الإثنين ديسمبر 8, 2025

#4

   (١۲) والكلام أي أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام واحد أزلي أبدي ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة قال الله تعالى ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ (إطلاق الكلام على اللفظ المنزل شىء سائغ لغة وشرعا أما في اللغة فإن عادة العرب هكذا يقولون مثلا كتبت ماء أو كتبت كذا ولا يريدون أن هذه الحروف التي كتبوها هي عين الماء، الله قال إخبارا عن إبراهيم أنه قال لولده أني أذبحك، هذا مع أن إبراهيم ما كان يتكلم بالعربية فهذا عبارة عما قاله إبراهيم عن المعنى الذي كان قام في نفس إبراهيم وليس نفس اللفظ الذي تلفظ به إبراهيم، وفي الشرع هذا وارد الله تعالى قال ﴿يريدون أن يبدلوا كلام الله﴾ ومعلوم أنهم أرادوا تبديل اللفظ المنزل لا صفة الله تعالى، وهذا الذي يقتضيه حكم العقل، أما المشبهة فيريدون أن يقولوا إن هذه الألفاظ العربية هي عين صفة الله تعالى وماذا يقولون في ألفاظ التوراة وفي ألفاظ الإنجيل السريانية هل يقولون هي عين صفة الله، إذا قالوا هكذا فعلى زعمهم الله تارة ينطق بالعربية وتارة بالسريانية، جعلوه عربيا سريانيا والعياذ بالله تعالى. قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه اﻫ والمعنى أن الله أزال عن سمع موسى الحجاب المعنوي المانع من سماع كلام الله فسمع موسى كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت. فسمع موسى حادث مخلوق ومسموعه الذي هو كلام الله الذاتي ليس بحادث، ليس بمخلوق) (قوله تعالى ﴿تكليما﴾ مصدر، وفائدة الإتيان بالمصدر نفي المجاز والتأكيد، فتدل هٰذه الآية على أن موسى عليه السلام سمع كلام الله الذاتي الذي لا يشبه كلام الخلق، ليس كلاما في شجرة كما يقول المعتزلة، لأن الله تعالى أكد قوله ﴿وكلم﴾ بقوله ﴿تكليما﴾، والتكليم مصدر يدل على التأكيد ونفي المجاز. تقول كتبت كذا وكذا كتابة، معناه أنا كتبت، ليس أمرت غيري أن يكتب، وإلا يقال في لغة العرب كتب إليه كتابا، وأحيانا يكون المراد أمر غيره فكتب. أما إذا قال الشخص كتبته كتابة، معناه أنه هو الذي كتب، لأن قول “كتابة” يفيد التأكيد ونفي المجاز) .

   (١٣) والمخالفة للحوادث أي جميع المخلوقات أي أنه لا يشبه شيئا من خلقه قال الله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فلما كانت هذه الصفات ذكرها كثيرا في النصوص الشرعية (أي القرءان والحديث كما مر) قال العلماء تجب معرفتها وجوبا عينيا.

