وكأنّ المرادَ بالحجَّتَين قَبلَ الهِجرةِ ما اطّلَعَ علَيه جابِرٌ وغيرُه مِنَ الأنصارِ مِمّن حَضرَ بَيعةَ العَقبةِ، وإلّا فَلا يُظَنُّ بِهصلى الله عليه وسلم أنّه يَتَخَلَّفُ عن الحَجّ في إقامتِه بِمكّةَ لا بَعد البِعثةِ ولا قَبلَها.
وإذَا اختَلَفَ مُسلِمُ بنُ خالدٍ والثَّوريُّ قُدِّمَ الثَّوريُّ ولا سِيَّما ومعَه الوَصلُ، فالحدِيثُ صحِيحٌ، وقد جاءَ في «الصّحِيحَين» في هذا المعنَى أنّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لَم يَطُوفُوا بحَجّهِم وعُمرَتِهم إلّا طَوافًا واحِدًا.
[1])) قال المناويّ في فيض القدير (2/310)، والتيسير (1/276): «قولُه: (تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ)، أي: لا يَزُورُ بَيتِي وهو الكَعبةُ، أي: لا يَقصِدُها بنُسُكٍ (لَمَحْرُومٌ)، أي: يُقضَى علَيه بالحِرمانِ مِن الخيرِ أو مِن مَزِيد الثَّواب». ومعنَى قولِهr: «لَا يَفِدُ إِلَيَّ» لا يَفِدُ إلى المكانِ المشرَّفِ عِندَ اللهِ وهو الكعبةُ والبيتُ الحَرامُ، واللهُ عزَّ وجلَّ موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكانٍ ولا كَيفٍ.
[2])) قال العِراقيّ في طَرحِ التّثريب (5/23): «ولَم يَروِ لفظَ الإفراد عن عائشةَ إلّا عُروة والقاسِمَ، وروَى عنها القِرانَ عُروةُ أيضًا ومجاهِدٌ وليسَ مُجاهِدٌ دُونَ القاسِم، فنظَرْنا فوجَدْنا مَن روَى القِرانَ لا يَحتمِلُ تأوِيلًا أصلًا، ورِوايةُ مَن روَى الإفرادَ يَحتمِل التّأوِيلَ وهو أن يكُونَ قولُها: «أفرَدَ الحَجَّ»، أي: لَم يَحُجَّ بَعد فَرضِ الحجِّ إلّا حَجّةً فَرْدةً لَم يُثنِّها بأُخرَى، ويَحتمِلُ أن تكُونَ سَمِعَتْه يُلَبِّي بالحجِّ فرَوَتْه ولَم تَسمَع ذِكرَ العُمرةِ فلَم تَرْوِ ما لَم تَسمَع، ثُمّ صَحَّ عِندَها بَعد ذلكَ أنّه قَرَن فذَكَرَتْ ذلكَ كما روَى عنها عُروةُ ومجاهِدٌ».
[3])) أي: أحرَمتُ.
[4])) قال السِّندي في حاشيته على النسائي (5/150): «قوله: (مَا تَعُدُّونَا إِلَّا صِبْيَانًا)، أي: كأنَّكُم ما تأخُذون بقولِنا لِعَدِّكُم إيّانا صِبْيانًا حينئذٍ».
[5])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (8/592): «أي: فليَتَحَلَّلْ بِعمَلِ عُمرةٍ (وليَجْعَلْها عُمُرَةً) بَعدَ فَسخِه الحَجَّ، ومَن كان معَه هَدْيٌ فليَستَمِرَّ علَى إحرامِه حتَّى يَنحَرَ هَدْيَه».
[6])) وحملَه بعضُهم على أنّه طافَ لِكُلٍّ مِنهُا طَوافًا واحِدًا.
قال النوويّ في المجموع (7/172): «القِرانُ صُورتُه الأصلِيّة أن يُحرِمَ بالحَجّ والعُمرةِ معًا فتَندرِجُ أعمالُ العُمرةِ في أعمالِ الحَجّ ويَتّحِدُ الـمِيقاتُ والفِعلُ فيَكفِي لهُما طَوافق واحِدٌ وسَعيٌ واحِدٌ وحَلقٌ واحِدٌ وإحرامٌ واحِدٌ، فلَو أَحرَم بالعُمرةِ ثُمّ أدخَلَ علَيها الحَجَّ، أي: أَحرَمَ بِه نُظِر إِنْ أَدخَلَه في غَيرِ أشهُرِ الحَجِّ لَغا إدخالُه ولَم يَتغيَّر إحرامُه بالعُمرة، وإنْ أَدخَلَه في أشهُرِه نُظِرَ إنْ كان أَحرَمَ بالعُمرةِ قَبلَ أَشهُرِ الحَجّ فَفِي صِحّةِ إدخالِه وَجْهانِ».
[7])) قال الملّا عليّ القاري في المرقاة (5/1766): «(فَرَمَلَ)، أي: أَسرَعَ يَهُزُّ مَنكِبَيه (ثَلَاثًا)، أي: ثَلاثَ مَرّاتٍ مِن الأَشْواطِ السَّبعةِ».
