الأحد ديسمبر 7, 2025

#16

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط صحة الصلاة زيادة على الطهارة من الحدث وعن النجاسة ولبيان مبطلات الصلاة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن شروط (صحة) الصلاة استقبال (جرم) القبلة.

   الشرح يشترط لصحة الصلاة استقبال الكعبة أي جرمها أو ما يحاذي جرمها إلى السماء السابعة أو الأرض السابعة (الاستقبال أن يستقبل الكعبة، هذا الأصل، أو ما يحاذي جرمها إلى السماء السابعة معناه أنه لو كان واقفا على جبل مطل على الكعبة، حتى يعد مستقبلا للكعبة لا يشترط أن يتوجه إلى جرم الكعبة هكذا نزولا، بل يكفي أن يقف بحيث يكون صدره إلى ما فوق الكعبة، إلى الهواء المحاذي للكعبة، هذا معناه. أو لو فرضنا حبسوه في بئر في مكة لا يشترط ليستقبل الكعبة أن يقف في البئر هكذا يعني راجعا إلى الخلف صعودا، لا، بل يكفي أن يكون صدره إلى ما تحت الكعبة، هذا المراد وهذا المقصود)، فلو استقبل مشاهد الكعبة (أي الذي يرى الكعبة) الكعبة ببعض بدنه وبعض بدنه خارج عنها لم يكف (يعني جزء من صدره إلى الكعبة والباقي خارج الكعبة لم يكف. قال الله تعالى ﴿وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ معنى هذه الآية أينما كنتم في الأرض فوجهوا وجوهكم إلى الكعبة، أي فرض عليكم أن تتجهوا إلى الكعبة في صلاتكم أينما كنتم) والمراد بالكعبة القدر القائم الآن. والمراد بالاستقبال أن يستقبل بالصدر في القيام والقعود وبمعظم البدن في الركوع والسجود. والقادر على الاجتهاد (يخرج بذلك من ليس قادرا على الاجتهاد لكونه ضعيف الفهم مثلا) في القبلة لا يأخذ بقول مجتهد غيره وإن فعل لا تنعقد صلاته بل يجتهد هو لنفسه وأما إن دخل بيت ثقة (يعرف كيف يستدل على القبلة) فقال له صاحب البيت الثقة عن علم لا عن اجتهاد هكذا يجوز له الاعتماد على كلامه (مثلا صاحب البيت يعرف أن بيته إلى الشمال تماما من الكعبة، فإن عاين النجم القطبي وتوجه إلى الجنوب فهذا يكون كلامه عن علم، فإن قال “القبلة من هنا” جاز له أن يأخذ بكلامه لأنه يخبر عن علم لا عن اجتهاد). وأما الطفل المميز الذي لا يستطيع الاجتهاد فيقال له القبلة من هنا. (هل يجب على كل واحد قادر أن يتعلم أدلة القبلة؟ خلاف بين العلماء. بعضهم قال إن كان مسافرا لا بد أن يتعلم أدلة القبلة، أما في الحضر ففرض كفاية، فإن تعلمها البعض سقط الفرض عن البعض الآخر. وعلى هذا القول يجوز له أن يقلد مجتهدا غيره أي في الحضر، هذا لمن لم يتعلم أدلة القبلة، أما إذا تعلمها فلا يأخذ بقول غيره لأنه يلزمه أن يجتهد لأنه قادر على الاجتهاد. وعلى القول الآخر أنه يجب عليه تعلم أدلة القبلة في السفر والحضر، فبناء على هذا القول لا يأخذ بقول مجتهد غيره)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (تشترط معرفة) دخول وقت الصلاة (إما يقينا بالمراقبة وإما ظنا كالمتخذ وردا يعلم أنه لا ينتهي إلا بعد دخول الوقت. قال في المجموع إذا شك في دخول وقت الصلاة فصلى بلا اجتهاد فوافق الوقت لا يجزيه اﻫ).

   الشرح من شروط صحة الصلاة معرفة دخول الوقت يقينا كأن يعاين الزوال برؤية زيادة الظل عما كان عليه عند بلوغ الشمس وسط السماء أو يعاين تحوله إلى جهة المشرق بعد أن كانت الشمس في وسط السماء أو ظنا باجتهاد كأن يعتمد على صياح الديك المجرب (يكفي الاعتماد على الديك المجرب لمعرفة دخول الوقت، يوجد ديكة تصيح على الوقت على التمام، من كان عنده ديك جربه، له أن يعتمد على صياحه. هو الديك على الغالب أمره عجيب، عند منتصف الليل يصيح وعند الفجر يصيح. وكذلك يكفي إذا اجتهد فغلب على ظنه أن الوقت دخل معتمدا على نحو ورد مثلا كأن كان يعرف من عادته أنه إذا قرأ ورده المعتاد من ذكر أو قراءة قرءان يكون قد دخل وقت الصلاة بعد هذه المدة). وإذا عمل التقي الثقة العارف تقويما لأوقات الصلاة اعتمادا على مراقبته يجوز أن يعتمد عليه (يعني إذا عرفت أن شخصا راقب بالعيان بنفسه، بعينه، فبناء على هذه المراقبة عمل توقيتا، وهو ثقة ويعرف كيف يدخل وقت الصلاة ويخرج، فعمل توقيتا، يجوز للواحد منا أن يعتمد على هذا التوقيت) لكن الأفضل أن ينظر الشخص بنفسه إلى الظل لصلاة الظهر والعصر وإلى الأفق للصلوات الثلاث المغرب والعشاء والصبح. وكذلك يعرف دخول الوقت بقول الثقة أو بسماع أذانه. ولا يكفي القيام للصلاة والدخول فيها بمجرد التوهم بل تلك الصلاة فاسدة ولو صادفت الوقت. (فينبغي الاعتناء بالوقت والاهتمام له فقد روينا بالإسناد الصحيح المتصل أن رسول الله ﷺ قال إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء. وفي ذلك أن القمر له دخل في أمر الوقت فقد صح الحديث أن النبي ﷺ كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة يعني الليلة الثالثة، رواه الترمذي في سننه. في الليلة الثالثة من الشهر يغيب القمر بعد ساعة وثلث تقريبا فيكون دخل العشاء وهذا التقدير ذكره ابن العربي في شرح الترمذي أي بالنسبة لأكثر البلاد وهو محمول على الغالب من أحواله ﷺ وإلا فقد ثبت عنه أنه صلى العشاء بعد منتصف الليل وأنه صلى بعد مضي الثلث) وأما من اشتبه عليه الوقت لأجل غيم فيجتهد بناء على ما مضى من الأيام التي راقب فيها على التحقيق (إذا كان اليوم يوجد غيم مثلا، يبني على الأيام التي قبلها، التي راقب فيها، يبني على أساسها، هذا هو).

