الأحد ديسمبر 7, 2025

الدرس الثالث والعشرون

كيفية ثبوت شهر رمضان

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين. أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى أرسل نبيه محمدا هاديا وداعيا إلى الله بشيرا ونذيرا، والسعيد من ءامن به واتبع شرعه والشقي من حرم ذلك، والله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (31) سورة ءال عمران. هذه الآية معناها أن من يحب الله تعالى يتبع الرسول فإن اتبع الرسول يحبه الله، والذي يدعي محبة الله ومحبة رسول الله ولا يتبع شرعه فهو غير كامل المحبة.

لو كان كل مسلم يحب رسول الله من حيث إنه رسول الله، لكن فرق بين محبة ومحبة، محبة الله تعالى درجات بعضها فوق بعض ومحبة الرسول كذلك درجات بعضها فوق بعض، فالمحبة الكاملة لله تعالى لا تكون إلا باتباع الرسول ﷺ واتباع الرسول متوقف على معرفة ما جاء به رسول الله، لأن كل عمل لم يوافق ما جاء به رسول الله فهو مردود عند الله، روت سيدتنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه البخاري ومسلم. أي مردود، أي لا يقبله الله تعالى، أي مردود عند الله تعالى، لا يقبله الله فكل أمور الدين إذا لم توافق ما جاء به رسول الله فهي مردودة عند الله لا يقبلها الله لأن الله تعالى قال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (31)  أي إن اتبعتم رسول الله اتباعا كاملا يحبكم الله تعالى.

والصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من أعمال الدين لا يقبله الله إلا إذا كان موافقا لما جاء به رسول الله، إنما يتعب صاحب ذلك العمل نفسه، هذا يقول: صمت وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش وهذا يقول: صليت تهجدت وليس له من صلاته إلا السهر إلا أنه حرم نفسه لذة النوم، كذلك يقول هذا: أنا زكيت وليس له من زكاته ثواب، وهذا يقول: أنا حججت وليس له من ثواب الحج شىء، لماذا، لأنه لم يوافق عمله ما جاء به رسول الله.

الصيام الرسول ﷺ جعل له حدا إذا لم يوافق ذلك الحد يكون مردودا، يكون غير مقبول، الرسول قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» رواه البخاري وغيره، «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» رواه البخاري ومسلم.

إكمال شعبان ثلاثين يكون بناء على رؤية هلال شعبان. والرؤية تكون معتبرة بعد غروب الشمس، من رأى الهلال بعد غروب الشمس هذا يعد هلال رمضان، كذلك كل شهر رؤية هلاله لا يعتبر إلا بعد الغروب، أما إذا قال أهل الفلك غدا من رمضان لا نعتبره لا يجوز أن نصوم بقولهم، هؤلاء أصحاب الرزنامات الذين يعملون الرزنامات هؤلاء يقال لهم الفلكيون، ويقال لهم المنجمون، ويقال لهم الحساب لأنهم يحسبون سير القمر. وكذلك يقال لهم المؤقتون، هؤلاء لا يعتمد قولهم في الصيام، فإذا شهد عند القاضي في شهر شعبان اثنان دينان أي تقيان أنهما رأيا هلال شعبان إذا مضى ثلاثون يوما على هذه الرؤية الحاكم له أن يثبت رمضان بشهادة ذينك الاثنين الثقتين العدلين، له ذلك بل واجب على الحاكم. فإذا حكم الحاكم وجب على المسلمين أن يصوموا.

أما بالنسبة لرمضان شخص واحد يكفي، لو جاء إلى الحاكم شخص مسلم تقي فقال: أشهد أني رأيت هلال رمضان هذه الليلة، يثبت الحاكم القاضي بقول هذا الواحد رمضان، أما قول الفلكيين لا اعتبار به حتى الحاسب لنفسه ليس له أن يصوم، إذا قال له علمه الذي درسه غدا رمضان، ليس له أن يصوم اعتمادا على حسابه، فكيف يصح لأهل إقليم أن يصوموا لقوله، الحاكم ليس له أن يأمر الناس بالصيام اعتمادا على قول الفلكيين وهذا في المذاهب الأربعة، في الكتاب الحنفي «حاشية ابن عابدين» صحيفة خمسة وتسعين، وفي الكتاب المالكي «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمختصر خليل»، وفي الكتاب الحنبلي «كشاف القناع عن متن الإقناع»، وفي الكتاب الشافعي شرح روض الطالب.

