الأحد ديسمبر 7, 2025

باب الحث على الدعاء والاستغفار في
النصف الثاني من كل ليلةٍ

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا([1]) حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني؟ فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له». هذا حديث صحيح أخرجه أحمد.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «وأما النزول المذكور في حديث: «ينزل ربنا كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا» فأحسن ما يقال في ذلك: هو نزول الملك بأمر الله فينادي مبلغا عن الله تلك الكلمات: «من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يسألني فأعطيه» فيمكث الملك في السماء الدنيا من الثلث الأخير إلى الفجر. أما من يقول: «ينزل بلا كيفٍ» فهو حق، لأنه حين قال: «بلا كيفٍ» نفى الحركة والانتقال من علوٍ إلى سفلٍ. وفي إحدى روايات البخاري رواية بلفظٍ: «ينزل ربنا» بضم الياء وهي تفسر رواية «ينزل» بأنه نزول الملك بأمر الله. هذا الحديث يفهم منه الموفق أن هذا النزول الذي نسبه الرسول r إلى الله عز وجل ليس نزول حركةٍ ونقلةٍ إنما هو أمر ءاخر يليق بالله تعالى ليس من صفات البشر. أو يقال: هذا النزول نزول بأمر الله، فإن الملك حين ينزل بأمر الله ينادي مبلغا عن الله، هذا الملك ما نزل إلا بأمر الله، نزل ليبلغ عن الله تعالى فصح نسبته إلى الله تبارك وتعالى لأنه هو الآمر، وهذا معروف في تخاطب العرب أن هذا إسناد مجازي، «ينزل ربنا»، أي: ينزل ملك ربنا، يقال له مجاز الحذف عند علماء البيان، حذف لفظ الملك لأنه يفهم، العقل الصحيح يفهم أن ظاهره غير مرادٍ لأنه لا يجوز على الله النزول الذي هو من صفات البشر.

وروى النسائي أن رسول الله r قال: «إن الله يمهل حتى يمضي ثلثا الليل الأول فيأمر مناديا ينادي: هل من سائلٍ فيعطى؟ هل من مستغفرٍ فيغفر له، هل من داعٍ فيستجاب له». هذه الرواية صحيحة الإسناد فسرت الرواية التي فيها «ينزل ربنا»، والتي هي أشهر من الرواية الأولى، وهذا يقال له مجاز الحذف عند علماء البيان، حذف لفظ الملك لأنه يفهم. ومعنى «شطر الليل الأول»، أي: النصف الأول منه، والمعنى أنه ملك بأمر الله كل ليلةٍ مما فوق السماء الدنيا إلى السماء الدنيا فينادي، فمن وافق دعاؤه تلك اللحظة التي ينادي فيها الملك في الليل استجاب الله دعاءه إن شاء، لأنه في كل ليلةٍ يوجد وقت يستجاب فيه الدعاء. الديكة عندما تصيح بالليل فمعناه أنها رأت الملائكة، فالدعاء تلك الساعة فيه فائدة، وقد قال رسول الله r: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا» رواه مسلم.

قال أحمد بن محمد بن حجرٍ الهيتمي الـمتوفى سنة تسعمائةٍ وسبعةٍ وأربعين هجرية في شرح الـمنهاج القويم (ص224): «واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالكٍ وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك».