الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وبعد، فقد قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} 9 سورة المنافقون. الذكر معناه طاعة الله، أي لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عما فرض الله عليكم من أمر الدين، فالذي تمنعه أولاده أو أمواله عن طاعة الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين.
فإنما ذكر الله تبارك وتعالى هاذين لأنهما أعظم الشواغل، أعظم ما يشغل الناس عن طاعة الله تبارك وتعالى الأموال والأولاد، كثير من الناس يعصون ربهم من أجل أموالهم يقعون في الكبائر والصغائر من أجل المال ومنهم من يعصي الله تبارك وتعالى بالكبائر والصغائر لأجل الأولاد، لأجل أولاده، فكلا الفريقين من الهالكين في الآخرة.
لذلك يجب على الإنسان أن يعرف ما أحل الله من المال وما حرم ويجب عليه أن يعرف ما يعامل به أولاده، لأن معاملة الأولاد في أشياء حق ديني وأما في أشياء فهو معصية لله تبارك وتعالى، وقد صح عن رسول الله ﷺ أن العبد لا تزول قدماه يوم القيامة، أي عن الموقف، حتى يسأل عن أربع، عن أربعة أشياء، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسمه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به» رواه البزار والطبراني.
سؤال يوم القيامة عن هذه الأشياء فيما أفنيت عمرك فمن الناس من أفنوا أعمارهم في طاعة الله، من أول سريرتهم إلى إبان موتهم هؤلاء من السابقين أي من أهل الدرجات العلى الذين يرفعهم الله تعالى فوق عباده درجات، ومنهم من يفني كثيرا من عمره في معاصي الله تبارك وتعالى ثم يتوب قبل أن يموت توبة نصوحا أي يتوب من جميع الذنوب فيأتيه الموت وهو تائب ليس له ذنب إلا وقد تاب منه قبل أن يموت، وهؤلاء أيضا من الناجين من السالمين ليس عليهم عذاب في قبورهم ولا في ءاخرتهم، والصنف الآخر من الناس من هو على خلاف ذلك وهم الذين أضاعوا عمرهم في معاصي الله تعالى فهؤلاء أعظم الناس خطرا في الآخرة.
وهناك صنف ءاخرون من البشر وهم الذين أضاعوا قسما من أعمارهم في طاعة الله ثم ختم لهم بحالة سيئة أي وهم مسترسلون في معاصي الله، كانوا قبل ذلك غير مسترسلين في المعاصي ثم غطسوا في المعاصي حتى ماتوا وهم على هذه الحال، هؤلاء من أسوإ الناس حالا في الآخرة.
وقسم من الناس أفنوا كثيرا من أعمارهم في المعاصي ثم قسما كبيرا في طاعة الله تعالى وهؤلاء أحسن حالا من كثير من غيرهم،
وأما الجسم فيجب على الإنسان أن لا يصرف جسمه في معاصي الله تبارك وتعالى كهؤلاء الذين يقاتلون الناس في غير سبيل الله تبارك وتعالى فتصيبهم جروح وعطب في بعض أجسادهم وهم لا يقاتلون في سبيل الله بل كانوا يقاتلون الناس في سبيل أهوائهم هؤلاء كلهم خاسرون.
وأما القسم الذين يحفظون أجسامهم عن تصريفها في معاصي الله تعالى ويقتصرون على تصريفها في طاعة الله وما أحل الله تعالى من الأمور المباحة فهؤلاء ناجون سالمون يكونون من أهل الدرجات العلى.
وأما الأموال، فالأموال قسمان: مال مذموم ومال ممدوح، المال المذموم فهو المال المجلوب من طريق حرام كالذين يكتسبون المال من الربا، الربا هو أن يقرض الإنسان ماله مع شرط الزيادة كأن يقرض الألف على أن يرد له الألف مع شىء من الزيادة قلت أو كثرت، هذا مال محرم وبال على صاحبه، يوم القيامة يعذب على ذلك أي على جمعه المال من الطريق الذي حرمه الله.
