الدرس السابع عشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ
درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى في الثاني من رجب سنة سبع وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للثالث من ءاذار سنة سبع وثمانين وتسعمائة وألف رومية وهو في بيان العقيدة الصحيحة.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرَّحيم والملائكة المقربين على نبيِّنا محمد أشرف المرسلين وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وسلامُ الله عليهم أجمعين.
أما بعد: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أرادَ بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة»([i]). اهـ.
المعنى: أن الذي يريد أن يدخل الجنة وينجوَ من عذاب الله فليلزم جمهور الأمة أي عقيدتهم، عقيدة جمهورِ الأمة، السوادِ الأعظم، لأن الله تعالى أكرم سيدنا محمدًا بأن حفظ أمته عن أن يضل جمهورُهم أي أن يخرجوا من الإسلام، الله تعالى وعد نبيِّنا محمدًا أن يحفظ عقيدة الإسلام على جمهور أمته أي معظمهم، معنى ذلك أن بعضهم قد يكفر، بعض الأمة قد يكفرون أما الجمهور لا يكفرون، إلى وقتنا هذا على هذه الحال بقيت الأمة ولا يزالون فيما بعد على هذا، عقيدةُ الإسلام محفوظة للجمهور أي لمعظم، أما الشراذمُ التي تخالف الجمهور فهذه هالكةً.
أصحابُ رسولِ الله كانوا على عقيدة واحدة وهيَ أن الله موجود بلا مكان بلا جهة من غير أن يتحيز في جهة من الجهات، ومن غير أن يكون حالًّا في جميع الجهات، كان في الأزل موجودًا ليس لوجوه بداية، موجودًا قبل المكان والزمان، وهو موجودٌ أبدًا بلا جهة ولا مكان.
المكان لم يكن ثم أوجده الله، والزمان كذلك فالذي يكون قبل الزمان والمكان موجودًا بلا ابتداءٍ لا يتطور، ولا يتغير ولا يتحول من حال إلى حال، أما المخلوق يتحول من حال إلى حال، حتى النور والظلام يتحول من حال إلى حال، الآن أرض من الدنيا عليهما ظلام كهذه الأرض وقسم من الدنيا عليه نور تقلص عنه الظلام فتسلط عليه الضوء، وهكذا الضوء يتنقل والظلام يتنقل، وكلٌّ له كمية عند الله تعالى، النور له مساحة يتسلط عليها والظلام كذلك وكلٌّ منهما يتحول من حال إلى حال، والشمس كما تعلمون عند الغروب يكون لونها حمراء وعند طلوعها كذلك حمراء، وفي غير ذلك بيضاء.
فخالق العالم لا يغير، لأنه لو كان يتغير لكان مخلوقًا مثلها يحتاج إلى من أوجده، أخرجه من العدم ثم ينقله من حال إلى حال. وهو سبحانه لا تدركه الأوهام ولا تتصوره، ليس كل موجود يتصورهُ قلب الإنسان بل في المخلوقات التي خلقها الله يوجد ما لا يستطيع الإنسان أن يتصوره وهو أن النور والظلام لم يكونا في وقت، النور نستطيع أن تتخيله بقلبك وحده والظلام كذلك، أما وجود وقت ليس فيه نور ولا ظلام لا تستطيع، فكيف الله، كيف يستطاع تَصَوُّرُهُ وهو لا يشبه العالم اللطيف ولا العالم الكثيف.
الذين تصوروه جسمًا فوق العرش بقدر العرش، هؤلاء كفار لأنهم جعلوه مثل خلقه، جعلوه موازيًا للعرض الذي هو مخلوق، لم يكن العرش في الأزل، الله كان وحدهُ لم يكن معه شيء، لا عرشٌ ولا سماء ولا أرض ولا جهةُ فوق ولا جهة تحت ولا جهة يمين ولا جهة يسار ولا جهة خلف ولا جهة أمام، كان موجودًا بدون هذه الأشياء ثم خلق هذه الأشياء، ثم هو لم يتغير عما كان عليه، لم يتخذ مكانًا، وهذا العرش خلقه لإظهار قدرته لأنه يوجد ملائكةٌ لا يعلم عددهم إلا الله، محيطون بالعرش، يدورون حول العرش يسبحون الله بحمده، هؤلاء لما يرون هذا الجرم الكبير الذي لا يعلم حده إلا الله يزدادون يقينًا بكمال قدرة الله، لهذا خلقه ليس ليجلس عليه، الجلوسُ من صفة الخلق، الإنسان يجلس والكلب يجلس والبقر يجلس فالله تبارك وتعالى لا يجوز عليه أن يكون كشيء من خلقه، هكذا يكون معرفةُ الله، ليس معرفة الله بأن يعتقد أنه جسم فوق العرش بقدر العرش، لا يوجد شيء له حياة مستقرٌ فوق العرش، يوجد كتاب فوق العرش كتب الله فيه إن رحمتي سبقت غضبي.