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يشترط) الإسلام (فلا تصح الصلاة من كافر) و (يشترط) التمييز (فلا تصح الصلاة من غير المميز) و (التمييز) هو أن يكون الولد بلغ من السن إلى حيث يفهم الخطاب (أي يفهم السؤال) ويرد الجواب (وليس له سن معين).

   الشرح من شروط صحة الصلاة أن يكون المصلي مسلما فالكافر لا تصح منه الصلاة. كذلك التمييز شرط فالولد غير المميز لا تصح منه الصلاة فلا يقال لغير المميز صل بل يقال له انظر كيف الصلاة. (والمميز هو الذي يفهم الحوار مع الناس فيفهم السؤال ويرد الجواب. وقال بعض المميز هو الذي يحسن أن يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي لنفسه. فمن صار مميزا تصح صلاته ويختلف وقت حصول ذلك بحسب الأشخاص. فبعض الناس يميزون عند سبع سنين وبعضهم عند ست سنين وبعضهم عند خمس)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يشترط أيضا) العلم بفرضيتها (في الصلاة المفروضة أي علم المصلي بكون الصلاة فرضا فإن كان يعتقد أنها نفل لم تصح صلاته).

   الشرح كذلك يشترط لصحة الصلاة العلم بفرضيتها فلو كان يتردد فيها هل هي فرض أو لا أو اعتقد أنها نفل ليست فرضا لم تنعقد صلاته حتى يعرف أنها فرض فتصح منه.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يشترط) أن لا يعتقد (المصلي) فرضا (بعينه) من فروضها (اتفق الشافعية على أنه فرض من فروض الصلاة كقراءة الفاتحة أو الركوع أنه) سنة.

   الشرح أن من شروط صحة الصلاة أن لا يعتقد أن فرضا من فروضها سنة (يعني أن لا يعتقد أن ركنا من أركانها سنة) أي غير واجب كالركوع والسجود والقراءة للفاتحة وغير ذلك مما هو فرض متفق عليه في مذهب الشافعية (أما ما كان فيه خلاف هل هو فرض أم لا، فقال إنه ليس فرضا، فلا يؤثر على صحة صلاته، إنما ما أجمع على كونه فرضا في مذهب الشافعية، إذا اعتقده غير فرض، عند الشافعية لا تصح صلاته، تحكمون بعدم صحة صلاته) أما من اعتقد أن أفعالها أو أقوالها كلها فروض صحت صلاته (مثلا، إذا واحد لجهله ظن أن كل أفعال الصلاة المفروضة والمسنونة فرائض، صحت صلاته لأنه ما اعتقد الفرض نفلا، الفرض اعتقده فرضا ولم يعتقد أن فرضا من فروضها سنة. أما الذي اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعض أفعالها سنة، ولم يعين في ذهنه، ما قال مثلا إن التشهد الأخير سنة، ما اعتقد في فرض من فروضها بعينه أنه سنة، إنما قال من حيث الإجمال “أنا هكذا أصلي، هذه الصلاة فيها فرائض وفيها سنن” من غير أن يعتقد في فرض معين أنه سنة، فإن صلاته صحيحة. ولذلك قال المؤلف رحمه الله) ومن اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعض أفعالها سنة ولم يقصد بفرض معين أنه سنة فإن صلاته صحيحة سواء في ذلك العامي وغيره (أي الذي تعلم والذي لم يتعلم ما لم يقصد النفلية بالفرض لا يؤثر).

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يشترط أيضا) الستر (للعورة ولو خاليا أو في ظلمة ويكون الستر) بما (أي بشىء) يستر لون البشرة (بحيث لا يميز لونها في مجلس التخاطب فما تميز من خلاله البشرة السمراء من البيضاء غير كاف) لجميع بدن (المرأة) الحرة إلا الوجه والكفين (لأنهما ليسا بعورة) و (يكون الستر) بما يستر ما بين السرة والركبة (بالنسبة) للذكر والأمة (لأن عورتهما ما بين السرة والركبة ويكون ستر ذلك) من كل الجوانب لا الأسفل (أي لا مما هو أسفل من العورة).

   الشرح يشترط لصحة الصلاة ستر العورة (عن عيون الإنس والجن والملائكة) مع القدرة ولو كان في ظلمة وخاليا (أي ولو كان يصلي في الظلام أو لوحده من غير أن يراه أحد) تأدبا مع الله تعالى. والعورة في الصلاة في حق المرأة الحرة أي الأنثى التي هي غير مملوكة جميع بدنها إلا الوجه والكفين. والستر يحصل بما يستر لون الجلد والشعر، وأما ما لا يستر اللون فلا يكفي، فلا يكفي الثوب الرقيق الذي تميز من خلفه البشرة السمراء من البشرة البيضاء. وأما حد العورة بالنسبة للذكر والأمة فهو ما بين السرة والركبة فليست السرة والركبة عورة إنما العورة ما بينهما (لكن لا بد من ستر جزء من الركبة وجزء من السرة حتى يتيقن من ستر ما بينهما). وهذا الستر المشترط إنما هو من الأعلى والجوانب لا من الأسفل فإنه لو صلى الشخص على مكان مرتفع وكانت ترى عورته لمن نظر من أسفل (أي أسفل من العورة) لكنها لا ترى من الأعلى والجوانب صحت صلاته.