وكذلك الذي يستولي على مال يتيم، يتيم قريب له أو يتيم غير قريب له، أو يستولي على مال الوقف وليس هو من أهل الوقف المستحقين هذا أيضا ماله حرام يكون وبالا عليه في الآخرة لو تصدق به على الفقراء والمساكين وقضى به حاجات المحتاجين أهل الضرورات لا يقبل الله منه لأن الله لا يقبل صرف المال الحرام في الصدقات أو غيرها في أي وجه كان لا يقبل الله.
فمن دخل في يده مال حرام توبته أن يرد ذلك المال الحرام إن كان ذلك المال قائما بعينه أي لم يتلف، لم يتصرف فيه، توبته أن يرد ذلك المال إلى أصحابه المستحقين له فإن مات أصحابه المستحقون له فإلى ورثته، وأما إن تصرف فيه استهلكه وأتلفه وصار لا يمكنه أن يرده إلى مستحقيه بعينه، فإما أن يستسمح صاحب الحق وإما أن يرد له بدل ذلك المال الذي أتلفه عليه، فمن فعل ذلك مع الندم صار تائبا لا يعذبه الله تعالى في الآخرة من أجل ذلك المال.
وأما من جمع المال بطريق حلال مثلا ورث من أبيه مالا كثيرا حلالا ثم صار يصرفه في وجوه الحرام فهذا أيضا ماله وبال عليه في الآخرة يعذب بذلك المال الذي صرفه في الحرام، كالذي يصرف ماله في الخمور وما أشبه ذلك، كذلك الذي يصرف ماله للرياء حتى يقال عنه فلان كريم فلان سخي يصرف للناس من ماله الحلال ليمدحه الناس هذا أيضا يستحق عذاب الله، لأن الذي يعمل حسنة ليمدحه الناس يستحق عذاب الله، إنما السالم الناجي عند الله هو الذي يأخذ المال من طريق حلال ويصرفه بطريق حلال، لا يصرفه في الخمور وما أشبه ذلك من المعاصي، ولا يصرف ماله من أجل أن يمدحه الناس، فالذي يطعم الناس ويبني مسجدا أو مدرسة أو مستشفى حتى يمدحه الناس هذا ليس له ثواب عند الله إلا العقوبة في الآخرة.
فلما كان الأمر كذلك أي أنه لا تزول قدما عبد ذلك اليوم العظيم عن موقفه حتى يسأل عن هذه الأشياء الأربعة كان من الواجب أن يحفظ الإنسان نفسه من استعمال جوارحه في الحرام ومن استعمال ماله في الحرام. وكثير من الناس يعصون ربهم من أجل الأولاد مثلا المرأة يكون لها ولد من أجل ولدها تترك الصلاة صلاة أو صلاتين أو أكثر هذه استحقت عذاب الله. بعض النساء التقيات في الحبشة يروى أنها كانت تربط الولد حتى تؤدي فريضة الله، تربطه حتى لا يتحرك هكذا وهكذا فيقع في مهلكة، ثم بعد أن تنهي صلاتها تفك عنه الرباط.
ومن الناس من يقعون في الكبائر من أجل أولادهم بعدة طرق من ذلك أن بعض الناس من أجل تخريج أولادهم مثقفين ثقافة كبيرة في علوم الدنيا يأخذون المال بطريق الربا لينفقوا على أولادهم، هؤلاء أهلكوا أنفسهم، ثم لا يضمنون النفع الدنيوي من هؤلاء الأولاد.
بعض هؤلاء الأولاد يأخذ الثقافة الدنيوية ثم يعود إلى بلده ثم لا يعتبر أباه الذي تعب عليه شيئا، يحتقره، يقول هذا ما عنده ثقافة ينظر إليه كأنه بهيمة. ومن الناس من يموت أولادهم قبل أن يفرحوا ءاباءهم.
