#2
قال الإمام أبو جعفر أحـمد بن سلامة الطحاوى المصرى
(ولا نـخوض فـى اللـه) أى لا نفكر فـى ذات اللـه لأن الـتفكر فـى ذات اللـه يؤدى إلـى تشبيه اللـه بـخلقه ومن شبه اللـه بـخلقه كفر فقد روى الـبيهقى فـى الأسـماء والصفات عن ابن عباس رضى اللـه عنهما بإسناد صحيح أنه قال تفكروا فـى كل شىء ولا تفكروا فـى ذات اللـه أى أمرنـا بالـتفكر فـى مـخلوقات اللـه للوصول إلـى معرفة الدليل على وجود اللـه وقدرته وأنه لا يشبه شيئا ونـهينا عن الـتفكر فـى ذات اللـه للوصول إلـى حقيقته أى نـهينا عن إعمال الفكر لـتخيله. وذات اللـه أى حقيقته الذى ليس حجما كثيفا كالإنسان والـحجر ولا حجما لطيفا كالـنور والـهواء. وليس من الـتفكر فـى ذات اللـه والـخوض فيه تنزيه اللـه عن مشابـهة خلقه (ولا نـمارى) أى لا نـجادل (فـى دين اللـه) جدالا نـهى اللـه عنه وهو الـجدال لغـيـر إحقاق الـحق أو لإبطال الـباطل (ولا نـجادل فـى القرءان) أى لا نـجادل فـى ثبوت ما جاء فـى القرءان بل نقبله ونعـتـقد أنه حق سواء علمنا الـحكمة منه أم لـم نعلم (ونشهد أنه) أى القرءان (كلام رب العالميـن) ليس من جنس كلام المخلوقيـن ليس حرفا ولا صوتـا ولا لغة لا يبتدأ ولا يـختتم قال اللـه تعالـى ﴿قل لو كان الـبحر مدادا لكلمات ربـى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربـى ولو جئنا بـمثله مددا﴾ والمراد بكلمات ربـى كلام اللـه الأزلـى الأبدى الذى لا ينفد وجـمع اللـفظ للتعظيم. ونشهد أن القرءان بـمعـنـى اللـفظ المنزل (نزل به الروح الأميـن) وهو جبريل عليه السلام (فعلمه سيد المرسليـن مـحمدا ﷺ وهو كلام اللـه تعالـى) ليس من تأليف أحد من المخلوقيـن و(لا يساويه شىء من كلام المخلوقيـن) أى لا يشابـهه ولا يعادله شىء من كلام الـخلق (ولا نقول بـخلقه) أى لا نقول لـفظا القرءان مـخلوق إلا لـحاجة الـتعليم لأن هذا اللـفظ عند الإطلاق ينصرف إلـى كلام اللـه الذى هو صفة اللـه الأزلـية فيوهم أن الكلام الأزلـى مـخلوق (ولا نـخالف جـماعة المسلميـن) أى لا نـخالف إجـماع المجتهدين لأنـهم لا يـجمعون على باطل كما قال تعالـى ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيـن له الـهدى ويتبع غـيـر سبيل المؤمنيـن نوله ما تولـى ونصله جهنم وساءت مصيـرا﴾ وكما ثبت عن أبـى مسعود الـبدرى رضى اللـه عنه لا يـجمع اللـه أمة مـحمد على ضلالة رواه الـحافظ بن حجر فـى أمالـيه. ولا يـخفى أن عوام المسلميـن مأمورون باتـباع المجتهدين فيقتضى ذلك أن يكون إجـماع المجتهدين هو سبيل المؤمنيـن.
(ولا نكـفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لـم يستحله) والمراد بأهل القبلة المؤمنون فمن كان على الإيـمان لا يـجوز تكفيـره بذنب إلا إذا استحله وكان ذلك الذنب معلوما من الدين بالضرورة (ولا نقول) كما تقول المرجئة (لا يضر مع الإيـمان ذنب لمن عمله) ومرادهم أن العبد المؤمن مهما عمل من الكبائر ومات بلا توبة لـيس عليه عذاب وهذا ضلال وكفر لأن المؤمن ينضر بالمعاصى التـى يرتكـبها بدليل قوله تعالـى ﴿إن الذين يـأكلون أموال الـيتامى ظلما إنـما يـأكلون فـى بطونـهم نارا وسيصلون سعيـرا﴾.
و(نرجو للمحسنيـن) أى للطائعيـن (من المؤمنيـن أن يعفو) اللـه (عـنهم ويدخلهم الـجنـة) بلا عذاب (برحـمته ولا نـأمن عليهم) من عذاب الـنار (ولا نشهد لـهم بالـجنة) أى لا نشهد من تلقاء أنفسنا أن فلانا بعينه من أهل الـجنة إلا إذا ورد الـنص أنه منهم كأهل بدر وأحد وأناس ءاخرين بشرهم الرسول ﷺ بالـجنة. ونـجزم بأن المؤمن إن كان تـقيا فإنه يدخل الـجنة بلا عذاب (ونستغفر لمسيئهم ونـخاف عليهم) أى نستغفر للمسيء من المسلميـن ونـخاف عليه أن يعذب بذنوبه إن لـم يتب منها أما من تاب منها فنقول إنه ءامن من عذاب اللـه. وقوله رحمه الله (ولا نقنطهم) أى لا نـجعل المذنبيـن من المسلميـن ءايسيـن من رحـمة اللـه بل نقول يـجوز أن يسامـحهم اللـه ويـجوز أن يعذبـهم.