 (يعني أن الستر يكون من الأعلى والجوانب لا من الأسفل، يشمل هذا أنه لو كانت تظهر العورة عند الركوع من جيب القميص فهذا عندما يفعل ذلك بطلت صلاته. مثلا رجل تظهر فخذه عند الركوع أي إذا نظر عند الركوع من فتحة القميص فهذا عندما يفعل ذلك بطلت صلاته لأن هذا داخل من الأعلى والجوانب وهنا ظهرت العورة. وكذلك المرأة لو كانت تستر بغطاء فوق قميصها ثم عند الركوع انزاح الغطاء فكانت لو نظر ناظر لرأى رقبتها مثلا عند ذلك تفسد صلاتها لأن هذا داخل من الأعلى والجوانب، أما من الأسفل فلا يؤثر بحيث لا ترى العورة إلا إذا نظر الناظر من أسفل من العورة. أين ءاخر عورة الرجل من الأسفل؟ الركبة، فلو كانت لا تظهر العورة إلا إذا نظر ناظر مما تحت الركبة فهذا لا يؤثر، أين ءاخر عورة المرأة من تحت؟ القدم. فلو كان لا يظهر شىء من العورة إلا لو نظر ناظر من تحت القدم فلا يؤثر، أما طالما يظهر شىء من العورة لو نظر بالنسبة للمرأة مما فوق القدم وبالنسبة للرجل مما فوق مستوى الركبة لا تصح صلاته، لا تعد العورة مستورة الستر الواجب. من أسفل أي أسفل من العورة، هذا المقصود، من تحت العورة، بالنسبة للرجل مما تحت الركبة وبالنسبة للمرأة مما تحت قدمها. فائدة: إذا هبت ريح فكشفت شيئا من العورة فسترها فورا لا تفسد صلاته لأنه ليس من فعله)

 

مبطلات الصلاة

   قال المؤلف رحمه الله: وتبطل الصلاة بالكلام (أي بما كان من كلام البشر لا دعاء أو ذكرا أو تلاوة قرءان أي إن تكلم به المصلي عامدا ذاكرا أنه في الصلاة عالما بالتحريم) ولو (كان نطقه) بحرفين (سواء كانا مفهمين أم لا) أو (كان نطقه) بحرف (واحد) مفهم (كق فإنه يفهم منه الأمر بالوقاية. من عادة العرب أن يقفوا على ساكن فإنهم يقولون قه عند أمر شخص بالوقاية وهذه الهاء تسمى هاء السكت مع ذلك لو قال المصلي ق بدون هاء السكت بطلت صلاته لأن ق يفهم منه الأمر بالوقاية) إلا أن نسي (المصلي كونه في الصلاة) وقل (الكلام الذي تكلم به كست كلمات عرفية أي مما يعد في عرف الناس ست كلمات؛ فإذا قال مثلا اذهب إلى السوق واشتر لي طعاما ثم أحضره لي ثم ضعه في مكان كذا. فإن ذلك يعد قليلا عرفا أو أقل من ست كلمات فلا تبطل صلاته حينئذ).

   الشرح الصلاة تبطل بما هو من كلام الناس (قال رسول الله ﷺ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس. رواه مسلم. معناه من أتى بكلام الناس) عمدا مع ذكر أنه في الصلاة أي من غير أن يكون مغلوبا لا يستطيع ترك ذلك النطق ولو كان ذلك النطق بحرفين كهل وبل ولو لم يكن لهما معنى (أي ولو لم يكن لهذين الحرفين معنى) و (كذلك تبطل الصلاة بما هو من كلام الناس عمدا مع ذكر أنه في الصلاة، أي من غير أن يكون مغلوبا لا يستطيع ترك ذلك النطق، ولو كان ذلك النطق) بحرف ممدود (لأن المد كحرف ثان) كأن يقول ءا أو إي أو أو فإنه بسبب المد صار حرفين. وكذلك تبطل الصلاة بالنطق بحرف مفهم (أي له معنى) وذلك كأن يقول ق بقاف مكسورة لا يتبعها شىء وكذلك ع بعين مكسورة وكذلك ف بكسر الفاء لأن هذه الحروف الثلاثة كل واحد منها له معنى يفهم منه. فق يفهم منه الأمر بالوقاية وع يفهم منه الأمر بالوعي وف يفهم منه الأمر بالوفاء، فهذا وما أشبهه يبطل الصلاة إن كان عمدا أي ومع ذكر أنه في الصلاة وكان عالما بالتحريم (يعني هناك شروط منها أن يكون عمدا ليس سبق لسان، ذاكرا أنه يصلي غير ناس، وأن يكون عالما بالتحريم). فأما الناسي أنه في الصلاة إذا تكلم بكلام قليل أي ست كلمات عرفية فأقل فلا يبطل نطقه هذا صلاته وهذا مثل أن يقول اذهب إلى السوق واشتر لي خبزا ثم أحضره لي ثم ضعه في مكان كذا ونحو هذا (هذا لا يكون ست كلمات عرفية لأن الكلمة لا يراد بها الكلمة بمعنى الاسم أو الفعل أو الحرف، إنما يراد بالكلمة بمثل ما جاء في الحديث أصدق كلمة قالها شاعر ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فعد النبي ﷺ هذه العبارة كلها كلمة واحدة. يعني مثل هذا المراد بالكلمة اذهب إلى السوق واشتر لي خبزا هذه كلمة، ثم ضعه في مكان كذا هذه كلمة، فإن كانت ست كلمات عرفية فأقل فلا تبطل الصلاة إذا قالها ناسيا) (واستدلوا على ذلك بما حصل مع الرسول ﷺ حين سلم من ركعتين. مسألة مهمة: النسيان العادي جائز على الأنبياء، لكن لا ينسى حكم المسألة الدينية فيقول بخلافها، فهذا لا يحصل مع الأنبياء. وهذا الذي يروى عن الرسول ﷺ أن امرأة ذكرت أمامه عذاب القبر فنفاه، ثم عاد وأثبته على زعمهم، هذا كذب على رسول الله ﷺ. أما النسيان العادي كما سلم الرسول ﷺ من ركعتين، فمثل هذا جائز على النبي ﷺ، فقال بعض الصحابة أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال الرسول ﷺ كل ذلك لم يكن، قال هذا لأنه كان في ظنه أنه أتم الصلاة، ثم نظر النبي ﷺ إلى بعض الصحابة وقال أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فأتى النبي ﷺ بركعتين. فأخذ منه الفقهاء كثيرا من الأحكام، ومنها هذا الحكم، أنه إن لم يطل الفصل بين هذا الذي حصل معه وبين تذكره أنه سلم من ركعتين فيأتي بركعتين، وهذا إن كان الكلام قليلا. وليس معنى ذلك أن الشخص يأخذ بقول غيره دون أن يتيقن هو أنه فعل ذلك، مثلا إذا شخص يصلي إماما فقام بحسب ظنه من الثالثة إلى الرابعة، وهي خامسة بحسب يقين كل الذين خلفه، فقالوا له سبحان الله، فلا يلتفت إليهم ولو كانوا ألفا، طالما هو على يقين أنه قام للرابعة، يبقى على اعتقاد نفسه، وهم كذلك، إما أن يفارقوا أو ينتظروا) ومن كان جاهلا بحرمة الكلام في الصلاة لكونه ممن أسلم من وقت قريب أو لكونه نشأ في بلد بعيدة عمن يعرف أحكام الشرع فإنه لا يبطل كلامه في الصلاة صلاته. وأما التنحنح ففي مذهب الإمام الشافعي فيه رأيان (يعني فيه خلاف) أحدهما أنه يبطل والآخر لا يبطل (معناه منهم من قال إن الصلاة تفسد إن ظهر في التنحنح حرف مفهم أو حرفان فأكثر، ومنهم من قالوا لا تفسد الصلاة ولو ظهر فيه حرف أو حرفان). وخرج بكلام الناس ذكر الله فإنه لا يبطل.