ورد في الحديث: «كم من مستقبل يوما لا يستكمله» رواه البزار، معناه أن الإنسان يصبح الصباح ثم لا يعلم أنه يكمل هذا النهار بل يدركه الموت في أثناء هذا النهار قبل أن يكمله، كذلك كم من الناس من مستقبل ليلة لا يستكملها لأن الموت لا يشاور الشخص بل يأتيه في الوقت الذي علم الله في الأزل أنه يأتيه، حتما يأتيه في ذلك الوقت، من الناس من يموتون فجأة، هذا يموت وهو ماشي في طريقه وهذا يموت وهو يضحك مع الناس، وهذا يموت وهو ساجد في الصلاة، إلى غير ذلك من الأحوال التي يصادف فيها الموت الإنسان.
لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الأولاد أو على المال، الله تبارك وتعالى هو الذي لا يستغنى عنه، أما المال والولد وغير ذلك من أمور الدنيا فليست هي التي تضمن السعادة للإنسان إنما طاعة الله تعالى هي التي تضمن السعادة للإنسان، السعادة هي السعادة الأخروية أما السعادة الدنيوية فهي معلومة.
أكثر الصالحين الذين يحبهم الله تعالى من عباده حظهم من الدنيا قليل، أكثر الصالحين الرسول أخبرنا عنهم بأن الله يحميهم من الدنيا كما يحمي الإنسان مريضه من الماء، بعض الأمراض يحمى فيها المريض من الماء، أي لا يوسع عليهم من المال أما الذين يجمعون بين الغنى والصلاح والتقوى فهم قلة قليلة بالنسبة للآخرين من الأغنياء، أغلب الأغنياء ملتهون بدنياهم عن طاعة الله تبارك وتعالى.
لا يفرح أحد بكون الرجل متقلبا في النعيم متقلبا في الصحة هذا ليس دليل الرضى عند الله، كثير من الناس لما يكونون بحالة بسط ورخاء يقولون: الله يحبني، هذا كذب، إنما الذي يحبه الله تعالى هو المؤمن التقي. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على النبي وآله، والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين من ءادم فمن دونه، وبعد فقد قال الله تبارك وتعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) سورة الدخان. المعنى أن الله أنزل القرءان في ليلة مباركة أي في ليلة القدر، هو القرءان كان في اللوح المحفوظ، كان في الذكر أي اللوح المحفوظ ثم بعد أن تم لسيدنا محمد من العمر أربعون سنة أنزل الله تعالى أي أمر جبريل بأن ينزل القرءان جملة واحدة إلى السماء الدنيا إلى بيت العزة. كانت تلك الليلة ليلة من رمضان في ذلك العام الذي بدأ على الرسول نزول القرءان عليه، جبريل لم ينزله على الرسول دفعة واحدة، إنما بحسب ما يؤمر جبريل من قبل الله تعالى.
كان جبريل ينزل منه ءايات أحيانا، وأحيانا سورا كاملة، كان ينزل جبريل على رسول الله من القرءان أحيانا خمس ءايات، وأول ما أنزل على الرسول من القرءان سورة العلق، خمس ءايات منها، لم تنزل عليه بتمامها بل أنزل عليه منها أولا خمس ءايات ثم بعد عشرين سنة تم نزول القرءان عليه، فلما تم نزول القرءان عليه علم أصحابه ترتيب القراءة، قبل ذلك كان جبريل ينزل عليه بشىء من القرءان ليس على حسب الترتيب الذي هو الآن في المصحف، بل على غير ذلك الترتيب كان ينزل جبريل بشىء من القرءان، إنما بعد اكتمال نزوله أي بعد عشرين سنة من بدء نزول القرءان على رسول الله ﷺ، تم نزول القرءان عليه فعلمهم رسول الله قراءة القرءان على الترتيب الذي هو الآن في المصحف.
ليس أصحاب الرسول باجتهادهم قدموا وأخروا ووضعوا هذه السورة هنا وتلك السورة هناك وتلك السورة في موضع وتلك السورة في موضع ءاخر، إنما على حسب تعليم الرسول رتبوا القرءان كتابة لأن النبي كان أميا لا يقرأ المكتوب ما تعلم الخط، عاش ولم يتعلم الخط ومع ذلك كان أعطاه الله علم الأولين والآخرين، أما بعض الأنبياء الذين قبله كانوا تعلموا الخط حتى عيسى ابن مريم كان دخل المدرسة الابتدائية التي فيها كتاب تعلم هناك الخط الذي كان مستعملا في الأرض التي كان هو بها في فلسطين، كان هو في أناس يتكلمون باللغة السريانية، والإنجيل الذي أنزل عليه كان باللغة السريانية لم يكن بالعربية ولا بالعبرية.
