الأحد ديسمبر 7, 2025

النفائس في أنس المجالس

 

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد، فهذا سفر مبارك فيه بعض ما تلقيته من علوم الدين المباركة من شيخنا الولي الصالح الإمام الحافظ المتكلم الأصولي المفسر اللغوي المحقق المدقق
أبي عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن يوسف الهرري موطنا الشيبي العبدري القرشي نسبا الشافعي مذهبا رحمه الله تعالى ورضي عنه.

وقد جعلت في النصف الأول من هذا الجزء دروسا من إملاء شيخنا رحمه الله، وثنيت النصف الآخر بفوائد ومسائل في شتى الفنون والعلوم الشرعية. والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولا وينفع به ءامين.

سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك،  والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين بإحسان وسلم تسليما كثيرا.

خادم دين الله

الشيخ الطيب عبد الرزاق بن محمد الشريف

رحمه الله (الفاتحة)

                                               شيخنا رحمه الله

لقد كان شيخنا رحمه الله تعالى مرشدا مربيا مسلكا زاهدا عالما نحريرا فقيها حافظا مفسرا شافعيا أشعريا رفاعيا قادريا مجازا بكل طرق أهل الله، شديد التواضع عاملا بالسنة ومدافعا عنها قامعا للبدعة ، ينفع الناس ببيانه، يبين الضلالات ويحذر منها، ويبين السنن ويحث عليها، والسنن هي الأمور التي شرعها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من فرائض وغير فرائض.وهو أشبه ما يكون بسيدنا الغوث أحمد الرفاعي الذي قيل فيه:

كان السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه علما شامخا وجبلا راسخا وعالما جليلا محدثا فقيها مفسرا ذا روايات عاليات وإجازات رفيعات قارئا مجودا حافظا مجيدا، حجة رحلة (أي تشد إليه الرحال) متمكنا في الدين،  إلى أن قيل فيه: “أعلم أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله ، بحرا من بحار الشرع سيفا من سيوف الله وارثا أخلاق جده رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

 صنعت لشيخنا الطعام ذات يوم فاحترق الأرز معي فرميته في الزبالة وقدمت له اللوبياء من دون الأرز، فقال لي: أين الأرز؟ فقلت له: احترق، فقال شيخنا الزاهد جبار الخواطر: وإن يكن ائت به.

ومرة قال لي :اصنع لي نبيذ العسل أي العسل مع الماء أو الليموناضة، فقلت له: أنت ماذا ترغب؟ فقال: الأسهل، فقلت: كلاهما سهل، فقال: إذا اصنع نبيذ العسل، فذهبت وأحضرت الليموناضة “نسيت ما طلب”، فشرب ولم يتكلم ولم يعاتبني، ثم تذكرت أثناء شربه فقلت له: لا تؤاخذني نسيت، فقال: لا عليك.

ومرة قال شيخنا لابن أختي أيمن أن يشتري عصير التفاح ليقدمه للطلاب الذين أرادوا زيارته عند حضورهم فاشتراه ووضعه في البراد، فجاء بعضهم وشربه ووضع مكانه مرق اللحم، وفي المساء عندما جاء الطلاب قال الشيخ: يا أيمن اجلب عصير التفاح، فذهب أيمن وفتح البراد وفي ظنه أن الذي في القنينة عصير التفاح لأن اللون متقارب، فسكبه وقدمه للطلاب فشربوا ولم يتكلموا، وعندما شرب الشيخ تبين له أنه مرق اللحم، فقال: يا أيمن ذقه فذاقه فعرف أنه مرق اللحم، فقال له الشيخ: لو سخنته لنا قليلا، ولم يعاتبه.

 هكذا أخلاق الأكابر جعلنا الله مثلهم.

ومرضت ذات يوم فغبت عنه أياما فاشتقت إليه، فلما جئت لزيارته وأنا مريض قال لي: لم كلفت نفسك نحن نأتي إليك، ثم أمر أحد إخواننا بردي إلى البيت بسيارته، وفي صباح اليوم الثاني جاء لزيارتي.  رضي الله عنه.

وكنت أهيئ له الطعام مدة من الزمن كل يوم ولا أجلس معه للطعام إلا إذا طلب مني ذلك، ذات يوم وجدت الذين عنده كثرة فوضعت الطعام وخرجت من الغرفة حتى أوسع المكان لغيري، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن سأل عني لأجل الطعام وناداني وأجلسني قربه لآكل معه وقال: لي أنت لا تحتاج لإذن للجلوس معي للطعام . وكان رضي الله عنه من عطفه وحنانه وكرمه يطعمنا بيده المباركة، وكان ذلك من نعم الله علينا وكان الطعام معه ومن يده من ألذ ما نأكل . وكان إذا تأخر بعض من تعود الشيخ أن يجلسه معه للطعام لا يبدأ بالطعام قبل أن ينحي له جزءا من الطعام حتى إذا حضر أكل منه. شيخ شفوق حنون كريم رحيم.

وكان من عادتي أني ءاتي إلى بيت الشيخ من بيت أهلي مشيا وأعود مشيا فأعطاني خمسين ليرة فاستحيت أن ءاخذها منه فأصر علي أن ءاخذها وقال لي: تركب بها بعض المرات بسيارة الأجرة.

شيخ عطوف شفوق رحيم حنون. 

وكان لحارس البناء أي الناطور حصة خاصة فكان رضي الله عنه مع كثرة شغله ومرضه يسأل عن حارس البناء عن حاله وعياله ويسأل عن مأكله ومشربه ، وكان إذا وصل البناء سلم عليه وقبله وكان يكرمه، مرة أرسل أحد أحباب الشيخ لشيخنا صحنا من أنواع اللحم المشوي فلما جلسوا ليأكلوا الطعام ليلا مع الشيخ وضعوا صحن الأرز وصحن اللحم وهذان كانا للذين يأكلون مع الشيخ، والثريد أي الخبز والمرق للشيخ رحمه الله، فرفع الشيخ صحن اللحم وقال لأحد طلابه: أعطه لحارس البناء وسلم لي عليه. ومرة في شهر رمضان دعاه شيخنا مع زوجته إلى الإفطار، فلما حضر أجلسه على الكرسي وزوجته أيضا، فكان حارس البناء وزوجته وشيخنا وزوجته على طاولة واحدة يفطرون، وهذا قليل مما حدث مع من كان حارسا لبناء سكن فيه شيخنا، فكان شيخنا رحمه الله عاملا بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: “من تواضع لله رفعه الله“رواه البيهقي والطبراني وابن حبان.

ولقد حدثني بعض طلاب شيخنا أنه حين كان معه في سفر ونزل ضيفا عند أناس من أحبابه ناداه الشيخ وقال له: إذا نزلت ضيفا عند أناس فعليك بأمور: لا تكثر النوم، ولا تكثر الأكل، ولا تكثر المكث في بيت الخلاء، ولا تكثر الكلام، ثم بعد ثلاثة أيام تعمل عمل أهل البيت من تنظيف ونحوه.

 ومرة كان يجلس أمام الشيخ فدخل ضيوف كبار في السن ، فنظر إليه الشيخ ليتنحى جانبا فلم يفهم، فقال له الشيخ: إذا دخل الكبار تنحى الصغار.رحم الله شيخنا وجعلنا من العاملين بما علمنا.

وكان شيخنا رحمه الله يذكر مرارا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بحسب ابن ءادم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس” رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان. أي يكفيه لقيمات وهي ما دون الأحد عشر تحفظ له قوة جسده، أما ما زاد على ذلك فليس الأفضل، فقلة الطعام والشراب هو ما عمل شيخنا به وحث عليه، وذلك اتباعا لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وليس للشيخ تعلق بالطعام إنما يأكل قدرا يقوم به البدن بلا زيادة، ومن الشراب كذلك وهذا غالب حاله. فكان طعامه لقيمات تحفظ له قوة جسده، وكثيرا ما لا يزيد في طعامه على اللقيمات ولا يدخل طعاما على طعام بل يأكل مرة واحدة صباحا ومرة ليلا، ولا يشرب مع الطعام، وكان أكثر طعامه مرق اللحم أو غيره مع الخبز، والهندباء والخرشوف “الأرضي شوكي” والحمص واليقطين،

وقال شيخنا إني والحمد لله لما كنت في سوريا قبل أن أسكن لبنان كان طعامي الخبز والشاي واللبن الرائب وأحيانا البندورة ولم أشتر قط اللحم. كان معي شىء من المال أصرف منه لما خرجت من بلادي، ومنذ جئت إلى لبنان ما عملت بالأجرة، كنت أدرس الناس العقيدة وأحذر الناس من كفريات، الله تعالى أقبل بقلوب الناس إلي فصاروا يحضرون الدروس ويسمعون. الشيخ حسان كان يأتي إلي لما كنت في الشام كان يقول لي على وجه المباسطة: لا يوجد إلا الشاي والخبز.