الكتاب الحنفي في كتاب الصيام صحيفة مائة يقول: «ولا عبرة بقول الموقتين في وجوب الصوم على الناس بل في المعراج»([1]) لا يعتبر قولهم بالإجماع  وهذا متفق عليه. كل المذاهب الأربعة وغيرها لو كان عندنا كتب تنسب إلى غير الأربعة كذلك لا يعتبر عندهم قول الفلكيين في إثبات الصيام.

قال: «ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه» حتى هو ليس له أن يصوم، الفلكي الذي يعمل هذه الرزنامة ليس له أن يصوم اعتمادا على دراساته.

قال: «ومنه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية». الرسول ألغى الاعتماد على الحساب في الصيام، ألغاه لم يعتبره شيئا، يعني بالشارع سيدنا محمدا بقوله: «نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا» رواه البخاري ومسلم وغيرهما. معناه الله تعالى ما كلفنا أن نعمل بالحساب نحن نعتمد على الرؤية أو الاستكمال، والاستكمال حسابه يعود إلى الرؤية.

وفي الكتاب المالكي صحيفة أربعمائة وتسعة وستين يقول: «لا يثبت رمضان بمنجم» أي بقوله «لا في حق غيره ولا في حق نفسه» اهـ.

وفي الكتاب الحنبلي: «وإن نواه» أي صوم يوم الثلاثين من شعبان «بلا مستند شرعي من رؤية هلاله أو إكمال شعبان أو حيلولة غيم أو قتر ونحوه كأن صامه لحساب ونجوم ولو كثرت إصابتهما أو مع صحو فبان منه لم يجزئه صومه لعدم استناده لما يعول عليه شرعا» يعني ليس مبنيا على الشرع وهذا في صحيفة ثلاثمائة واثنتين من الجزء الثاني في «كشاف القناع».

والكتاب الشافعي: «ولا عبرة بالمنجم» أي بقوله «فلا يجب به الصوم ولا يجوز. والمراد بآية وبالنجم هم يهتدون} (16) الاهتداء في أدلة القبلة وفي السفر». الذي يعتمد على الفلك ويصوم لا يجوز، حرام، وهذا في صحيفة أربعمائة وعشرة من شرح «روض الطالب».

 عند الحنفية إذا قال شخص: “نويت صيام يوم غد إن كان من رمضان”، ثم تبين له أنه ليس من رمضان بل هو يوم الشك فغير نيته فقال: أصومه نفلا لله تعالى وكانت نيته قبل الزوال يجوز إن كان تعود صيام الاثنين والخميس، أو كان من عادته صيام ثلاثة أيام أول الشهر وثلاثة أيام في وسط الشهر وثلاثة أيام في ءاخره.

 في رمضان من نسي النية بالليل، ما خطر على باله كل الليل إلى الفجر حتى طلع الفجر له أن ينوي صيام غد من رمضان عند أبي حنيفة، يجوز أن ينوي قبل الزوال([2]).

ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وسبحان الله، والحمد لله، والله تعالى أعلم.

الدرس الرابع والعشرون

كيفية ثبوت شهر رمضان (درس ثان)

الحمد لله رب العالمين صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل عملا من عامل إلا بعد معرفته والإيمان به والإيمان برسوله محمد.

قراءة القرءان ذكر، الحمد لله رب العالمين (2) هذا تحميد لله، الرحمن الرحيم (3) هذا ثناء على الله، مالك يوم الدين (4) كذلك تبجيل لله، ثناء عظيم، إياك نعبد وإياك نستعين (5) هذا تذلل لله تعالى.

