الإثنين ديسمبر 8, 2025

الدرس الثالث والثلاثون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

بيان فساد دعوة سيد قطب وأتباعه

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى في برلين وهو في بيان فساد دعوة سيد قطب وأتباعه قال رحمه الله رحمةً واسعةً:

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد النبي وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وبعد:

هذه الصفحة من كتاب المستدرك للحاكم مع تلخيص كتاب التفسير قال: اخبرنا أحمد بن سليمان الموصلي، حدّثنا عليُّ بن حرب حدَّثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن جبير عن طاووس قال: قال ابن عباس رَضِيَ الله عنهما إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفرًا ينقل عن الملة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([i]) كفرٌ دون كفر([ii]) هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. المعنى: أن سيدنا عبد الله بن عباس فسر هذه الآية {وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الكَافِرُونَ} قال عبد الله بن عباس رَضِيَ الله عنهما معنى الآية أن الذي يحكم بغير شرع الله لا يكون كافرًا الكفرَ الأكبر الذي يخرج الإسلام الذي ينقل عن ملة الإسلام إنما هو أمرٌ دون ذلك أيْ معصيةٌ كبيرة، هذا هو التفسير الذي قاله سيدنا عبد الله بن عباس ترجمان القرءان الذي لقَّبَه بعض أصحاب رسول الله المشاهير بهذا اللقب ترجمان القرءان ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بفهم القرءان، وهذا الحديث أي حديث دعاء الرسول لابن عباس أخرجه البخاري وغيره. سيدنا عبد الله بن عباس لم يفهم من هذه الآية أنها تحكم على أي مسلم حَكَم بغير الشرع بأنه كافر؛ وهناك تفسير لهذه الآية لسيدنا البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الآية تعني الكفارَ لا تعنِي المسلم الذي يحكم بغير الشرع، هذا ثابتٌ عن البراء بن عازب صحيحٌ عنه، وهذا الذي قُرئ الآن صحيحٌ عن عبد الله بن عباس وما خالف هذين التفسيرين فهو تحريف لكتاب الله. الخوارج كلهم ورد في ذمّهم حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاريُّ وغيره بالأسانيد الصحيحة من حديث أبي هريرة ومن حديث سيدنا عليٍّ رَضِيَ الله عنه ومن حديث أبي سعيد الخدريّ وغيرهم، من جملة هؤلاء الخوارج البيهسيةُ هم طائفة منهم، هم عشرون فرقة الخوارج وحدها هذه الفئة الضالة افترقت إلى عشرين فرقة البيهسية فرقة منها ولها فرع هذه البيهسية أيضًا لها فرع. الخوارج الرسول قال في أمرهم سيخرج في ءاخر الزمان قومٌ أحداث الأسنانِ سُفهاءُ الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرأون القرءان لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السَّهمُ منَ الرَّمِيَّةِ فإذا لقيتُمُوهُم فاقتُلوهُم فإنّ في قَتلِهِم أجرًا لِمَن قَتَلَهُم عند الله يومَ القيامَةِ([iii]). اهـ. وفي لفظ يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرَّمِيَّة هم شر الخلق والخليقة. اهـ. الحديث. سيدنا عليٌّ في وقته لما دعا جماعة معاوية إلى التحاكم إلى القرءان من أجل أنهم خافوا أن يحطمهم جيش سيدنا عليّ وقالوا لا بد أن نُغلَب عمل لمعاوية عمرُو بن العاص حيلةً رفعوا المصحف على رؤوس الرماح قالوا نحاكمكم إلى هذا الكتاب وقصدهم أن يشغلوا سيدنا عليًّا عن قتالهم لأنهم تخوفوا أن يكسرهم، سيدنا عليّ يعلم أنه على الحق أمره واضح هو لا يرتاب أنه على الحق وأن معاوية على الباطل ما عنده أدنى شك لكن خاف أنه إن لم يوافقهم إلى التحاكم إلى القرءان أن يقول بعض سفهاء الأحلام عنه إنه ما رَضِيَ بالمحاكمة إلى القرءان، من أجل هذا على مضض وافق، عندئذٍ هذه الفئة التي كانت معه الخوارج شذُّوا عنه بل كفَّروه وكفَّروا من معه على زعمهم هذه الآية {إِنِ الحُكْمُ إلَّا للَّهِ}([iv]) هذه الآية القرءانية خرج عنها سيدنا عليذ وهو لم يخرج عنها لكنهم من فساد قلوبهم قالوا هذا حيث إنه وافق على تحكيم المخلوق فهو عندهم خالف قول الله تعالى: {إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ} ومعنى الآية ليس كما ظنت الخوارج، فحاربهم سيدنا عليٌّ بعد أن دعاهم إلى التوبة فأبَوْا، بعض منهم بعد أن ناظرهم سيدنا عبد الله ابن عباس رجعوا نحو ثلثهم رجعوا تابوا، والبقية أبوا وأصرُّوا فقاتلهم سيدنا عليٌّ فكسرهم وأبادهم لكن البقية التي بقيت هيَ فرعت فروعًا توالدوا، إلى اليوم لهم وجود لكن الفِرَق التي هِيَ أشدُّ فسادًا انقرضت لا وجود لها اليوم إلا هذه الفرقة التي وافقها سيّد قطب التي تقول الحاكم ملك البلاد إذا حكم بغير الشرع خرج من الإسلام، كافرٌ، والرعايا الذين تحته كفروا لأنهم سكتوا له عايشوه. سيد قطب فعل مثل تلك الطائفة التي هي فرقة من الخوارج يقال لها البيهسية، يقول سيد قطب من حكم بغير الشرع ولو في مسألة واحدة رفض الإيمان ورفض ألوهية الله وادعى الألوهية لنفسه. فاعلموا أن سيد قطب ما له سلف وليس له مستند في دين الله تعالى إلا أنه وافق هذه الفئة الخبيثة هذه الفئة التي هي البيهسية إحدى فِرَق الخوارج العشرين.