سيدنا صهيب الرومي رضي الله عنه بعد أن هاجر الرسول إلى المدينة، وكان فرضا على المسلمين أن يهاجروا أن يتركوا مكة إلى المدينة، صهيب كان غنيا جدا، المشركون قالوا له: إن تخليت عن مالك نتركك تذهب وإلا فلا. فتخلى عن ماله كله وهاجر بثيابه التي على بدنه. الشخص الذي تعود على التنعم نفسه تستصعب ترك ما تعودته. هو التنعم من تعود عليه قد يجره ذلك إلى المعصية، من ترك التنعم يكتفي بالخبز والتمر، أو الخبز والشاي لا يبالي، التنعم يجر إلى المعاصي.

 

 

 ومن الفاكهة كان شيخنا يأكل الدراقن والكيوي والتفاح الحلو والمنجا والكرز وأحيانا المشمش الحلو وغيرها. وأما التمر فشىء ثابت، وأحيانا كان ينقع سبع تمرات في كوب من الحليب في الليل ثم في الصباح يأكل التمرات ويشرب الحليب. وكان من عادته أنه يحب أن يشرب الحليب قبل أن يغلى لأن بعض المنافع التي فيه تذهب بالغلي وخصوصا لبن الإبل أي حليبه ، وكان يحب أن يشرب الشاي بالحليب مع الهيل وأحيانا يضاف إليه القرفة، وكان يحب أن يشرب مرق اللحم وأن يشرب الماء مع العسل وعصير التفاح الحلو وعصير الجزر وأحيانا عصير القصب، وكان إذا شرب شيئا أو أكله إنما يفعل ذلك لفائدة فيه، وكان يقرأ عنه في كتب الطب العربي ككتاب المعتمد في الأدوية المفردة ويسأل أهل المعرفة عن فوائد هذه الأشياء.

وكان شيخنا رحمه الله عاملا بالسنة يجلس كما السنة إذا جلس للطعام جلس على الأرض يثني الرجل اليسرى ويرفع اليمنى كما السنة ويطعم جلساءه بيده ويكرمهم ويأكل بأصابعه الثلاثة فإذا أنهى الطعام لعق الإناء بإصبعه ولحسه كما ورد في السنة

فقد قال رسول الله “القصعة تستغفر للاعقها”معناه تتكلم بقدرة الله تقول اللهم اغفر له.

(حديث “من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة”رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والدارمي والبيهقي.)

 وكان عاملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه”رواه الحاكم. فلا يأكل الطعام إن كان شديد السخونة بل كان ينتظر حتى تخف سخونته، وإن كان شرابا حارا طلب تقليبه ليبرد.

 وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإيثار على نفسه فيطعم من معه أطايب الطعام ويأكل الخبز والزيت والعسل، مرة وضع له القريدس المسلوق مع مرقه مع الخبز، وهذا بطلب من الطبيب فأطعم الذين معه كل القريدس وأكل المرق والخبز، هو يريد الفائدة وليس اللذة، وكان كثيرا ما إذا قدم  له الكبد المشوي وذلك بناء على طلب الطبيب أيضا أكل منه القليل وأطعم من معه الباقي.

 مرة عندما رجع أحد طلاب شيخنا من السفر وكان وزنه زاد في هذا السفر جلس صباحا مع الشيخ للطعام وكان يوجد الثريد ويوجد اللبن والجبن والزيتون، فصار هذا الطالب يخلط الثلاثة في لقمة واحدة والشيخ يراقبه، فقال له الشيخ: يا فلان الصحابة كانوا يأكلون في الصباح طعاما واحدا وفي المساء طعاما واحدا أنت الآن تأكل من هذا فقط وقرب إليه الثريد ورفع تلك الثلاثة.

عادات السادات سادات العادات وسادات الخلق هم الأنبياء والأولياء.

كنت ذات يوم ءاكل معه ولما أنهينا كان شيخنا كعادته في ذلك الوقت يشرب الشاي الأحمر عقب الطعام، وبينما نحن نشرب الشاي جاءت ابنتي وكان عمرها نحو ثلاث سنوات وقالت: أريد الشاي، فقال الشيخ رحمه الله: اسقها ، فسقيتها فنجان الشاي الصغير، فلما أنهته قالت: أريد المزيد،فقال شيخنا رحمه الله: يكفي، فهلا عودنا أولادنا على عدم الحصول على كل ما يرغبون من طعام وشراب ونحو ذلك، تهذيب النفوس يبدأ به من الصغر.

وكان شيخنا رحمه الله كثير الادهان بالزيت ولا يقال في اللغة زيت إلا لزيت الزيتون، وكان يقول: كثير من العلل تندفع بالادهان بالزيت، وقد أهمل أكثر الناس ذلك هذه الأيام. وقد حدثه أخي الشيخ نبيل عن امرأة كان يدرس في بيتها من ءال الرفاعي، قالت له لي ستة أولاد كلهم في صغرهم كنت أدهن كل جسمهم بزيت الزيتون فكانوا لا يمرضون، فقال له الشيخ حدث الناس بهذا،

وكان شيخنا رحمه الله يشرح ما في كتاب الزبد

وغبا ادهن وقلم ظفرا ، أي ادهن يوما بعد يوم وقصر أظفارك إذا طالت، وكان يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة”رواه أحمد والنسائي والحاكم والطبراني وابن ماجه والترمذي والبيهقي. ويقول من أكله اتباعا له صلى الله عليه وسلم فله ثواب، ومن ادهن به اتباعا فله ثواب يعني عملا بقول رسول الله، وكان شيخنا كثير الادهان بالزيت من رأسه إلى قدميه ولا سيما بالزيت العتيق الذي مضت عليه سنون كثيرة فإنه أكثر نفعا للادهان به ، وكان كثيرا ما يدهن في غرفة مغلقة لا يدخلها الهواء، وأحيانا يدهن بدهن الخردل.

  وقد حدثنا شيخنا رحمه الله أنه منذ نحو خمسين سنة أصابته علة في عينه فصار يرى النصف سوادا، قال: فاشتريت من ناحية باب حمص زيتا عتيقا وقطرت منه يومين فذهبت العلة، وكان أحيانا يدهن في الشمس لمزيد فائدة، وقد علمنا رحمه الله أن شرب الزيت مع العسل على الريق فيه منفعة كبيرة، فكان أحيانا يضع ثلاث ملاعق كبيرة من العسل مع ثلاث ملاعق كبيرة من الزيت يخلطها ويشربها على الريق ولا يأكل عقبه إلا بعد مضي وقت، وعلمنا أن عمر رضي الله عنه كان يقول” الشمس حمام العرب” وأن الشمس تظهر الداء الدفين، وأن العجم كان عندهم بخار كانوا يقعدون فيه ليعرقوا، أما العرب فيمشون في الشمس حتى يعرقوا فيستفيدوا.

 ومرة كان أخي الشيخ نبيل مع الشيخ في البيت وحده فقال له شيخنا هات الطعام، فذهب أخي إلى المطبخ وفتح البراد فلم يجد شيئا فيه، فقال للشيخ: لا يوجد طعام، فقال له الشيخ: ألا يوجد زيت؟ قال: بلى، قال وخبز؟ قال: بلى، فقال الشيخ: هذا طعام هاته، لا تقل لا يوجد طعام. قال أخي فأكلنا خبزا وزيتا وكان هذا طعامنا ذلك اليوم.

