الدرس الخامس والثلاثون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ
درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى في بيان أن النفل لا يقوم مقام الفرض قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن ثواب الفرض أعظم من ثواب النفل لذلك قال العلماء من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور. الذي يترك الفرض من أجل النفل هذا لا خير فيه، هذا الأمر لا خير فيه.
مثال الذي قيل فيه ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور الرجل عليه ديون للناس وأهل الديون يطالبونه فيماطل يؤخر ثم يتصدق على الناس يعمل مأدبة طعام للناس ويتصدق على الفقراء لكن أهل الديون الذين حقهم على ذمته يماطلهم يترك وفاء الدين الذي هو فرض عليه ويشتغل بإطعام الناس والتصدق على الفقراء والتوزيع على الفقراء، ترك الفرض من أجل النفل ترك الفَرْضَ من أجل النفل هذا مغرور لا يقبل الله تعالى منه، كذلك الإنسان الذي عليه قضاء كان فاتت صلوات أيام الجهل بأيام الإهمال والبطالة ثم بدأ يصلي الحاضر ويصلي النفل بعمل أناشيد يشتغل بالأناشيد والقصائد والمدائح التي ليست فرضًا ويعمل ويذكر ويذكر بورد الطريقة يأخذ عن شيخ من مشايخ الطريقة فيشتغل بأوراد الطريقة والأناشيد وما أشبه ذلك ويهملُ الفروضَ التي هي على ذمته التي هي دَينُ الله، الإنسانُ إذا فاته صيام هذا الذي فاته دَيْنُ الله كذلك الصلاة من فاتته صارت دين الله في ذمته كذلك الذي عليه زكواتٌ، زكاةٌ كثيرة، مضى عليه زمان لا يعطي الزكاة الزكاة دين في ذمته دين اللهن فلا يجوز أن يهمل الفرض من أجل النفل لا يجوز أن ينشغل بقراءة الأوراد وأوراد الطريقة والأناشيد وما أشبه ويهملَ قضاء الفرائض التي فاتته بأيام البطالة والجهالة، لا يجوز.
كذلك الذي لم يتعلم ما يكفيه من علم الدين الذي لم يتعلم علم الحلال والحرام علم تصحيح الصيام تصحيح العقيدة معرفةِ ما يحل أكله وما يحرم أكله لا يجوز له أن يترك هذه الأشياء التي هي فرائض الله ويشتغل بأوراد الطريقة يقول أنا أخذت الطريقة الفلانية أقرأ الورد ويصرف أوقاته في أوراد الطريقة وفي الأناشيد هذا لا يجوز هذا مغرور، لو كان عنده فهم بالدين كما ينبغي كان تدارك الفرائض التي فاتته كان اشتغل بما فرض الله عليه بدل أن يشتغل بما لم يفرض الله عليه، الطريقة ليست فرضًا، الطرق الصحيحة أربعون طريقة هذه نوافل، من أخذها على حسب أصولها أخذ الطريقة من هذه الطرق طرق أهل الله الرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرهم من أخذها بحقها من غير تبديل فيها ثوابٌ لكن ما فرض الله علينا أن نأخذ طريقة من هذه الطرق فالذي يضيع الفرائض من أجل الطريقة والأناشيد ونحو ذلك هذا مغرور، شيطانه غَرَّهُ شغله عن الذي هو ضروريٌّ وحقٌّ لله تعالى فرضٌ عليه شَغَلَهُ بأشياء ليست فرضًا لا يسأل عنها، يوم القيامة لا يسأل عن ورد الطريقة لا يقال للرجل للإنسان يوم القيامة لم لم تأخذ الطريقة القادرية أو الطريقة الرفاعية أو الطريقة النقشبندية، لا يقال له، إنما يقال له لم لم تُؤَدّ فرائض الله لم لم تتعلم علم الدين الذي يبين الحلال والحرام من المأكل والمشرب والمهن ويُعرف به تصحيح الصلاة تصحيح الصيام ويعرف به معاصِي القلب ومعاصِي الرجل ومعاصِي البطن ومعاصِي الفرج ومعاصِي اللسان ومعاصِي الأذن وغيرُ ذلك، يسأل عن هذا يوم القيامة يسال عن هذا لا يقال له لِمَ لم تتخذْ شيخ الطريقة لا يقال لإنسان يوم القيامة لِمَ لَمْ تأخذ الطريقة لِمَ لَمْ تتخذْ شيخ طريقة لك لا فِي أيام رسول الله وبعد الرسول في أيام الصحابة والتابعين وأتباع التابعين هل كان هناك طريقة اسمها بكرية منسوبة لأبي بكر الصِّدِّيق وهل كان هناك طريقة تسمى العمرية أو طريقة تسمّى العثمانية أو طريقة كانت تسمى العلوية نسبة إلى علي بن أبي طالب ما كانت طريقة ثم كذلك بعدما مات الصحابة ولم يبق مهم أحد في عصر التابعين الذين كان فيهم أناس أكابر في دين الله تعالى أولياء لله تعالى صالحون ناسكون عابدون كأويس القَرَنيّ والحسن البصري وسعيد بن المسيب وغيرهم كثير ما كان في تلك الأيام أيضًا طريقة تسمى الأويسية ولا طريقة تسمى الحسنية نسبة إلى الحسن البصري ولا طريقة تسمى المسيبية نسبة إلى سعيد بن المسيب لأنها ما كانت لأنها ليست من الفرائض لو كانت هذه من الفرائض كان الصحابة توجد عندهم طريقة واحدة تنتسب إلى عمر وأخرى إلى عثمان وأخرى تنتسب إلى عليّ وأخرى تنتسب إلى أبي بكر وهكذا.