[8])) قال شيخنا رحمه الله: «مَقامُ إبراهيمَ r حجَرٌ أُنزِل مِنَ الجنّة، كانَ يَقِفُ علَيهِ إبراهيمُ أثناءَ بِنائِه للكَعبَة، وعليهِ أثرُ قدمِه غائِصةٌ فيه. الملَك بالحجَرِ فأعطاهُ إبراهيمَ. ثبَت أنّ الحجَرَ الأسوَدَ نزَل مِن الجنّةِ وكذلِك مقامُ إبراهيمُ، أمّا عصا مُوسَى فلَم يَثبُتْ أنّها مِن الجَنّةِ. قام إبراهيم كانَ في زمَنِ الرسولِ r مُلتَصِقًا بالكَعبةِ بَينَ الحجَر الأسودِ وبينَ بابِ الكَعبة ثم أزاحَه السَّيلُ عن مَكانِه فبَقِي في ذلكَ المكانِ، والآنَ في عَصرِنا هذا مِن أجلِ تَوسِيع الـمَطاف على الناس أُزِيح مِن مَكانِه أكثَرَ مما كانَ، وهو والحجَرُ الأسودُ وَرَد أنّهما نَزلا مِن الجنة وهما ياقُوتَتان مِن يَواقِيت الجنّةِ ثُمّ طَمَسَ اللهُ نُورَهما، ولولا ذلك لأضاءَا ما بينَ المشرِق والمغرب، هذا رواه ابن حبّان وغيرُه. ثُمّ الحجرُ الأسوَدُ اسودَّ لـمّا تمسَّح المشرِكُون به وذلكَ بعدما كَفَر أهلُ مكّةَ بعِبادةِ الوثَن بعدَ إسماعيلَ r بزمَنٍ طويلٍ، اسْوَدَّ لِيَكُونَ ذلكَ عِبرةً».
[9])) أي: لَمَسَه بِيَدِهِ الشّرِيفةِ.
[10])) أي: أتاهُ ملَكٌ مِن الملائكةِ الكِرامِ بأمْرِ الله عزَّ وجلَّ، وقال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (3/392): «هو جِبريلُ علَيه السّلامُ».
[11])) قال إبراهيمُ الحَربيّ في غريب الحدِيث (1/47): «قوله: (وَهُوَ بِالعَقِيقِ) وادٍ علَى مِيلَينِ مِن المدِينةِ قَبلَ ذِي الحُليفةِ».
[12])) قال ابنُ بطّالٍ في شرح البخاري (4/202): «(عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ)، أي: إحرامُكم تَدخُل فيه العُمرةُ والحَجّةُ مُتتالِيًا ومتَفرِقًا».
[13])) أي: التَمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِ.
[14])) قال أبو بكر بن العربيّ في العارِضة (4/31): «بابُ كَم حَجَّ النَّبيُّ علَيهِ السَّلامُ: «رُوِي عن جابِر أنّ النَّبِيَّ علَيه السَّلامُ حَجَّ ثَلاثَ حِجَج» الحديث. ضعَّفه أبو عِيسَ، وذكَره البُخاريّ قال: إنّه عن مُجاهِد مُرسَل، وذكَرَ الحدِيثَ الصّحِيحَ عن أنَسٍ أنّ النَّبيّ علَيه السّلامُ حَجَّ حَجّةً واحِدَةً واعتَمَرَ أَرْبَع عُمَرٍ».
وقال البَيهقيّ في السُّنَن الكُبرَى (4/559): «عن مجاهدٍ قال: «حَجَّ رَسولُ الله r ثَلاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَينِ وهو بِمَكّةَ قَبلَ الهِجرَةِ وَحَجّةَ الودَاعِ». وحَجُّه قَبلَ الهِجرةِ يَكُونُ قَبلَ نزُولِ فَرضِ الحَجّ فَلا يُعْتَدُّ بهِ عن الفَرضِ الـمُنزَلِ بَعدَه، واللهُ أعلَمُ».
وقال الحافظ العسقلانيّ في الفَتح (8/104): ووَقعَ في حديثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدرِيّ ما يُوهِمُ أنّه r حَجَّ قبلَ أنْ يُهاجِر غيرَ حَجّةِ الوَداعِ، ولَفظُه عِندَ الترمذِيّ مِن حديثِ جابِرٍ: «حَجَّ قَبلَ أَنْ يُهاجِرَ ثَلاثَ حِجَجٍ» وعنِ ابنِ عبّاسٍ مِثلُه أخرجَه ابنُ ماجهْ والحاكِمُ. قلتُ: وهو مَبنِيٌّ علَى عدَدِ وُفودِ الأَنصارِ إِلَى العَقَبةِ بمِنًى بَعد الحَجّ، فإنّهُم قَدِمُوا أوّلًا فتَواعَدُوا ثُمّ قَدِمُوا ثانِيًا فبايَعُوا البَيْعةَ الأُولَى ثُمّ قَدِمُوا ثالِثًا فبايَعُوا البَيْعةَ الثّانِيةَ كَما تَقَدَّمَ بَيانُه أوّلَ الهِجرةِ، وهذا لا يَقتَضِي نفيَ الحَجّ قبلَ ذلكَ».