(والأمن) من مكر اللـه (والإيـاس) أى الـيأس من رحـمة اللـه (ينقلان عن ملة الإسلام) أى يـخرجان الإنسان من دين اللـه. ومعـنـى الأمن من مكر اللـه عند الماتريديـة اعتقاد أن اللـه لا يعذب على المعاصى بعد ثبوت الإيـمان بالمرة وأما الـيأس من رحـمة اللـه فهو اعتقاد أن اللـه لا يغفر للمسلميـن الـتائبيـن (وسبيل الـحق بينهما لأهل القبلة) أى ينبغى أن يكون المؤمن بيـن الأمن والإيـاس لا يـأمن عذاب اللـه ولا ييأس من رحـمة اللـه أى أن يكون بـيـن الـخوف والرجاء يـخاف عقاب اللـه على ذنوبه ويرجو رحـمة اللـه كما قال تعالـى ﴿ويرجون رحـمته ويـخافون عذابه﴾.
(ولا يـخرج العبد من الإيـمان إلا بـجحود ما أدخله فيه) أى مهما فعل المؤمن من الذنوب لا يـخرج من الإيـمان إلا إذا وقع فـى الكفر أى إلا إذا حصل منه شىء فيه تكذيب للشهادتيـن (والإيـمان هو الإقرار باللسان والـتصديق بالـجنان) ولا يكون العبد مؤمنا إلا بالـجمع بـيـن الأمرين الـتصديق بالقلب والـنطق باللسان قال الـحافظ الـنووى فـى شرح مسلم من صدق بقلبه ولـم ينطق بلسانه فهو كافر مـخلد فـى الـنار بالإجـماع.
ولما ثبت أن القرءان منزل من عند اللـه (و)أن الرسول ﷺ مرسل من عند اللـه فقد ثبت أن (جـميع) ما أنزل اللـه فـى القرءان وجـميع (ما صح عن رسول اللـه ﷺ من الشرع والـبيان كله حق).
(والإيـمان) أصله (واحد) وهو الـتصديق بـما جاء به رسول اللـه ﷺ (وأهله فـى أصله سواء) وإنـما الـتفاوت فـى صفته. (والـتفاضل) فـى الإيـمان (بينهم) أى بـيـن أفراد المؤمنيـن بـحسب تفاضلهم (بالـخشية والـتقى ومـخالـفة الـهوى) أى هوى الـنفس (وملازمة الأولـى) أى سلوك مسلك الورع والإكثار من الـنوافل فالإيـمان من حيث الأصل لا يزيد ولا ينقص أما من حيث الوصف فإنه يزيد وينقص (والمؤمنون) الكاملون (كلهم أولـياء الرحـمـٰن وأكرمهم عند اللـه أطوعهم وأتبعهم للقرءان) أى أشدهم طاعة وعملا بالقرءان.
(والإيـمان هو الإيـمان باللـه وملائكته وكتبه ورسله والـيوم الآخر والقدر خيـره وشره وحلوه ومره من اللـه تعالـى) أى أن الإيـمان هو الـتصديق بوجود اللـه وأنه لا يشبه شيئا والـتصديق بـملائكته وأن اللـه تعالـى أنزل كتبا على الـنبييـن كلها حق والـتصديق برسله أى أنبيائه والـيوم الآخر والـتصديق بالقدر خيـره وشره وحلوه ومره أنه من اللـه أى يـحصل ذلك بتقدير اللـه. والقدر هنا بـمعـنـى المقدور أى ما قدره اللـه تعالـى من المخلوقات لأن تقدير اللـه حسن ليس شرا والـحلو ما يلائم الطـبع كالصحة والمر ما لا يلائم الطـبع كالمرض (ونـحن مؤمنون بذلك كله) أى نؤمن باللـه وملائكته وكتبه ورسله (لا نفرق بين أحد من رسله ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به) أى نؤمن بـجميع أنبياء اللـه ورسله ونصدقهم جـميعهم ونؤمن بالـيوم الآخر وبالقدر خـيـره وشره. وهذه الأمور الستـة هى أهم أمور الإيـمان أما القدر الذى لا بد منه لـحصول أصل الإيـمان فهو الإيـمان والـتصديق بوجود اللـه مع اعتقاد أنه لا أحد يستحق أن يعبد إلا اللـه والإيـمان برسالة سيدنـا مـحمد ﷺ أى فـى كـونه مرسلا من عند اللـه وأنه صادق فـى كل ما جاء به.
(وأهل الكبائر من أمة مـحمد ﷺ فـى الـنار لا يـخلدون إذا ماتوا وهم موحدون وإن لـم يكونوا تائبيـن بعد أن لقوا اللـه) أى ماتوا (عارفيـن) باللـه ورسوله (مؤمنيـن) به (وهم فـى مشيئته وحكمه إن شاء غفر لـهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل فـى كـتابه ﴿ويغفر ما دون ذلك﴾) أى ما دون الكـفر من الكبائر والصغائر (﴿لمن يشاء﴾) من عباده المسلمين المتجنبيـن للكـفر (وإن شاء عذبـهم فـى الـنار بعدله ثـم يـخرجهم منها برحـمته وشفاعة الشافعيـن من أهل طاعته ثـم يبعثهم إلـى جنته) أى أن من أصول عقائد أهل السنة أن العصاة من المؤمنيـن الذين ماتوا بلا توبـة وكانوا من أهل الكـبائر فإن اللـه تعالـى يعذب قسما منهم ويسامح قسما. ومن شاء عذابـهم فإنه لا بد أن يـخرج قسما منهم من الـنار بشفاعة الشافعيـن من أهل طاعته كالأنبياء والعلماء الأتقياء وقسما بدون شفاعة أحد بل بـمحض رحـمته عز وجل (وذلك بأن اللـه تعالـى تولـى) أى حفظ (أهل معرفته) المؤمنيـن به (ولـم يـجعلهم فـى الدارين كأهل نـكرته الذين خابوا) أى حرموا (من هدايته ولـم ينالوا من ولايته) أى الولايـة التـى ينالـها الشخص بسبب كونه مسلما معـناه لـم يـجعل أهل الكبائر من المؤمنيـن فـى الدنيا والآخرة كالذين ينـكرون وجوده أو يكذبون رسوله كما قال تعالـى ﴿أفنجعل المسلميـن كالمجرميـن ما لكم كيف تـحكمون﴾ (اللهم يـا ولـى الإسلام وأهله) أى يا نـاصر وحافظ دين الإسلام وأهله (ثـبـتنا على الإسلام حتـى نلقاك به) معناه ثـبـتنا على الإيـمان حتـى نـموت فإن العبـرة بـما يـختم به للعبد.
