الأحد ديسمبر 7, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [وفي دُعاءِ الأحياءِ للأمواتِ وصَدقَتِهم عنهم نَفعٌ لهم].

(الشرحُ): أنَّ أهل السُّنَّة أجمعوا على أنَّ الأمواتَ ينتفعون بدعاء الأحياء وصدقتهم عنهم.

قال المحدّث مرتضى الزبيديُّ في شرح إحياء علوم الدين ما نصّه [قال السيوطيُّ في شرح الصدور وأما القراءة على القبر فجزم بمشروعيتها أصحابنا وغيرهم. قال الزعفرانيُّ سألت الشافعيَّ عن القراءة عند القبر فقال لا بأس به اهـ. وقال النوويُّ في شرح المهذب يُستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسّر من القرءان ويدعو لهم عقبها نصَّ عليه الشافعيُّ واتفق عليه الأصحاب اهـ. زاد في موضع ءَاخَرَ وإن ختموا القرءان على القبر كان أفضل اهـ] وقال [قال عبد الكريم الشالوسيُّ القارئ إن نَوَى بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه إذ جَعَلَ ذلك قبل حصوله، وتلاوتُه عبادةُ البدن فلا تقع عن الغير، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الثواب للميت ينفعه إذ قد جعلَ مِن الأجر لغيره والميتُ يُؤجر بدعاءِ الغيرِ اهـ وقال القرطبيُّ وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرءَانِ على القبر بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبيُّ صلى الله عليه وسلم باثنين ثم غرس على قبر نصفًا وعلى قبر نصفًا وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا رواه الشيخان، قال ويُستفاد من هذا غرسُ الأشجار وقراءة القرءان على القبور وإذا خُفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجلِ المؤمنِ القرءانَ اهـ. وقال النوويُّ استحب العلماء قراءةَ القرءَانِ عند القبر واستأنسوا لذلك بحديث الجريدتين وقالوا إذا وصل النفع إلى الميت بتسبيحهما حال رطوبتهما فانتفاع الميت بقراءة القرءان عند قبره أولى فإن قراءة القرءان من إنسان أعظمُ وأنفعُ مِن التسبيح من عودٍ وقد نفع القرءان بعض مَن حصل له ضرر في حال الحياة فالميت كذلك اهـ. قال ابن الرِّفعة الذي دلَّ عليه الخبر بالاستنباط أنَّ بعضَ القرءَانِ إذا قُصد به نفعُ الميت وتخفيف ما هو فيه نَفَعَهُ إذ ثبت أنَّ الفاتحة لَمَّا قصد بها القارئُ نَفْعَ الملدوغ نفعَتْهُ وأقرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله وما يدريك أنها رُقية، وإذا نفعت الحيَّ بالقصد كان نفعُ الميت بها أولى لأنَّ الميت يقع عنه من العبادات بغير إذنه ما لا يقع مِنَ الحَيِّ اهـ] وقال [ومِمَّا يشهد لنفع الميت بقراءةِ غيرِهِ حديثُ معقل بن يسار اقرءُوا على موتاكم رواه أبو داود، وحديثُ اقرءوا يس على موتاكم رواه النسائيُّ وابن ماجه وابن حبان، وحديثُ يـٰـس ثلثُ القرءَانِ لا يقرؤُهَا رجلٌ يريد الله والدار الآخرةَ إلا غُفر له فاقْرَؤُوها على موتاكم رواح أحمدُ. وأوَّلَ جماعةٌ مِن التابعين القراءةَ للميت بالمحتَضَرِ والتأويلُ خلاف الظاهر، ثم يُقال عليه إذا انتفع المحتضر بقراءة يـٰـس وليس مِن سعيه فالميت كذلك والميت كالحيِّ الحاضر يسمع كالحيِّ الحاضر كما ثبت في الحديث اهـ] قال الزَّبِيدِيُّ [(ورُوِيَ عن عليِّ بن موسى الحداد قال كنت مع) الإمام (أحمد بن حنبل) رحمه الله تعالى (فِي جنازةٍ ومحمد بن قدامة الجوهريِّ) الأنصاريِّ أبو جعفر البغداديُّ فيه لينٌ وقال أبو داود ضعيفٌ رَوَى له البخاريُّ في خبر القراءة خلف الإمام مات سنة سبع وثلاثين ومِائتين (معنا فلما دُفن الميت جاء رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد يا هذا إن القراءة عند القبر بدعةٌ فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر بن إسماعيل الحلبيِّ) أبي إسماعيل الكلبيِّ مولاهم صدوق مات سنة مائتين بحلب رَوَى له الجماعة (فقال ثقةٌ قال هل كتبت عنه شيئًا قال نعم قال أخبرنِي مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج) نزيل حلبَ مقبول روَى له الترمذيُّ (عن أبيه) العلاء بن اللجلاج الشاميِّ يقال إنه أخو خالد ثقةٌ رَوَى له الترمذيُّ ولأبيه اللجلاج صحبة عاش مائة وعشرين خمسين في الجاهلية وسبعين في الإلام قال أبو الحسن بن إسماعيل اللجلاجُ والد العلاء غَطَفَانِيّ واللَّجلاج والد خالد عامريٌّ (أنه أوصَى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه فاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعتُ ابن عمر) رضِيَ الله عنه (يُوصِي بذلك فقال له أحمد فارجع إلى الرجل فقل له يقرأ) وهكذا أورده القرطبيُّ في التذكرة وعند الطبرانيِّ من طريق عبد الرحمٰن بن العلاء بن اللجلاج قال قال لي أبي يا بُنَيَّ إذا وضعتني في لَحْدِي فَقُلْ بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ثم سُنَّ على التراب سَنًّا ثم اقرأ عند رأسِي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك هكذا هو عند الطبراني وكأنه سقط منه فإنِّي سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصحبةَ لِلَّجلاجِ لا للعلاء، وأما قول ابن عمر فقد رُوِيَ مرفوعًا رواه البيهقيُّ في الشعب عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدُكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليُقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة اهـ. وروا الطبرانيُّ كذلك إلا أنه قال عند راسه بفاتحة الكتاب والباقي سواء. (وقال أحمد بن محمد المَرُّوذِيُّ سمعت أحمد بن حنبل) رحمه الله (يقول إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوّذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم) كذا أورده عبد الحق الأَزديُّ في كتاب العاقبة عن أبي بكر أحمد بن محمد المروذيِّ على الصواب، وروى النسائيُّ والرافعيُّ في تاريخه وأبو محمد السمرقنديُّ في فضائل سورة الإخلاص من حديث علِي مَنْ مَرَّ على المقابر وقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطى من الأجر عدد الأموات اهـ] انتهى المرادُ نقلُهُ من شرح الإحياء.

قال المؤلف رحمه الله: [والله تعالى يُجيبُ الدَّعَواتِ ويَقضي الحَاجَاتِ].

(الشرحُ): أنه قال ذلك لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فإن قيل إنَّ كثيرًا من دعوات الناس أو أكثرها لا تتحقق بها مطالبُهم فالجواب أنَّ مَن كان دعاؤه بغير إثم ولا مانع شرعيٍّ لا بدّ أن ينال تلك المطالب بدعائه أو يُصرف عنه من السوء مثلُها أو يُدَّخَر له في الآخرة فكلُّ ذلك استجابةٌ إنْ أعطاه الله ما طلبه الآن استجاب له وإن صرفَ عنه من السوءِ استجيب له وإلا ادُّخِر له في الآخرة فلم يخرج صِفْر اليدين من كل وجه.