بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الشرح: قال الرازي([1]) قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} يفيد الحصر أي نكون مسلميْن لك لا لغيرك وهذا يدل على أن كمال سعادة العبد في أن يكون مسلّمًا لأحكام الله تعالى وقضائه وقدره وأن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سواه، وهذا هو المراد من قول إبراهيم عليه السلام في موضع ءاخر: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77]، ثم هاهنا قولان: أحدهما: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128]، أي موحدين مخلصيْن لا نعبد إلا إياك، والثاني: إن اعتبرناهما مع الذرية قائِمِين وأما قائميْن فمعناه قائميْن بجميع شرائع الإسلام وهُوَ الأوجه ونقل القرطبي في الجامع لأحكام القرءان قال: قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [البقرة: 128]، أي ومن ذريتنا فاجعل فيقال: إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته لهذه الأمة. {وَمِن} في قوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا} للتبعيض، لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين أي كافرين، وحكى الطبري([2]): أنه أراد بقوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا} العرب خاصة. قال السهيلي: وذريتهما العرب.
([1]) مختار الصحاح، الرازي، مادة ج س م. (ص127). محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي زين الدين، صاحب «مختار الصحاح» في اللغة، فرغ من تأليفه أول رمضان سنة 660هـ وهو من فقهاء الحنفية، وله علم بالتفسير والأدب، أصله من الري. زار مصر والشام، وكان في قونية سنة 666هـ وهو آخر العهد به. ومن كتبه «شرح المقامات الحريرية» و«حدائق الحقائق». الأعلام، الزركلي، 6/55.
([2]) ابن جرير الطبريّ، محمد بن جرير بن يزيد الطبري (ت310هـ) أبو جعفر، المؤرخ المفسر الإمام، وهو من ثقات المؤرخين، قال ابن الأثير: «أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ». اهـ. وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق، وكان مجتهدًا في أحكام الدين لا يقلد أحدًا بل قلّده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. له: «أخبار الرسل والملوك» يعرف بتاريخ الطبري، و«جامع البيان في تفسير القرءان» يعرف بتفسير الطبري، و«اختلاف الفقهاء. الأعلام، الزركلي، 6/96.