(ونرى الصلاة خلف كل بـر وفاجر من أهل القبلة) أى نعـتـقد أن الصلاة تـجوز خلف الـتقى والفاسق مع الكراهة خلف الفاسق والصلاة خلفه لا ثواب فيها (و)نعـتـقد وجوب الصلاة (على من مات منهم) أى من المسلميـن بـرهم وفاجرهم لأن الرسول ﷺ أمر أصحابه بالصلاة على بعض من أقيم عليه حد الزنـى (ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نـارا) أى لا نقول بالـتعييـن إن فلانا من أهل الـجنة ولو كان صالـحا ولا نقول عن مسلم عاص إن فلانا من أهل الـنار مهما بلغ فـى المعصية. أما من أخبـر عنه الرسول ﷺ بأنه من أهل الـجنة فنحكم له أنه من أهل الـجنة كأهل بدر والعشرة المبشرين وعـبد اللـه بن سلام ونـحكم على أبـى لـهب أنه من أهل الـنار لأن القرءان شهد عليه.
(ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لـم يظهر منهم شىء من ذلك) أى لا يـجوز أن نقول عن مسلم إنه كافر أو مشرك أو منافق إن لـم يظهر شيئا من ذلك والمشرك هو الذى يعبد غـيـر اللـه أما المنافق فهو الذى يبطن الكفر ويتظاهر بالإسلام. وقوله رحمه الله (ونذر سرائرهم إلـى اللـه تعالـى) أى نقول اللـه أعلم بـما فـى قلوبـهم لأن اللـه هو المطلع عليها دون العباد فوجب تفويض ذلك إلـيه سبحانه (ولا نرى السيف على أحد من أمة مـحمد ﷺ إلا من وجب عليه السيف) أى لا يـجوز قـتال المسلم إلا لسبب شرعى كـقتال البغاة حتـى يرجعوا إلـى طاعة الـخليفة كما قاتل علـى رضى اللـه عنه المتمردين فـى وقعة الـجمل والـخوارج الذين لـم يصلوا إلى حد الكفر فـى وقعة الـنهروان لردهم إلـى الـحق (ولا نرى الـخروج على أئمتنا وولاة أمورنـا وإن جاروا) أى يـحرم الـخروج على الـخليفة أى يـحرم منازعته ومـحاربته لـخلعه من الـخلافة وإن ظلم ما لـم يكفر لقوله ﷺ من كره من أميـره شيئا فليصبـر عليه فإنه ليس أحد من الـناس خرج من السلطان شبـرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية أى كأنه مات ميتة جاهلية أى مات ميتة سوء. شبه الرسول ﷺ من تـمرد على الـخليفة ومات على ذلك بأهل الـجاهلية فـى ميتته لعظم ذنبه. (ولا ندعو عليهم) أى لا يـجوز الدعاء على ولاة الأمور دعاء يـحرك فـتنة (ولا نــنزع يدا من طاعتهم) أى نطيعهم وإن كانوا جائرين فيما لا معصية فيه (ونرى طاعتهم من طاعة اللـه عز وجل فريضة ما لـم يـأمروا بـمعصية) أى أن الطاعة التـى أمر اللـه بـها المؤمنيـن لأولـى الأمر هى الطاعة فـى طاعة اللـه لا فـى معصيته (وندعو لـهم بالصلاح والمعافاة) أى ندعو لـهم أن يصلحهم اللـه وأن يزيل عنهم ما بـهم من الظلم والـجور بأن يتوب عليهم.
(ونتبع السنة والـجماعة) والسنة هى شريعة الـنبـى ﷺ أى ما جاء به من العقيدة والأحكام وأما الـجماعة فهم جـمهور الأمة أى معظمهم لأن الـجمهور ثبتوا على ما كان عليه الصحابـة من حيث المعـتقد وقوله رحمه الله (ونـجتنب الشذوذ والـخلاف والفرقة) أى نـجتنب مـخالفة سبيل المؤمنيـن أى ما أجـمع عليه العلماء المجتهدون وإنـما جـمع بـيـن هذه الألفاظ الثلاثة تـأكيدا لـحرمة الـخروج عن الإجـماع لقوله تعالـى ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيـن له الـهدى ويتبع غـيـر سبيل المؤمنيـن نوله ما تولـى ونصله جهنم وساءت مصيـرا﴾ (ونـحب أهل العدل والأمانـة ونبغض أهل الـجور والـخيانـة) أى نـحب أهل السنة المتمسكيـن بالعدل من ولاة الأمور ونبغض أهل الظلم والـخلاف والعصيان (ونقول اللـه أعلم فيما اشتبه علينا علمه) معـناه الشىء الذى لا نعلمه نفوض فيه العلم إلـى اللـه ولا نـتكلم بغـيـر علم لأن الفتوى بغيــر علم ذنب من الكبائر أما الشىء الذى لا يعرفه الإنسان فيسأل أهل العلم عنه ويعقد قلبه أن ما جاء به الشرع هو الصحيح (ونرى) جواز (المسح على الـخفيـن فـى السفر والـحضر كما جاء فـى الأثر) فإن حديث المسح على الـخفيـن متواتر فقد نقل ابن المنذر عن الـحسن البصرى أنه قال حدثـنا سبعون من أصحاب مـحمد أنه ﷺ مسح على الـخفيـن.