   الشرح تجب معرفة هذه الصفات وجوبا عينيا على كل مكلف (معناه يجب على كل مكلف أن يتعلمها ولا يجب عليه حفظ ألفاظها). نص على ذلك العديد من العلماء المتأخرين منهم محمد بن يوسف السنوسي صاحب العقيدة السنوسية (المتوفى سنة ثمانمائة وخمس وتسعين. انظر رسالته أم البراهين المعروفة بالصغرى) ومحمد بن الفضالي الشافعي (المتوفى سنة ألف ومائتين وست وثلاثين. في كفاية العوام) وعبد المجيد الشرنوبي المالكي (المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وثمان وأربعين. في شرح تائية السلوك) وقبلهم بكثير ذكر مثل ذلك الإمام أبو حنيفة في (الفقه الأكبر) ومثله نص على ذلك الحافظ النووي في كتاب (المقاصد) وغيرهم كثير. (ثم إن المتأخرين من علماء أهل السنة اصطلحوا على تسمية سبع صفات صفات المعاني وهي القدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام والحياة مع الخلاف في عد البقاء معها، وتسمية سبع لازمة لهذه السبع بالصفات المعنوية وهي كونه تعالى قادرا وكونه مريدا وكونه عالما وكونه حيا وكونه سميعا وكونه بصيرا وكونه متكلما، وقال بعضهم تجب معرفتها كلها عينا (بعض علماء أهل السنة أضاف إلى الصفات الثلاث عشرة، من حيث معرفتها وجوبا عينيا، صفات سموها صفات معنوية. قالوا الله موصوف بالقدرة ويجب معرفة كونه قادرا، والله موصوف بالسمع ويجب معرفة كونه سميعا، وهكذا. وهٰذه الصفات سميت معنوية؛ لأنه بثبوت صفات المعاني ثبتت هٰذه الصفات المعنوية. القول الصحيح أن يقال الواجب معرفة ثلاث عشرة صفة وجوبا عينيا، وليس عشرين. هم كيف عدوها عشرين؟ واحدة نفسية (الوجود)، وخمسة سلبية (البقاء والوحدانية والقدم والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث)، وسبعة هي صفات المعاني (القدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام والحياة) يصير العدد ثلاثة عشر. إذا كانت كل صفة من صفات المعاني معها صفة معنوية (كون الله قادرا، ومريدا، وعالما، وسميعا، وبصيرا، وحيا، ومتكلما)، يصير العدد عشرين. (باعتبار صفة البقاء من الصفات السلبية، وإلا إن عدوها من صفات المعاني لكان العدد واحدا وعشرين) لكن القول الصحيح أن يقال يجب معرفة ثلاث عشرة صفة وجوبا عينيا فقط؛ لأن من يعرف أن الله موصوف بالقدرة يعرف كون الله قادرا، وهكذا في باقي الصفات. لذلك قالوا يجب معرفة ثلاث عشرة صفة فقط وجوبا عينيا).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ولما ثبتت الأزلية لذات الله وجب أن تكون صفاته أزلية لأن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات.

   الشرح لما كان ذات الله أزليا وجب أن تكون صفاته القائمة بذاته أزلية لأنه لو كان يحدث في ذات الله تعالى حوادث لوجب أن يكون ذاته حادثا لأن قيام الحوادث بذاته معناه أنه يتغير من حال إلى حال والمتغير لا يكون إلها (الذي يتغير من حال إلى حال معناه من حيث ذاته يجوز عليه كل من الحالين فلا يترجح اتصافه بأحدهما إلا بترجيح مرجح رجح اتصافه بحال منهما دون الآخر فاتصافه بأحد الحالين دل على أنه لا بد له من مخصص خصصه بأحدهما دون الآخر فدل ذلك على حدوث المتغير أي على كونه مخلوقا، لذلك قالوا التغير أكبر علامات الحدوث) فلما ثبت في العقل قدم الله تعالى وأزليته ثبوتا قطعيا وجب أن تكون صفاته أزلية (الذات المتصف بالصفات الحادثة المخلوقة لا بد أن يكون حادثا مخلوقا، فيلزم من كون الصفة حادثة أن يكون الذات حادثا لأن الذي تحدث في ذاته صفات لم يكن متصفا بها، من حيث العقل يجوز عليه الاتصاف بها ويجوز عليه عدم الاتصاف بها لأنه لم يكن متصفا بها ثم اتصف بها فاحتاج إلى مرجح رجح اتصافه بها على عدم اتصافه بها واحتياجه إلى المرجح دليل حدوثه ولا بد له من مخصص خصصه بالاتصاف بها بدل عدم الاتصاف بها فدل ذلك على كونه مخلوقا محتاجا إذ التغير دليل الاحتياج والاحتياج دليل العجز والعجز ينافي الألوهية. قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر وصفاته في الأزل غير محدثة ولا مخلوقة فمن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو وقف أو شك فيها فهو كافر بالله تعالى اﻫ.).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومعنى أشهد أن محمدا رسول الله أعلم وأعتقد وأعترف أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي ﷺ عبد الله ورسوله إلى جميع الخلق ويتبع ذلك اعتقاد أنه ولد بمكة وبعث بها وهاجر إلى المدينة ودفن فيها ويتضمن ذلك أنه صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله فمن ذلك عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين منكر ونكير والبعث والحشر والقيامة والحساب والثواب والعذاب والميزان والنار والصراط والحوض والشفاعة والجنة والرؤية لله تعالى بالعين في الآخرة بلا كيف ولا مكان ولا جهة [أي] لا كما يرى المخلوق والخلود فيهما. والإيمان بملائكة الله ورسله وكتبه وبالقدر خيره وشره وأنه ﷺ خاتم النبيين وسيد ولد ءادم أجمعين.