فائدة: إذا قال شخص بعد قراءة الفاتحة صدق الله العظيم، لا يؤثر على صحة الصلاة. هذه الكلمة ليست من القرءان، لكن لو قالها بعد قراءة الفاتحة لا يؤثر على الصلاة.

فائدة: نحن لا نرى الجن على صورتهم الأصلية، قال الله تعالى ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم﴾
إبليس وجماعته يروننا ولكن نحن لا نراهم على صورهم الأصلية، فإذا تشكلوا نراهم. فيجوز إذا هجم عليك الشيطان وأنت في الصلاة أن تقول أعوذ بالله منك، أي ألجأ إلى الله من شرك، فإن النبي ﷺ أقبل إليه ذات يوم إبليس وبيده شعلة نار ليلقيها عليه، فقال النبي ﷺ أعوذ بالله منك” فأعانه الله عليه ومكنه منه فكسره النبي ﷺ لأن النبي مؤيد من الله. ومرة كان النبي ﷺ يصلي أمام الكعبة ومعه بعض الصحابة، فجاء إبليس ومعه بعض أصحابه من الشياطين، فقال لجماعته يفتخر “لأطأن على رقبة محمد” وكان جبريل حاضرا، فرفسه جبريل برجله فرماه في العراق.
لو شاء الله أن يموت لمات إبليس من تلك الضربة، لكن شاء الله تعالى لإبليس أن يبقى حيا إلى حين يوم النفخ في الصور)

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة أيضا) بالفعل الكثير و (اختلف الشافعية في بيانه إذ) هو عند بعض الفقهاء (الشافعية) ما (أي العمل الذي) يسع قدر ركعة من الزمن (متواليا أي العمل المتوالي الذي يأخذ من الزمن قدر ركعة)، وقيل (الفعل الكثير هو) ثلاث حركات متواليات (ولو بأعضاء متعددة ومن ذلك ما لو خطا ثلاث خطوات متواليات قال في إعانة الطالبين إن المعتبر في الكثرة العرف فما يعده العرف كثيرا كثلاث خطوات ضر اﻫ. وهو المشهور في المذهب وقيل غير ذلك. الأول في المذهب يعدونه ضعيفا وليس شرطا أن يكون من حيث الدليل ضعيفا، وشيخنا رحمه الله كان يميل إلى القول الأول إلى خلاف المشهور. لحديث أنه ﷺ فتح الباب لعائشة وبعيد أن يقال أن فتح الباب يحصل بأقل من ثلاث حركات ولكن قد يحصل، أما القائلون من الشافعية ببطلان الصلاة بثلاث حركات متواليات فإنهم قالوا النبي ﷺ فتح الباب لعائشة رضي الله عنها بأقل من ثلاث حركات متواليات) و (القول) الأول (وهو ما يسع قدر ركعة من الزمن) أقوى دليلا (لأنه أوفق لظاهر بعض الأحاديث. أصل المسألة الفعل الكثير المتوالي يفسد الصلاة. ما هو الفعل الكثير؟ فيه خلاف. والمقصود هنا بالحركات أي التي ليست من الصلاة)