 وكان شيخنا رحمه الله كثيرا ما يكتفي بالخبز والزيت أو الخبز والبندورة ، وأحيانا الخبز يوضع في ماء ساخن مع شىء من الملح وعليه اللبن، وأحيانا كان يأكل الخبز واللبن، وكان يقول لنا إن عادة العرب القديمة أنهم كانوا يأكلون مرتين فقط مرة أول النهار ومرة ءاخر النهار وهذا أوفق للصحة. وفي ءاخر حياته عندما اشتد به المرض كانت زوجته تطعمه الثريد فبعد نحو خمس لقيمات قال: اكتفيت، فألحت عليه ليزيد فلم يقبل واكتفى بذلك. ومرة أكل لقيمات ثم ألح عليه ليزيد فما كان يقبل، فقيل له إكراما لرسول الله كل هذه، فقال رضي الله عنه: رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التقليل.

 وكان كثيرا ما يأكل الثريد اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأكل الثريد، يقول عليه الصلاة والسلام” فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”رواه البخاري ومسلم وأحمد.

 وكان يقول: الثريد أسهل للهضم وأسهل في المضغ فلا يأخذ وقتا طويلا. وكثيرا ما كنا نأكل معه في الفطور الخبز مع الحليب وكان يضيف إليه الزيت.

 وكان يضع بقرب سريره زجاجة فيها زيت فإذا أفاق من نومه صباحا شرب منها، وأحيانا كان طعامه الزيت والخبز فقط، وفي مرات أخرى يغمس الخبز في العسل ثم في الزيت ويأكل.

وكان شيخنا رضي الله عنه في بعض الأحيان يحبس زيتا في فمه لوقت قصير ويحركه يمنة ويسرة ثم يبلعه أو يمجه، وأحيانا يضع الزيت في فمه ويستاك والزيت في فمه وهذا ينفع اللثة نفعا عظيما،

 وكان أحيانا يدهن بالزيت مرتين مرة بعد الفجر ومرة بعد العشاء كل ذلك بالزيت العتيق بعد تدفئة الزيت، يطلب أن يسخن الماء ويوضع الإناء الذي فيه الزيت في الماء الساخن.

مرة ابن أختي أيمن أصابته علة في ركبته فصار يحس بألم عند كثرة الوقوف أو المشي، وفي ءاخر مرة دهن للشيخ فيها أطال الوقوف فصارت رجله تؤلمه، فقال له الشيخ: يكفي، الآن ادهن رجلك، قال: فظننته طلب أن أدهن له رجله لأنني لم أخبره بألمي، فبدأت برجله فقال: رجلك رجلك، وأشار بيده إلى ركبتي حيث موضع الألم، قال فأخذت زيتا من ظهره ومسحـت به موضع العلة فذهبت العلة بفضل الله تعالى.

وكان شيخنا رحمه الله قبل نومه أحيانا يتريض وهو يذكر الله، وأحيانا كان يقول وهو يمشي: رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.

وكان شيخنا رضي الله عنه عاملا بحديث “أطعم الطعام وأفش السلام وصل بالليل والناس نيام”رواه البزار والبيهقي. فكان كثير الإطعام لمن عنده كثير الإفشاء للسلام مواظبا على قيام الليل ولو كان في شدة مرضه، فكان من عادته أنه يستيقظ قبل دخول الفجر بنحو ساعة أو أقل فيتوضأ ويصلي ما شاء الله له أن يصلي وينتظر دخول الفجر فإذا تأكد من دخول الوقت بدأ بالتحصن ب “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شىء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم” ثلاث مرات. رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد والبزار والنسائي والحاكم وأبو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان، ثم تقام الصلاة فيصلي، فإذا أنهى صلاته قرأ بعض الأوراد الواردة التي يداوم عليها والتي منها “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم” رواه أبو داود. وذكر الله وجلس ينتظر صلاة الضحى، وفي انتظاره يشتغل أيضا بالعلم بمطالعة كتب أهل السنة حتى يدخل وقت الضحى فيصلي صلاة الضحى فيكون عاملا بحديث “من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة” رواه الترمذي. ثم يستلقي شيخنا قليلا والسبحة تدور في يده وهو يهلل ويستغفر وأحيانا ينام قليلا ثم يستيقظ ويشتغل بالذكر، ثم يجلس مع طلابه فيسألونه عما عرض عليهم من مسائل، وعند نحو العاشرة يأكلون معه، وقبل أن يبدأ بالأكل يغسل يده وغالب أكله كما ذكرنا سابقا خبز ومرق وأحيانا هندباء، ثم يغسل يده، ثم يمشي خطى بعد الطعام، ويستاك ويخلل بالخلال، ثم بعد ذلك يبدأ المريدون بقراءة الكتب على الشيخ وكان يقرأ عليه أحيانا في مجلس واحد في ثمانية كتب بعضها في التفسير وبعضها في الحديث وبعضها في الفقه وبعضها في الأصول وبعضها في النحو وبعضها في السيرة وبعضها في غير ذلك فإذا دخل الظهر أمر بالتأكد من دخول الوقت فإن كانت الشمس ظاهرة أمر بمراقبة الظل هل مال عن وسط السماء، فإذا تأكد من دخول الوقت أمر بالأذان، فإن كان عنده من هو قوي الصوت حسنه طلب منه أن يؤذن، ثم يصلي الراتبة ويأمر بصلاتها ثم الإقامة، وما بين الأذان والإقامة يشتغل بالذكر والدعاء لأن هذا من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ثم يصلي مع المحافظة على السواك قبل الدخول في الصلاة، وكان يحافظ في أكثر الأحيان على لبس القلنسوة والرداء في أثناء صلاته، فإذا أنهى الصلاة اشتغل بالذكر والدعاء عملا بحديث “أسمع الدعاء ما كان في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات”رواه الترمذي.

(عن أبي أمامة قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم * أي الدعاء أسمع قال “جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات”رواه النسائي والترمذي وقال هذا حديث حسن.)

 ثم يصلي الراتبة البعدية ثم يشتغل كعادته إما بإعطاء درس أو بالإجابة على أسئلة أو بإقراء من لم يقرأ بعد من المريدين الذين يقرؤون عادة، ثم يستلقي قليلا ويجلس أحيانا في الشمس لينتفع بحرارتها.

وخلال هذا الاستلقاء أو الجلوس يسألونه ويستشيرونه إلى دخول العصر فالأذان والإقامة ثم الصلاة، وأحيانا يكون درس عام لمن يسر الله له أن يجتمع في بيت الشيخ، وبعد الدرس المسائل والاستشارات والتعرف إلى بعض الناس ويقرب الجديد إليه، وإن كان  كبيرا في السن جلب له كرسيا وأجلسه بقربه، وكان من عادته أن يقدم للضيوف الشاي بالحليب، وكثيرا ما كان شيخنا يدرس كل يوم درسين أو ثلاثة أو أكثر غير ما يقرأ عليه، ومرة أعطى نحو ثمانية دروس متوالية، ثم قال له أخي الشيخ نبيل لو ترتاحون قليلا، فقال :نعم، فدخل إلى الغرفة واستلقى دقائق، ثم قام وقال: نعود إلى الناس، فقال له أخي: بعد ما ارتحتم، فقال: الناس ينتظروننا.

 ثم بعد نحو السادسة والنصف يتهيأ شيخنا لصلاة المغرب وبعد الصلاة أيضا ذكر وسواك، وكان محافظا بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الفجر على قول “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شىء قدير” عشر مرات وهو ثان ركبتيه قبل أن يقوم من مجلسه.

(عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير” عشر مرات كتب له بكل واحدة قالها عشر حسنات ورفعه الله بها عشر درجات وكن له كعتق عشر رقاب وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره”رواه الطبراني والترمذي والنسائي وأحمد.(مسلحة أي سلاحا يحفظه)

 وكذلك كان يقول “اللهم أجرني من النار” سبع مرات عقب صلاة المغرب وصلاة الصبح،

(عن الحارث بن مسلم أنه أخبره عن أبيه مسلم بن الحارث التميمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه أسر إليه فقال “إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك جوار منها وإذا صليت الصبح فقل كذلك فإنك إن مت في يومك كتب لك جوار منها”رواه أبو داود والطبراني والنسائي وابن حبان ) (جوار أي خلاص)

 ثم في قريب السابعة يوضع الطعام فيدعو شيخنا الكبير والصغير والضيف مقدم على غيره، ويدفع شيخنا بما طاب من الطعام إلى غيره ويترك لنفسه الخبز والمرق والزيت والعسل، وإن كان عنده ضيوف جاؤوا من سفر يشتري لهم طعاما خاصا لإكرامهم يكون فيه أحيانا من أنواع اللحم المشوي، وبعد الطعام يحمد الله كثيرا ويقول “الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا”رواه النسائي والطبراني وأبو داود وابن حبان.

ويقول “الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة“رواه الطبراني وأبو داود وابن ماجه والترمذي والبيهقي،

 ويمشي في البيت بعد الطعام خطوات نحو أربعين أو أكثر لأن بعض الأطباء العرب أشاروا عليه بذلك، ثم يجلس لمؤانسة من حل ضيفا، ثم في نحو الثامنة يصلي شيخنا العشاء بمن بقي في البيت وكالعادة الذكر والسواك يرافقانه، وبعد العشاء يصلي ركعتين ثم يوتر بركعة، وأحيانا يصلي أكثر من ذلك، ويدخل غرفته للراحة فيقرأ سورة الملك وهو مستلق في فراشه، ثم بعد نحو نصف ساعة يخرج شيخنا ولا يكون قد بقي في البيت عادة إلا من يبيت عنده من خدم أو ضيف، وهنا يطلب الدوسمي أي الماء مع العسل لأنه يريد ما ينشط لعمل الليل، فيطالع في الكتب إلى قريب الواحدة ليلا وأحيانا إلى الثانية ويتخلل هذه القراءة أيضا مسائل واستشارات وذكر وأحيانا يدخل من عنده سفر للوداع، وفي قريب الثانية يدخل شيخنا الغرفة ليرتاح، فيستلقي والسبحة تدور في يده مع التهليل والاستغفار وغير ذلك، ثم ينام قليلا وكلما استيقظ في الليل ذكر الله، ومن جملة ما يقول “لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار “رواه النسائي والحاكم.

 فكأنه لا ينام مع كبر سنه وكثرة أمراضه وكثرة تعبه في النهار، لا ينام إلا وقتا قليلا، فإذا صارت الساعة نحو الرابعة قام لصلاة الليل، كل هذا يدل على علو شأنه، فالاستقامة كما قال العلماء عين الكرامة، وكان شيخنا يقول لطلابه: يا أهل العافية صلوا السنة. فينبغي لنا إن لم نكن كشيخنا أن نتشبه به، ومن قرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف أن شيخنا كان شديد الاتباع والتشبه به.

           وكان شيخنا رحمه الله يحب السواك كثيرا ويحث على استعماله وكان يحب السواك أن يكون من خشب الأراك وأن يكون جديدا وأن يكون  لينا، وكان يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر السواك كحديث “ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة من دون سواك“أخرجه البزار والبيهقي بسند جيد عن السيدة عائشة رضي الله عنها.

وكان يقول: السواك يضاعف أجر الصلاة، وكان يحب ممن يرافقه أن يكون على وضوء وأن يكون طيب الرائحة وأن يكون ملازما لحمل السواك، فالسواك يطيب رائحة الفم ويبيض الأسنان ويشد اللثة ويساعد على تصحيح الحروف، وإذا دلك به لسان الطفل الذي تأخر نطقه يساعده على النطق، ويقوي الدماغ ويذكر بالشهادة عند الموت ويسخط الشيطان ويفرح الملائكة. وكان شيخنا إذا استيقظ من الليل استاك عملا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يشوص (أي يدلك) فاه بالسواك. وكان شيخنا أحيانا يضع العسل في فمه ويستاك بالأراك وهو في فمه، وكان يقول ما لا يزيله السواك يزيله العسل، وأحيانا يمسك زيتا في فمه ويستاك كما ذكرنا.

 وكان يذكر حديث “تهادوا تحابوا“رواه البخاري في الأدب والبيهقي والطبراني. وحديثا قدسيا فيه “حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتزاورين في ،وحقـت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتباذلين في” )حقت أي ثبتت)

(قال عبادة بن الصامت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى : ( حقت محبتي على المتحابين في وحقت محبتي على المتناصحين في وحقت محبتي على المتزاورين في وحقت محبتي على المتباذلين في وهم على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون بمكانهم )رواه ابن حبان والبيهقي والحاكم.

 ويقول ينبغي للمسلم أن يبذل لأخيه المسلم شيئا ولو خفيفا كالسواك عملا بهذا الحديث، وعلمنا أن الاستياك يستحب عرضا وعلى كراسي الأضراس وأن يمر على اللسان، وعلمنا أن رسول الله قال “السواك مطهرة للفم مرضاة للرب“رواه ابن حبان والبيهقي والنسائي وابن ماجه والطبراني. وعلمنا أنه ثبت في الحديث أن رسول الله استاك بعد الزوال وهو صائم، وأن نقول بأن ذلك يستحب حتى للصائم ولو بعد الزوال، وعلمنا أن الصحابة لشدة فقرهم كان بعضهم لا يجد ما يستر به العورة إلا قماشة يثقبها ويدخلها من الرأس ليستر العورة، ولا يجد قميصا له جيب، فيضع السواك على ظهر أذنه لشدة اعتنائهم بالسواك، فينبغي لنا أن نضع سواكا في جيبنا وسواكا عند مصلانا وسواكا عند فراش نومنا، وكان لشيخنا العديد من الأسوكة، فكان في جيب قميصه وتحت المخدة وعلى سجادة الصلاة وفي موضع جلوسه وغيرها من المواضع، وهذا مما يذكر بالسواك في عدة مواطن، وكثيرا ما كان يستعمل السواك بعد الوضوء وقبله وعند القيام إلى الصلاة وعند القيام من النوم وكذا بعد الطعام، وكان يكتب على سواكه حرف الشين حتى لا تضيع إذا اختلطت بمساويك غيره، وغالب أسوكته معتدلة ليست نحيفة ولا غليظة.

حصل مرة أن أحد طلابه وقف خلفه للصلاة، فقال له الشيخ: ما معك سواك؟ فقال: لا، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “استاكوا ولو بالأصابع” .(رواه ضياء الدين المقدسي بإسناد حسن بلفظ “يجزئ من السواك الأصابع”)

 

وكان شيخنا رحمه الله عاملا بحديث “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا“رواه الطبراني وأبو يعلى. فكان يبدي اهتماما كبيرا لمن زاره من كبار السن ولو كان من مريديه، فيقربهم إليه ويجلسهم على الكرسي ويسألهم عن أحوالهم، فإن كان وقت الطعام قدمه على المائدة وجعل القدر في ناحيته، وطلب منا أن نأتي بالماء لنغسل يدي هذا الكبير وإذا أنهى الطعام أن نفعل له مثل ذلك، وإذا دخل عليه كبير وقف ورحب به وأجلسه على الكرسي، وكان شيخنا عند جلوسه الطويل يضع رجله على كرسي صغير أحيانا لعلة فيها، فإذا دخل عليه مسن استأذنه شيخنا بأن يترك رجله عليها، وأحيانا لا يستأذن بل ينزلها إلى الأرض، وإن ءالمته وأراد مدها يستأذن الحاضرين.

 مرة دخل أحد طلاب شيخنا عليه وكان بقرب الشيخ رجل كبير فقبل التلميذ يد الشيخ وجلس، فناداه الشيخ وقال هذا فلان سلم عليه. وكان إذا جاءه ضيف من الخارج أكرمه واهتم به ويطلب منا أحيانا أن نأتي له بالطعام والعصير ونهيئ له الطعام والمبيت، وكان الشاي والحليب هو أكثر ما يطلبه الشيخ للضيوف إضافة إلى البنزهير والدوسمي، وقبل أن يخرج الضيوف من عنده يطعمهم السكر الأبيض.