   الشرح معنى أشهد أن محمدا رسول الله أعلم وأعتقد وأصدق وأؤمن وأعترف بأن نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب [ونسبه إلى عدنان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان] عبد الله ورسوله إلى كافة الخلق والمراد بالخلق هنا الإنس والجن قال تعالى ﴿ليكون للعالمين نذيرا﴾. إذ هذا الإنذار للإنس والجن فقط لا دخول للملائكة فيه (كما ذكر البيهقي في شعب الإيـمان) لأنهم (أي الملائكة) مجبولون على طاعة الله أي لا يختارون إلا الطاعة بمشيئة الله فلا يحتاجون إلى إنذار وأما من قبله من الأنبياء فلم يكن مرسلا إلى الإنس والجن كافة (وليس معنى ذلك أن غيره ﷺ من الأنبياء لم يكونوا مأمورين بتبليغ غير أقوامهم بل كل الأنبياء كانوا يبلغون أقوامهم ومن استطاعوا من غيرهم، إنما المعنى أن جبريل لما كان يأتي إلى نبي منهم كان يقول له أنت أرسلت إلى قومك ولما أتى محمدا ﷺ قال له أنت أرسلت للعالمين ليكون في ذلك مزية للرسول ﷺ على غيره) فالإيمان برسالة سيدنا محمد ﷺ هو أصل معنى الشهادة الثانية لكنها تتضمن مسائل كثيرة وتتبعها أحكام عديدة منها:

  • كونه من قريش وهم أشرف قبائل العرب لهم الصدارة بين العرب (قبيلة قريش هي أشرف قبائل العرب أي أعلاها وأعظمها، لهم الصدارة بين العرب، الشرف معناه العظمة، إذا قيل وشرف الله معناه وعظمة الله).
  • ووجوب معرفة أنه ﷺ ولد بمكة (وأمه هي ءامنة بنت وهب من بني زهرة من قريش بعض العلماء قال والدا النبي ما ماتا كافرين وهو الإمام أبو حنيفة وبعضهم قال هما ناجيان لكونهما من أهل الفترة ومرة قال الشيخ رحمه الله والدة النبي كانت عارفة بالله، هي ولية) وبعث أي نزل عليه الوحي بالنبوة وهو بها أي مستوطن بها (وكان حينئذ في غار حراء. غار حراء خارج عن بيوت مكة والمراد أنه نزل عليه الوحي وهو مستوطن في مكة) ثم هاجر إلى المدينة (المنورة بأمر الله تبارك وتعالى) وأنه مات في المدينة فدفن فيها ﷺ (في حجرة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أي دفن ﷺ حيث توفي وذلك لحديث النبي الأنبياء يدفنون حيث يموتون).
  • وأنه ﷺ صادق في كل ما أخبر به عن الله تعالى ولا يخطئ في ذلك سواء كان من أخبار من قبله من الأمم والأنبياء وبدء الخلق أو من التحليل أو التحريم لبعض أفعال وأقوال العباد أو مما أخبر به مما يحدث في المستقبل في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة وذلك لقول الله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ فمن اعتقد أنه يخطئ في ذلك فقد كذب الدين. أما ما يخبر به من أمور الدنيا بغير وحي فيجوز عليه الخطأ فيه (كحادثة تأبير النخل فعن رافع بن خديج، قال قدم نبي الله ﷺ المدينة وهم يؤبرون النخل يقول يلقحون، قال فقال ﷺ ما تصنعون؟ فقالوا شيئا كانوا يصنعونه، فقال ﷺ لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوها فنفضت، أو نقصت، فذكروا ذلك له، فقال ﷺ إنما أنا بشر، إذا حدثتكم بشىء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا حدثتكم بشىء من دنياكم، فإنما أنا بشر رواه ابن حبان).