   الشرح مما يبطل الصلاة الفعل الكثير المتوالي وضبطوه بثلاث حركات سواء كان بثلاثة أعضاء كحركة يديه ورأسه على التعاقب أو دفعة واحدة أو ثلاث خطوات، هذا هو المشهور عند الشافعية، أما ثلاث حركات غير متواليات فلا تفسد الصلاة عندهم (كذا يشترط أن تكون متوالية لتفسد الصلاة. متوالية أي الحركة عقب الحركة. هذا معنى متوالية. أي من غير فاصل). وقال بعضهم لا يبطل الصلاة من الفعل إلا ما وسع مقدار ركعة من الزمن في ءان واحد أي متواليا (أي إلا إذا تحرك الإنسان حركات متوالية مقدار ركعة) وبين القولين فرق كبير. (ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول ﷺ حمل أمامة بنت أبي العاص (ابنت بنته زينب) ووضعها ثم حملها ثم وضعها. كان إذا قام رفعها، وإذا سجد وضعها وهذا الفعل من النبي ﷺ تعليم للأمة. وهذا يبعد حمله على أنه اقتصر على حركتين على ما دون الثلاث حركات المتواليات فلذلك القول إنه ما يسع ركعة من الزمن هو أقوى عند الشافعية وعند المالكية أيضا. فيعلم من هذا الحديث أنه إذا الشخص حمل طفلا وهو يصلي أو قعد الطفل على فخذه أثناء الجلوس في الصلاة وهو لا يعلم أنه حامل للنجاسة فصلاته لا تبطل بذلك، ولا يجب عليه أن يبحث بعد التسليم إذا كان الطفل حاملا للنجاسة أم لا، فإذا رأى نجاسة بعد ذلك يقول لعله فعل هذا بعد الصلاة. وكذلك ثبت أن الرسول ﷺ فتح الباب لعائشة رضي الله عنها وهو يصلي وكان الباب في جهة القبلة هذا أيضا قال الفقهاء يبعد حمله على أنه اقتصر على ما دون الثلاث حركات. وهذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده عن عائشة. العلماء قالوا هذا ظاهره أكثر من ثلاث حركات متواليات، لذلك قالوا هذا أقوى دليلا، وهذا الفعل من النبي تعليم للأمة. وبعض الفقهاء قالوا في هذا الحديث هذه الحركات كانت متفرقة ليست متوالية لذلك لم تفسد الصلاة بذلك مع كثرة هذه الحركات. أما الذين أخذوا بظاهر الحديث قالوا في ظاهره أنه فعل أكثر من ثلاث حركات متواليات لكن ليست بقدر ركعة. فالعبرة أن يكون هذا العمل حتى تبطل الصلاة به أن يكون متواليا، سواء على قول من قال ثلاث حركات وعلى قول من قال ما يسع ركعة من الزمن)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة) بالحركة (الواحدة) المفرطة (كالوثبة الفاحشة كلمة الفاحشة إنما ذكرت في هذا الموضع للوصف وليس للقيد لأن الوثبة لا تكون إلا فاحشة، وليس معنى ذلك أن الوثبة منها ما هو فاحش ومنها ما هو غير فاحش. ولا فرق في الوثبة بين القريبة والبعيدة. قال في إعانة الطالبين وتبطل بالوثبة ولم يقيدها بالفاحشة لأنها لا تكون إلا كذلك اﻫ) وبزيادة ركن فعلي (عمدا كأن ركع ركوعين في ركعة واحدة من الفريضة) وبالحركة الواحدة (إذا كانت) للعب (ولو لم تكن مفرطة).

   الشرح من الفعل المبطل الحركة المفرطة كالوثبة (أي القفزة). ومن المبطل أيضا الحركة الواحدة إذا كانت للعب ولو لم تكن مفرطة (كما يفعل بعض الأولاد في الصلاة فيدفع بعضهم بعضا بالمرفق أو غيره للعب فإن هذا مبطل لصلاتهم) أما إذا ابتسم أو مسح على رأس ولد صغير مثلا لإيناسه فلا يبطل ذلك الصلاة (لأن هذا ليس لعبا، مجرد الابتسام أو المسح على رأس ولد صغير ليؤنسه وهو يصلي هذا ليس لعبا. أما إذا غمزه بعينه بقصد اللعب تفسد صلاته). ولا يفسد الصلاة تحريك الأصابع مع استقرار الكف وإن كثر (طالما الكف مستقر مهما تحركت الأصابع لا يؤثر لا تحسب حركة الأصابع، لا تؤثر طالما الكف مستقر في مكانه)، وكذلك (لا يفسد الصلاة) تحريك الجفن (جفن العين مهما تحرك لا يؤثر) أو اللسان أو الأذن وحل زر وعقده ولو كثر إن كان الكف قارا (أي مستقرا مهما كثر لا يؤثر. حله ثم عقده ثم حله وهكذا وكفه مستقر لا تبطل صلاته) ما لم يكن للعب. وكذلك تبطل الصلاة بزيادة ركن فعلي كأن عمل ركوعين في ركعة واحدة من صلاة الصبح مثلا ذاكرا ذلك (كأن ركع ثم اعتدل ثم عاد فركع في نفس الركعة عمدا فسدت صلاته، كلامنا ليس عن الصلاة التي تصلى بركوعين. الكلام هنا ليس عن صلاة الكسوف لأن صلاة الكسوف فيها ركوعان. واعلم رحمك الله إذا كان مأموما فظن أن الإمام ركع فركع ثم تبين له أن الإمام لم يركع، هنا له الخيار، يجوز له أن يرجع إلى القيام ليركع مع إمامه ويجوز له أن ينتظر الإمام) أما الركن القولي إذا كرره فلا يبطل الصلاة فلو كرر الفاتحة أربع مرات مثلا في ركعة واحدة لم تفسد صلاته (لأنه قولي لا فعلي. لكنه مكروه، لا يشرع له أن يقرأ الفاتحة في ركعة واحدة أكثر من مرة.