(والـحج والـجهاد ماضيان مع أولـى الأمر من المسلميـن برهم وفاجرهم إلـى قـيام الساعة لا يبطلهما شىء ولا ينقضهما) أى أنـهما يـجبان ولا يتوقف وجوبـهما وصحتهما على أمر الإمام لكن إذا أمر الإمام أى الـخليفة بالـجهاد وجب على المسلميـن طاعته أما لو أمر بقتال طائفة من المسلميـن بغـيـر حق فلا يطاع لقوله ﷺ لا طاعة لمخلوق فـى معصية الـخالق. ويطاع للحج أى يقتدى به كما فعل سيدنا عثمان رضى اللـه عنه حيـن أتـم الصلاة ولـم يقصرها فـى الـحج فـى منـى كما قال عبد اللـه بن عمر صليت مع رسول اللـه ﷺ بـمنـى ركعتيـن وأبـى بكر وعمر ومع عثمان صدرا من إمارته أى أول خلافته ثـم أتـمها أى صلاها تامة أربع ركعات.
(ونؤمن بالكـرام الكاتبيـن) وهم الملائكة الذين أمرهم اللـه تعالـى بكتابـة أعمال العباد (فإن اللـه) تعالـى (قد جعلهم علينا حافظيـن) قال تعالـى ﴿وإن عليكم لـحافظيـن كـراما كاتبيـن يعلمون ما تفعلون﴾ (ونؤمن بـملك الموت) عزرائيل عليه السلام (الموكل بقبض أرواح العالميـن) أى الإنس والـجن والملائكة كما قال تعالـى ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم﴾. وهو الذى يقبض أرواح الـبهائم ونـحوها كالطـيور.
(و)نؤمن (بعذاب القبـر لمن كان له أهلا) أى يـجب الإيـمان بعذاب القبـر لمن كان مستحقا له وهم الكفار وأهل الكبائر من المؤمنيـن لكن قسما من أهل الكبائر يعفو اللـه عنهم فلا يعذبـهم فـى القبـر. وعذاب القبـر ثابت بالقرءان والـحديث وإجـماع الأمة فمن أنكره فهو كافر مكذب للـه ورسوله ومـمن نقل الإجـماع على وجود عذاب القبـر الإمام أبو الـحسن الأشعرى فـى الإبانة والإمام الفقيه أبو جعفر الطحاوى فـى عقيدته وابن القطان فـى كـتابه الإجـماع وقال الإمام أبو منصور الـبغدادى المتوفـى سنة أربعمائة وتسع وعشرين فـى كتابه الفرق بيـن الفرق وقطعوا أى أهل السنة والـجماعة بأن المنكرين لعذاب القبـر يعذبون فـى القبـر أى لكفرهم. (ونؤمن بسؤال منكر ونكيـر فـى قبـره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول اللـه ﷺ وعن الصحابة رضوان اللـه عليهم) أى يـجب الإيـمان بسؤال الملكـيـن للميت بعد دفنه والمؤمن الكامل يفرح برؤيتهما وسؤالـهما يسألانه من ربك ومن نبيك وما دينك فيقول اللـه ربـى ومـحمد نبيـى والإسلام دينـى أما المسلم العاصى فيجيب الملـكين كما يـجيب المسلم الـتقى لكن يـخاف من منظرهـما وأما الكافر فيقول لا أدرى فتضربه الملائكة بـمطرقة من حديد بـيـن أذنيه لو ضرب بـها الـجبل لتحطم فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الـثقليـن وهم الإنس والـجن (والقبـر روضة من ريـاض الـجنة أو حفرة من حفر الـنيـران) أى هو كـروضة من ريـاض الـجنة أو كحفرة من حفر الـنار أى أن فيه نعيما أو نكدا وليس المراد أن القبـر يصيـر مثل الـجنة أو مثل الـنار.
(ونؤمن بالـبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والـحساب وقراءة الكتاب والـثواب والعقاب والصراط والميزان) أى يـجب الإيـمان بالـبعث بعد الموت لقوله تعالـى ﴿ثـم إنـكم يوم القيامة تبعثون﴾ أى أنـهم يبعثون يوم القيامة للحساب ونيل الـجزاء على أعمالـهم. ويعرض العباد على اللـه أى يـقفون للحساب كما قال تعالـى ﴿وعرضوا على ربك صفا﴾ ويعطى كل إنسان كتابه الذى كـتبه الملـكان رقيب وعتيد فـى الدنيا فيقال له اقرأ كـتابك فيـرى أعماله مسطورة فيه. المؤمن يـأخذ كـتابه بيمينه والكافر يـأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره قال تعالـى ﴿فأما من أوتـى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه﴾ أى من أعطـى كتاب أعماله بيمينه يقول لـجماعته خذوا وقيل تعالوا اقرءوا كـتابيه والمعـنـى أنه لما بلغ الغاية فـى السرور وعلم أنه من الـناجيـن بإعطاء كتابه بيمينه أحب أن يظهر ذلك لغيــره حتـى يفرحوا له. وتوزن أعمال العباد يوم القيامة والذى يتولـى وزنـها الملـكان جبـريل وميكائيل والذى يوزن هو الصحائف التـى كتب عليها الـحسنات والسيـئات ومن العلماء من قال إن اللـه يـخلق من الأعمال أجساما فـتوزن. ثـم يعبـرون على الصراط وهو جسر عريض يـمد فوق جهنم فيـرده الناس جـميعا فمنهم من ينجو ومنهم من يقع فيها.