(قال رسول الله ﷺ أكيس الناس أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا للموت رواه الطبراني في المعجم الكبير. أي أن أعقل الناس من كان يستعد لما ينفعه بعد الموت، لأن الدنيا دار مرور والآخرة دار القرار. والناس في الدنيا على ثلاثة أصناف، صنف مؤمن تقي، وصنف مؤمن أدركته الوفاة وهو يرتكب كبائر الذنوب قبل أن يتوب منها، وصنف كفار. الصنف الأول هم الذين قال الله فيهم ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾. وذلك أن المسلم التقي الصالح إذا حضرته الوفاة تأتيه ملائكة الرحمة فيبشرونه بالجنة فيذهب عنه الخوف من الموت والقبر، ثم بعد أن تفارق الروح الجسد يكون الروح مع الملائكة ويصعد به إلى السماء السابعة. وبين الأرض والسماء ملائكة يبشرونه فيسمع تبشيرهم، وهكذا حتى يصل إلى السماء السابعة، ثم يسجل اسمه في عليين. يقول الله تعالى في سورة المطففين ﴿كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون . كتاب مرقوم . يشهده المقربون﴾. ثم بعدما يسجل اسمه في عليين تنزل به ملائكة الرحمة إلى حيث جسده من غير أن يدخل الروح في الجسد. الروح يبقى إلى جانب الجسد يجاوره. فإذا حمل الجسد إلى الدفن نادى هذا الروح من شدة الفرح قدموني قدموني. روح المؤمن التقي من شدة السرور يقول للبشر الذين يحملونه إلى القبر قدموني قدموني، ولكن من حيث العادة لا يسمعون. يحب أن يعجل به إلى القبر. وفي القبر يعود الروح إلى الجسد ويعود إلى الجسد الإحساس. فيسأله الملكان ويجيب بما فتح الله عليه، ثم يقولان له نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فينام، ويوسع له في قبره سبعين ذراعا في سبعين ذراعا، ويفتح له باب من الجنة إلى قبره تأتيه منه رائحة الجنة، فلا يلقى شيئا ينغص راحته، بل يكون بحالة لو عرض عليه أن يرجع إلى الدنيا ويكون له الدنيا كلها لا يحب أن يرجع إلى الدنيا إلا شهيد المعركة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة ثانية لما يرى من كرامة الشهادة. وبعض الصالحين يوسع له قبره مد البصر. وأما الصنف الثاني، وهم من يموتون من المسلمين وعليهم من كبائر الذنوب، فهم قسمان، قسم لا يصيبهم في قبورهم عذاب ولا نكد، وقسم يصيبهم نكد. ومن جملة النكد وحشة القبر وظلمته وهوام الأرض، وبعضهم يعذبون بضغطة القبر. وأما الكافر، وهو الصنف الثالث، فإن ملائكة العذاب يحضرونه قبل خروج روحه، فيضربونه من أمام ومن خلف، وهو يشعر ومن حوله لا يشعرون. وقد جعل الله شكل ملائكة العذاب مختلفا عن شكل ملائكة الرحمة. ملائكة العذاب سود منظرهم مخوف. يقول الله تعالى في سورة محمد ﴿فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم﴾، ويقول تعالى في سورة الأنفال ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق . ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد﴾. صدق الله العظيم. ولا يستطيع هذا الكافر أن يصرخ أو يفلت من أيديهم لأن أعصابه لا تعمل من شدة ألم سكرات الموت، ثم يبشرونه بعذاب الله. ثم إذا خرجت الروح، تصعد ملائكة العذاب به حتى ينتهى به إلى السماء الأولى، فلا يفتح له باب السماء، فيرد إلى الأرض. يقول الله في سورة الأعراف ﴿إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين﴾. إن الكفار لا يتمكنون في الدنيا ولا في الآخرة من دخول أي من السماوات السبع حتى يلج الجمل في سم الخياط. والجمل هو الحبل الغليظ الذي يعمل للسفن. والخياط، بكسر