معاذ بن جبل
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
إِمَامُ العُلَمَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ أَبُوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِدِ بْنِ عَدِيِّ انْتِهَاءِ بِجُشَمَ بْنِ الـخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الـجَشَمِيُّ.
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةٍ مَعَ السَّبْعِيْنَ الَّذِيْنَ شَهِدُوْا بَيْعَةَ العَقَبَةِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكَانَ بِذَلِكَ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ إِذْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِأَسْبَقِيَّةٍ حَمِيْدَةٍ وَيَقِيْنٍ قَوِيٍّ كَبِيْرٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ غَزْوَةٍ أَوْ مَشْهَدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُجَنِّدًا نَفْسَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ يُعْمِلُ فِكْرَهُ وَعَقْلَهُ فِي خِدْمَةِ الدِّيْنِ، حَيْثُ كَانَ يَحْظَى بِذَكَاءِ وَصَفَاءِ ذِهْنٍ وَاسْتِنَارَةِ عَقْلٍ دَفَعُوْا بِهِ إِلَى غَايَةٍ مُهِمَّةٍ فِي العِلْمِ وَالـمَعْرِفَةِ حَتَّى كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالـمَكَانِ الَّذِي لَا يُجْهَلُ بَلْ يَكْفِيْهِ قَوْلُ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالـحَلَالِ وَالـحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ” رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
ذِكْرُ صِفَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا مُعَاذٌ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ يَوْمَ العَقَبَةِ شَابًّا مُشْرِقَ الوَجْهِ رَائِعَ النَّظْرَةِ بَرَّاقَ الثَّنَايَا، يُبْهِرُ الأَبْصَارَ بِسُمْعَتِهِ وَرَوَيَّتِهِ، وَقَدْ رَافَقَتْهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ حَتَّى وَافَاهُ الأَجَلُ فَفِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى حَوْلَهُ النَّاسُ جَعْدٌ قَطَطُ فَإِذَا تَكَلَّمَ كَأَنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ نُوْرٌ وَلُؤْلُؤٌ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟، قَالُوْا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
ذِكْرُ غَزَارَةِ عِلْمِهِ:
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى جَانِبٍ كَبِيْرٍ مِنَ العِلْمِ وَالدِّرَايَةِ وَالوَرَعِ، جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الـمَعْرِفَةِ وَعَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيْعَةِ قَائِمًا بِالـحَقِّ مُنَاضِلًا بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، اخْتَارَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى اليَمَنِ مَعَ أَخِيْهِ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ، وَيَكْفِيْكَ هَذَا بُرْهَانًا عَلَى مَدَى عِلْمِه وَحِكْمَتِهِ وَحُسْنِ دَعْوَتِهِ إِضَافَةً إِلَى مَا جَاءَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الكَثِيْرَةِ الـمُؤَكِّدَةِ لِذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ وَأَبُوْ قَتَادَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ كَثِيْرٌ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِلُّوْنَهُ وَيَعْرِفُوْنَ مَا لَهُ مِنَ القَدْرِ الـمَحْمُوْدِ وَالـمَرْتَبَةِ الرَّفِيْعَةِ وَالدَّرَجَةِ العِلْمِيَّةِ الـمَرْمُوْقَةِ، وَهَاكَ مَا جَاءَ فِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” لِابْنِ الـجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الـخَوْلَانِي (أَنَّهُ) قَالَ: “أَتَيْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا حَلَقَةٌ فِيْهَا كُهُوْلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا شَابٌّ مِنْهُمْ أَكْمَلُ العَيْنِ بَرَّاقُ الثَّنَايَا كُلَّمَا اخْتَلَفُوْا فِي شَيْءٍ رَدُّوْهُ إِلَى الفَتَى، قَالَ قُلْتُ لِـجَلِيْسٍ لِي: مَنْ هَذَا؟، قَالَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ”.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِـمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: عَلِّمْنِي، قَالَ: وَهَلْ أَنْتَ مُطِيْعِي؟، قَالَ: إِنِّي عَلَى طَاعَتِكَ لَـحَرِيْصٌ، قَالَ: صُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ وَاكْتَسِبْ وَلَا تَأْثَمْ وَلَا تَمُوْتَنَّ إِلَّا وَأَنْتَ مُسْلِمٌ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الـمَظْلُوْمِ.