 في ءاخر حياة شيخنا رحمه الله كان اشتد به المرض والألم وكان أحد طلابه بقربه على السرير وكان يمسك بيده اليسرى إحدى يدي تلميذه وكان من شدة الألم يتحرك يمينا وشمالا ويقول: الله، بدلا من ءاخ كما هو عادة أكثر الناس اليوم، فدخل عليه رجل كبير في السن فتوقف عن الحركة وتبسم في وجه ضيفه وقال له مرحبا بك أهلا وسهلا، ولكن صار من شدة الألم يشد على يد تلميذه حتى ظهر أثر أظافره على يده ويحاول عدم إظهار ما به للضيف، وطلب أن يؤتى للضيف بالعصير.

كان شيخنا رحمه الله شديد الأدب والتواضع عاملا بالهدي النبوي وكان إذا دخل الكبير يعلمنا أن يقوم له الصغير وأن يقعده مكانه حتى إنه مرة كان أخي مع شيخنا، قال أخي زرنا رجلا كبيرا فجاء بما يضيفنا ونظر الشيخ إلي وقال خذ عنه، فأخذت عنه وقمنا بالضيافة. وإذا جاء الكبير قام له وصافحه وقبله وأقعده في مكان يليق بحاله ولاطفه وسأله عن حاله وصحته وأهله وطلب منا أن نكرمه بالضيافة عملا بحديث “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه“رواه البخاري ومسلم وأحمد والبزار والبيهقي والحاكم والطبراني وغيرهم. وكان يطلب من  أخي أن يذهب للكبار  ويزورهم ويسلم له عليهم ويرسل لهم الهدايا، وكان شيخنا من تواضعه يطلب من بعض طلابه أن يرقوه بالفاتحة سبع مرات وأحيانا يطلب من بعضهم أن يرقيه بالفاتحة سبع مرات صباحا وسبع مرات في ءاخر النهار وأن يفعل ذلك سبعة أيام، وكان إذا علم بمرض أحد طلابه رقاه وإذا غابوا سأل عنهم وزارهم، وإن كان في شدة المرض كلمهم بالهاتف ودعا لهم وجبر خاطرهم، وإن كانوا بحاجة للمال أرسل لهم من غير أن يسألهم.

مرة مرضت مرضا شديدا فخافت أمي علي فأخذتني إليه فنظر إلي وقال: أصابته عين، ثم رقاني فلما رقاني تقايأت،

 وكان شيخنا رحمه الله يصبر على الجاهل رجاء أن يصطلح حاله ويعلم الإنسان بقدر ما يرجى أنه يقبل، وكان يسأل طلابه عمن غاب من الطلبة فإن لم يلق جوابا يعتب على طلابه قائلا: ما تسألون عن أخيكم؟

وأصاب شيخنا ذات يوم مرض شديد يقال له النار الفارسية وهو ما يسمى اليوم بزنار النار فأراد الخروج للتدريس وهو في هذه الحال فقال أحد الطلبة: مولانا أنت مريض، فقال: هنا ألم وهناك ألم.

وكان أخي الشيخ نبيل إذا أراد السفر للدراسة في أزهر مصر قام الشيخ مودعا له إلى الباب، وكان عمر أخي نحو ست عشرة سنة، وكان الشيخ يقول له: لولا مرضي لرافقتك إلى المطار.

وأما يوم الأحد فكان بالنسبة لشيخنا رحمه الله كغيره من الأيام فالشيخ دائما في همة عالية للخير والتدريس، لكن حضور الناس إليه يختلف عن باقي الأيام لأن عادة أهل بلادنا أنهم يخرجون يوم الأحد للتنزه، وهذه العادة لم تكن تعجب شيخنا، فيكون عنده وقت أكثر للنظر في كتب أهل الحق والنظر في كتب أهل الضلال ليحذر منها وللتأليف، ويزيد في صلوات النافلة، ولا يخرج للنزهة في يوم العطلة كعادتنا، وإنما كان يخرج في أوقات مختلفة للرياضة ثم يجلس في مكان ينظر فيه إلى البحر أو إلى النهر أو إلى الأشجار، عملا بقول سيدنا علي عليه السلام: “روحوا القلوب ساعة فساعة”معناه أريحوها، إذا تعب يرتاح ثم يعود يعمل ثم يرتاح وهكذا، وكان يقول: إذا لم أخرج للرياضة أمرض، وكان يقول: كثير من الأمراض تندفع بالرياضة.

(عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“روحوا القلوب ساعة بساعة” أخرجه القضاعي في مسند الشهاب ورواه الديلمي)

 يقول ابن أختي أيمن في يوم أحد صباحا كنت أنا وصديقي سامي القاضي الذي يخدم شيخنا نتحدث واتفقنا على الخروج الأحد الذي يليه للنزهة، ثم خرج شيخنا من غرفته وكانت الساعة نحو العاشرة، فنظر فلم يجد سوانا، فسأل عن بعض من عادته الحضور ضحى، وأجبناه بأننا لا نعرف أين هم، فقال: ما هذه العادة في بلادكم يوم العطلة يذهبون للنزهة، ما هذه العادة؟! وقال في بلادنا في يوم العطلة يأخذون الأولاد لزيارة القبور أو للمكث في المسجد، ما هذه العادة عندكم؟!

 قال ابن أختي فقررت أنا وصديقي إلغاء مشروعنا.

وقال ابن أختي أيمن مرة أردت الخروج للعمل فلما وصلت إلى الباب خرج الشيخ من غرفته وقال لي: تمهل، معك وقت، فقلت: نعم، فقال: تعال، ودخل إلى المطبخ، وقال لي: اعمل الدوسمي (أي نبيذ العسل أي الماء مع العسل) واحدة لي وواحدة لك، وبعد أن عملتها قال لي: اجلس، فشربت أنا وهو، ثم قال لي: الآن إن شئت تذهب إلى العمل،

 ومرة عملت له زوجته طعاما لذيذا، فأكل لقمة فأعجبه، فطلب كوبا من الماء فسكبه عليه حتى يتغير، فقالت له زوجته:لم فعلت ذلك، فقال: الصالحون إذا أحبوا شيئا غيروه. ومرة كنت ءاكل معه الخبز والشاي بحليب وعليه زيت الزيتون، وكان طعمه لذيذا، وكان يوجد اللبن الرائب، فأخذه وسكبه فوقه وصار يملأ الملعقة ويطعمني بيده. يريد تعليمنا مخالفة النفس وتهذيبها رضي الله عنه.  

ويقول أخي الشيخ نبيل حفظه الله أكرمني الله بمعرفة الشيخ عبد الله في صغري قبل البلوغ، فقد كان يعرف والدي ويبيت أحيانا في بيتنا في “الصالون”، وكان والدي يسأله ويستفيد منه ويحبه، وأذكر أن الباب طرق مرة بالليل في يوم ماطر، فنظرت فإذا هو الشيخ عبد الله، فتحت له الباب وكان يحمل شمسية صغيرة تقيه المطر، فاستقبله والدي وقبله، وكان لوالدي خاطر عند الشيخ رحمهما الله، وكان يسأله ما لا نسأله، فقال له مرة وأنا حاضر أسمع:هل صحيح أنك اجتمعت بالأولياء في غار حراء ، فقال الشيخ: ما اجتمعت بهم في غار حراء، فقال والدي: هل صحيح أنك اجتمعت بالخضر عليه السلام؟ فقرأ لك على صدرك فصرت لا تنسى ما تحفظ؟ فأطرق شيخنا رأسه وقال بتواضع شديد: صحيح. وأخبركم  أنا عبد الرزاق أن هذه القصة بلغتني من أكثر من طريق، وأن هذا حصل مع شيخنا في المدينة المنورة، يقول أخي وأخبركم أنني صرت كلما مضت مدة أذكر هذه القصة للشيخ فيتبسم ويقول بطريقته المؤنسة: هكذا،

 لقد اجتمع شيخنا رحمه الله بسيدنا الخضر عليه السلام في اليقظة كما أخبر شيخنا  بذلك في ثلاثة مجالس مختلفة. مجلس فيه الحاج محمود مشرف مع الشيخ في المدينة المنورة ومجلس كان فيه أخي الشيخ نبيل  في بيروت مع والدي لما سأله أبي عن ذلك. ومجلس كان فيه الدكتور الشيخ  كمال الحوت بدمشق. وذكر أن الخضر عليه السلام قرأ له على صدره فصار لا ينسى ما حفظ. وقال شيخنا لكني لم أصافحه.

