الحسين بن علي
الـحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الإِمَامُ الشَّهِيْدُ:
الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالـهُدَى وَدِيْنِ الـحَقِّ، فَجَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَـمِيْنَ وَسِرَاجًا مُنِيْرًا لِلْمُهْتَدِيْنَ وَالـمُسْتَرْشِدِيْنَ، هَدَى اللهُ بِهِ الأُمَّةَ وَكَشَفَ بِهِ الغُمَّةَ وَأَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوْرِ فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.
أَمَّا بَعْدُ، يَقُوْلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْرًا} (سُوْرَةُ الأَحْزَابِ/ءَايَةُ:33).
لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ ءَالَ بَيْتِ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةٍ عَظِيْمَةٍ وَقَرَابَةٍ زَكِيَّةٍ فَاخِرَةٍ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الأَئِمَّةَ الكِرَامَ وَالعُلَمَاءَ الأَعْلَامَ فَكَانُوْا لِلْنَّاسِ مَصَابِيْحَ هِدَايَةٍ يُضِيْئُوْنَ وَسْطَ ظَلَامِ الفِتَنِ وَطُغْيَانِ الفَسَادِ وَيَذُوْدُوْنَ عَنْ حِيَاضِ الشَّرِيْعَةِ الغَرَّاءِ بِاللَّسَانِ وَالسِّنَانِ، قَائِمِيْنَ بِالأَمْرِ بِالـمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الـمُنْكَرِ لَا يَخَافُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، لُيُوْثًا فِي مَوَاطِنِ الـحَقِّ وَالـجِهَادِ وَبُحُوْرًا فِي العِلْمِ وَالدِّرَايَةِ وَرِثُوْا مِنْ عُلُوْمِ جَدِّهِمُ الـمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُسْعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَسَارُوْا عَلَى هَدْيِهِ وَدَرْبِهِ فَجَزَاهُمُ اللهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِ خَيْرًا عَظِيْمًا.
وَهَا نَحْنُ إِذْ نَعْرِضُ لِلْكَلَامِ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ الطَّاهِرِيْنَ الكِرَامِ نَتَنَاوَلُ البَحْثَ فِي مَآثِرِ شَخْصِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ فَذَّةٍ مِنْ كِبَارِ رِجَالَاتِ ءَالِ البَيْتِ الصَّالِـحِيْنَ، الإِمَامِ الشَّهِيْدِ الـحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مَوْلِدُهُ الـمَيْمُوْنُ وَنَسَبُهُ الـمَصُوْنُ:
فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الـهِجْرَةِ الـمُبَارَكَةِ وَهُنَاكَ عَلَى أَرْضِ يَثْرِبَ الَّتِي طَابَتْ وَتَنَوَّرَتْ بِقُدُوْمِ الرَّسُوْلِ الأَكْرَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وُلِدَ سِبْطَا رَسُوْلِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الـحَسَنَانِ الشَّهِيْدَانِ وَجَاءَتْ وِلَادَةُ الـحُسَيْنِ بَعْدَ أَخِيْهِ الـحَسَنِ بِسَنَةٍ وَعَشْرَةِ أَشْهُرٍ عَلَى الأَشْهُرِ، وُلِدَ ذَاكَ الإِمَامُ العَظِيْمُ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ الـحُسَيْنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الـمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ الـهَاشِمِيُّ خَامِسُ أَهْلِ الكِسَاءِ، السَّنَدُ الشَّرِيْفُ وَالسَّيِّدُ العَفِيْفُ الكَرَّارُ بْنُ الكَرَّارِ، مِنْ أُمٍّ تَقِيَّةٍ طَاهِرَةٍ مُبَارَكَةٍ هِيَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ بِنْتُ سَيِّدِ الـمُرْسَلِيْنَ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرِحَ لِوَلَادَتِهِ القَلْبُ وَقَرَّتْ بِهِ العَيْنُ كَمَا قَرَّتْ بِأَخِيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَحَظِيَ بِحُبٍّ كَبِيْرٍ مِنْ جَدِّهِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا نَالَهُ مِنَ البَرَكَةِ وَالـخَيْرِ حَيْثُ إِنَّ الرَّسُوْلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَقَّ عَنْهُ وَعَنِ الـحَسَنِ كَبْشًا كَبْشًا وَوَزَنَتْ لَهُ أُمُّهُ شَعَرَهُ وَشَعَرَ الـحَسَنِ وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً، وَاخْتَارَ لَهُ الرَّسُوْلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا الاسْمَ اللَّامِعَ كَمَا اخْتَارَ اسْمَ أَخِيْهِ الـحَسَنِ مِنْ قَبْلُ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ سَالِـمٍ عَنْ أَبِي الـجَعْدِ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنْتُ رَجُلًا أُحِبُّ الـحَرْبَ فَلَمَّا وُلِدَ الـحَسَنُ هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْبًا فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الـحَسَنَ، فَلَمَّا وُلِدَ الـحُسَيْنُ هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْبًا فَسَمَّاهُ الـحُسَيْنَ.