الله تبارك وتعالى أخبرنا في القرءان الكريم بأنه أنزل القرءان في ليلة مباركة. تلك الليلة هي ليلة القدر كانت من رمضان، ليلة القدر لا تكون إلا في رمضان لا تكون في شعبان ولا شهر ذي الحجة ولا في شهر ذي القعدة أو رجب أو غير ذلك إلا في رمضان، ثم هي كانت أيام الأنبياء الماضين أي ليلة القدر، ليست من خصوصيات أمة محمد، هنا في هذه الآية الله تعالى قال: إنا أنزلناه في ليلة مباركة} وقال في موضع ءاخر في القرءان: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} الليلة المباركة التي ذكرت في الآية التي تلوناها أولا هي ليلة القدر ليست غيرها، ثم الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (4) لأن الأمور التي تحدث في العام إلى العام القابل تفرق في هذه الليلة أي ليلة القدر، ليس في ليلة النصف من شعبان كما يظن كثير من الناس، هذا الذي صح أن ليلة القدر التي هي في رمضان هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم أي كل أمر مبرم، أي مما يحدث في تلك السنة من موت وصحة ومرض وفقر وغنى وغير ذلك مما يطرأ على البشر من الأحوال المختلفة إلى العام القابل.
هذا شىء ثابت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله هو روى ذلك، أما أن القرءان أنزل في ليلة القدر فهذا القرءان أخبر به، بنص القرءان ثبت أن القرءان أنزل ليلة القدر، أما أن تلك الليلة أي ليلة القدر هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ابتداء من تلك الليلة إلى الليلة التي في العام القابل هذا مأخوذ من كلام سيدنا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله ﷺ.
وعبد الله بن عباس كان يقال له ترجمان القرءان من إتقانه لتفسير القرءان، برز بين أصحاب رسول الله ﷺ حتى لقبه بعضهم ترجمان القرءان. وكان الرسول ﷺ التزمه ضمه إليه ودعا له، دعا له بفهم القرءان، لذلك بلغ هذه المرتبة أي مرتبة أن يلقب بترجمان القرءان. كان إذا تكلم يقال عنه أفصح الناس، ومن نظر إليه يقول عنه أجمل الناس.
هو رضي الله عنه وعن أبيه قال في قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (4) أي أنه يكون تقسيم القضايا التي تحدث للعالم من تلك الليلة إلى مثلها في العام القابل، وليس كما يقول بعض الناس من أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي توزع فيها الأرزاق لهذه السنة إلى أن تأتي الليلة التي هي في شعبان القابل وهي الليلة التي يبين فيها ويفصل فيها من يموت في هذه المدة ومن يولد في هذه المدة إلى غير ذلك من التفاصيل من حوادث البشر، نقول ترجمان القرءان عبد الله بن عباس قال إن تلك الليلة هي ليلة القدر، وليلة القدر لا تكون إلا من رمضان ليست ليلة النصف من شعبان، مع ذلك ليلة النصف من شعبان لها فضيلة، إذا إنسان أحيا تلك الليلة بالعبادة فيه فائدة، كذلك ليلة عيد الفطر كذلك ليلة عيد الأضحى من أحياها بالعبادة كان له فضل لكن لا نقول إنها هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم.
الملائكة الله تعالى صرفهم في كثير من أمور العباد وفي كثير من أمور أهل الأرض، يتصرفون في المطر، إنزال المطر ليس هكذا من دون مقدار بل الملائكة يتصرفون على حسب تصرفهم تنزل قطرات المطر، كذلك النبات للملائكة فيه تصرف، النبات الذي تنبته الأرض أي ما يأكله الناس والدواب بتصرف الملائكة.