أَيُّ عَالِـمٍ هَذَا الَّذِي جَمَعَ فِي كَلَامٍ قَلِيْلٍ مَا كَثُرَ مِنْ خِصَالِ الـخَيْرِ وَالفَلَاحِ، كَيْفَ لَا وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيْهِ قَوْلُ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مُعَاذٌ إِمَامُ العُلَمَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ بِرَتْوَةٍ أَوْ رَتْوَتَيْنِ” رَوَاهُ أَبُوْ نُعَيْمٍ فِي الـحِلْيَةِ. وَالرَّتْوَةُ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا مُعَاذٌ مِنْ مَفَاتِي الصَّحَابَةِ الـمَعْدُوْدِيْنَ بَلْ كَانَ مِمَّنْ يُفْتِي فِي حَيَاةِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي “أُسْدِ الغَابَةِ” عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيْهِ (أَنَّهُ) قَالَ: كَانَ الَّذِيْنَ يُفْتُوْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ مِنَ الـمُهَاجِرِيْنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَمِنَ الأَنْصَارِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
ذِكْرُ جُمْلَةٍ مِنْ مَنَاقِبِهِ:
عَنْ مَالِكِ الدَّارِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخَذَ أَرْبَعَمِائَةِ دِيْنَارٍ فَجَعَلَهَا فِي صُرَّةٍ فَقَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الـجَرَّاحِ ثُمَّ تَلْهُ سَاعَةً فِي البَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ، فَذَهَبَ الغُلَامُ قَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ الـمُؤْمِنِيْنَ اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ قَالَ: وَصَلَهُ اللهُ وَرَحِمَهُ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَي يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلَانٍ وَبِهَذِهِ الـخَمْسَةِ إِلَى فُلَانٍ وَبِهَذِهِ الـخَمْسَةِ إِلَى فُلَانٍ حَتَّى أَنْفَذَهَا فَرَجَعَ الغُلَامُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِـمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَتَلْهُ فِي البَيْتِ سَاعَةً حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ بِهَا إِلَيْهِ، قَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ الـمُؤْمِنِيْنَ اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ وَوَصَلَهُ: تَعَالَي يَا جَارِيَةُ اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا وَاذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا وَاذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا، فَاطَّلَعَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: وَنَحْنُ وَاللهِ مَسَاكِيْنُ فَأَعْطِنَا، وَلَنْ يَبْقَ فِي الـخِرْقَةِ إِلَّا دِيْنَارٌ فَدَحَا بِهِمَا إِلَيْهَا فَرَجَعَ الغُلَامُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ إِخْوَةٌ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
هُوَ مِمَّنْ شَهِدَ الـمَشَاهِدَ أَجْمَعَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ ثَبَاتَ الأَبْطَالِ الشُّجْعَانِ، يُنَاصِرُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ وَالكَلِمَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَمَى حَجَرًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَقَالَ: لَا أَفِرُّ هَذَا الـحَجَرَ، وَمَضَى يَقْتَحِمُ الصُّفُوْفَ وَيَصُوْلُ صَوْلَةَ الأَسَدِ الشَّدِيْدِ، وَهَا هُوَ يُجْرَحُ يَوْمَ أُحُدٍ تِسْعَ جِرَاحَاتٍ وَيَسِيْلُ دَمُهُ وَهُوَ ثَابِتٌ يَرْجُوْ نَصْرًا أَوْ شَهَادَةً فِي سَبِيْلِ اللهِ. وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرُّمَاةِ الـمَذْكُوْرِيْنَ.
وَفَاتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
اتَّفَقَ أَهْلُ التَّارِيْخِ أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ بِطَاعُوْنِ عَمْوَاسَ بِنَاحِيَةِ الأُرْدُنِّ مِنَ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَقَبْرُهُ الآنَ فِي نَاحِيَةٍ يُقَالُ لَهَا الأَغْوَارُ وَهُوَ مَعْرُوْفٌ يُزَارُ.
وَاخْتَلَفُوْا فِي عُمُرِهِ عَلَى قَوْلِيْنِ أَحَدِهِمَا ثَمَانٍ وَثَلَاثُوْنَ وَالثَّانِي ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ الـمُسَيَّبِ (أَنَّهُ) قَالَ: رُفِعَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ وَمَاتَ مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ سَنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ الفَارُوْقِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْ سَيِّدِنَا مُعَاذٍ وَأَرْضَاهُ.
اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَاتِ الصَّالِـحِيْنَ وَاجْمَعْنَا بِهِ مَعَ رَسُوْلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامٍ كَرِيْمٍ.
رَحِمَ اللهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- كتب الشيخ جيل صادق
- كتب للتحميل
- بغية الطالب
- نُور العُيون في تلخيص سيرة الأمِين الـمَأمُونِ
- جامع الخيرات – الجزء الرابع
- الجزء الأول – الفرقان في تصحيح ما حُرّفَ تفسيره من ءايات القرءان
- الجزء الثاني – الفرقان في تصحيح ما حُرّفَ تفسيره من ءايات القرءان
- البحوث الحسان من صريح البيان في الرد على من خالف القرءان
- مقصد الراغبيـن فـى تعلم العقيدة وأحكام الدين
- أنس المجالس- الجزء الأول
- مختصر المطالب الوفية
- بهجة النظر
- عمدة الراغب
- الجزء الأول – قبسات نورانية على ألفية السيرة النبوية
- الجزء الثاني – قبسات نورانية على ألفية السيرة النبوية
- أنس الذاكرين
- الأَدَبُ الـمُفرد
- الأربعون الهررية
- المزيد+