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اسْمَ الـحَسَنِ وَالـحُسَيْنِ لَمْ يَكُوْنَا مَعْرُوْفَيْنِ فِي الـجَاهِلِيَّةِ حَتَّى سَمَّى بِهِمَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبْطَيْهِ الـحَسَنَيْنِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي “أُسْدِ الغَابَةِ” وَغَيْرُهُ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
كَانَ الإِمَامُ الـحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَيِّدًا وَسِيْمًا جَمِيْلًا فَصِيْحًا عَالِـمًا عَاقِلًا رَزِيْنًا مُحْتَشِمًا جَوَّادًا كَرِيْمًا كَثِيْرَ الـخَيْرِ دَيِّنًا وَرِعًا كَبِيْرَ الشَّأْنِ عَظِيْمَ القَدْرِ يُشْبِهُ بِخِلْقَتِهِ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الـحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَزِيْدَ (أَنَّهُ) قَالَ: رَأَيْتُ الـحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إِلَّا شَعَرَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِـحْيَتِهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَصْبَغُ شَعَرَهُ بِالوَسْمَةِ وَهِيَ نَبْتٌ يُخْتَضَبُ بِهِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ طَوِيْلَ الشَّعَرِ يَضْرِبُ أَحْيَانًا إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
جُمْلَةٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَفَضَائِلِهِ العَظِيْمَةِ:
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا الـحُسَيْنُ رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِ إِمَامًا عَظِيْمًا وَسَيِّدًا سَنَدًا جَلِيْلًا، سَيْفًا مِنْ سُيُوْفِ الـحَقِّ وَجَبَلًا يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْنِ كَرِيْمَ الأَصْلِ شَرِيْفَ النَّسَبِ ذَا مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ وَرِفْعَةٍ بَالِغَةٍ، تَعَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْ جَدِّهِ الرَّسُوْل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَحَدَّثَ عَنْهُ وَعَنْ أَبَوَيْهِ وَعَنِ الفَارُوْقِ عُمَرَ وَطَائِفَةٍ أُخْرَى، وَحَدَّثَ عَنْهُ وَالَدَاهُ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنُ أَخِيْهِ زَيْدُ بْنُ الـحَسَنِ وَبِنْتُهُ سَكِيْنَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالفَرَزْدَقُ الشَّاعِرُ وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ عَالِـمًا مُبَجَّلًا وَسَيِّدًا مُعَظَّمًا مُحْتَرَمًا يَجُلُّهُ النَّاسُ وَكُبَرَاءُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ طَلِيْعَةِ القَوْمِ، وَيَعْرِفُوْنَ مَا لِلْحُسَيْنِ مِنْ قَدْرٍ وَمَقَامٍ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي شَأْنِهِ الفَضَائِلُ وَتَعَدَّدَتْ فِيْهِ الـمَكَارِمُ فَكَانَ صَفْوَةً مِنَ الرِّجَالِ وَخِيْرَةً مِنَ القَوْمِ عَابِدًا زَاهِدًا خَاشِعًا كَثِيْرَ العِبَادَةِ، فَاضِلًا يُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالـحَجِّ حَتَّى قِيْلَ إِنَّهُ حَجَّ خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشِيًا، وَكَانَ كَرِيْمًا كَثِيْرَ الصَّدَقَاتِ يَرْحَمُ الـمِسْكِيْنَ وَيُعِيْنُ الضَّعِيْفَ، شَمَلَتْهُ دَعْوَةُ جَدِّهِ الرَّسُوْلِ الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَلَّلَهُ هُوَ وَالـحَسَنَ وَفَاطِمَةَ بِكِسَاءٍ ثُمَّ قَالَ: ” اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْرًا”.
إِنَّ رَجُلًا أَحَبَّهُ الرَّسُوْلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَدِيْرٌ أَنْ يَكُوْنَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَبِهَذِهِ الـمَكَارِمِ العَالِيَةِ، كَيْفَ لَا وَهُوَ الـحِبُّ أَخُوْ الـحِبِّ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الأَخْبَارُ وَشَهِدَتْ بِذَلِكَ النُّقُوْلُ الصَّرِيْحَةُ وَالآثَارُ، فَفِي جَامِعِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِلْحَسَنِ وَالـحُسَيْنِ فَقَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا”.
وَفِي الـمُسْنَدِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَرْفُوْعًا: “الـحَسَنُ وَالـحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الـجَنَّةِ” وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هُمَا رَيْحَانَتَاي مِنَ الدُّنْيَا” رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَفِي السُّنَنِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: “الـحَسَنُ وَالـحُسَيْنُ رَيْحَانَتَايْ مِنَ الدُّنْيَا”.