اهدنا الصراط المستقيم (6) هذا دعاء، قول سبحان ربي العظيم في الركوع من أفضل الذكر، الله سبحانه وتعالى أمر عباده بالإحسان أي أن يعملوا عمل الخير عمل البر له تبارك وتعالى لا يطلبوا المحمدة من الناس لأن الذي يعمل الخير أي عمل خير إن كان صدقة وإن كان قراءة قرءان وإن كان حجا وغير ذلك من أجل أن يحمده الناس ليس له ثواب عند الله.

الله تبارك وتعالى أمرنا بأن نحتسب بأعمالنا، معنى الاحتساب أن نطلب رضى الله، والآن قد أظلنا فرض عظيم من فرائض الله تعالى هو صوم رمضان، صوم رمضان له حكم يتعلق بابتدائه وحكم يتعلق باختتامه، أما الحكم الذي يتعلق بابتدائه هو أن يكون ابتداء الصوم على رؤية الهلال أو على استكمال شهر شعبان ثلاثين يوما، من عرف متى دخل شهر شعبان برؤية هلال شهر شعبان فاستكمل ثلاثين يوما ليس عليه أن يرى هلال رمضان، إن رأى أو لم ير  يصوم، صار فرضا عليه أن يصوم رمضان، فإن لم ير ولا عرف أن شهر شعبان استكمل عدده ثلاثين إن حدثه إنسان ثقة أنه رأى هلال رمضان قال: أنا رأيت هذه الليلة هلال رمضان بعيني يصوم اعتمادا على كلامه، وإن أثبت القاضي الشرعي قال: ثبت عندنا رؤية هلال رمضان يجوز أن يصوم، وإن سمع الإثبات في بلد ءاخر مهما كان بعيدا كمكة أو اليمن أو المغرب إذا علم أنه ثبت هلال رمضان في بلدة من بلاد المسلمين بواسطة الإذاعة وتأكد من ذلك يجوز له أن يصوم، هذا مذهب أبي حنيفة ومالك، أما عند الإمام الشافعي إن كان أهل هذه البلد لم يروا الهلال لا يصومون برؤية بلدة بعيدة تختلف عن هذه البلدة في الشروق والغروب، ليس عليه أن يصوم عند الشافعي إلا أن يستكمل شعبان ثلاثين يوما، لكن اليوم تطبيق مذهب الشافعي في بعض المسائل صعب فيه عسر، فنحن نصوم على ما يوافق مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك. فإذا علم أحدنا أنه أثبت رؤية هلال رمضان لهذه الليلة بواسطة الراديو فيجوز أن نصوم، أما الأصل الذي ورد عن رسول الله فهو: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ثم إذا لم يتيسر رؤية الهلال فيأخذ بقول رسول الله ﷺ: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما». «فإن غم عليكم» أي حال بينكم وبين رؤية هلال رمضان الغيم، إن منعكم الغيم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين.

ثم إن الله تبارك وتعالى جعل للصيام مبدأ ومختما، أما مبدؤه فالفجر والفجر هو ضوء يظهر بالأفق الشرقي معترضا بالعرض ثم ينتشر ويزداد ظهورا، من أكل أو شرب بعد هذا البياض فلا صيام له، وأما ءاخر الصيام فغروب الشمس وغروب الشمس يعرف بمغيب قرص الشمس كله فإن لم يستطع رؤية غروب الشمس ينظر إلى أعالي الجبال والأبنية فإن لم يبق عليها شعاع الشمس عرف بذلك غروب الشمس، أو ينظر إلى المشرق فإن أقبل الظلام من المشرق عرف بذلك دخول وقت المغرب.