(والـجنة والـنار مـخلوقتان) الآن (لا تفنيان أبدا ولا تبيدان) وهذا هو المذهب الـحق وخالف فـى ذلك الفيلسوف المجسم ابن تيمية فقال إن الـنار تفنـى لا يبقى فيها أحد وتبعه فـى هذه المقالة الفاسدة الوهابية ذكروا ذلك فـى كـتابـهم المسمى القول المختار لفناء الـنار وكذلك يوسف القرضاوى وقولـهم هذا تكذيب للقرءان والعياذ باللـه قال اللـه تعالـى ﴿إن اللـه لعن الكافرين وأعد لـهم سعيـرا خالدين فيها أبدا﴾ وقال تعالـى ﴿وما هم بـخارجيـن من الـنار﴾ فلو كانت الـنار تفنـى والكفار يـخرجون منها فأين يذهبون بزعمهم وقد حرم اللـه الـجنة على الكافرين إذ لا يوجد فـى الآخرة إلا منزلتان إما جنة وإما نـار. (و)نقول (إن اللـه تعالـى خلق الـجنة والـنار قبل الـخلق) أى قبل البشر وليس معناه أن اللـه تعالـى خلق الـجنة والـنار قبل كل شىء (وخلق لـهما أهلا) أى خلق اللـه الـخلق وقد شاء فـى الأزل قبل أن يـخلقهم أن يكون بعضهم من أهل الـجنة والآخرون من أهل الـنار (فمن شاء منهم إلـى الـجنة فضلا منه ومن شاء منهم إلـى الـنار عدلا منه) أى من شاء اللـه له دخول الـجنة فبفضله ومن شاء اللـه له دخول الـنار فبعدله ولا يظلم اللـه أحدا لأن اللـه يتصرف فـى ملكه لا فـى ملك غـيـره فلا يتصور منه الظـلم (وكل يعمل لما فرغ له وصائر إلـى ما خلق له) أى أن كلا من العباد يعمل لما قد كـتبه اللـه تبارك وتعالـى له فـى اللوح المحفوظ.
(والـخيـر والشر مقدران على العباد) أى أن كل ما دخل فـى الوجود من خيـر أو شر فهو بتقدير اللـه الأزلـى قال تعالـى ﴿وخلق كل شىء فقدره تقديرا﴾.
(والاستطاعة) الباطـنة وتسمى القدرة الباطـنة (التـى يـجب بـها الفعل) أى التـى يقع بـها الفعل من العبد (من نـحو الـتوفيق الذى لا يـجوز أن يوصف المخلوق به فهى مع الفعل) أى مقارنة للفعل وهى فـى الطاعات تسمى توفيقا وفـى المعاصى تسمى خذلانا ولا يتعلق بـها خطاب اللـه التـكليفى للعباد ويـحدثها اللـه فـى العبد مقرونـة بالفعل. والـتوفيق معناه خلق القدرة على الطاعة فهذا للـه تعالـى (وأما الاستطاعة) الظاهرة أى القدرة الظاهرة فهى (من جهة الصحة والوسع والـتمكن وسلامة) الأسباب و(الآلات) أى كـون الـحواس التـى يتأتى بـها الفعل سالمة (فهى قبل الفعل) أى متقدمة على الفعل (وبـها) أى بوجودها (يتعلق الـخطاب) أى خطاب اللـه التـكليفى للعباد أى يكون العبد مكلفا بالفعل (وهى كما قال تعالـى ﴿لا يكلف اللـه نفسا إلا وسعها﴾) أى أن اللـه عز وجل لا يأمر العبد إلا بـما فـى وسعه فالأمر بالفعل لا بد له من القدرة على الفعل أى لا بد أن يكون الفعل فـى استطاعة العبد كالقيام فـى صلاة الفرض للقادر.
(وأفعال العباد خلق اللـه وكسب من العباد) أى أن أفعال العباد الاختياريـة مـخلوقة للـه لقوله تعالـى ﴿واللـه خلقكم وما تعملون﴾ أى وعملكم وقوله ﷺ إن اللـه صانع كل صانع وصنعته أى إن اللـه خالق كل عامل وعمله. فليس للعبد من فعله إلا الكسب وعليه يثاب أو يؤاخذ فـى الآخرة وهو توجيه العبد قصده وإرادته نـحو العمل أى الاختيارى فيخلقه اللـه عند ذلك وأما الـخلق أى الإبراز من العدم إلـى الوجود فليس لغـيـر اللـه قال اللـه تعالـى ﴿لـها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ أى الـنفس تنتفع بـما كسبته من الـخيـر وتنضر بـما اكتسبته من عمل الشر. فالعبد له اختيار وليس مـجبورا فاقدا للمشيئة كما تقول الـجبـريـة ولا هو مـختار بغـيـر مشيئة اللـه كما تقول المعتزلة بل هو مـختار تـحت مشيئة اللـه.
(ولـم يكلفهم اللـه تعالـى إلا ما يطيقون) فاللـه تعالـى لـم يأمرنا بفعل ما نعجز عنه (ولا يطـيقون إلا ما كلـفهم) أى ليس لمخلوق أن يلزمهم إلا ما كلفهم اللـه به (وهو تفسيـر لا حول ولا قوة إلا باللـه نقول لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تـحول لأحد عن معصية اللـه إلا بـمعونة اللـه) أى إلا بعصمة اللـه (ولا قوة لأحد على إقامة طاعة اللـه والـثـبات عليها إلا بتوفيق اللـه) فالعبد مفتقر إلـى اللـه فـى العصمة عن المعاصى والـتوفيق للطاعات. وفسرها الـنبـى ﷺ بقوله لا حول عن معصية اللـه إلا بعصمة اللـه أى إلا بـحفظ اللـه ولا قوة على طاعة اللـه إلا بعون اللـه. وقد ورد فـى الـحديث أن لا حول ولا قوة إلا باللـه كـنز من كنوز الـجنة قال رسول اللـه ﷺ لأبـى موسى الأشعرى رضى اللـه عنه ألا أدلك على كلمة هى كـنز من كنوز الـجنة قال بلى يـا رسول اللـه قال لا حول ولا قوة إلا باللـه. والكنز هو المال يدفن لـيحرز ويدخر أى لـينتفع به بعد ذلك وأطلق على الـحوقلة لأن أجرها مدخر لقائلها عند اللـه تعالـى.