للشيعة عشرون فرقة، والخوارج عشرون والقدرية عشرون صاروا ستين ثم هناك اثنتا عشرة فرقة يقال لهم الضرارية والنجّارية والمرجئة يكمل العدد بهم إلى اثنتين وسبعين فرقة الذين قال الرسول فيهم اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة([v]). اهـ يعني أهل السنة وهم الأكثر هم الجمهور، اللَّهُمَّ أحينا على السُّنَّةِ وأمِتْنَا عليها.

قال سيد قطب في كتابه المسمى في ظلال القرءان بهذا المقياس الأساسيّ يتضح أن وجه الأرض اليوم تغمره الجاهلية وأن حياة البشرية اليوم تحكمها الجاهلية وأن الإسلام اليوم متوقف عن الوجود مجرد الوجود. اهـ.

معناه: انمحى من الأرض الإسلام انمحى، قال مجرد الوجود، لا يعني أن كمال الإسلام انمحى انقطع وبَقِيَ أصله لا بل أصل الإسلام يقول انقطع، هذا الكلام مخالف لكلام الصحابة ومن تبعهم إلى يومنا هذا، وليس له سلف إلا الخوارج، ومن الخوارج أيضًا هذه الفئة من أخبث فئات الخوارج البيهسية التي تكفّر الرعايا لأجل أنهم سكتوا على رئيسهم الذي يحكم بغير الشرع، وسيد قطب يقول لقد استدار الزمن كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جَور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله. اهـ.

اسمعوا يقول تُرِكَتْ لا إله إلا الله، البشر قال تركوا لا إله إلا الله، معناه خرجوا من دين الإسلام.

قال سيد قطب وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله. اهـ.

يقول لو كان المؤذنون يرددون كلمة لا إله إلا الله لكن خرجوا عن لا إله إلا الله.

قال سيد قطب دون أن يدرك مدلولها ودون أن يَعِيَ هذا المدلول وهو يرددها ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم وهي مرادف الألوهية. اهـ.

عنده لا إله إلا الله تفسيرها لا حاكمية إلا لله.

قال سيد قطب إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تَعُدْ توحد الله وتخلص له الولاء. اهـ.