[15])) أي: أحرَمَ.
[16])) وفي لَفظٍ: «لَمْ يَحْلِلْ»، أي: لَم يَصِرْ حَلالًا.
[17])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (8/321): «هذا بيانٌ لِحُكمِ القارِن فإنّه لا يَحِلُّ إلّا بِفَراغِه مِن طَوافِ الإفاضةِ، ويُجزِئُه لَهُما عمَلٌ واحِدٌ عِندَ الجُمهورِ خِلافًا لأبِي حنِيفةَ إذْ يَقُول: يَعمَلُ فيهِما عَملَين».
[18])) بسِينٍ مُهمَلةٍ مَفتُوحةٍ ثمّ راءٍ مكسُورةٍ ثُمّ فاءٍ، وهو ماءٌ بَينَه وبَين مكّةَ عشَرةُ أميالٍ، بِها قَبرُ مَيمُونَةَ رضِي الله عَنها، قاله النوويّ في «تهذيب الأسماءِ واللُّغات» (2/355).
[19])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (8/537): «فيه دلِيلٌ ظاهِرٌ على أنّ القارِنَ بَين الحَجّ والعُمرةِ لا يَلزَمُه إلّا ما يَلزَم الـمُفرِدَ، وأنّه يُجزِئُه طَوافٌ واحِدٌ وسَعيٌ واحٍدٌ لِحَجِّه وعُمرَتِه، وبه قال مالِكٌ والشافعِيُّ وابنُ الـمُنذرِ ونَصَّ علَيه أحمَدُ في رِوايةٍ عنهُ».
[20])) قال ابن الأثير في النهاية (3/218): «قولُه: «بعدَ الْمُعَرَّف» يُرِيد به بَعد الوقُوفِ بعرفَةَ وهو التَّعرِيف أيضًا. والـمُعَرَّف في الأصلِ موضِعُ التّعرِيف ويكُونُ بمعنَى الـمَفعُول».
[21])) قال البَدرُ العَينيّ في العُمدة (9/134): «وإنّما قِيل لِلحَجِّ جِهادٌ لأنّه يُجاهِد في نَفسِه بالكَفِّ عن شهَواتِها والشَّيطانِ ودَفعِ الـمُشركِين عن البَيتِ باجتِماعِ الـمُسلمِين إليه مِن كُلِّ ناحِيةٍ».
وقال الملّا عليّ في المرقاة (5/1754): «أي: بلْ فِيه اجتِهادٌ ومشَقّةُ سفَرٍ وتحَمُّلُ زادٍ ومُفارقَةُ أهلٍ وبِلادٍ كما في الجِهادِ».
[22])) أي: الواجبَين؛ لأنّها سألَتْه عمّا على النِّساء، أي: وُجوبًا، وبه استَدَلَّ الإمامُ الشافعِيُّ رضي الله عنه على أنّ العُمرةَ واجِبةٌ.
[23])) أي: الّذين لا يَقدِرُون على القِتالِ في سبِيل اللهِ.
[24])) قال المناويّ في فيض القدير (3/407): «لأنّ الجِهادَ تحمُّلُ الآلامِ بالبدَنِ والمالِ وبَذلُ الرُّوحِ، والحَجُّ تحمُّلُ الآلامِ بالبدَنِ وبَعضِ المالِ دُونَ الرُّوحِ، فهو جِهادٌ أضعَفُ مِن الجِهادِ في سبيل الله».
[25])) أي: بَلَغَ.
[26])) أي: أحرَمَ.
[27])) أي: كان صَغِيرَ السِنِّ لَم يُشاهِدْ ذلك مِن النَّبِيّ.
قال ابنُ الأثير في النّهاية (5/224): «أي: يَدخُل علَيهِنّ وهو صَغِيرٌ فلا يَحْتَجِبْنَ منه». وقال ابن الـمُلقِّن في التوضيح (11/172): «قال ابنُ عُمَر: «إنّ أَنسًا يقول: قَرَنَ. فقال: كان أنَسٌ صغِيرًا يَتولَّجَ على النِّساءِ وهُنّ مُتكشِّفاتٍ لا يَستَتِرْنَ مِنهُ لِصِغَرِه، وأنا ءاخِذٌ بِزِمام ناقَةِ رَسولِ اللهِ r يَمسُّنِي لُعابُها – وفي روايةٍ: «يَسِيلُ عَلَيَّ لُعابُها» – سَمِعتُه يُهِلُّ بالحَجِّ مُفْرِدًا، وأَهْلَلْنا معَ النَّبيّ بِالحَجِّ خالِصًا لا يَشُوبُه شَيءٌ»؛ ففِيه نظَرٌ؛ لأنّ حَجّةَ الوَداعِ كانتْ وَسِنُّ أنَسٍ نَحوَ العِشرِين».
الإشعارات