(وكل شىء يـجرى بـمشيئة اللـه تعالـى وعلمه وقضائه وقدره) أى أن أفعال العباد وغـيـرها مـما دخل فـى الوجود حصل على حسب مشيئة اللـه وعلمه وقضائه وقدره. والمشيئة معـناها الـتخصيص أى تـخصيص الممكن العقلى أى ما يـجوز عليه الوجود والعدم بالوجود بدل العدم وبصفة دون صفة والقضاء معناه الـتخليق وأما القدر فمعناه الـتقدير أى الـتدبيـر (غلبت مشيئته المشيئات كلها) أى لا يتنفذ شىء من مشيئات العباد إلا أن يشاء اللـه نفوذها فهم يشاؤون لـكن لا تتنفذ مشيئاتـهم إلا بـمشيئة اللـه. مشيئة اللـه أزلـية لا ابتداء لـها ومشيئة العباد حادثة فهى مـحتاجة إلـى اللـه فـى وجودها فلا تـحدث مشيئة للعبد إلا على وفق مشيئة اللـه (وغلب قضاؤه الـحيل كلها) فلا ترد حيل العباد ما قضاه اللـه تعالـى لأن حيلهم حادثة لا تـحصل ولا توجد إلا بقضاء اللـه السابق. والـحيل جـمع حيلة وهى الـحذق فـى تدبيـر الأمور وجودة الـنظر والقدرة على دقة الـتصرف.
(يفعل ما يشاء وهو غـيـر ظالـم أبدا) لأن الظلم يتصور مـمن له ءامر ونـاه كالعباد إذ الظلم هو مـخالفة أمر ونـهى من له الأمر والـنهى واللـه تعالـى لـيس له ءامر ولا نـاه قال اللـه تعالـى ﴿وما ربك بظـلام للعبيد﴾ (تقدس عن كل سوء وحيـن) أى تنزه عن كل سوء وظلم فلا يتصور منه الظلم (وتنزه عن كل عيب وشيـن) أى تنزه عن كل نقص أى عن كل ما لا يـليق به (﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾) أى أن اللـه تعالـى لا يعتـرض عليه.
(وفـى دعاء الأحياء وصدقاتـهم منفعة للأموات) أى أن الأموات ينتفعون بدعاء المسلمين واستغفارهم لـهم والـتصدق عنهم وقراءة القرءان على قبورهم ويدل على ذلك حديث اقرءوا يس على موتاكم رواه ابن حبان وصححه وحسنه الـحافظ السيوطى وحديث العسيب الرطب الذى شقه الـنبـى ﷺ اثنيـن وغرس على قبـر نصفا وعلى الآخر نصفا وقال لعله يـخفف عنهما ما لـم ييبسا رواه الـبخارى ومسلم. قال الـحافظ الـنووى استحب العلماء قراءة القرءان عند القبـر لـهذا الـحديث لأنه إذا كان يرجى الـتخفيف بتسبيح الـجريد فتلاوة القرءان أولـى. وعلى هذا كل أئمة الإسلام سلفا وخلفا وخالف الوهابية كعادتـهم كل المسلميـن وحرموا ذلك والعياذ باللـه. (واللـه تعالـى يستجيب الدعوات) أى لمن شاء اللـه أن يستجيب له (ويقضى الـحاجات) فليس فـى العقل ولا فـى الشرع ما يـمنع انتفاع الميت بقراءة الـحى (و)الدعاء له فإن اللـه تعالـى (يـملك كل شىء ولا يـملكه شىء) ولا يـجرى فـى ملكه إلا ما يشاء وقد حثنا اللـه تعالـى على الدعاء فـى القرءان وحثنا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام فـى الـحديث وهو تعالـى قادر على تـحقيق الـحاجات وإعطاء الداعى سؤله.
(ولا غنـى عن اللـه) أى لا أحد يستغنـى عن اللـه (طرفة عـيـن ومن [زعم أنه] استغـنـى عن اللـه طرفة عـيـن فقد كفر وصار من أهل الـحيـن) أى صار من الـهالكيـن المعذبيـن على الـتأبيد فـى الآخرة.
(واللـه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى) أى ليس غضبه ورضاه كما يغضب المخلوق ويرضى بل غضبه ورضاه من صفاته الأزلـية. والغضب إذا وصف اللـه به معناه إرادة الانتقام وليس انفعالا أو تغـيـرا يـحدث فـى الـنفس أما غضب المخلوق فهو تغـيـر يـحصل عند غليان الدم فـى القلب. والرضا إذا وصف اللـه به فمعناه إرادة الرحـمة ورحـمة اللـه لعباده إسباغ الـنعم عليهم وليست رقة القلب.
(ونـحب أصحاب رسول اللـه ﷺ) أى من حيث الـجملة ولكل منهم مزيـة من حيث نصرته للنبـى ﷺ وإيـمانه به (ولا نفرط فـى حب أحد منهم) أى لا نصفهم بـما ليس فيهم فـى الـتعظيم فلا نرفعهم فوق مرتبتهم ولا نفضل أحدا منهم على الأنبياء ولا نعتـقد فيهم العصمة التـى فـى الأنبياء (ولا نتبـرأ من أحد منهم) فننفى عنه الصحبة الثابتة له (ونبغض من يبغضهم وبغيـر الـخيـر يذكرهم) فمن أبغضهم جـملة أو سبهم جـملة فهو كافر أما من سب واحدا منهم بـما ليس فيه تكذيب للشرع فلا يكفر (ولا نذكرهم إلا بـخيـر) أى من حيث الإجـمال وليس معناه أنه لا ينتقد أحد منهم مطلقا (وحبهم دين وإيـمان وإحسان وبغضهم) أى بغض جـميعهم (كفر ونفاق وطغيان) والطغـيان مـجاوزة الـحد.
(ونثبت الـخلافة بعد رسول اللـه ﷺ أولا لأبـى بكر الصديق رضى اللـه عنه تفضيلا له وتقديـما على جـميع الأمة) فيجب تفضيله على سائر أصحاب رسول اللـه ﷺ لأن الصحابة أجـمعوا على إمامته وبـايعوه فمن طعن فـى إمامته فقد طعن فـى إجـماعهم فيكون طعنا فـى خبـر اللـه فـى القرءان لأن اللـه تعالـى قال ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى اللـه عنهم ورضوا عنه﴾ فلو كان فـى علم اللـه أنـهم ينقلبون خبيثيـن خائنيـن مـحرفيـن لدين اللـه ما أخبـر اللـه أنه رضى عنهم. ويدل على حقية إمامته أن الرسول ﷺ اختاره لـيؤم أمته فـى الصلاة فـى ءاخر حياته فلما رضيه الرسول ﷺ لأن يصلـى بـهم فـى مرض وفاته علمنا أنه أهل لأن يتقدم غـيـره بالـخلافة (ثـم) نثبت الـخلافة (لعمر بن الـخطاب رضى اللـه عنه ثـم لعثمان رضى اللـه عنه ثـم لعلـى بن أبـى طالب رضى اللـه عنه وهم الـخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون).
(وإن العشرة الذين سـماهم رسول اللـه ﷺ) فـى حديث واحد (وبشرهم بالـجنة نشهد لـهم بالـجنة على ما شهد لـهم رسول اللـه ﷺ وقوله الـحق وهم أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الـخطاب (وعثمان) بن عفان (وعلـى) ابن أبـى طالب (وطلحة) بن عبيد اللـه (والزبيـر) بن العوام (وسعد) بن أبـى وقاص (وسعيد) بن زيد (وعبد الرحـمٰن بن عوف وأبو عبيدة بن الـجراح وهو أميـن هذه الأمة رضى اللـه عنهم أجـمعيـن). وتـخصيص أبـى عبيدة رضى اللـه عنه بصفة الأمانة يقتضى أن تلك الصفة كانت غالـبة عليه وإن كانت الأمانة من صفات غـيـره من الصحابة فالـنبـى ﷺ خص بعض الصحابة بصفات كانت الغـالب عليهم وكانوا بـها أخص من غـيـرهم.
(ومن أحسن القول فـى أصحاب رسول اللـه ﷺ وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذريـاته المقدسيـن من كل رجس فقد برئ من الـنفاق) أى من جـمع بيـن حسن القول فـى أصحاب الرسول ﷺ وأزواجه الطاهرات من الدنس أى الشيـن وأهل بيته المطهرين من الرجس أى الشرك سلم من الـنفاق وكان على نـهج أهل السنة والـجماعة بعيدا عن أهل الـخلاف والبدعة عاملا بقوله تعالـى ﴿لـيذهب عنكم الرجس أهل الـبيت ويطهركم تطهيـرا﴾ وأهل البيت شامل لعلـى وفاطمة والـحسن والـحسيـن والعباس ونـحوهم وشامل أيضا لنسائه ﷺ وأفضلهن خديـجة رضى اللـه عنها ثـم عائشة رضى اللـه عنها وتوفـى عليه الصلاة والسلام عن تسع منهن.
(وعلماء السلف من السابقيـن ومن بعدهم من الـتابعيـن) هم (أهل الـخيـر والأثر وأهل الفقه والـنظر) وتعظيمهم وتوقيـرهم من تعظيم دين اللـه فإنـهم خلفاء رسول اللـه ﷺ فـى تبليغ الشريعة إلـى الـناس فوجب توقيـرهم وتعظيمهم واتـباعهم (لا يذكـرون إلا بالـجميل) لأنـهم أحباب اللـه (ومن ذكـرهم بسوء فهو على غـيـر السبيل) أى سبيل المؤمنيـن. والسلف هم أهل القرون الثلاثة الأولـى قرن الصحابة وقرن التابعيـن وقرن أتباع التابعيـن أما التابعـى فهو الذى لقى بعض الصحابة وكان على الإيـمان ومات مسلما.
(ولا نفضل أحدا من الأولـياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول نبـى واحد أفضل من جـميع الأولـياء) لقوله تعالـى ﴿وكلا فضلنا على العالميـن﴾ أى أن أنبياء اللـه هم أفضل الـخلق. قال القرطبـى فالـنبـى أفضل من الولـى وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلـى خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة، وفـى ذلك رد على من قال بتفضيل بعض الأئمة على الأنبياء وإنـما استحق الولـى الولاية باتـباعه للنبـى واقتدائه به (ونؤمن بـما جاء من كراماتـهم وصح عن الثـقات من رواياتـهم) أى يـجب الإيـمان بكـرمات الأولياء والكرامة أمر خارق للعادة يظهر على يد المؤمن المستقيم بطاعة اللـه وهو الولـى وبذلك تفتـرق عن السحر والشعوذة وتفتـرق عن المعجزة لأن المعجزة تكون لإثبات الـنبوة وأما الكرامة فتكون للدلالة على صدق اتـباع صاحبها لـنبـى زمانه.
(ونؤمن بأشراط الساعة) الكـبـرى أى علامات القيامة (من خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريـم عليه السلام من السماء) وخروج يـأجوج ومأجوج (ونؤمن بطلوع الشمس من مغربـها وخروج دابـة الأرض من موضعها) فتضع للمؤمن علامة على جبهته وللكافر علامة على أنفه. ومن أشراطها دخان ينتشر فـى الأرض يكاد الكافرون يـموتون من شدة هذا الدخان ونار تـخرج من قعر عدن تسوق الـناس إلـى المغرب وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بـجزيرة العرب وهى تقع فـى أوقات متقاربـة ويـحتمل أن تقع فـى ءان واحد بعد خروج الدجال ونزول المسيح من السماء. والـخسوف معناه انشقاق الأرض وبلع من عليها.