هؤلاء الذين يقولون فوق العرش لا مكان، والله تعالى هناك حيث لا مكان، قولوا لهم كذبتم، يوجد فوق العرش مكان، الله تعالى وضع ذلك الكتاب فوق العرش، أما أنتم تتصورون جسمًا فوق العرش عظيمًا واسعًا مساحته بقدر العرش وهذا وهمٌ لا وجود له، هكذا قولوا لهم، فمن اعتقد أن الله موجود بلا مكان بلا جهة من غير أن يكون حجمًا لطيفًا كالملائكة والنور ومن غير أن يكون حجمًا كثيفًا كالإنسان وأنه هو الذي يستحق أن يعبد، فهذا عرف الله، فإذا اعتقد رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو مسلم ما دام على هذا الاعتقاد، لكن يبقى شيء لاستمرار إسلامه وهو أن يحفظ لسانه من سب الله في حال غضب أو في حال مزح أو في غير ذلك، وإلا خرج من الإسلام. لا ينفعه اعتقاده بقلبه أن الله موجودٌ وأن الرسول عليه السلام نبيُّ الله وتصديقه بالجنة والنار، كلُّ ذلك لا ينفعه إذا وقع في الكفر بسب الله أو بسب رسول الله أو بسب الملائكة، أو بسبِّ نبيٍّ من الأنبياء عيسى أو موسى أو ءادم أو سليمان أو غيرهم من الأنبياء.
سيدنا سليمان عليه السلام يقول عنه الكفار إنه كان مَلِكًا من الملك وكان يعمل بالسحر. والحقُّ أنه كان نبيًّا سخر الله له الشياطين، الشياطينُ كانوا مُغتاظين منه لأن الله أعطاه سرًّا فكانت الشياطين تطيعهُ مع كفرهم، من غير أن يؤمنوا كانوا يخدمِونه، يعملون له أعمالًا شاقة، الذي يخالف الله تعالى ينزل به عذابًا في الدنيا لذلك كانوا مقهورين له، لما مات كتبوا السحر ودفنوه تحت كرسيه، ثم ظهر بعضهم، عدد منهم فقالوا هل تدرون بما كان يحمكم سليمان كان يحكمكم بالسحر، احفروا تحت كرسيه، فحفروا فوجدوا هذا الكتاب، فصدقوا أن هذا الكتاب لسليمان وضع فيه السحر، فكفروا، الذين صدقوا الشياطين كفروا، لأن السحر ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء، الأنبياء لهم معجزات، أمور خارقة للعادة لا يستطيع من يكذبهم أن يفعل مثلها.
عيسى عليه السلام كان أحيا موتى بعد أن دفُنوا، وكان يبرئ الإنسان الذي ولد أعمى من دون إجراء عملة بفتح بصرهُ.
اليهود الذين كذبوه هل يستطيعون أن يفعلوا مثل ذلك لا يستطيعون، وهكذا نبيِّنا محمد، الله تعالى أعطاه معجزات لم يستطع الكفار أن يتحدوهُ فيعملوا مثلها.
المهم هو حفظ الإيمان، بأن يحفظ الشخص لسانه من النطق بأي شيء فيه استخفاف بالله أو بدينه، أو بأنبيائه أو بملائكته، أو بحنته أو يصغّر ويهوّن عذاب جهنم فيقول أيش فيها، نتدفأ بها، هذا كفر، بعض السفهاء يقولون نتدفأ بها، هؤلاء كفروا خرجوا من الإسلام، ولو كانوا في قلوبهم يعتقدون عقيدة الإسلام. والحمد لله رب العالمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.