الله تعالى هو خالق كل شىء لا خالق سواه وهو صرف الملائكة في كثير من الأمور، في المطر الذي ينزل لإحياء الأرض الله تعالى صرفهم فهم يتصرفون في ذلك، حتى هذا الرعد رسول الله فسره قال: «الرعد ملك يسوق السحاب بيده مخراق يضرب به السحاب» رواه الترمذي. المخراق هو ليس كمخراق الدنيا الذي يستعمله البشر بل هو شىء ءاخر له شبه، لذلك الرسول قال “بيده مخراق”، المخراق هو هذا الرداء يلف ويضرب به مثل السوط، يلف فيصير مثل السوط، بيده أي بيد هذا الملك المسمى الرعد مخراق يضرب به السحاب فينقل السحاب من أرض إلى أرض، هو يضرب بهذا المخراق السحاب من أرض إلى أرض، لكن الله تبارك وتعالى أعطى الملائكة قوة لم يعطها لغيرهم ما أعطى هذه القوة لا للبشر ولا للجن، ما أعطى أحدا من خلقه من القوة ما أعطى الملائكة.
هناك من ملائكة الله خزان الريح، هذه الريح أيضا تحت تصرف الملائكة، الريح التي تهب في الأرض في هذا الفضاء بتصرف الملائكة أحيانا تكون قوية وأحيانا تكون خفيفة كل ذلك بتصرفهم، على حسب الأوامر يتصرفون ليس تصرفا أعوج عن هوى، كل بأمر من الله يتصرفون، تصرفهم كما أنه في الريح تصرفهم في المطر تصرفهم في النبات، في نبات الأرض، كل ذلك بأمر الله يتلقون الأمر من الله تعالى.
كما أنه تعالى جعل هؤلاء الذين يسألون الميت في قبره تلك الأسئلة الثلاثة هم أيضا يتصرفون بأمر الله تبارك وتعالى، لكن هذه لم تكن أيام الأنبياء الأولين، سؤال القبر في أيام الأنبياء السابقين قبل سيدنا محمد ما كان، هذا في أمة محمد، الله تبارك وتعالى جعل هذا السؤال، حتى المؤمن لما يسأل عنه مع السؤال الأول: «من ربك» والثاني: «من نبيك؟»، يقولون له: «من نبيك؟» وفي لفظ ورد أنهما يقولان: «ما تقول في هذا الرجل – محمد – الذي بعث فيكم» – رواه البخاري والطبراني، فالمؤمن يفرح بهذا الجواب الذي يجيبه لأنه كان معتقدا جازما لم يكن شاكا ولا منكرا، يجيب الملكين بقوله: «محمد نبيي» وبلفظ: «إنه عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به وصدقناه» .رواه
وهذا الذي يرويه بعض الناس مما يقرأ في عدد كثير من البلدان سوريا ولبنان وفلسطين في ليلة النصف من شعبان من قول: “اللهم يا ذا المن ولا يمن عليك” إلى ءاخره لا يثبت عن صحابي من أصحاب رسول الله، لا عن عمر وإن كان روي أن عمر كان يقرأ بعضا منه، بعض هذا اللفظ روي لكن غير ثابت، وكذلك يروى عن مجاهد أنه قال بعض هذا اللفظ. هذا مجاهد من التابعين أخذ العلم عن عبد الله بن عباس لم ير الرسول، وكذلك يروى عن عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله، كذلك يروى عن رجل ءاخر من التابعين يقال له شقيق بن عبد الله، عن كل من هؤلاء الأربعة ليس ثابتا.
ثم إن الذي روي عن هؤلاء الأربعة عمر بن الخطاب ومجاهد وعبد الله بن مسعود وشقيق بن عبد الله بعض هذا اللفظ ليس كله. المروي عنهم بعض هذا اللفظ ليس جميعه، فلا تصدقوا به لأنه خلاف الواقع لأن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر، ليلة القدر في الغالب تصادف ءاخر رمضان أواخره ليلة سبع وعشرين، أو ثلاث وعشرين أو ليلة إحدى وعشرين، وقد تحدث في الشفع أي غير الوتر، ليلة أنزل القرءان دفعة واحدة من الذكر أي اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا إلى بيت العزة، كانت تلك الليلة ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان، على أنه في ذلك الوقت لم يفرض رمضان ولا الصلوات الخمس لأن ذلك كان أول ما بدئ رسول الله ﷺ بالوحي بواسطة جبريل عليه السلام، عليه وعلى نبينا أفضل السلام.