مسئلة: يكره أن يترك شيئا من سنن الصلاة. إذا الشخص ترك مثلا التشهد الأول لا تفسد صلاته، لكن إذا كان بلا عذر فهذا مكروه كراهة شديدة ويذهب ثواب الصلاة بالمرة. ويكره أن يلتفت في الصلاة من غير حاجة، لا تبطل الصلاة ولكن هذه أيضا كراهة شديدة. كثير من الناس يلتفتون في الصلاة ومنهم من ينظر إلى السماء عند الاعتدال.
روى البخاري أن عائشة سألت النبي ﷺ عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: “هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد“، كالذي يخطف شيئا من غيره. الشيخ قال هذه كراهة شديدة أن يلتفت العبد في صلاته بلا عذر، ويكره أن يرفع بصره إلى السماء، لما أخرجه الترمذي أن النبي ﷺ قال “ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة” (حتى اشتد قوله في ذلك، أي شدد في الكلام حتى قال) “لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم“. هذا على وجه التهديد أي الكراهة شديدة. ويكره أن ينظر في صلاته إلى شيء يلهيه. بعض الناس يصلي وينظر إلى التلفاز، هذا أيضا وقع في كراهة شديدة. كذلك يكره أن يكون أمام المصلي أو في المكان الذي ينظر إليه على الأرض صور أشخاص أو بهائم أو طيور، كاملة أم غير كاملة. أما عن يمينه أو يساره أو خلفه أو فوقه فلا يكره. أحيانا يكون على المصلى صور طيور أو غزلان. كذلك تكره الصلاة إذا كان الشخص يلبس ثوبا فيه صورة إنسان أو صورة بهائم، أسد أو نمر أو غير ذلك. أما إذا كانت الصورة رأسا فقط تكون الكراهة أخف. إلا إذا كان لعذر، مثل المسافر الذي يحمل معه جواز سفره وعليه صورة فهذا يضعه على الأرض. كذلك بعض العملة، هنا له عذر. كذلك ورد في الحديث النهي عن أن يصلي الشخص وفي وجهه نار مشتعلة، مثل هذا الذي يستعمل للتدفئة مثلا. بل يستحب أثناء الصلاة أن يكون بصرك على موضع سجودك، ثم إذا تشهدت ورفعت السبابة عند قولك (إلا الله) تجعل بصرك على السبابة.
وأما تغميض العينين فقال بعض الفقهاء تغميض العينين في الصلاة مكروه، وقال بعضهم لا يكره، وقال بعضهم يكره إن كان بلا سبب، وإن كان لسبب فلا يكره. وقال الشيخ عبد الله رحمه الله “وأنا مع هذا القول الأخير”. والسبب هو أن يفيده ذلك في استحضار الخشوع حتى لا ينشغل البصر بما حوله. ولا يستحب خفض الرأس في الصلاة كثيرا، هذا خلاف السنة، السنة خفض الرأس قليلا أثناء الصلاة. والمستحب أن لا يتحرك في الصلاة إلا الحركات المطلوبة، بل السكون في الصلاة هو المطلوب، هذا يساعد على الخشوع. ويكره أن يكف شعره في الصلاة، يعني أن يرفع شعره بيده بلا عذر، أما إذا أراد أن يسجد مثلا ورأى أنه إن لم يكف شعره يسجد عليه، هنا يرفعه. ويكره مسح الحصى والتراب عن جبهته، مثلا من صلى في البرية، إذا سجد على التراب لا يمسحه عن جبهته لأن الأحسن أن تصلي على ما فيه إظهار التذلل، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في بيته الذي يسكنه وضع ترابا وحصى يصلي على التراب والحصى، لأن هذا مبالغة في التذلل. مسجد رسول الله ﷺ كان مفروشا بالتراب والحصى، لذلك ورد في الحديث: “البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها” معنى ذلك أن الشخص إذا بصق في أرض المسجد ودفنها تحت التراب لا معصية عليه، أما إن كان المسجد لا تراب فيه لا يبصق على أرض المسجد. وورد في الحديث إن كان يصلي الشخص وأراد أن يبصق أي احتاج إلى ذلك، الرسول قال لا يبصق عن يمينه ولا في وجهه أي إلى جهة القبلة، إنما يبصق عن يساره. ويكره أن يغطي المصلي يديه في الكمين حالة السجود والتحريم أي عند لفظ “الله أكبر”، كذلك المرأة، قال الشافعي رضي الله عنه “أحب أن يباشر براحتيه الأرض في الحر والبرد“، معناه إذا كان لا ينضر، أحيانا في مكة والمدينة الحرارة تصير درجة خمسين، وأحيانا في بعض البلاد الحرارة تكون ثلاثين تحت الصفر، إذا وضع يديه على الأرض قد تلصق في الأرض، في هذه الحالة قد يخشى على نفسه الضرر)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة) بالأكل والشرب (أي بإيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف) إلا أن نسي (المصلي أنه في الصلاة) وقل (ما أكله أو شربه. قال في إعانة الطالبين وتبطل بمفطر وصل لجوفه. ثم قال وإن قل أي المفطر كسمسمة اﻫ).

   الشرح من مبطلات الصلاة الأكل والشرب إلا ما كان مع النسيان فإنه لا يبطل إن كان أكله وشربه قليلا (إذا نسي شخص أنه صائم فأكل أو شرب ولو كثيرا لا يفسد صيامه، وليس الصوم كالصلاة، والفرق أن للصلاة أفعالا وأقوالا تذكره الصلاة فيندر وقوع ذلك منه، ففي الصلاة إذا أكل ناسيا أو شرب ناسيا حالتان إما أن يكون هذا الطعام أو الشراب قليلا أو كثيرا، فإن كان قليلا لا تفسد، وإن كان كثيرا فسدت ولو كان ناسيا) وكذا تبطل الصلاة إذا تقيأ عامدا (فسدت صلاته وعليه معصية) أو مغلوبا (فليس عليه معصية لكن فسدت صلاته لأن ظاهر الفم تنجس نجاسة لا يعفى عنها فبطلت صلاته بخلاف الصيام، الصيام فيه فرق بين أن يغلبه القيء وبين أن يتعمد) وكذا لو تجشأ فوصل الجشاء إلى ظاهر الفم ولو لم يبلعه (إن وصل إلى مخرج الحاء فتبطل صلاته لأن ظاهر فمه تنجس بنجاسة لا يعفى عنها، وكثيرا ما يحصل هذا من كثرة الأكل، لكن الوضوء ما فسد، يغسل فمه من النجاسة ثم يعود ويصلي) أما إن شك هل خرج شىء من الجوف إلى ظاهر الفم عندما تجشأ أو لا فلا تفسد صلاته بذلك. ( كذلك لو شك هل خرج منه ريح أو لم يخرج، لا تبطل الصلاة، لا تبطل الصلاة بالشك بحصول أمر من المبطلات)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة) بنية قطع الصلاة (في الحال أو بعده) وبتعليق قطعها (أي الصلاة) على شىء (كأن علق قطعها على وصول زيد بطلت حالا) وبالتردد فيه (أي في قطعها فإنها تبطل حالا والمراد بالتردد أن يطرأ شك يناقض جزم النية بخلاف ما يخطر على القلب من غير إرادة مما لا يورث ترددا أو جزما بالقطع فلا تأثير له).

   الشرح من نوى في قلبه أن يقطع الصلاة في الحال أو بعد مضي ركعة مثلا بطلت صلاته (كأن قال في قلبه نويت أن أقطع الصلاة فسدت صلاته انقطعت فورا، لا يقول السلام عليكم لأنها فسدت. أما النافلة يجوز قطعها ولو بلا عذر مع الكراهة، أما إذا كان الشخص يصلي النافلة فناداه والده أو والدته فإنه لا يكره له ذلك لأنه أراد جبر خاطر الأم والوالد، هذا لعظم حق الوالد، أي الأم والأب.