الخاء، والمخيط، بكسر الميم، هو الإبرة. وسم الخياط، بفتح السين، هو ثقب الإبرة. ويصح أن يقال أيضا سم الخياط، بضم السين. معناه مستحيل أن يدخل الكفار السماوات والجنة. فهم لا يتمكنون من ذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة. وبعدما يرد الكافر إلى الأرض، تنزل به ملائكة العذاب من باب في هذه الأرض، حيث ينفذ إلى الأرض السابعة ويسجل اسمه في ديوان الكفار، ثم يردونه إلى هذه الأرض. يقول الله تعالى في سورة المطففين ﴿كلا إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين . كتاب مرقوم﴾ وبعدما يرد الروح إلى الأرض حيث جسده، يبقى الروح إلى جانب الجسد يجاوره من غير أن يحل فيه. فإذا حمل الجسد إلى الدفن، فإن هذا الروح من شدة الخوف مما ينتظره في القبر يقول يا ويلها، أين تذهبون بها، يعني روحه. فإذا دفن، يأتيه الملكان، منكر ونكير، فيسألانه، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه. ثم يبقى في نكد دائم. ويستمر العذاب على الكافر في قبره بروحه وجسده إلى أن يبلى جسده ولا يبقى منه إلا عجب الذنب. فإذا بلي الجسد ولم يبق منه إلا هذا، أي عجب الذنب، أخذت ملائكة العذاب الروح ونزلوا به إلى مكان في الأرض السابعة يقال له سجين، حيث تجتمع هناك أرواح الكفار جميعهم بعد بلى أجسادهم في قبورهم. وتبقى الأرواح هناك، في سجين، إلى أن يبعث الله الموتى يوم القيامة، أي إلى أن يبعث الله من في القبور. فيبعث هؤلاء الكفار من قبورهم بأرواحهم وأجسادهم التي أكلها التراب بعدما تعود كما كانت. وأما روح المؤمن التقي، فإذا بلي جسده ولم يبق منه إلا عجب الذنب، فإن ملائكة الرحمة تصعد بروحه إلى الجنة ليأكل من ثمارها، لكنه لا يسكن المكان الذي يسكنه في الآخرة، إنما هو في منطلق في الجنة يعيش. يكون الروح بشكل طائر يأكل من ثمارها. وكل هذا يكون قبل يوم القيامة. قال رسول الله ﷺ إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه، رواه الإمام مالك في الموطإ، أي تسرح في شجر الجنة. وقوله ﷺ حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه، معناه يبقى على هذه الحال إلى أن يبعث الله من في القبور. فيحشر يوم القيامة بروحه وجسده الذي أكله التراب بعدما يعود كما كان آمنا مطمئنا ثم يدخل الجنة بروحه وجسده ويتبوأ مكانه الذي أعده الله له. وأما المسلم الفاسق غير التقي فيصعد بروحه بعد بلى جسده في القبر بحيث لم يبق منه إلا ذلك العظم الصغير، عجب الذنب، فيكون مستقره هذا الفراغ الذي بين الأرض والسماء الأولى، وبعضهم يكونون داخل السماء الأولى. وذلك إلى أن يعيد الله، يوم القيامة الجسد الذي أكله التراب كما كان ويعيد الروح إليه. والمسافة بين الأرض والسماء الأولى مسيرة خمسمائة سنة. أكثر الناس يوم القيامة يعودون كما كانوا أول ما خلقوا حفاة عراة غرلا أي تعود القلفة التي قطعت عند الختان. وأما الأتقياء فيكونون كاسين راكبين، لا يحشرون على أقدامهم. ثم يبقى الناس في الموقف إلى أن يصرف بعض إلى الجنة وبعض إلى النار. وهذه المدة، مدة الخروج من القبر إلى استقرار الناس بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، قدر خمسين ألف سنة لكن المؤمن التقي، الله تعالى يجعل عليه هذه المدة الطويلة أخف من صلاة فريضة. من شدة ما ملئ سرورا لا يحس بشيء من النكد. من شدة ما استولى على قلبه الفرح، هذه المدة الطويلة لا يحس بها، لا يحس بطولها. والله أعلم وأحكم)