لا يجوز أن يقال إن ليلة القدر لا تكون إلا ليلة سبع وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع عشرة ، بل الأمر الصحيح أن يقال إنها يجوز أن تصادف أية ليلة من رمضان، يجوز أن تصادف أول ليلة من رمضان ويجوز أن تصادف الليلة الثانية ويجوز أن تصادف الليلة الثالثة إلى ءاخر الشهر.
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في طاعة الله تعالى في كل رمضان لأن الثواب فيه أعظم من سائر الشهور، ثواب قيام الليل في رمضان أعظم من ثواب قيام الليل في غير رمضان.
نبي الله سليمان عليه السلام الذي أعطاه الله من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده، الذي أعطاه الله من الملك ما لا ينبغي لأحد غيره، كان إذا صلى الصبح تنبت في مصلاه أي في المكان الذي كان يصلي فيه شجرة فتحدثه، هي الشجرة بقدرة الله تنطق فتحدثه: أنا لكذا أنا لكذا، تقول الشجرة: خلقت لكذا، ثم قبل وفاته نبتت شجرة تسمى الخرنوب([1]) فقال: أنت لماذا خلقت؟ قالت: أنا لخراب هذا البيت، أو لخراب هذا المسجد، فعلم أن أجله قرب فقال: «يا رب أعم موتي على الجن»، أخف موتي على الجن، معناه أمتني من حيث لا تعلم الجن أني قد مت، أمتني وأخف موتي على الجن أي اجعل موتي لا يعلم به الجن.
فلما كان يصلي قائما متكئا، وهو في الصلاة كان متكئا على عصاه قبض الله روحه، ظل عاما كاملا، حولا كاملا وهو قد مات، الجن لم يعلموا بموته، ظلوا يشتغلون الأشغال التي هو كلفهم إياها، الأعمال الشاقة.
هم الجن الكفار ليسوا الجن المؤمنين، الله تعالى قهرهم لسليمان، كانوا مقهورين إذا خالفوا أمر سليمان الله تعالى ينزل عليهم عذابا في الدنيا في الحال، عذابا يهلكهم، ينزل عليهم هلاكهم لذلك كانوا يطيعونه، ظلوا سنة كاملة يشتغلون بالأعمال التي هو كلفهم إياها ولم يشعروا بموته، ثم تسلقت الأرضة على عصاه فأكلتها فخر سليمان وقع فعلمت الجن بموته، وعلمت الجن أنهم لا يعلمون الغيب وأنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سنة كاملة، في الأعمال الشاقة التي كان سليمان مسكهم إياها.
قال الله تعالى:” فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين”. 14 سورة سبأ .
وعلم البشر أيضا أن الجن لا تعلم الغيب، فالله تعالى يطلع الأنبياء على كثير من الغيب ويطلع الأولياء أيضا على بعض الغيب، والملائكة يطلعهم على كثير من الغيب يعطيهم علما بحوادث قبل أن تحدث.
والجن فيهم أولياء، فيهم أناس مؤمنون صلحاء أتقياء يحافظون على حقوق الله وحقوق العباد كما يوجد في البشر أولياء، أولياؤهم يجوز أن يطلعهم الله تعالى بالنور الذي ألقاه في قلوبهم على أشياء من الخفيات، لكن أكثرهم كفار يقال لهم شياطين، من أسلم منهم يقال له مؤمن الجن ومن لم يسلم وبقي على متابعة جده الأكبر إبليس يقال له شيطان. ثم هم أنواع منهم نصارى منهم يهود منهم مجوس منهم بوذيون إلى غير ذلك، كالإنس لهم أديان مختلفة.