فائدة: إذا أمر أحد الوالدين ولده إن كان ذكرا أو أنثى بشيء هو مكروه، ففعله لأجل بره، لأجل خاطره، لا يكون عليه بهذا كراهة، بل إن أطاعهما له ثواب)

وكذلك تبطل (الصلاة) بتعليق القطع بشىء كأن قال في نفسه إن حصل كذا (إن دخل فلان أو إن دق جرس الباب أو الهاتف) فإني أقطعها فإنها تبطل حالا، وكذلك بالتردد فيه كأن قال (أقطعها أم أستمر فيها) فإنها تبطل (وليس شرطا أن يطول التردد، مثلا دق الباب فقال في نفسه أقطع الصلاة وأفتح الباب أم لا؟ فسدت صلاته وعليه إثم كبير). هذا إذا لم يكن خاطرا أي بحيث لم يورثه ترددا ولا عزما على القطع.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة) بأن يمضي ركن (من أركان الصلاة) مع (وجود) الشك في نية (الصلاة هل أتى بها أو لا في تكبيرة) التحرم (كأن ينتقل من ركن فعلي إلى ركن فعلي ءاخر مع الشك في نية التحرم) أو يطول زمن الشك (ولو لم يمض ركن فإن الصلاة تبطل بذلك. قال في شرح الروض ولو شك هل أتى بتمام النية أو لا أو هل نوى ظهرا أو عصرا فإن تذكر بعد طول زمان أو بعد إتيانه بركن ولو قوليا كالقراءة بطلت صلاته اﻫ).

   الشرح من شك في نية الصلاة هل نوى في التحرم (أي في أثناء تكبيرة الإحرام أي أثناء قول “الله أكبر” أو لا كأن قال أنا نويت أو لم أنو، أو نويت الظهر أم العصر) واستمر هذا الشك حتى مضى ركن وهو يشك فإن صلاته تبطل كأن قرأ (كل) الفاتحة وهو (مستمر) في هذا الشك فإنها تبطل أو شك في ذلك (أي شك في نية الصلاة وهو يقرأ سورة بعد الفاتحة) ثم ركع (واعتدل) وهو شاك فإنها تبطل، وكذلك إذا طال زمن الشك ولو لم يمض معه ركن (كامل، مثلا كان في القيام قرأ الفاتحة وبعد قراءة الفاتحة قرأ شيئا من القرءان، واستمر زمن الشك أثناء القراءة، صار يقرأ ويقرأ، أطال في القراءة وهو شاك ما كان يتذكر، فهنا تفسد صلاته. يفهم من الذي ذكرناه أن هناك ثلاث حالات تبطل بها الصلاة: أولا: مضى ركن وهو شاك في أصل النية (نوى أو لم ينو) أو مضى ركن وهو شاك في صفتها (نوى الظهر أم العصر) فهنا تبطل صلاته. ثانيا: ركع ثم اعتدل وهو شاك، بطلت صلاته. ثالثا: طال زمن الشك ولو لم يمض معه ركن، كأن استمر في القراءة بعد قراءة الفاتحة، أو استمر في التسبيح وهو في الركوع لكي يتذكر فطال زمن الشك ولم يتذكر، تبطل صلاته) فأما إن تذكر قبل أن يمضي مع الشك ركن أو يطول وقت الشك لم تبطل (صلاته) وذلك بأن يشك فيزول سريعا وأما ظن أنه في صلاة غير الصلاة التي دخل بنيتها فلا يبطل الصلاة ولو أتمها وهو على ذلك (كمن نوى الظهر فبدأ بالفاتحة ثم وهو في صلاته ظن أنه يصلي العصر، ركع وهو يظن أنه يصلي العصر، واستمر على ذلك إلى أن انتهى، وبعد ذلك تنبه فقال: لا، أنا صليت الظهر ما صليت العصر، فهنا صحت صلاته ولا تفسد)

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط قبول الصلاة (عند الله تبارك وتعالى).

من قبل تكلم المؤلف رحمه الله عن الشروط التي لا بد منها لصحة الصلاة. أما الآن فالكلام عن الشروط التي لا بد منها لقبول الصلاة أي ليكون فيها ثواب. أحيانا يصلي الشخص صلاة صحيحة لكن ليست مقبولة، أي ليس فيها ثواب، كالعبد الآبق مثلا، أي الذي هرب من سيده، هذا طالما هو آبق صلاته لا ثواب فيها، لكن إن صلى صحت منه الصلاة ويسقط عنه الفرض. يقال صلى صلاة صحيحة غير مقبولة. وكذلك المرأة الناشزة، طالما هي قائمة على النشوز، صلاتها لا ترفع فوق رأسها شبرا، يعني لا ثواب لها في صلاتها، أما إذا رجعت عن نشوزها من غير أن تتوب من المعصية وصلت، فصلاتها فيها ثواب. المرأة الناشزة هي مثلا التي خرجت من بيت زوجها بدون إذنه بلا ضرورة، أو إذا خشنت الكلام لزوجها، كأن قالت له مثلا بدون حق: أنت قليل الفهم، أو أنت غبي، ولو كان هذا بهدوء. كذلك إذا طلبها زوجها للاستمتاع فرفضت بلا عذر شرعي. المرأة الناشزة عليها معصية كبيرة وتسقط نفقتها وقسمها، أي دورها إذا كان متزوجا أكثر من امرأة. كذلك الشخص الذي يذهب إلى العراف ليس له ثواب في صلاته أربعين يوما. الرسول ﷺ قال من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، يعني أربعين يوما صلاته ليس فيها ثواب، لكن يسقط عنه الفرض ويجب عليه أن يصلي، أما إذا اعتقد أن العراف يعلم الغيب، فهو كافر.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وشرط مع ما مر (من الشروط) لقبولها عند الله سبحانه وتعالى (أي لتكون مقبولة فينال بها الثواب من الله) أن يقصد بها وجه الله (أي امتثال أمر الله) وحده (ولا يكون قصده ثناء الناس عليه وإلا كان مرائيا) وأن يكون مأكله (الذي في بطنه حال صلاته) وملبوسه (الذي يلبسه حال صلاته) ومصلاه (أي المكان الذي يصلي فيه) حلالا وأن يخشع لله قلبه فيها (أي في الصلاة) ولو (كان خشوعه) لحظة فإن لم يحصل ذلك (منه في كل الصلاة أي إن لم يخشع في صلاته ولو لحظة) صحت صلاته بلا ثواب (والخشوع هو استشعار خوف التعظيم والإجلال لله تعالى).