(فائدة عن سكرات الموت: سكرات الموت هي الشدة التي يعانيها المحتضر أثناء خروج روحه من جسده. وكثير من الناس يموتون فجأة من دون أن يقاسوا سكرات الموت، ومنهم كفار، ومنهم مسلمون مؤمنون صالحون أتقياء، ومنهم مسلمون مؤمنون عصاة فساق.

وكثير من الناس ساعة الاحتضار يعانون سكرات الموت ويقاسونها، وفيهم الكفار غير المسلمين، وفيهم المسلمون الأتقياء الصالحون، وفيهم المسلمون المؤمنون من أهل الكبائر. الإنسان الذي يعاني سكرات الموت يشعر وكأن مفاصله تنحل، كأنها ليست متصلة ببعضها. وأكثر الناس ترتبط ألسنتهم تلك اللحظة فلا يقدرون على الكلام. سكرة الموت أشد من ألف ضربة بسيف، حتى على المؤمن هي أشد من ألف ضربة بالسيف. لكن المسلم المؤمن يستفيد تكفير سيئات كانت عليه قبل خروجه من الدنيا ويستفيد رفع درجات.

وأما الكافر فلا يستفيد منها. الرسول ﷺ عانى في مرض موته من سكرات الموت، قاساها. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وعن أبيها أنها قالت لقد رأيت رسول الله ﷺ وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت. رواه الحاكم في المستدرك)

   ويدخل فيما يجب تصديقه به جزما عذاب القبر وهو بالروح والجسد (وروى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن ابن عباس مر رسول الله ﷺ على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم، قال: بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول، ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا، ثم قال لعله يخفف عنهما. هذا الحديث حجة بعد كتاب الله على إثبات عذاب القبر، الرسول مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم (ثم قال) بلى أي بحسب الظاهر بحسب ما يرى الناس ليس ذنبهما شيئا كبيرا لكنه في الحقيقة ذنب كبير لذلك قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وهي نقل الكلام بين اثنين للإفساد بينهما يقول لهذا فلان قال عنك كذا ويقول للآخر فلان قال عنك كذا ليوقع بينهما الشحناء وأما الآخر فكان لا يستتر من البول أي كان يتلوث بالبول، وهذا من الكبائر، فقد قال ﷺ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه. رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة، معناه تحفظوا من البول لئلا يلوثكم، معناه لا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكثر عذاب القبر منه. هذان الأمران بحسب ما يراه الناس ليس ذنبا كبيرا لكنهما في الحقيقة عند الله ذنب كبير، فالرسول ﷺ رءاهما بحالة شديدة وأنهما يعذبان، وليس من شرط العذاب أن تمس النار جسده، الله جعل عذابا كثيرا غير النار في القبر)