يعني يقول يعبدون رؤساءَهم تركوا لا إله إلا الله عبادة الله فصاروا يعبدون رؤساءَهم، على قوله كل ناحية من بلاد الإسلام تركت لا إله إلا الله فصارت تعبد زعيمها رئيسَها حتى الحجاز على قوله لا يعبدون الله تركوا لا إله إلا الله وصاروا يعبدون رئيس تلك البلاد هذا معنى كلام سيد قطب، هذه عقيدته، هذا الذي يقول عنه بعض الناس الشهيد مع أنهم لو كانوا يعرفون علم الحديث وكان لهم اطلاع على سيرة السلف ما استجازوا أن يقولوا له الشهيد لأن سيدنا عمر بن الخطاب فيما روى البُخَارِيّ رحمه الله عنه بالإسناد قال اتركوا هذه الكلمة قولكم فلان شهيد أو قُتِلَ فلان شهيدًا وقولوا قُتِل فِي سبيل الله، قال لا تقولوا فلان شهيد أي من أهل زمانه غيرِ الذين شهد لهم الرسول بالشهادة لا تقولوا فلان شهيد. هكذا في البخاري عن عمر ونَهَى أيضًا عن أن يقال قُتل فلان شهيدًا مع أن جيشه ذلك الجيش المبارك جيش عمر جيش إسلاميٌّ مبارك مع ذلك للذي يموت في جيشه في الجهاد كان يمنع أن يُقال فلان شهيد أو فلان قُتل شهيدًا. أما هؤلاء أتباع سيد قطب يقولون الشهيد جعلوا له لقبًا الشهيد جعلوه لقبًا له، سيدنا عمر لِمَ نهى عن أن يُقال فلان شهيد لمن يموت في غزواته أو أن يقال قُتل فلان شهيدًا؟ لأن الشهادة تتوقف على أمرين صحة العقيدة أي كون الشخص يؤمن بالله ورسوله وأن الله تعالى هو أمر المؤمنين بالجهاد في سبيله، والأمر الثاني الإخلاص لله أي أن يكون نية المقاتل امتثال أمر الله أي أن الله تعالى أمر بالجهاد عباده فأنا أجاهد امتثالًا لأمر الله ولا يخلط به نيةَ أن يمدحه الناس أو أن يشيع ذكره بين الناس فلان قتل شهيدًا فلان استشهد لأن الذي عقيدته فاسدة لو قتل في المعركة مع المسلمين ليس له عند الله شهادة، والذي عقيدته سليمة يعرف الله ورسوله كما يجب لكن أقَدَمَ على القتال قتال الكفار وفي نيته أن يمدحه الناس أو خلط بين النيتين نية طلب الأجر أجر الجهاد أجر القتل في سبيل الله ونية مدح الناس له لو جمع بين هاتين النيتين فهو عند الله ليس له شهادة لأن الله لا يقبل من عبده عملًا يعمله من أمور الدين إلا أن يكون عَمَلُ هذا العبد خالصًا لله تعالى. الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما خَلَصَ له»([vi]). اهـ أيْ لبس فيه طلب محمدة الناس وأن ينظروا إليه بعين الإجلال والإكرام، الشهادة عند الله لا تثبت لا تكون الشهادة شهادة على الحقيقة إلا بهذين الشرطين صحة العقيدة والإخلاص لله فإن لم تصح العقيدة عقيدة الشخص الذي قاتل فلا شهادة له عند الله وإن كان فيما يرى الناسُ هذا الذي قُتل في المعركة مع المسلمين في معركة الكفار مع المسلمين يُجري عليه أحكام الشهادة لا يغسل ولا يصلي عليه هذا على حسب ما يَرَى الناس أما عند الله ليس له شهادة إذا لم تصح عقيدته ولا تصح له الشهادة أيضًا إذا كان في نيته أن يمدحه الناس ولو مع طلب الأجر لو نوى طلبَ الأجر من الله بهذا الجهاد وضمَّ إلى ذلك أن يمدحه الناس هذا عند الله ليس له شهادة ليس له ذرة من ثوابِ هذا القتل ليس له شيء لهذا نهى سيدنا عمر عن أن يقول الناس في زمانه لمن يُقتل في الغزوات فلان شهيد أو أن يُقال فلان قتل شهيدًا أما هؤلاء جماعة سيد قطب يلقبونه بالشهيد من أين لهم هذا التلقيب! هو أحسن من جيش عمر؟ هو أحسن من الذين كانوا يموتون في تلك الغزوات؟ هم هؤلاء الذي ضرهم انهم لا يتفقهون في دين الله همهم أن يطالعوا مؤلفات سيد قطب ومؤلفات حزبهم وبهذا يتصدرون للناس باسم الدعاة المرشدين إلى دين الله. الذي يصلح أن يكون مرشدًا داعيًا موجهًا توجيهًا إسلاميًا على الحقيقة ينبغي أن يكون فقيهًا والفقيهُ كيف يكون فقيهًا بالتلقِّي من أفواه أهل المعرفة، حتى القرءانُ الذي لا يتلقاه من أهل المعرفة لا يُقال له قارئ يُسمى مصحفيًّا والذي يطالع في كتب العلم من غير أن يدرس على أهل المعرفة الذين درسوا على من قبلهم يقال له صَحَفيّ لا يُقال له فقيه لا يقال له عالم يقال له صَحَفي مثل سيد قطب. اهـ.

انتهى والله تعالى أعلم.

([i]) سورة المائدة، الآية: (44).

([ii]) وقال الذهبيّ في التلخيص صحيح.

([iii]) رواه مسلم في صحيحه، باب التحريض على قتل الخوارج.

([iv]) سورة يوسف، الآية: (40).

([v]) رواه البيهقيُّ في دلائل النبوة باب جماع أبواب أسئلة اليهود وغيرهم واستبرائهم عن أحوال النبي وإسلام من هُدِي إلى الإسلام منهم.

([vi]) رواه الطبرانيّ في المعجم الكبير والأوسط.