أويس القَرَنيُّ هو كان في اليمن كانت له أم والدة هو بار بها يبرها لم يتمكن أن يأتِي الرسول ليكتسب رؤيته وصحبته مات رسول الله قبل أن يراه لكن الرسول بوحْيٍ أعلمه الله تعالى عن أويس القرني فقال لأصحابه وكان فيهم عمر بن الخطاب ذات يوم يأتيكم أويس بن عامر من مراد ثم من قَرَنٍ له والدة هو بار بها كان به برص فأذهبه الله عنه إلا مقدار درهم فإذا لقيتموه فمروه كَيْ يستغفر لكم. اهـ ثم عمر بن الخطاب في أيام خلافته بعدما مات أبو بكر صار يسأل كلّما يأتي أناس جند مجاهدون من اليمن ليوجههم عمر على النواحي للجهاد في سبيل الله كلما أتى أمداد اليمن إلى المدينة يسال يقول فيكم أويس بن عامر فيكم أويس بن عامر حتى لقى ذات يوم من يخبره عنه فقال له إنه معنا فاجتمعَ به فقال له أنت أويس بن عامر قال نعم لك والده أنت برّ بها قال نعم قال كان بك برص فأذهبه الله عنك إلا قدر درهم فقال نعم قال له عمر فاستغفرْ لنا أي اطلب لنا من الله أن يغفر لنا فقال أنتم أحدث عهدًا بسفر صالح من تواضعه ما قال فورًا اللَّهُمَّ اغفر لعمر ومن معه بل قال من تواضعه أنتم أحدث عهدًا بسفر صالح وكان عمر قد أقبل من الحج في ذلك الوقت منذ مدةٍ قريبةٍ كان عائدًا من الحج فقال أنتم أحدث عهدًا بسفرٍ صالحٍ، فألحَّ عليه عمر فاستغفر له ثم قال له عمر أكتب لك إلى عالمي في الكوفة يجري لك عطاءً أي راتبًا فقال أكون في غبراء الناس أحب إلى معناه أنا أعيش مع الفقراء أحب إليَّ. ما رضيَ أن يعطيه عمر راتبًا في الدولة لأنه يحب الزهد وأن يعيش خفيًا كان من الأتقياء الأخفياء. كثير من عباد الله الصالحين لا يعرفهم الناس بأنهم أولياء أنهم صلحاء إما لرثاثة هيئة الثياب الناس لا ينظرون إليهم نظرة إعجاب إما لكون لباسهم غير أنيق أو لشدة فقرهم لا ينظرون إليهم نظر احترام وإعجاب إلا الذين يعرفونهم. أويس بن عامر من هؤلاء من عباد الله الصالحين الأخفياء الأولياء، الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيه: «إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر»([i]). اهـ. أفضل التابعين أيْ أفضل من جاء بعد الصحابة هو هذا عند الله تعالى أويس بن عامر، كان من رثاثة هيئته الأولاد لما ينظرون إليه يقولون عنه مجنون مع أن عمر من حيث الدرجةُ هو أعلى منه من حيث الدرجة عند الله عمر أعلى منه لكن المؤمن وإن علت مرتبته لا يستغني عن فضل الله تعالى، وإلا الرسول يعلم أن عمر أعلى من أويس وعدد كثير من أمثال أويس درجة عند الله تعالى لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعلمهم التواضع ويتبرِّك المسلمون بعضهم ببعض ليعلمهم ذلك قال لهم فإذا لقيتموه فمروه فليستغفر لكم.
انتهى والله تعالى أعلم.
([i]) رواه مسلم في صحيحه باب مِنْ فَضَائِلِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيّ رَضِيَ الله عنه.