أخبرنا الشيخ الدكتور كمال الحوت أنه سمع الشيخ صبحي العدولي الدمشقي يسأل الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله: هل صحيح أنك اجتمعت بسيدنا الخضر فقرأ على صدرك فثبتت محفوظاتك، وهل صحيح أنك خليفة الشيخ بدر الدين الحسني، وهل صحيح أنك خليفة الشيخ أحمد العربيني.

فقال الشيخ: نعم اجتمعت بالخضر وقرأ على صدري،

 وقال: رأيت الشيخ بدر الدين الحسني في المنام وأعطاني الخلافة في الحديث،

 وقال: طلبت من الشيخ أحمد العربيني الإجازة في الطريقة القادرية، فقال: حتى يأتي الإذن من الشيخ عبد القادر، وفي اليوم الثاني قال للشيخ: يقول لك الشيخ عبد القادر: اشتغل بالعلم والحديث، ثم قبل وفاة الشيخ أحمد بسبعة أيام جاء هو إلى الشيخ عبد الله وقال له: جاء الإذن، وأعطاه الخلافة، ثم توفي بعد نحو سبعة أيام.

وقال الشيخ  الدكتور كمال الحوت إن الحاج محمدا منيمنة كان موجودا يومذاك سنة 1977 ر في مسجد القطاط في دمشق.

وقال زياد غنام إنه سمع القصة عن الشيخ بدر الدين الحسني وقد سئل الشيخ عنها  فأقر.

 وقال الشيخ الدكتور جميل حليم والشيخ جمال صقر إنهما سمعا قصة الخضر وقصة الشيخ أحمد العربيني من الشيخ في مجلسين متفرقين، سئل عن هذا فأقره.

وقال الشيخ جميل حليم إنه سمع الشيخ عبد الله وقد سئل عن الشيخ بدر الدين الحسني، فقال الشيخ: أرسلوني بعده.

 وقال رجل من أهل دمشق اسمه الشيخ صلاح كيوان إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يشير له إلى رجل أسمر هو لا يعرفه، وقال له: هذا خليفة الشيخ بدر الدين الحسني. وكان الشيخ عبد الله لم يذهب بعد إلى دمشق ، فهذا الشيخ صلاح كيوان صار كلما رأى شخصا أسمر يدقق فيه النظر لعله ذاك الذي أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، فصار يسأل عنه ويبحث إلى أن رءاه في دمشق في أحد المساجد، لكونه شيخا يتردد على المساجد، فعرف أنه هو الذي دل عليه الرسول في الرؤيا فصار هو يشهر ذلك بين الناس. فقال للشيخ عبد الله: أنت الذي رأيتك في المنام وقال لي رسول الله إنك خليفة الشيخ بدر الدين الحسني.

 

وقال الشيخ عبد الله رحمه الله:”أنا مجاز بالطريقة الرفاعية من طريق الشيخ محمد طاهر الكيالي الشريف الرفاعي

ومن طريق الشيخ عبد الرحمن السبسبي

وكلاهما مظنة ولاية” ـ أي أظن أنهما من الأولياء .

عندما ذهبت إلى الشيخ محمد طاهر الكيالي لأخذ الطريقة الرفاعية قال لي: “حتى يأتي الإذن، الآن اشتغل بتعليم الناس”. ثم قال لي: “جاءني السيد أحمد الرفاعي في المنام وقال لي أن أعطيك الإجازة في الطريقة الرفاعية”.

(الخضر عليه السلام هو بلياء بن ملكان وإنما سمي الخضر لأنه جلس على بقعة من الأرض بيضاء لا نبات فيها فإذا هي تهتز وتنقلب تحته خضراء نضرة، وكان يكنى بأبي العباس.والقول الراجح إنه نبي وإنه ما زال حيا)

ويؤيد ذلك ما رواه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تمييز الصحابة عن بلال الخواص، يقول: كنت في تيه بني إسرائيل[أى الموضع الذى تاه فيه بنو إسرائيل لما رفضوا القتال مع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام] فإذا رجل يماشيني فتعجبت، ثم ألهمت أنه الخضر، فقلت بحق الحق من أنت، قال: أنا أخوك الخضر، فقلت ما تقول في الشافعي، قال من الأبدال، قلت: فأحمد بن حنبل، قال: صديق، قلت: فبشر بن الحارث الحافي، قال: لم يخلف بعده مثله، قلت: بأي وسيلة رأيتك؟ قال ببرك لأمك)

وقال الشعراني في ” الطبقات الكبرى”: قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخضر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة، فسألته عن شيخنا أبي مدين، فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت. اهـ قلت: وأجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله وتأدبوا بين يديه وكان ظريفا جميلا متواضعا زاهدا ورعا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه. اه

الخضر نبي الله يعيش في البحر على وجه الماء، في الأول كان يعيش مع البشر وهو كان قبل موسى، ثم الله تبارك وتعالى جعل مركزه البحر فهو عائش في البحر وحده، يعيش على وجه الماء، الله تعالى جعل له البحر كأنه أرض، من موسى إلى الآن مضى قريب ثلاثة آلاف سنة،

ولا بد أن الخضر اجتمع بسيدنا محمد من غير أن يظهر للناس لأن الخضر قد يكون في مجلس ولا يراه إلا شخص واحد من بين الحاضرين،

وثبت أن الخضر اجتمع مع عمر بن عبد العزيز وبشره بالخلافة وخرج معه من المسجد ورءاهما شخص يتماشيان فقال له الخضر: أنت رجل صالح.

وفي آخر الزمان يرفع القرآن إلى السماء ولا تبقى آية من القرآن في الأرض، عندئذ يموت الخضر عليه السلام. يرفع القرءان من قلوب الناس والمصاحف، عندئذ يفقد من بين الناس القرءان وعند ذلك يموت الخضر عليه السلام، أما قبل ذلك لا يفقد القرءان بل يبقى أناس يحفظون القرءان صغارا وكبارا.

الشيخ محمد الحراني الولي المشهور الذي حج سبع مرات ماشيا من أورفة في تركيا حاسر الرأس، عندما التقى بالشيخ عبد الله الهرري قال له: أهلا بشيخ الأبدال.

والشيخ محمد الحراني كان صاحيا لم يكن من المجاذيب. وكان صاحب الخضر، كثيرا ما كان يجتمع به،حتى كتب على قبره في اسطنبول صديق الخضر.قبره قريب من أبي أيوب الأنصاري في الجبل.

ومرة قال والدي للشيخ عبد الله وهو في بيتنا: اقرأ لي، وكان الوقت ليلا، ووضع الشيخ يده على صدر والدي ورقاه، فلما فرغ قال والدي للشيخ عبد الله: هل أنت صائم؟ قال: نعم، فقال والدي: لم لم تقل حتى نضع لك الطعام، فتبسم الشيخ وأطرق رأسه خجلا، وطلب والدي تحضير الطعام للشيخ. وكان شيخنا قليل الأكل كثير الذكر لا يتكلم إلا في خير.وكان كثيرا ما يطعم طلابه بيده.

قال أخي الشيخ نبيل كان شيخنا يدرس في جامع البسطة الفوقا بعد صلاة الجمعة يجتمع الطلبة حوله يسألونه في شتى علوم الدين، أخذني إليه أخي أسامة حفظه الله وكان عمري نحو اثنتي عشرة سنة وأثناء السؤالات والأجوبة شعرت بجوع شديد فنظر الشيخ إلى أخي حفظه الله وقال له: اذهب إلى البيت لعل أخاك هذا قد جاع. أقول لكم تعجبت كيف التفت الشيخ إلى أمري مع صغر سني وكون الكبار حوله وأنا في حاشية المجلس، وترك ذلك أثرا لطيفا في قلبي لا أزال أجد أثره إلى الآن وأقول: رحم الله الشيخ.