   الشرح هذا بيان لشروط القبول وهي غير شروط الصحة المذكورة فيما قبل لأن تلك لا تصح الصلاة بدونها وأما المذكورة في هذا الفصل فهي شرائط لنيل الثواب (أي ليكون في الصلاة أجر) فلو لم تحصل (شروط القبول) صحت صلاته لكن بلا ثواب وهذه الشروط هي الإخلاص لله تعالى أي أن يقصد بصلاته امتثال أمر الله لا أن يمدحه الناس ويثنوا عليه (فإنه إن قصد مدح الناس له أو قصد مع طلب الأجر مدح الناس له فلا ثواب له وعليه إثم) و (من شروط القبول) أن يكون مأكله (الذي في بطنه أثناء صلاته)  وملبوسه (الذي يلبسه أثناء صلاته)  ومكان صلاته (أي المكان الذي يصلي فيه) حلالا. (فالمستأجر المستعصي في المسكن بدون رضا المالك وقد كان انتهت المدة التي أجري الاتفاق عليها ثم مكث في المكان والمالك لا يرضى بمكثه إلا أن يزيد في الأجرة أو لا يرضى إلا بخروجه فإنه إذا استعصى ومكث في المكان فإن صلاته فيه لا ثواب فيها لأن هذا في حكم الصلاة في المكان المغصوب). فمن كان مأكله أو ملبوسه أو مكان صلاته حراما فإنه لا ثواب له مع كونها صحيحة أي مجزئة. ومنها إحضار القلب أي أن يخشع لله ولو لحظة فمن لم يخشع لله لحظة في صلاته فإنه يخرج منها بلا ثواب. قال الله تعالى ﴿قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ ومعنى الخشوع هو استشعار الخوف من الله عز وجل (والمقصود خوف الإجلال والتعظيم، أما مجرد استحضار الخوف من عذاب الله في القلب وهو يصلي فلا يسمى خشوعا لأن الخشوع لله ليس الخوف من النار. فإذن معنى الخشوع هو استشعار الخوف من الله عز وجل) باستشعار محبته وتعظيمه (أي باستحضار محبة الله وتعظيمه في قلبه. الخشوع عمل قلبي يتوصل إليه بالأسباب، ومن هذه الأسباب أن يمنع قلبه من أن ينشغل بأمور أخرى في الصلاة، ومن الأسباب أيضا التفكر في الآخرة، والتفكر في معنى ما يقرأ من الآيات، والإكثار من ذكر الموت عند الدخول في الصلاة)

فائدة: يوجد قول عند بعض الشافعية وقال شيخنا رحمه الله هذا القول صحيح، يقولون: هذا الذي صلى في مكان مغصوب أو فعل شيئا من الكراهة في الصلاة، من ناحية له ثواب ومن ناحية عليه إثم بالحال الذي فيه إثم، وعليه كراهة في الحال الذي فيه كراهة، فمن قال بهذا لا ضرر عليه. لأنهم قالوا ما دام أصل هذا العمل شيء يتقرب به إلى الله، كالصلاة مثلا، إذا فعله في مكان مغصوب مثلا يكون له ثواب من ناحية أن الصلاة شيء يتقرب به إلى الله، ويكون عليه إثم أنه صلى في مكان مغصوب، أو يكون عليه كراهة لأنه فعل مع الصلاة شيئا مكروها.

أما بالنسبة للضرر على العقيدة، متى يكون عليه ضرر بالعقيدة؟ إذا صلى الشخص وهو يعتقد أن هذه الصلاة ليس فيها ثواب شرعا بالمرة، وقال أصلي الظهر مثلا متقربا إلى الله، أي طالبا للثواب من الله، وهو يعلم ويعتقد أن هذه الصلاة لا ثواب فيها، هذا الذي عليه ضرر في العقيدة. أما إذا ظن الشخص أن هذه الصلاة مكروهة، لكن يبقى فيها شيء من الثواب لأنها طاعة وعبادة، فقال أتقرب إلى الله يعني بما لي من ثواب فيها، فهذا صحيح ولا يكفر. إلا إذا كان شيء ورد فيه نص من الرسول ﷺ يفيد أن هذا العمل لا ثواب فيه بالمرة، فلا يقال بخلاف كلام الرسول ﷺ، لأن القاعدة (لا اجتهاد مع النص).

 

ما معنى الخشوع.

        الخشوع هو استشعار الخوف من الله خوف الإجلال والتعظيم أو استشعار محبته وتعظيمه وأما مجرد استحضار الخوف من عذاب الله فى القلب فلا يسمى خشوعا. الشخص حتى يتعود على الخشوع يقول فى قلبه هذه الصلاة لعلها ءاخر صلاة أصليها حتى يتكلف الخشوع. وأصل الخشوع أن يستحضر الخوف من الله. يستحضر أن الله يستحق الخوف منه والتذلل له فيقول فى قلبه أنا أصلى لله الذى يستحق نهاية التعظيم ولا يستحق نهاية التعظيم إلا هو. ويروى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال فى قوله تعالى ﴿الذين هم فى صلاتهم خاشعون﴾ خائفون ساكنون. سكون الجوارح والطمأنينة وترك الإسراع كل ذلك يساعد على الخشوع.

 

ما حكم الصلاة فى غرفة فيها صور حيوانات كاملة.

        الصلاة فى غرفة فيها صور حيوانات كاملة فى خزانة بحيث لا ترى لا تمنع الثواب فى الصلاة أما من كانت أمامه أو ينظر إليها فهو مكروه بخلاف انعكاس الصورة فى المرءاة فلا يؤثر إن لم ينشغل بها أما إن انشغل بها فمكروه.

 

ما حكم الصلاة فى ثياب عليها صورة حيوان.

        تكره الصلاة فى ثياب عليها صورة حيوان كامل أو جزء من حيوان كوجه فمن صلى وعلى ثوبه صورة حيوان كامل أو جزء من حيوان فلا ثواب له فى صلاته وقيل يبقى له شىء من الثواب. فلا ينبغى شراء الثياب التى عليها صور البهائم للكبار ولا للأولاد الصغار لأن الولد المميز يؤمر بالصلاة إذا أتم سبع سنين قمرية.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/EC5sL9Oqkew

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-16