ومنه عرض النار على الكافر كل يوم مرتين مرة أول النهار ومرة ءاخر النهار يتعذب بنظره ورؤيته لمقعده الذي يقعده في الآخرة (قال الله تعالى ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب﴾ يخبر الله تبارك وتعالى أن ءال فرعون أي أتباعه الذين اتبعوه على الكفر والشرك يعرضون على النار في البرزخ أي في مدة القبر قبل يوم القيامة، والبرزخ ما بين الموت إلى البعث، يعرضون على النار عرضا من غير أن يدخلوها حتى يمتلئوا رعبا، أول النهار مرة وءاخر النهار مرة. ووقت الغداة من الصبح إلى الضحى، وأما العشي فهو وقت العصر ءاخر النهار ﴿ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب﴾ أي يقال للملائكة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب، ءال فرعون هم الذين عبدوه واتبعوه في أحكامه الجائرة، ليس معناه أقاربه. وقال تعالى ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾ معناه أن الكفار الذين أعرضوا عن الإيـمان بالله تعالى إذا ماتوا يتعذبون في قبورهم وهذا هو المراد بـ ﴿معيشة ضنكا﴾ أي المعيشة الضيقة، المعيشة القاسية في القبر، وليس المراد بـ ﴿معيشة ضنكا﴾ معيشة قبل الموت إنما المراد حالهم في البرزخ، والدليل على أنه لا يراد بها هذه المعيشة أن من الكفار من كان منعما بالدنيا. ففي هاتين الآيتين إثبات عذاب القبر، الأولى صريحة وأما الثانية فقد عرف كون المراد بها عذاب القبر من الحديث المرفوع إلى النبي ﷺ، هو فسر هذه الآية ﴿معيشة ضنكا﴾ بعذاب القبر. رواه ابن حبان وغيره) وتضييق القبر عليه حتى تختلف أضلاعه فالأضلاع التي في إحدى الجهتين تدخل في الأضلاع التي في الجهة الأخرى. وبعض الناس تسلط عليهم الثعابين وبعض الناس يأتيهم ريح جهنم إلى القبر (الله قادر على أن يجعلهم يشمون ريح جهنم وهم في قبورهم، وريحها مزعج). وكذلك من عذاب القبر الانزعاج من ظلمة القبر ووحشته وضرب منكر ونكير للكافر بمطرقة (اسمها المرزبة) بين أذنيه ويشمل ذلك ما يحصل لبعض عصاة المسلمين الذين ماتوا بلا توبة لا لجميعهم مما هو دون ما يحصل للكافر كضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فهذه الضغطة تحصل لبعض عصاة المسلمين أما الأتقياء والشهداء والأطفال فلا تحصل لهم، ولم يصح حديث (لو نجا منها أحد لنجا سعد) كما حكم بضعفه الحافظ ابن الجوزي (فسعد بن معاذ كان من أكابر الأولياء والله يقول ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ وقال رسول الله ﷺ في سعد اهتز العرش لوفاة سعد. معناه سعد من أكابر الصالحين، ومما يمنع صحة ما ورد في حق سعد من ضغطة القبر أنه كان شهيدا، لأنه مات من جرح أصيب به في غزوة الخندق).

   (وفي الحديث فأكثروا ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه ويقيض له سبعون تنينا لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب، إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. رواه الترمذي وحسنه الحافظ السيوطي. والتنين ضرب من الحيات من أعظمها كأكبر ما يكون منها. اللهم أجرنا من عذاب القبر)