ويقول أخي الشيخ نبيل مرة كنت نائما في بيت شيخنا على فراش على الأرض وكان وقت الشتاء والبرد ، استيقظت بالليل والشيخ رحمه الله يضع علي عباءة ليحفظني من البرد هذا منذ أكثر من نحو أربعين سنة، ومن المؤنس ذكره أن ولدي الأصغر محمدا حفظه الله استأذنت شيخنا ليبيت في بيته فأذن، فقال لي ولدي: جاء الشيخ بالليل وغطاني بردائه. فحمدت الله على نعمة أن حظي والدي وأنا وأهلي وأولادي بمعرفة هذا الرجل الصالح والاستفادة منه.اه

قلت وفي ليلة ظلماء اشتد فيها الضيق والكرب على المسلمين في بيروت، وأصاب الخوف قسما منهم، واشتدت فيها المعارك، ودخل الرصاص البيت الذي نحن فيه، صار شيخنا يقرأ: ((وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)) وأعاد الشيخ هذه الآية نحو ثلاث عشرة مرة، وقام شيخنا ليلا فتوضأ وصلى ركعتين وقرأ في الركعة الثانية: ((لإيلاف قريش إيلافهم)) إلى آخر السورة، ثم جلس وصار يدعو قائلا: رب أسألك بنبيك محمد أن تكفينا ما أهمنا يا ذا الجلال والإكرام مرددا إياها كثيرا، ثم ألبسني ثوبه ووضع يده علي وصار يقول: رب أسألك بنبيك محمد أن تكفيني ومن أحبني ما أهمنا يا ذا الجلال والإكرام، مرددا ذلك، ثم صار يقرأ سورة: ((لإيلاف قريش إيلافهم)) مرددا إياها عدة مرات، ثم صار يقول “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” مرددا إياها عدة مرات، ثم صار يقول اللهم صل على محمد وآله مرددا إياها عدة مرات، إثر ذلك شعرت أن الكرب ذهب عني أغلبه وشعرت بعد برهة باطمئنان كبير وخف القصف إثر ذلك كثيرا، ثم قام فصلى الصبح وصلينا معه، ثم قرأ بعض الأوراد وقرأنا نحن، ثم نمنا، وبعد يومين أصابت قذيفة شرفة البيت الذي نحن فيه، فصار الشيخ يقول بعد حصول ذلك ببرهة: “لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين.

وقال أخي الشيخ نبيل كان شيخنا رحمه الله يوصيني بوالدي خيرا وأن أحسن معاملته ويوصي ببر الوالدين والإحسان إليهما، وعندما مرض والدي قصده الشيخ إلى المستشفى لزيارته قبل زيارته للمدينة المنورة، ثم توفي والدي رحمه الله فلما رجع الشيخ من سفره كنت وإخوتي الذكور في بيته فنادانا، وقال: أعظم الله أجركم، وقال رأيت والدكم في المنام يلبس البياض ويقول أبيات شعر يمدح فيها الأشراف ، وقد أخبرني والدي رحمه الله أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا أكثر من مرة والحمد لله على ذلك.

والشيخ كان من أهل الوفاء الشديد ومقابلة الإحسان بالإحسان، فجاء إلى بيتنا بعد وفاة والدي وعزى الوالدة والأهل ودعا لوالدي وقرأ له الفاتحة، وبعد وفاة جدي والد والدتي جاء إلى بيتنا بالليل وعزى والدتي والأهل. وأذكر أنني قشرت له التفاح وقدمت له فأكل قطعة ثم قام وقدم لي الباقي وقال: كل.

 تواضع وأنس وعلم وهيبة وطيبة ووفاء وحنان وكثرة ذكر، كان يذكر الله بين اللقمة واللقمة، بل وأثناء التدريس أحيانا يهلل سرا بين جملة وجملة. ومرة كلم شيخنا في كتاب للفاروثي رضي الله عنه يتكلم فيه عن سيدنا أحمد الرفاعي وكراماته، فطلب الشيخ الكتاب من الشيخ أحمد الرفاعي المداح رحمه الله فقال له الشيخ أحمد من باب المباسطة: بشروط، فقال له شيخنا من شدة تعلقه بالرفاعي رضي الله عنه وتواضعه وحبه للعلم “ألتزم كل الشروط”.

 وقال حسن أبو علي فليطي من عرسال بحضور شيخنا الشيخ عبد الله رحمه الله  : إن الشيخ كان يزورنا منذ نحو خمسين سنة وكان كثيرا ما يأتينا في الشتاء، ينام في بيتنا فينزل الثلج وتنطمر البيوت، ثم يقوم الشيخ لصلاة الصبح فيصلي الصبح ثم لا نجد الشيخ فيسأل الناس عن الشيخ فلا يجدونه، ثم يأتي رجل من دمشق فيقول: الشيخ كان معنا في دمشق أنا رأيته، فصاروا يقولون عن الشيخ عبد الله: شيخ الخطوات.

 وقال شيخنا رحمه الله: شيخنا القريب في الطريقة الشيخ عبد الرحمن السبسبي، وشيخنا أخذ من الشيخ أبي الهدى الصيادي وأبو الهدى أخذ من الشيخ بهاء الدين الرواس الذي توفي من نحو مائة سنة، وقد شق طريق فمروا بقبره فوجدوا جسمه كما هو لم يتغير. وهو مدفون في بغداد.

 وكان الرواس محمد مهدي الرواس الرفاعي الذي كان من أهل القرن الثالث عشر يتعيش ببيع رؤوس الغنم حتى لقب بالرواس.وهو أحد أقطاب الرفاعية.

 

 وكذلك من مشايخنا فى الطريقة الشيخ طاهر الكيالي الذى كان فى حمص كلاهما توفي رضي الله عنهما.

وقد حدثنى الشيخ الدكتور كمال الحوت أنه اجتمع بالشيخ طاهر سنة 1977ر فقال له أنا ما أعطيت الشيخ عبد الله الإجازة إلا بإذن أمرنى بدر الدين الحسني فى الرؤيا أن أعطيه الإجازة، وأنا أتشرف أن يكون واحد من أبنائي مثل الشيخ عبد الله.

واجتمع بالشيخ محمد علي مراد فقال له إذا اجتمعت بمن يدلك على الله ويعرفك بعيوب نفسك فتمسك به، يعنى مثل الشيخ عبد الله.

 

وقال الشيخ مشهور فى بيت الشيخ عبد الله في بيروت بتاريخ 16/شعبان/1415هـ 17/ 1/1995ر :الشيخ شتيوي بن محمد بن أبي الهدى الصيادي (وهو والد الشيخ مشهور) قال: الشيخ عبد الله رئيس دولة أهل الله، رئيس الأولياء فى سوريا وكندا وكل الدنيا، قال لابنه تترك كل المشايخ وتتبع الشيخ عبد الله هذا سلطان هذا سلطان الأولياء، وهو درجته أعلى من درجتنا والدي قال قبل رجليه قبل يديه، هو المستلم الرئاسة، أنتم تعيشون ببركته.

ويقول الشيخ جميل حليم حفظه الله تعالى: مرة في سنة 1986ر زرنا أحد كبار الأولياء واسمه الشيخ محمد سليم الرفاعي القاري نسبة إلى بلدة قارة بين دمشق وحمص، هذا الرجل أنا سمعت الشيخ عبد الله يقول عنه: (ما رأيت رفاعيا مثله) وقال عنه: (كأنه هو السيد أحمد الرفاعي الكبير في حسن معشره وتواضعه)، كنا  أربعة أشخاص فذهبنا لزيارته، وكان أجري له عملية جراحية وطلع من المستشفى،رفعت قلنسوتي وأعطيته إياها وقلت له: الله يبارك بك بعد إذنك لو تقرأ لي عليها لأجل البركة، فصار يمسح القلنسوة على جرحه ويقول: أنتم طلاب الشيخ عبد الله الهرري أنا أتبرك منكم.

