الأحد ديسمبر 7, 2025

الدرس السادس عشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

أولياء الله تعالى وأحوالهم

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى وهو عن أولياء الله تعالى وأحوالهم.

قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين.

أما بعد: فقد قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}([i]) علامة حُب الله تعالى هو اتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبع سيدنا محمدًا اتباعًا كاملًا فهو من أولياء الله، من أحباب الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، سواء كانوا رجالًا أو نساء، من كان فيهم هذه الصفة فهو من أهل الولاية. وليس هناك أمر ءاخر يكون الإنسان به وليًا إلا هذه الطريق وهو اتباع الرسول اتباعًا كاملًا، ومن جملة ذلك أداءُ الواجبات، ومن جملة الواجبات تعلم علم الدين الضروري، من لم يعرف علم الدين الضروريّ لا يكون وليًا، مهما أتعب نفسه في العبادة لا يكون وليًا، ثم علم الدين يُتَلَقَّى من أهل المعرفة الذين تعلموا ممن قبله حتى يصل الاتصال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الإمام الشافعيّ وهذا الإمام مالك وهذا الإمام أحمد ابن حنبل وهذا الإمام أبو حنيفة ليسوا رجالًا مفكرين يكتفون برائهم بل تلقوا العلم ممن قبلهم، وأولئك الذين تلقوا منهم تلقوا ممن قبلهم إلى أن يصل الأمر إلى الصحابة ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من تعلم علم الدين على هذه الطريقة ولو القدر الضروريّ وعمل به أي أدّى الواجبات لأنه تعلم ما فرض الله على عباده واجتنب ما حرَّم الله وأكثر من النوافل هذا يكون وليّ الله، هذا يقال له وليّ.

فيمن قبل سيدنا محمد أمة موسى وأمة عيسى وأمة سليمان عليهم الصلاة والسلام كان فيهم أولياء، ليس الأولياء من خصوصيات أمة محمد، كان ذاك الذي يقال له جُرَيْج من أمة عيسى من الذين كانوا على شريعة المسيح، من الذين كانوا يصلُّون صلاة المسيح عليه السلام ويصومون صيامه على حسب تعاليم المسيح عيسى، فهذا جُرَيج كان منهم، اعتزل الناسَ للعبادة، كانت له أم تأتيه من وقت إلى وقت إلى الصومعة التي هو اعتزل فيها لعبادة الله، كان هو وليًّا حقيقيًّا اتبع المسيح عيسى عليه السلام اتباعًا كاملًا، أدى الواجبات واجتنب المحرمات بعد أن تعلم ما هو الواجب في شريعة عيسى وتمسك بالنوافل، زاد على الفرائض وتجرد للعبادة، اعتزل الناس خارج المدينة في مكان مرتفع حيث بنى صومعة من طين، لأن همه الآخرة، واعتقد الناس أهل البلد فيه الصلاح والولاية حتى إن ملك تلك البلاد صار يعتقد فيه ذلك، ثم إن امرأة فاسدة قالت لبعض الفاسدين الفاسقين أنا أفتنه، فذهبت غليه وتعرضت له في صومعته فلم يلتفت إليها، وما استطاعت أن تفتنه، وكان بالقرب من ذلك المكان رجل راعٍ يرعى، فواقعها هذا الراعي فحملت منه ثم لما ظهر حملها قالت هذا من جُرَيج، وعندما تأكد الناس أنها حامل بأن وضعت ذهبوا إليه وبأيديهم الفؤوس ليهدموا له صومعته، قالوا هذا الذي كنا نعتقد فيه أنه ولي الله يفجُرُ بهذه المرأة، فأخذوه ووضعوا في عُنُقه حَبْلًا وجروُّه وهدَموا صومعته بالفؤوس فقال لهم أمهلوني حتى أُصَلّى ركعتين، فتوضأ، إذ إن أُمَّةَ عيسى كان لهم وضوءٌ وصلاةٌ فيها ركوع وسجود كما نحن، فتوضأ جُرَيْج وصلى ركعتين ثم قال لهذا الغلام المولود الذي وضعته هذه المرأة البغي يا غلام من أبوك فأنطق الله الغلام فقال أبي الراعِي فلما سمعوا هذه التبرئة انكبّوا عليه يقبّلونه ويتمسحون به وقالوا له نبنِي لك صومعتك من ذهب، قال لا أعبدوها كما كانت من طين. فجُرَيْج هذا من أمة سيدنا عيسى عليه السلام وهو وليٌّ من أولياء الله.

