الأحد ديسمبر 7, 2025

باب المدينة تنفي خبثها وينصع طيبها

  • عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابيا أتى النبي r فبايعه على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك([1]) بالمدينة فأتى النبي r فقال: يا محمد أقلني بيعتي([2])، فأبى رسول الله r، ثم جاءه من الغد فقال: أقلني بيعتي، فأبى رسول الله r، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى رسول الله r، فخرج الأعرابي فقال رسول الله r: «إنما الـمدينة كالكير([3]) تنفي خبثها([4]) وينصع طيبها([5])». هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ابن مالك، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن قتيبة، وأخرجه ابن حبان عن عمر بن سعيد بن سنانٍ.
  • عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا([6])، وإنه ليأرز بين الـمسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها([7])». هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.

[1])) قال ابن الأثير في النهاية (5/207): «الوعك الحمى، وقيل: ألمها».

[2])) استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله، قاله الملا علي في المرقاة (5/1880).

وقال الحافظ النووي في شرح مسلم (9/155): «قال العلماء: إنما لم يقله النبي r بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام».

وقال الزرقاني في شرح الموطأ (4/348): «(فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي) على الإسلام، قاله عيضا، وقال غيره: إنما استقاله من الهجرة ولـم يرد الارتداد عن الإسلام، قال ابن بطالٍ: بدليل أنه لـم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي r على ذلك، ولو اراد الردة ووقع فيها لقتله إذ ذاك، وحمله بعضهم على الإقالة من الـمقام بالـمدينة».

[3])) قال الشهاب الكوراني في الكوثر الجاري (4/242): «الكير بكسر الكاف الـموضع الذي يجعل فيه الحداد النار، والـمنفاخ الذي ينفخ به النار».

[4])) قال الحافظ العسقلاني في الفتح (4/97): «باب: المدينة تنفي الخبث أي بإخراجه وإظهاره». وقال القسطلاني في إرشاد الساري (10/265): «(خبثها) بفتح الـمعجمة والموحدة والمثلثة رديئها الذي لا خير فيه». وقال ابن الأثير في النهاية (5/1019: «(تنفي خبثها)، أي: تخرجه عنها وهو من النفي الإبعاد عن البلد، يقال: نفيته أنفيه نفيا إذا أخرجته من البلد وطردته».

وقال شيخنا رحمه الله: «حديث: «الـمدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد» رواه مسلم. معناه تطرد الكافر ولا تقبله، بعضهم في حياتهم يخرجون وبعضهم بعد موتهم. المدينة تنفي المنافقين، الناس الخبثاء تنفيهم كما ينفي الكير خبث الحديد، والكير هو الذي ينفخ فيه الحداد ليحمي الحديد بالنار، هذا الكير ينفي خبث الحديد، أي: ما يوجد في الحديد من الخبث ينفيه، كذلك مدينة رسول الله r تنفي الخبث، أي: المنافقين، تخرج من فيها من المنافقين إما في حال حياتهم قبل أن يموتوا، ولو عند موتهم الله تعالى يخرجهم من المدينة، وبعض الناس يموتون فيها لكن بعد أن يموتوا ينقلون إلى خارج المدينة، الملائكة ينقلونه، لو دفن أحدهم بالمدينة، أي: من المنافقين الملائكة ينقلونه، يأتون بنوقٍ سودٍ، إبلٍ سودٍ، إلى جبانة المدينة عند صلاة الصبح، يأتون فيحملونهم، يخرجونهم من القبور، يحملونهم على هذه وينقلونهم إلى أرضٍ أخرى، هذا معنى «الـمدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد».

وفي روايةٍ: «تنفي خبثها وشرارها كما ينفي الكير خبث الحديد»، وفي أخرى: «كما تنفي النار خبث الفضة». قال العلماء: خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما».

[5])) قال ابن الأثير في النهاية (5/65): «(وتنصع طيبها)، أي: تخلصه، وشيء ناصع خالص، وأنصع أظهر ما في نفسه، ونصع الشيء ينصع إذا وضح وبان، ويروى (ينصع طيبها)، أي: يظهر، ويروى بالباء والضاد الـمعجمة [يبضع]».

[6])) قال شيخنا رحمه الله: «معنى غرابة الإسلام في أوله في أول بعثة النبي r هو أن الـمسلمين كانوا يضطهدون من قبل أعدائهم الكفار في أول بعثة النبي ثـم لـم يزالوا مضطهدين حتى هاجر رسول الله r بإذنٍ من الله».

[7])) قال شيخنا رحمه الله: «في ءاخر الزمان ينزوي الإيمان إلى المدينة الـمنورة كما تنزوي الحية إلى جحرها، أي: إلى وكرها؛ لأن ءاخر قريةٍ من قرى الإسلام تخرب هي المدينة كما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي: «ءاخر قريةٍ من قرى الإسلام خرابا الـمدينة»، ولا بد أن تكون المدينة أحسن حالا من غيرها فيما مضى وفيما سيأتي، وهذا هو الـمراد بالحديث الذي رواه مسلم: «إن الإيمان ليأرز إلى الـمدينة كما تأرز»، أي: تنزوي «الحية إلى جحرها». وقد خالفت الوهابية هذا الحديث الصحيح ففضلت نجدها، ومن الـمشهور عنهم أن أحدهم إذا كان في الحجاز فعاد إلى نجد الرياض ونحوها من بلدانهم يقول: الحمد لله دخلنا ديرة الإيمان، فضلوا نجدهم الذي قال الرسول r فيه: «هناك يطلع قرن الشيطان» على الحجاز، وهذا من أدلة ضلالهم، والحديث رواه البخاري».