وقال كان عندنا أحد كبار الأولياء منذ نحو خمسين سنة يعني من نحو ست وسبعين  سنة (من الزمن الذي ذكر الشيخ جميل هذا الكلام) قال لنا سيأتي رجل إلى هذه البلاد يمثل بلالا الحبشي من الحبشة وبدر الدين الحسني في الحديث، 

قال: لما جاء الشيخ عبد الله عرفنا أنه هو المراد وأنه هو المقصود، والشيخ بدر الدين الحسني بعض المجاذيب في درسه كان يطير عن الأرض ويقول إني أرى عبد الله بن عباس يلقنه الحديث (يعني في اليقظة) .

وقال الشيخ جميل حليم: أنا سألت الشيخ عبد الله قلت له اجتمعت ببدر الدين الحسني ؟ فقال : لا، لكن أرسلوني بعده.

والشيخ عبد الله قال عنه الشيخ محمد الحراني المشهور بالشيخ محمد الديري لأنه قعد مدة في دير الزور هو من حران العواميد هذه القرية في صحراء مطار دمشق مدفون فيها الولي الكبير حياة بن قيس الحراني الذي كان حاضرا عندما مد النبي يده للسيد الرفاعي، هذا الشيخ محمد الحراني الذي من قرية حياة بن قيس الحراني كان يلقب بصاحب الخضر، كان أحيانا في اليوم الواحد يجتمع بالخضر خمس مرات، مرة جاء إلى البقاع إلى الروضة فصار في البيت أنس عجيب، جاء أصحاب البيت إلى الغرفة التي هو فيها فرأوا الباب يتحرك، قالوا له: يا شيخ محمد ماذا يوجد ماذا حصل في البيت؟ قال لهم الآن الخضر خرج من هنا.

وكان يذهب لزيارة السيد عبد القادر الجيلاني إلى بغداد مشيا على قدميه.

قبل أربعين سنة بفندق الربيع في دمشق بوجود وشهادة الحاج يوسف الحشيني من البقاع، والحاج خليل من بعلبك، جاؤوا ليزوروه وكان الشيخ مقيما في دمشق، فنزل الشيخ محمد الحراني وجاء ليسلم عليهم، سلم على يوسف الحشيني وعلى خليل، فلما وصل الدور للشيخ عبد الله نظر إليه وسلم عليه قال له: مرحبا بشيخ الأبدال، هذا قبل أربعين سنة.

 

والشيخ أحمد الحارون الولي الصالح  كان زاهدا من أهل الكشف رحمه الله وكان حجارا كان ينحت الحجارة للحمامات وغيرها ويتعيش منها، وكان له كرامات ومن جملتها أنه مرة خاطب رئيس الجمهورية من الدكة لقضاء حاجة لمسلم. هذا الشيخ أحمد قال الفتوحات المكية فيها دس كثير.وكان بينه وبين الشيخ محيي الدين بن عربي مكالمة روحانية كان يمتحن مشايخ سوريا ، عندما التقى بالشيخ عبد الله قال له: مرحبا بشيخ الأبدال، وقبل أن يموت ببضعة أيام كان يلبس ما يسمونه إمباز  وأحيانا جاكيت وبنطلون عندما تراه لا تقول إنه من أصحاب المقامات والأحوال العجيبة والكشف والأسرار ، جاء عند الشيخ فلما خرج قيل له نسيت إمبازك، قال: لا ما نسيته سلمنا الأمانة للشيخ عبد الله، بعد سبعة أيام مات.وكان شيخنا يلبسه بعض الأحيان.

الشيخ أحمد الحارون كان يكثر المزاح مع الناس حتى يبتعدوا عنه خوفا عليهم من أن يفتنوا. كان مريدا للشيخ مصطفى الكناني وكان من مشاهير دمشق ويحتمل أنه درس على الشيخ عطا الكسم، وكان الشيخ أحمد الحارون رفاعي النسب. الله فتح عليه في العلوم الكونية له كتاب في الأمور الكونية، وكان معاصرا لمحمد الحراني الولي المشهور الذي حج سبع مرات ماشيا من أورفة حاسر الرأس،عندما التقيت به قال لي: أهلا بشيخ الأبدال.

والحراني كان صاحيا لم يكن من المجاذيب. وكان صاحب الخضر كثيرا ما كان يجتمع به.

وأخبرني الشيخ الدكتور كمال الحوت حفظه الله بأن شيخنا الشيخ عبد الله أخبره بأنه خرج من بلاده إلى الحج أربع مرات وأنه بعد المرة الرابعة لم يعد إلى الحبشة وكان ذلك سنة 1371 ه أي ما يوافق سنة 1951 ر .وقال الشيخ أول مرة ذهبت فيها إلى مكة والمدينة كنت في سن الثلاثين فقضيت فيها شهرا مع رفقائي في بيت مستأجر ثم ذهبت مرة ثانية بعد سنة ثم بعد أكثر من سنة ذهبت مرة ثالثة ثم في المرة الرابعة سنة 1371ه (أي في أواخر سنة 1951ر)مكثت فيها قريب السنة ولازمت فيها المدينة المنورة ومكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية ومكتبة الأوقاف واجتمعت بعدد من علمائها وأخذت الطريقة النقشبندية وترددت إلى مكة،  وتوجهت من بلاد الحجاز  إلى بلاد الشام في أواخر سنة 1372ه أي ما يوافق سنة 1952ر ،رأيت بيت المقدس في المنام فزرته ذهبت مشيا إلى بيت المقدس وإلى الخليل ثم إلى دمشق،وأول من استقبله في دمشق ثلاثة وهم الشيخ حسان الصيادي والشيخ عبد الرحمن أبو الدهن والشيخ إسماعيل الضناوي،وقال الشيخ وأول مرة دخلت بيروت سنة 1374ه أي ما يوافق سنة 1954ر .ثم صرت أتردد بين بيروت ودمشق والبقاع إلى أوائل الستينات فسكنت في غرفة في أعلى جامع النوفرة أسكنني فيها الحاج حسين خالد ومكثت فيها ثلاث سنوات ثم استضافني الشيخ محي الدين العجوز مدة ثم سكنت غرفة في الخلية السعودية سنة ثم انتقلت إلى مسجد برج أبي حيدر مع الشيخ أحمد إسكندراني رحمه الله ثم إلى مسجد البسطة ثم إلى بيت في طريق الجديدة ثم إلى بيت برج أبي حيدر ثم إلى طريق الجديدة.

وقال الحاج شفيق العرجه رحمه الله إنه تعرف على الشيخ عبد الله أول ما جاء إلى بيروت وكان ذلك سنة 1954ر وكان ذلك في مجلس فيه الشيخ حسين خالدوكان فيه الشيخ محي الدين العجوز وغيرهم.  

 

 

 

 

في ضحى الثلاثاء في 03/ 07/2001 ر – 12/ 04/1422 ه.

أجازني الشيخ أجازة عامة بكل مروياته من غير أن أطلب منه. وإجازة خاصة بمتن الجزرية في التجويد بعد أن قرأ عليه عليه أمامي وأنا أسمع.

وقال شيخنا قرأت شرح الجزرية لزكريا الأنصاري على الشيخ داود الجبرتي في الحبشة. والشيخ داود تخرج من مصر من معهد القراءات على الشيخ عثمان مراد والد الشيخ عامر.

 

_ سئل الشيخ: عن مشابكة الخضر لسيدنا الرواس.

فقال الشيخ: حصل.

سئل الشيخ: هل صحيح أن الرواس قال من صافحني إلى سابع يدخل الجنة.

فقال الشيخ: يحتمل، لكن لا نجزم بذلك.

(_ بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد شابكني علي خليل الرفاعي حفظه الله بمشابكته لمحمد هايل بمشابكته  لأبيه الشيخ خالد الرفاعي بمشابكته لأبيه الشيخ رجب الرفاعي بمشابكته للشيخ محمد بهاء الدين الرواس بمشابكته لسيدنا الخضر عليه السلام.)وللحاج علي خليل طريق ءاخر في المشابكة.

 

_ قال الشيخ: الشيخ إسماعيل ظل خمس سنوات في الشام لا يتكلم عاش أربعين سنة على الخبز والشاي كان في أميركا يدرس قال الأولياء أحضروني إلى دمشق حملوني من أمريكا.

_