحة وقد تكون المصلحة في التأخير أو في المنع.

وللفخر الرازي في تفسيره الكبير كلام جميل في تفسير الآية فقال: المسألة الأولى: اعلم أنه ليس المراد من هذا القرب بالجهة والمكان بل المراد منه القرب بالعلم والحفظ فيحتاج ههنا إلى بيان المطلبين:

المطلب الأول: في بيان أن هذا القرب ليس قربًا بحسب المكان ويدل عليه وجوه. الأول: أنه لو كان في المكان مشارًا إليه بالحس لكان منقسمًا إذ يمتنع أن يكون في الصغر والحقارة مثل الجوهر الفرد ولو كان منقسمًا لكانت ماهيته مفتقرة في تحققها إلى تحقق كل واحد من أجزاءها المفروضة وجزء الشيء غيره فلو كان في مكان لكان مفتقرًا إلى غيره والمفتقر إلى غيره ممكن لذاته ومحدث ومفتقر إلى الخالق وذلك في حق الخالق القديم محال فثبت أنه تعالى يمتنع أن يكون في المكان فلا يكون قربه بالمكان.

والثاني: أنه لو كان في المكان لكان إما أن يكون غير متناه عن جميع الجهات أو غير متناه عن جهة دون جهة أو كان متناهيًا من كل الجوانب والأول محال لأن البراهين القاطعة دلت على أن فرض بُعْدٍ غير متناه محال. والثاني: محال أيضًا لهذا الوجه، ولأنه لو كان أحد الجانبين متناهيًا والآخر غير متناه لكانت حقيقة هذا الجانب المتناهي مخالفة في الماهية لحقيقة ذلك الجانب الذي هو غير متناه فليزم منه كونه تعالى مركبًا من أجزاء مختلفة الطبائع والخصم لا يقول بذلك. وأما القسم الثالث: وهو أن يكون متناهيًا من كل الجوانب فذلك باطل بالاتفاق بيننا وبين خصومنا فبطَل القول بأنه تعالى في الجهة.

الثالث: وهو أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أن القرب المذكور في هذه الآية ليس قريبًا بالجهة وذلك لأنه تعالى لو كان في المكان لما كان قريبًا من الكل بل كان يكون قريبًا من حملة العرش وبعيدًا من غيرهم ولكان إذا قريبًا من زيد الذي هو بالمشرق كان بعيدًا عن عمرو الذي هو في المغرب فلما دلت الآية على كونه تعالى قريبًا من الكل علمنا أن القرب المذكور في هذه الآية ليس قربًا بحسب الجهة ولم بطل أن يكون المراد منه القرب بالجهة ثبت أن المراد منه القرب بمعنى أنه تعالى يسمع دعاءهم ويرى تضرعهم أو المراد من هذا القرب العلم والحفظ». اهـ.

([1]) تفسير الخازن (الجزء الأول ص116).

([2]) تفسير الخازن (الجزء الأول ص116).

([3]) تفسير زاد المسير لابن الجوزي (الجزء الأول 189 – 190).

([4]) انظر: ص74 من الأصل.

([5]) انظر: ص74 من الأصل.