(ولا نصدق كاهنا ولا عرافا) أى لا يـجوز تصديق الكاهن الذى يـخبـر عن المستقبل والعراف الذى يـخبـر عن الضائع والمسروق ولا يـجوز دفع المال لـهما قال رسول اللـه ﷺ من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بـما يقول فقد كفر بـما أنزل على مـحمد رواه الـحاكم والبيهقى. فمن اعتقد أن الكاهن أو العراف يعلم الغـيب أو شيئا من الغـيب كفر والعياذ باللـه فلا يـجوز الإخبار عن المستقبل اعتمادا على خبـر الـجن أو على الـنجوم أو اعتمادا على الـنظر فـى الكف أو فـنجان البـن أو اعتمادا على الأبراج، فهذه الأبراج لا تأثيـر لـها فـى الإنسان وهى مـجموعة من الـنجوم كالـحمل والأسد والـثور والسرطان والميزان (ولا) يـجوز تصديق (من يدعى شيئا يـخالف الكتاب والسنة وإجـماع الأمة) ومعـنـى الإجـماع اتـفاق مـجتهدى أمة مـحمد على أمر دينـى فـى عصر من العصور فمن خالف ما اتفق عليه المجتهدون فقوله مردود. وقوله رحمه الله (ونرى الـجماعة) أى إجـماع أهل الـحق فـى الاعتقاد أو الفروع (حقا وصوابـا والفرقة) أى مـخالفة الإجـماع (زيغا وعذابا) أى ميلا عن الـحق وسببا للعذاب فـى الدنيا والآخرة.
(ودين اللـه فـى الأرض والسماء واحد) أى أن دين الملائكة وهم أهل السماء ودين المؤمنيـن من الإنس والـجن وهم أهل الأرض واحد (وهو دين الإسلام قال اللـه تعالـى ﴿إن الدين عند اللـه الإسلام﴾) أى إن الدين الصحيح المقبول عند اللـه هو الإسلام (وقال تعالـى ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾) أى أن الإسلام هو الدين الذى رضيه اللـه أى أحبه اللـه لعباده من الإنس والجن والملائكة وأمرنا باتـباعه وهو دين جـميع الأنبياء من ءادم إلـى مـحمد عليهم الصلاة والسلام لقوله ﷺ الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتـهم شتـى رواه الإمام أحـمد. شبه الرسول الأنبياء بالإخوة لعلات أى كما أن الإخوة لعلات أبوهم واحد وأمهاتـهم مـختلفات كذلك الأنبياء إخوة فـى الدين دينهم واحد أى عقيدتـهم واحدة وشرائعهم مـختلفة. والإسلام هو الدين السماوى الذى أنزله اللـه على أنبيائه ولا دين سـماوى إلا الإسلام (وهو بين الغلو والـتقصيـر) والغلو هو المجاوزة عن الـحد المجعول للعباد فـى الدين والـتقصيـر نزول عن الـحد المجعول لـهم وكل منهما مذموم وباطل وقوله رحمه الله (وبيـن الـتشبيه والـتعطيل) أى أن الإسلام هو إثبات الأسـماء والصفات للـه من غـيـر تشبيه كما فعلت المشبهة ولا تعطيل أى من غـيـر إنكار كما فعلت المعتزلة وقوله رحمه الله (وبيـن الـجبـر والقدر) أى أن الإسلام هو الـتسليم للـه من غـيـر جبـر بإسقاط فعل الاكتساب عن العباد ومن غـيـر إثبات قدرة تـخليق الأفعال للعباد لأن الـخالق هو اللـه وحده وقوله رحمه الله (وبيـن الأمن والإيـاس) أى أن الإسلام هو أن يكون العبد بـيـن الأمن والإيـاس لا يـأمن عذاب اللـه ولا ييأس من رحـمة اللـه أى أن يكون بـيـن الـخوف والرجاء يـخاف عقاب اللـه على ذنوبه ويرجو رحـمة اللـه (فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وبـاطنا) لأن المخالفة بيـن الظاهر والباطن من أوصاف المنافقيـن (ونـحن برءاء إلـى اللـه من كل من خالف الذى ذكـرناه وبيناه).
(ونسأل اللـه تعالـى أن يثـبتنا على الإيـمان ويـختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة) أى ونسأله تعالـى أن يـحفظـنا من العقائد التـى مال إلـيها المخالفون لأهل السنة (و)أن يـحفظـنا من (الآراء المتفرقة والمذاهب الرديـة مثل المشبهة) الذين يصفون اللـه بصفات الـبشر كالـجلوس والقعود والاستقرار والـنزول والصعود الـحقيقيـن والأعضاء والـجوارح (والمعتزلة) القائليـن بأن العبد يـخلق أفعاله الاختياريـة أى يـحدثها من العدم إلـى الوجود (والـجهمية) وهم طائفة منسوبة إلـى جهم بن صفوان الذى كان يقول إن اللـه هو هذا الـهواء وعلى كل شىء (والـجبـريـة) القائليـن بأن العبد لا فعل له بالمرة فنفوا الـتكليف عنه (والقدريـة) أى المعتزلة (وغـيـرهم من الذين خالفوا السنة والـجماعة وحالفوا الضلالة) أى لزموها (ونـحن منهم براء وهم عندنـا ضلال وأردياء وباللـه العصمة) عن المعاصى (والـتوفيق) للطاعات. ومعـنـى الـتوفيق فتح باب الـخيـر وإغلاق باب الشر وقال بعضهم الـتوفيق خلق القدرة على الطاعة وهذا بيد اللـه وحده سبحانه وتعالـى.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين
لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/Q05shRnZBQ4?si=BWsvNWA-8XeGkizv
للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/tahawiyyah_2
الموقع الرسمي للشيخ جيل صادق: https://shaykhgillessadek.com