إِنَّ رَجُلًا هَذِهِ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَكُوْنَ عَظِيْمَ الصَّلَاحِ فَيُحِبَّهُ النَّاسُ وَيُجِلُّوْهُ، حَتَّى إِنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ جَعَلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ الإِمَامِ عَلِيٍّ خَمْسَةَ ءَالَافٍ وَكَانَ يُكْرِمُهُ وَيُوَقِّرُهُ. فَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي السِّيَرِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُصْلِحُ لِلْحَسَنِ وَالـحُسَيْنِ، فَبَعَثَ إِلَى اليَمَنِ فَأُتِيَ بِكِسْوَةٍ لَـهُمَا فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي، وَفِي أَثَرٍ ءَاخَرَ عَنْ أَبِي الـمَهْزَمِ (أَنَّهُ) قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فَأَقْبَلَ أَبُوْ هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الـحُسَيْنِ وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يُجِلُّ الـحَسَنَيْنِ وَيَحْتَرِمُهُمَا وَيُحِبُّهُمَا حُبًّا بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَدَّثَ مَرَّةً فَقَالَ: كَانَ الـحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيْدًا فَقَالَ: “اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ” فَقُلْتُ: أَذْهَبُ مَعَهُ؟ فَقَالَ: “لا”، فَجَاءَتْ بُرْقَةٌ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا حَتَّى بَلَغَ إِلَى أُمِّهِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَفِي حَدِيْثٍ عِنْدَ الـحَاكِمِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْنًا”.
اسْتِشْهَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي السِّيَرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ زَادَانَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّهُ) قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ القَطْرِ [الـمَطَرِ] عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا أُمَّ سَلَمَةَ احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ” فَجَاءَ الـحُسَيْنُ فَاقْتَحَمَ وَجَعَلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ فَقَالَ الـمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، قَالَ: “نَعَمْ” قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الـمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيْهِ، قَالَ: “نَعَمْ” فَجَاءَ بِسَهْلَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ، قَالَ ثَابْتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ إِنَّهَا كَرْبَلَاءُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُلَخَّصَ مَا جَاءَ فِي اسْتِشْهَادِ الإِمَامِ الـحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ الكُوْفَةِ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَوْتُ مُعَاوِيَةَ وَخِلَافَةَ يَزِيْدٍ كَتَبُوْا كِتَابًا إِلَى الـحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوْنَهُ إِلَيْهِمْ لِيُبَايِعُوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ جَوَابًا مَعَ رَسُوْلِهِمْ وَسَيَّرَ مَعَهُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيْلٍ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمُ اجْتَمَعَ بَعْضُ أَنْصَارِهِ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ وَالـمِيْثَاقَ بِالبَيْعَةِ لِلْحُسَيْنِ وَأَنْ يَنْصُرُوْهُ وَيَحْمُوْهُ، وَلَمَّا أَرَادَ الـحُسَيْنُ الـمَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ نَهَاهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِمْ وَتَوَجَّهَ فَبَلَغَ تَوُجُّهُهُ يَزِيْدًا فَوَلَّى العِرَاقَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ وَأَمَرَهُ بِمُقَابَلَةِ وَقِتَالِ الإِمَامِ الـحُسَيْنِ، فَدَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ الكُوْفَةَ قَبْلَ الـحُسَيْنِ وَظَفَرَ بِمُسْلِمِ بْنِ عَقِيْلٍ فَقَتَلَهُ، وَأَرْسَلَ جَيْشًا لِمُلَاقَاةِ الـحُسَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَانَ الـحُسَيْنُ وَصَلَ مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى كَرْبَلَاءَ وَحَطَّ أَثْقَالَهُ فِي ذَلِكَ الـمَكَانِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ مِمَّنْ كَاتَبَهُ فَلَمَّا التَقَى عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: اخْتَارُوْا مِنِّي وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي فَأَلْحَقَ بِالثُغُوْرِ وَإِمَّا أَنْ أَذْهَبَ إِلَى يَزِيْدَ أَوْ أَنْصَرِفَ حَيْثُ جِئْتُ، فَقَبِلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَلَمْ يَقْبَلِ ابْنُ زِيَادٍ وَقَالَ: حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي [يُرِيْدُ بَيْعَةَ يَزِيْدَ] فَقَالَ الـحُسَيْنُ: لَا يَكُوْنُ ذَلِكَ أَبَدًا. فَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ وَكَانَ يَوْمَ العَاشِرِ مِنَ الـمُحَرَّمِ تَهَيَّأَ الـحُسَيْنُ وَمَعَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُوْنَ فَارِسًا وَأَرْبَعُوْنَ رَاجِلًا وَتَهَيَّأَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِأَرْبَعَةِ ءَالَافِ مُقَاتِلٍ وَدَارَتْ رَحَى الـحَرْبُ وَالـحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُدَافِعُ عَنْ يَمِيْنِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى ضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيْكٍ عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى وَضَرَبَهُ ءَاخَرُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَطَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ بِالـرُّمْحِ فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ وَنَزَلَ إِلَيْهِ شُمَّرُ بْنُ ذِي الـجَوْشَنِ فَأَخَذَ رَأْسَهُ، وَكَانَ قَدْ وَجَدَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُوْنَ طَعْنَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُوْنَ ضَرْبَةً. وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ قُتِلَ سِتًّا وَخَمْسِيْنَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَقِيْلَ كَانَ ابْنَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ اسْتِشْهَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الـجُمُعَةِ فِي العَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ مِنَ الـهِجْرَةِ الشَّرِيْفَةِ.
دَفْنُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
ذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الـحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى يَزِيْدَ فَجَعَلَ يَنْكُثُ ثَنَايَاهُ بِقَضِيْبٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوْ بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ: تَنْكُثُ قَضِيْبَكَ فِي ثَغْرِ الـحُسَيْنِ!!، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتُ شَفَتَي رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَاتَيْنِ الشَّفَتَيْنِ يُقَبِّلُهُمَا، ثُمَّ أَغْلَظَ لَهُ فِي الكَلَامِ جَدًّا وَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَانْصَرَفَ.
وَدُفِنَ الـجَسَدُ الكَرِيْمُ بِكَرْبَلَاءَ وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ رَأْسِهِ فَقِيْلَ: دُفِنَ بِدِمَشْقَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الـمُؤَرِّخِيْنَ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى مِصْرَ.
حَادِثَةٌ غَرِيْبَةٌ:
مِمَّا يُرْوَى بَعْدَ حَادِثَةِ الـحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ (أَنَّهُ) قَالَ: أَتَيْتُ كَرْبَلَاءَ فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ: بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَسْمَعُوْنَ نَوْحَ الـجِنِّ قَالَ: مَا تَلْقَى حُرًّا وَلَا عَبْدًا إِلَّا أَخْبَرَكَ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ؟، قَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُوْلُوْنَ:
مَسَحَ الرَّسُوْلٌ جَبِيْنَهُ *** فَلَهُ بَرِيْقٌ فِي الـخُدُوْدِ
أَبَوَاهُ مِنْ عُلْيَا قَرَيْـ **** ـشٍ وَجَدُّهُ خَيْرُ الـجُدُوْدِ
عَاقِبَةُ الظَّالِمِيْنَ:
ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي السِّيَرِ عَنِ السُّدِّيِّ (أَنَّهُ) قَالَ: أَتَيْتُ كَرْبَلَاءَ تَاجِرًا فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ طَيٍّ طَعَامًا فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا قَتْلَ الـحُسَيْنِ فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ إِلَّا مَاتَ مِيْتَةَ سُوْءٍ، فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُمْ أَنَا مِمَّنْ شَارَكَ فِي قَتْلِهِ، فَلَمْ نَبْرَحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ يَتَّقِدُ بِنِفْطٍ فَذَهَبَ يُخْرِجُ الفَتِيْلَةَ بِإِصْبَعِهِ فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا فَهَبَّ يُطْفِئُهَا بِرِيْقِهِ فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِـحْيَتِهِ فَعَدَا فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي الـمَاءِ فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ حُمَمَةٌ.
رَحِمَ اللهُ سَيِّدَنَا الـحُسَيْنَ وَرَضِيَ عَنْهُ وَجَمَعَنَا بِهِ مَعَ رَسُوْلِهِ الكَرِيْمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيْمِ.
- كتب الشيخ جيل صادق
- كتب للتحميل
- بغية الطالب
- نُور العُيون في تلخيص سيرة الأمِين الـمَأمُونِ
- جامع الخيرات – الجزء الرابع
- الجزء الأول – الفرقان في تصحيح ما حُرّفَ تفسيره من ءايات القرءان
- الجزء الثاني – الفرقان في تصحيح ما حُرّفَ تفسيره من ءايات القرءان
- البحوث الحسان من صريح البيان في الرد على من خالف القرءان
- مقصد الراغبيـن فـى تعلم العقيدة وأحكام الدين
- أنس المجالس- الجزء الأول
- مختصر المطالب الوفية
- بهجة النظر
- عمدة الراغب
- الجزء الأول – قبسات نورانية على ألفية السيرة النبوية
- الجزء الثاني – قبسات نورانية على ألفية السيرة النبوية
- أنس الذاكرين
- الأَدَبُ الـمُفرد
- الأربعون الهررية
- المزيد+
