قال المؤلف رحمه الله: [وللعبادِ أفعالٌ اختياريَّةٌ يُثَابُونَ بِها ويُعَاقَبونَ عليهَا].
(الشرحُ): أنَّ العبادَ يُثابون على ما يعملون مِن الحسنات بفضل الله تعالى أيْ تفضلًا مِن الله تعالى عليهم في الآخرة مِن غيرِ أنْ تكونَ إثابتُهم واجبةً عليه سبحانه لأن هذه الأعمال هو خلقها فيهم وهو أقدرهم وأعانهم عليها فالله تبارك وتعالى تفضَّل على عباده المؤمنين بالحسنات التي وفقهم لعملها ثم زادهم على ذلك الثوابَ عليها فيكون لله تعالى الفضل عليهم لإقدارهم على عمل الحسنات ولإجزال الثواب لهم عليها.
وقوله: [ويعاقبون عليها] يعني على المعاصِي التي يفعلونها باختيارهم عدلًا من الله وهو خالقُها فيهم ولا يكون ذلك منه ظلمًا لهم.
فإن قيل بعد تعميم علم الله تعالى وإراداته الجبرُ لازمٌ قطعًا لأنهما إما أن يتعلقا بوجود الفعل فيجب أو بعدمه فيمتنع ولا اختيار مع الوجوب والامتناع، قلنا يَعلم ويريد أن يفعله العبد أو يتركه باختياره فلا إشكال.
وقلنا لَمَّا ثبت بالبرهان أنَّ الخالق هو الله تعالى، وثبتَ بالضرورةِ أنَّ لِقُدْرةِ العبد وإرادته مدخلًا في بعض الأفعال كحركة البطش دون البعض كحركة الارتعاش قلنا بأن الله تعالى خالقٌ والعبدَ كاسبٌ وهذا نهايةُ ما يقول أهل السُّنَّة. وتحقيقُ ذلك أن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل الذي يقومُ به كسبٌ وإيجادَ الله تعالى الفعلَ عَقِيبَ ذلك خَلْقٌ فالمقدور الواحد داخل تحت قدرتين لكن بجهتين مختلفتين فالفعل مقدورُ الله تعالى من جهة الإيجاد ومقدورُ لعبد من جهة الكسب هذا ما يدلُّ عليه الدليلُ وأقصَى ما نقدرُ عليه في تلخيص العبارةِ المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وإيجادِه مع ما فيه للعبد مِنَ القدرة والاختيار.
وقد أخرج الحاكم وصحَّحَهُ من حديث حذيفة مرفوعًا إن الله خالق كل صانع وصنعته اهـ. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كَسْبُهُمْ على الحقيقة واللهُ تعالى خالقها اهـ.
(فائدة): قال المتكلم أبو المظفر الأسفرايينيُّ ما نصه ردَّ الله تعالى على الجبرية والقدرية في ءَايَةٍ واحدةٍ حيث قال: {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَميْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} [الأنفال: 17] ومعناه: وما رميتَ مِن حيث الخلق إذ رميتَ مِن حيث الكسب ولكن الله رَمَى مِن حيث الخلقُ والكسبُ خَلَقَه خلقًا لنفسِهِ كسبًا لعبده فهو مخلوقٌ لله تعالى من وجهين اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [والحسنُ منها بِرضَاءِ الله تعالى والقبيحُ منها ليسَ برضائِهِ تعالى].
(الشرحُ): أنَّ أفعالَ العباد قسمان حسن وقبيح فالحسن منها برضاء الله تعالى أيْ بمحبته كما أنه بمشيئته، والقبيحُ منها وهو ما كان معصيةً أو مكروهًا بمشيئةِ اللهِ تعالى لكنه ليس برضائه قال الله تعالى: {وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]. والحاصل: أن الإرادة والمشيئة والتقدير يتعلق بالكل والرضاءَ والمحبةَ والأمرَ لا تتعلق إلا بالحَسَنِ دون القبيح.