وكما في الرجال كذلك في النساء، كان لا بد يوجد تقبات ممن أتبع المسيح، وكذلك أيام موسى وكذلك في أيام سليمان. فهذا الذي حَمل عرش بلقيس من أرض اليمن بكرامة أعطاه إيّاها الله تعالى، أي بالسر الذي أعطاه الله إيّاه حمل من اليمن إلى بر الشام عرش بلقيس في وقتٍ قصير جدًّا، بقدر ما يمد الإنسان عينه لينظر مد بصره قبل أن يُطبق عينه أحضره، وهذا العرش شيء عظيم طوله ثمانون ذراعًا من ذهب مكلل بالجواهر وعرضه أربعون، سليمان ليس رغبة في عرشها هذا طلب إحضاره بل لتقتنع نفسُها، حتى يقتنع قلبُها بأن الإسلام الذي يدعو إليه سليمان هو الدين الصحيح وتدخل في الإسلام لأنها كانت تعبد الشمس، وبلقيس كانت ملكة سبأ، وهي أرض في اليمن. وقد أسلمت بلقيس بعد أن رأت هذا العجب، وهذا الذي أحْضَرَ عَرْشَ بلقيس من تلك الأرض البعيدة يقال له ءاصف بن بَرْخِيَا، صاحبُ سليمان وهو من البشر على القول المشهور عند العلماء، كان وليًا من الأولياء ما كان نبيًّا، كان يلازم سليمان وسليمان عليه السلام كان له عند الله جاهٌ عظيم، الله تعالى أعطاه مُلْكًا لا ينبغِي لأحد من بعده، ومع هذا الملك العظيم سخر الله له الشياطين الكافرين، فإذا ما خالف أحد منهم أمره يحطمه الله تعالى، يُنَزّلُ الله عليه عذابًا فيتحطم، فكان هؤلاء الشياطين يبنون له مبانِيَ فخمةً ويُخرجون له من قعر البحر الجواهر واللآلئ، كانوا مسخرين له، وسخر له الريح أيضًا، كانت الريح تحمله وجيشه، بساط الريح يحمله صباحًا إلى مسافة شهر ثم بعد الظهر يَرُدُّهُ، وغير هذا مما أنعم الله به عليه، مع هذا كان هو شديد الرغبة في الجهاد في سبيل الله، سيدنا محمد تحدث عنه أنه كان عنده مائة امرأة، وأما أهل التاريخ المؤرخون يقولون كان عنده ثلاثمائة مهرية وسبعمائة سرية. هذا ليس شيئًا يقينًا إنما اليقين أنه كان عنده مائة امرأة لأن الرسول أخبر بذلك، ومن شدة تعلق قلبه وعلو همته في الجهاد في سبيل الله، جهاد الكفار لنشر الإسلام، ذات يوم حلف أنه يطوف على المائة في ليلة واحدة يطوف عليهن لتحمل كل واحدة يولد فارس يجاهد في سبيل الله. خص الله تعالى الأنبياء في هذه الدنيا بعجائب وفي الآخرة جعل درجاتهم أعلى من كل درجات العباد، هذه القوة التي يأتي بها مائة امرأة في يوم واحد، هذه غريبة، وغيره من البشر لا تصير له هذه القوة، ثم هذا ليس من كثرة الأكل والعناية ببطنه، هو ما كان معتنيًا ببطنه، كان يأكل خبز الشعير بدل أن يأكل خبز القمح والرز، هذا الشعير قوتُ أهل الفقر والفاقة، أهل الشدة، لأنه خشن خبزه ليس مثل خبز القمح ولا لَذَّتُهُ كَلَذَّةِ خبز القمح، مع كل هذا النعيم الذي أغدق الله عليه ما كان يأكل أفخر المآكل ولا كان يشرب ألذَّ المشارب لأن قلبه متعلق بعبادة الله متعلق بالآخرة، وهذا الملك الذي أعطاه الله إياه ما جمعه بنية الافتخار على الناس والتعاظم، كذلك النساء اللاتي جمعهن، هذا العدد الكثير من النساء ليس لإشباع الشهوة بل لغرض شرعيّ دينيٍّ، وهكذا كل أنبياء الله ليس لهم تعلقٌ قلبيٌّ بالنساء ولا بالمال كلهم قلوبهم متعلقة بخالقهم.

فالحاصل: أن الأولياء كانوا فيمن قبل أمة محمد، كان أولياء في أمة موسى وأمة عيسى وفي أمة سليمان ومن قبل ذلك. هذا هو الولي؛ ليس الولي الذي يتكهن للناس ويقول أنت يأتيك كذا وكذا مستقبلك كذا وكذا، هؤلاء قد يكونون معتمدين على النظر في النجوم، والنجوم التي ينظرون فيها على حسب ما يقوله المنجمون في كثير من الأشياء يوافق كلامهم وفي كثير من الأشياء لا يوافق كلامهم بل يكون كذبًا وخطأً أو يكون له صاحب من الجن فإن الجن منهم هوائيون يطيرون في الهواء يستطيعون أن يَلُمُّوا الأخبار من عدة بلدان في يوم واحد في وقت قصير، يستطيعون أن يذهبوا إلى بيت فلان وإلى بيت فلان وفلان يطيرون ويتجسسون الأخبار ثم يأتون بهذه الأخبار للإنسان الذي له ارتباط معهم، يعطونه ويقولون له فلان حصل له كذا وكذا اليوم.

ثم إنّ قسمًا كبيرًا من الجن مسلمون مؤمنون والقسم الأكبر كفار أتباع إبليس.

أما المسلمون منهم ففيهم طيبون أتقياء أولياء كما هو في البشر والأغلب فجار فاسقون يؤذون الناس ويظلمون.

