الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.
أما بعد، فقد روينا بالإسناد المتصل أن رسول الله ﷺ قال: «إن محرم الحلال كمستحل الحرام» رواه الطبراني والبيهقي.
معنى الحديث أن الله تبارك وتعالى يحب لعباده أن يكونوا معتدلين لا يحلون الحرام ولا يحرمون الحلال، يقولون عن الحرام حرام ويقولون عن الحلال حلال هذا الذي يحبه الله، أما المتطرفون الذين يحرمون أشياء على أهوائهم فهؤلاء لا يحب الله تعالى سعيهم وكذلك العكس لا يحبه الله تعالى.
في هذا البلد كثير من الناس يحرمون الشىء إن لم يعجب أهواءهم ويستحلون أشياء أعجبتهم هي حرام في دين الله، ما وافق أهواءهم يحللون وما خالف أهواءهم يحرمون فهؤلاء لهم الويل يوم القيامة.
هذا اللسان يسأل يوم القيامة، صاحبه يسأل ماذا تكلم بلسانه فإن تكلم بما يحب الله كان له الأجر، وإن استعمل لسانه في تحليل ما حرم الله على عباده أو تحريم ما أحل الله لعباده فله الويل يوم القيامة، من استعمل لسانه في ذلك له الويل يوم القيامة.
الإمام النووي بين الشافعية مشهور كنار على علم أي على أعلى الجبل، يبصرها الناظر من بعيد، يقول النووي في كتاب «شرح الروض»: إذا أرادت المرأة حضور المسجد كره لها أن تمس طيبا وكره أيضا الثياب الفاخرة، معناه ليس حراما إنما هو مكروه، إن تزينت فذهبت إلى المسجد أو تعطرت فذهبت إلى المسجد ليس حراما بل مكروه فقط إلا أن يكون قصدها بهذا الطيب وبهذا التزين التعرض للرجال فعندئذ حرام، أما لغير ذلك فليس حراما، في بيروت يقول بعض الناس الذين يدعون المشيخة والعلم حرام مطلقا إن كانت نيتها التعرض للرجال وإن كانت نيتها أن تفرح بحالها، هؤلاء حرموا ما لم يحرم الله فيا ويلهم إن لم يتوبوا في الدنيا، ومنهم من شدة جرأته في الافتراء على دين الله تعالى من قال بالإجماع هذا الشىء حرام والدليل على ذلك أن رسول الله ﷺ قال: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا» رواه البخاري ومسلم.
كذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن تفلات» رواه الطبراني، «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات» رواه أحمد والبزار، وهذه الرواية رواية ثانية.
معناه لا تمنعوا النساء من الذهاب إلى المساجد ولكن ليخرجن تفلات أي بلا زينة، ومن غير طيب، وإن خرجن متزينات أو متطيبات فليس حراما مكروه فقط.
الرسول عليه السلام كان يكتحل بالإثمد كل ليلة، ولون الإثمد بني ليس أسود. يستحب أن يكتحل الإنسان بالإثمد كل ليلة. قال رسول الله ﷺ: «اكتحلوا بالإثمد فإنه ينبت الشعر ويقوي البصر» رواه الطبراني والترمذي. الإثمد ينبت الشعر ويقوي البصر، الرسول ﷺ كان نظره أقوى من نظر كل إنسان، مع ذلك كان ليعلمنا ما ينفعنا كان يكتحل بهذا الكحل كل ليلة.
الجماعة في الصلاة للنساء مستحبة ليست فرضا والفقهاء أخذوا هذا الكلام من حديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها. امرأة من الصحابيات اللاتي اجتمعن بالرسول عليه السلام من أهل المدينة الرسول أذن لها أن تؤم أهل دارها، معناه النساء ليس الرجال، أما الأذان إن لم يكن هناك أجنبي فأذنت واحدة منهن يجوز لكن لا ترفع صوتها كما يرفع الرجل، أما الإقامة فهي أحل للنساء. المرأة (في الصلاة الجهرية) إذا لم يكن رجال أجانب عندها في صلاتها ترفع صوتها لكن لا كرفع الرجال بل أقل، في الفاتحة وفي السورة بعد الفاتحة ترفع، أما إذا كان عندها أجانب لا ترفع تسر.
والدليل على أن صوت المرأة ليس بعورة أن الرسول رخص للنساء أن يقلن إذا أهدين العروس إلى بيت زوجها: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم إلى ءاخره. الذي يحرم وجود النساء المصليات بحضور الرجال الأجانب كافر. كذلك هناك حديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» رواه البخاري ومسلم.
أما ما قيل: إن أبا هريرة رأى امرأة متطيبة يعصف ريحها بالطيب فقال لها: إلى أين يا أمة الله؟ قالت: إلى المسجد، فقال لها: وأنت تعصفين ريح طيب، ارجعي فاغتسلي» رواه أحمد والبيهقي وأبو داود وابن ماجه([1]) فهذا ليس معناه أنه حرام أن تمضي إلى المسجد لتصلي ثم تنصرف، ليس معنى كلام أبي هريرة أنه حرام، لا، بل إنما معناه مكروه، إن أردت الذهاب إلى المسجد بلا كراهة ارجعي اغتسلي ثم اذهبي.
أما ما ورد عن رسول الله أن المرأة إذا خرجت متعطرة فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية([2]) ،أي تشبه الزانية أي إذا كانت المرأة تخرج متزينة أو متعطرة لتفتن الرجال فهي زانية، معناه تشبه الزانية ليس معناه أنها كالتي زنت بالفعل.
أما الحديث الذي يروى من طريق أبي هريرة عن الرسول ﷺ: «إن المرأة إذا خرجت متعطرة فمرت بالمجلس فهي كذا»([3]) أي أنها تشبه الزانية هذا إذا كان قصدها أن يجد الرجال ريحها، هذا معنى حديث أبي هريرة، لأننا علينا أن نجمع بين الحديثين حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله: «أيما امرأة خرجت متعطرة فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية». أي تشبه الزانية، هذا مفسر لأن الرسول ﷺ قال «ليجدوا ريحها» معناه إذا لم يكن قصدها أن يجد الرجال ريحها ما عليها ذنب، أما إذا كان مرورها بالرجال وهي متعطرة ليجد الرجال ريحها هذه زانية أي أشبهت الزانية، هذا حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله أي الذي سمعه أبو موسى عن رسول الله، وأما حديث أبي هريرة فهو: «إن المرأة إذا خرجت متعطرة فمرت بالمجلس فهي كذا» أي زانية، هذا يرد إلى حديث أبي موسى الأشعري أي إذا كان قصدها أن يجد الرجال ريحها، نكون وفقنا بين الحديثين، لأن كثيرا من الآيات من حملها على غير محملها يكون خرج من الإسلام، كذلك كثير من أحاديث الرسول ﷺ، ليس الشأن في مجرد أن يقال: قال رسول الله أو قال الله تعالى، الشأن أن يوضع الحديث في محله وأن تورد الآية في محلها.
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وأصلح بالنا، واستر عوراتنا وءامن روعاتنا، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.
([1]) عن عمر بن الخطاب عن مولى ابن أبي رهم سمعه من أبى هريرة يبلغ به النبي ﷺ استقبل أبو هريرة امرأة متطيبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار، فقالت: المسجد، فقال: وله تطيبت، قالت: نعم، قال أبو هريرة: ارجعي فإني سمعت أبا القاسم يقول «أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة» رواه أحمد.
([2]) عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية» رواه ابن حبان وأحمد.
([3]) قال رسول الله ﷺ: «كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي زانية» رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، والطبراني عن أبى موسى.