كل يوم ينزل فينا ملائكة يتعاقبون، العصر الذين يبيتون معنا ينزلون من السماء والذين باتوا فينا العصر يصعدون، ثم يكون اجتماع الفريقين الصبح، هؤلاء نزلوا وهؤلاء يصعدون، ولا يتعبون من قطع هذه المسافة البعيدة لا يلحقهم أدنى تعب، {عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم”رواه البخاري ومسلم.}
الله تعالى قال عن البشر: {وخلق الإنسان ضعيفا} 28 سورة النساء.ومع ذلك فضل الله البشر على الملائكة وعلى الجن لأن البشر فيهم أنبياء أما الجن فليس فيهم أنبياء. أيام موسى كان جن مؤمنون بموسى ثم في أيام عيسى كان جن مؤمنون بعيسى متبعين له على شريعته.
الله تعالى خلق عوالم كثيرة فالملائكة عالم والجن عالم والإنس عالم، هؤلاء عوالم ذوي العقول، أما البهائم ليسوا من ذوي العقول، هم من عوالم الله تعالى لكنهم ليسوا من ذوي العقول، مع ذلك يجوز أن يخلق الله تعالى في بعض المخلوقات التي هي من الجمادات النطق والإدراك، قد يخلق في بعض البهائم وفي بعض الجمادات الإدراك والنطق، النطق الصحيح الذي نحن نفهمه، أما النطق الذي نحن لا نعلمه فإنما يعلمه من خصه الله بمعرفته كسليمان.
سليمان علمه الله تعالى منطق الطير، كان يفهم من الطير منطقها، أما الشجرة ينطقها الله تعالى في معجزة لنبي، إذا أراد الله تعالى إظهار معجزة لنبيه ﷺ ينطق الشجر والحجر. كان سيدنا علي رضي الله عنه مع النبي في بعض جبال مكة قال علي: “فما استقبلنا حجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله” رواه الطبراني، كان علي يسمع بأذنه سلام الشجر والجبل، هذه حالات خاصة ينطق الله تعالى الجماد فيها، يخلق في الجماد الإدراك لكن بدون روح، من دون روح الله تعالى قادر أن يخلق الإحساس والإدراك والمعرفة والنطق من دون أن يجعل فيه روحا، ليس الروح شرطا عقليا ولا شرعيا للإحساس والإدراك والنطق، إذا شاء الله تعالى أن ينطق شجرا أو حجرا ينطق وقد حصل.
ومن ذلك أن العباس بن عبد المطلب عم الرسول ﷺ جاء الرسول ذات يوم إليه قال له: «أنت وأبناؤك لا تفارقوا المنزل حتى أعود إليكم»، ثم جاءهم قال لهم: «السلام عليكم كيف أصبحتم؟» قالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا رسول الله، ثم قال لهم: «تدانوا» أي اقتربوا، ليقترب بعضكم من بعض، فتدانوا، فوضع عليهم ملاءة، وهي ثوب من قطعة واحدة عريضة، مده عليهم وقال: «اللهم استرهم من النار كستري إياهم بملائتي هٰذه» فأمنت أسكفة الباب والجدران، الأسكفة هي العتبة، قالت الأسكفة: ءامين، ثلاثا، ءامين ءامين ءامين، قال رسول الله ﷺ: «اللهم هؤلاء أهل بيتي استرهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه» رواه الطبراني في المعجم الكبير. الله تعالى بقدرته خلق صوتا في الأسكفة والجدران، جدران البيت الذي كانوا فيه.
هذا العباس رضي الله عنه كان أفضل أعمام الرسول بعد حمزة فيما نعتقد، كان له أولاد عشرة ذكور أولهم الفضل وآخرهم تمام لما رزقه الله العشرة قال: (الرجز)
تموا بتمام فصاروا عشرة يا رب فاجعلهم كراما بررة
الله تعالى استجاب دعاءه فكانوا كلهم من خيار الناس، يكفي أن منهم عبد الله ابن عباس ترجمان القرءان رضي الله عنه.
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الثناء الحسن اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وشرف وكرم، ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم قنا شر ما نتخوف، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي وآله، والله أعلم.