كما أن البشر الذين هم مِنًّا أكثرُهم فاسقون يظلم هذا هذا ويسفك هذا دم هذا ويضرب هذا هذا ظلمًا، وهم كذلك أغلبهم فاسقون ولو كانوا مسلمين.

فليس الوليُّ من يتكهَّن، وينظر في النجم ويقول للناس الولد الذ يولد في هذه اللحظة مستقبله كذا وكذا أو يقول للذي ضاع له مال مالك ذهب به إنسان صفته كذا وكذا، ليس هؤلاء أولياء، الأولياء هم المتبعون للرسول اتباعًا كاملًا، هؤلاء هم الأولياء، أما الذي يتبع الرسول اتباعًا غير كامل هذا ليس وليًا، يقال له مسلم فقط، مسلمٌ عاصٍ، أما الأولياء فهم الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات وزيادةً على ذلك أكثروا من النوافل، هؤلاء لهم عند الله درجات عالية في الدنيا وفي الآخرة ففي الدنيا يعطيهم الله كراماتٍ وفي الآخرة يعطيهم ما لا عين رأت ولا أُذُن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يخصُّهُم من بين مَنْ دخلوا الجنَّة من المسلمين بمواهب وعطايا لا يراها غيرهم.

هؤلاء يقال لهم الصالحون. إذ الصالح ليس مجرد إنسان يصلي ويصوم ويكون ملاطفًا للناس شفيقًا رحيمًا بالناس لا يُؤْذِي هذا ولا هذا كما يقول كثير من الناس، إذا رأوا إنسانًا يصلِّي ويصوم ولا يؤذي الناس يقولون فلان صالح، هذا غلط، الصالح هو الذي تعلم علم الدين الضروري وعمل بما تعلم، أتى بالواجبات التي فرضها الله على العباد أن يعملوها فعملها وتجنب المحرمات التي تعلم في دين الله تعالى أنها محرمات فإذا زاد على ذلك أنه يكثر النوافل كصلاة الليل، أو نوافل النهار وقيام الليل، أو يكثر من صيام النفل أو يكثر من قضاء حاجات الناس لوجه الله، يعتني بخدمة الناس، بخدمة المسلمين لوجه الله، من شدة الشفقة على الناس يصير وليًّا من أولياء الله. وتظهر لهؤلاء الأولياء يوم القيامة قبل دخول الجنة مزايا، منها أن الله تعالى لا يسلط عليهم حر شمس يوم القيامة، فإن الشمس يوم القيامة تدنو إلى رؤوس الناس ولا تكون في المركز الذي هي فيه اليوم، اليوم مركزها بعيد من رؤوسنا فما بيننا وبينها مسافة طويلة بعيدة، أما ذلك اليوم تقترب فيعرق هذا وهذا وهذا من شدة الحر ولا سيما الكفار، وبعض المسلمين يصير لهم عرق شديد لا يسيل عرق هذا إلى الذي يليه ولا عرقُ هذا إلى هذا ولا عرقُ هذا إلى هذا كلٌّ على حسب عمله، عرق هذا يتكوّم حوله وعرق هذا يتكوم حوله. الكفار بعضهم عرقهم يُغرقهم يرتفع ويعلو فيعُمُّهُم ويغمرُهُم.

فالأولياء والوليات في ذلك الوقت يكونون في ظل العرش حيث لا يوجد فيه أذى حر الشمس، يخصهم الله تعالى بهذه الرحمة بين الناس. كذلك أناسٌ دون الأولياء يحصل لهم يوم القيامة هذا، منهم الذين يسهلون على الناس الذين يُقرضونهم، لهم ديون على الناس ولا يشددون عليهم، إما يسامحوهم يتركون لهم، أو لا يشددون عليهم في المطالبة فيقولون الآن أعطني، لا يقولون هذا، بل يوسّعُون في الأجل، يقولون للذين لهم ديون عليهم إذا تيسر لكم تعطوننا وأحيانًا يُعفونهم يقولون سامحناك، هؤلاء أيضًا يُظلهم الله يوم القيامة بظل العرش، فلا يصيبُهم أذى الشمس؛ كذلك الذين يتحابُّون في الله فالرجال والنساء الذين يتحابون في الله، أي ليس للمال يتحابون ولا للقرابة ولا لتآلفٍ شكليٍ إنما لأن هذا مؤمن يحب الله ورسوله وهذا مؤمن يحب الله ورسوله يتآلفان ويتحابان ثم يتصافيان المحبة فلا يعامل أحدهما الآخر بالغش والخيانة والمكر بل الذي يحبه الواحد منهم لنفسه يحبه لأخيه وذاك مثل ذلك، يُحِبُ لهذا ما يُحِبُّ لنفسه من الخير، هؤلاء لهم منابر من نور يوم القيامة لا يصيبهم أذى حر الشمس.

نسأل الله العصمة من الزّلل والتوفيق في ما يحب من العلم والحمد لله رب العالمين.

انتهى والله تعالى أعلم.

([i]) سورة ءال عمران، الآية: (31).