 قال رسول الله ﷺ: «إذا غربت الشمس من هاهنا وأقبل الظلام من ههنا فقد أفطر الصائم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما، أي حل إفطاره، وإن كان يظهر من جهة المغرب أثر الشمس أثر ضوء الشمس هذا لا يمنع الأكل والشرب، مرة كان الرسول ﷺ في سفر وكان معه زاد يقال له السويق، فقال لواحد من الصحابة: «انزل» أي عن دابتك «فاجدح لنا» رواه البخاري ومسلم وأحمد والبزار والبيهقي والنسائي وأبو داود وابن حبان وابن أبي شيبة، معنى اجدح اخلط لنا هذا السويق بالماء لنفطر به، السويق هو الشعير يحمص ثم يطحن، هذا يتخذ زادا، في السفر يبل بالماء ويشرب، فهذا يبرد ويذهب العطش ويكسر الجوع، فقال الرجل يا رسول الله إن عليك نهارا، هذا الرجل كان ينظر إلى أثر الشعاع من جهة المغرب، فقال الرسول ﷺ: «إذا أقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم» من المشرق إذا أقبل الليل فقد بلغ وقت الإفطار، معناه الآن جاء الظلام من المشرق لا تنظر إلى أثر ضوء الشمس الذي بقي هذا لا يمنع حل الإفطار([3]).

قال رسول الله: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» رواه البخاري، معناه لا نعتمد على الحساب، الرزنامة حسابية([4]). قال الشافعي عن هلال رمضان: ولا يثبت بقول الحاسب ولا المنجم.

في الكتاب الحنفي يقول: لما كان قول الحساب مختلف فيه قال صاحب الوهبانية وقول: أولي التوقيت ليس بموجب، يعني الفلكيين، قول الفلكيين لا يثبت الصيام.

ثم من أهم المهمات في الصيام أن يحفظ الإنسان نفسه من الكلام الفاحش، لأن الكلام الفاحش الذي هو شهادة الزور أو الطعن في مسلم ظلما ونحو ذلك يفسد ثواب الصيام، يذهب ثواب الصيام، هذا صح صيامه لكنه ليس له شىء من الثواب، فلذلك ينبغي أن يحفظ الصائم لسانه مهما غضب «وإن سابه أحد فليقل إني صائم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما. معناه أنا لا أقابلك بالشتم محافظة على صيامي.

الإمام الشافعي يقول من سبقه الماء إلى جوفه في الوضوء عند المضمضة أو الاستنشاق إن كان بالغ هو أوصله إلى الحلق فانبلع عليه أفطر، لأن الصائم ليس له أن يبالغ كذلك عند الغسل([5])، أما الإمام أحمد يقول إن سبح أو توضأ أو اغتسل فنزل الماء إلى الجوف ليس عمدا بل بلا عمد لا يفطر هذا.

إذا قبل زوجته بحائل فأنزل المني لم يفسد صيامه([6]). أما إذا جامع زوجته بحائل فسد صيامه وعليه القضاء والغسل.

ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وسبحان الله، والحمد لله، والله تعالى أعلم.

([1])  كتاب المعراج.

([2])  أما القضاء فلا يجوز إلا بنية من الليل. ففي «فتح القدير» لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى 861 هـ). قال: «والضرب الثاني ما يثبت في الذمة كقضاء رمضان والنذر المطلق وصوم الكفارة فلا يجوز إلا بنية من الليل لأنه غير متعين فلا بد من التعيين من الابتداء والنفل كله يجوز بنية قبل الزوال» اهـ.

([3])  عن عبد الله بن أبى أوفى قال: كنا مع رسول الله ﷺ فى سفر فى شهر رمضان فلما غابت الشمس قال:«يا فلان انزل فاجدح لنا»، قال: يا رسول الله إن عليك نهارا. قال: «انزل فاجدح لنا»، فنزل فجدح له فأتاه فشربه النبي ﷺ ثم قال بيده: «إذا غابت الشمس من ها هنا وجاء الليل من ها هنا فقد أفطر الصائم» رواه البيهقي.

([4])  قال رسول الله ﷺ: «لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما».

([5])  أما إن بالغ بالمضمضة لعذر كتطهير فمه فانبلع عليه لا يفطر.

([6])  هذا إذا لم يقصد بالضم مع الحائل إخراج المني أما إذا قصد ذلك وخرج المني فهذا استمناء مبطل.