  * والإيمان بنعيم القبر فإنه أخبر بذلك أيضا ومنه توسيع القبر سبعين ذراعا في سبعين ذراعا على المؤمن التقي ومن شاء الله له من غير الأتقياء كبعض الشهداء ممن استشهدوا ولم يكونوا أتقياء (ومن أسباب النجاة من عذاب القبر والآخرة لمن مات قبل التوبة من مات وقد نال نوعا من أنواع الشهادات، والشهادات سوى القتل في سبيل الله سبع. قال رسول الله ﷺ الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة رواه النسائي. والهدم، بفتحتين، هو البناء المنهدم. والحرق، بفتحتين، النار. الذي يموت بغرق، أو بحرق، أو بمرض ذات الجنب، وهو ورم في الخاصرة بالداخل ثم يظهر ينفتح إلى الخارج فيحصل لصاحبه حمى وقيء وغير ذلك من الاضطرابات، والذي يقتله بطنه أي إسهال أو احتباس لا يخرج منه ريح ولا غائط فيموت ففي الحديث من قتله بطنه لم يعذب في قبره رواه الترمذي، كذلك الذي يقتله الطاعون. سئل النبي عن الطاعون فقال وخز أعدائكم من الجن. وهو ورم يحدث في مراق الجسم أي المواضع الرقيقة منه ويحصل منه حمى وإسهال وقيء، وقد حصل في زمن عمر بن الخطاب طاعون مات فيه سبعون ألفا، كذلك المرأة التي تموت بجمع أي بألم الولادة، وكذلك الذي يموت تحت الهدم، أو بالتردي من علو إلى سفل. وهناك أيضا شهادات أخرى غير هذه المذكورة في هذا الحديث الذي رواه ابن حبان والترمذي وغيرهما وردت في أحاديث أخرى كالذي يقتل دون أهله أو ماله أو ولده، وكذلك لا يعذب من مات غريبا عن بلده وأهله لحديث موت الغريب شهادة، رواه ابن ماجه وضعفه الحافظ ابن حجر، وكذلك من قتل ظلما فهو شهيد. وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن رسول الله ﷺ أنه قال من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد. هذا الحديث ضعيف، إسناده لم يثبت، لكن معناه صحيح، وهو أن من عشق امرأة فلم يعمل معصية بسبب هذا العشق، فأدى به ذلك إلى أن مات، فإن هذا المسلم تغفر له ذنوبه) وبعض الناس يتسع قبرهم مد البصر. ومنه تنويره بنور يشبه نور القمر ليلة البدر وغير ذلك كشم رائحة الجنة.

     * والإيمان بسؤال الملكين منكر ونكير وهو يحصل للمؤمن والكافر من هذه الأمة أي الذين أرسل إليهم محمد ﷺ ويقال لهم أمة الدعوة أما الذين ءامنوا منهم يقال لهم أمة الإجابة (فيسأل المؤمن والكافر من هذه الأمة عن اعتقاده الذي مات عليه فيجيب كل بحسب حاله فالكافر يجيب مخبرا عما كان يعتقده في الماضي قبل الموت من غير أن يعتقد الآن أنه حق). ثم المؤمن الكامل لا يلحقه فزع ولا انزعاج من سؤالهما لأن الله يثبت قلبه فلا يرتاع من منظرهما المخيف لأنهما كما جاء في الحديث (حديث ابن حبان في صحيحه) أسودان أزرقان بل يفرح المؤمن برؤيتهما وسؤالهما (يسألانه من ربك ومن نبيك وما دينك فيقول المؤمن الله ربي ومحمد نبيي والإسلام ديني). ويستثنى من هذا السؤال النبي والطفل وشهيد المعركة. والمراد بالطفل من مات دون البلوغ. (وروي أنه يستثنى أيضا من مات ليلة الجمعة أو يومها [رواه عبد الرزاق في مصنفه]. ورد في الحديث عن رسول الله ﷺ من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي فتنة القبر، وهو حديث ضعيف، ولكن تجوز روايته لأنه ليس شديد الضعف. رواه الإمام أحمد في المسند، ومعناه لا يسأل في قبره)

 (فائدة في تلقين الميت المسلم: يسن أن يقال بعد إتمام الدفن يا عبد الله ابن أمة الله – ثلاث مرات – اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما، فإن منكرا ونكيرا يقول أحدهما لصاحبه انطلق بنا ما يقعدنا عند رجل لقن حجته اهـ وأما للأنثى فيقال يا أمة الله ابنة أمة الله، أخرجه الحافظ المقدسي في كتابه المختارة. وقال الحافظ ابن حجر إسناده ثابت وهذا حجة على من ينكر التلقين كالوهابية. والتلقين يسن في حق البالغ ولو كان شهيدا أي غير شهيد المعركة على خلاف في ذلك بين أهل السنة. أما أن هذا الشخص يسلم بعد ذلك من عذاب القبر فهذا لم ينص عليه لكن المرجو له أنه يسلم)

   * والإيمان بالبعث وهو خروج الموتى من القبور بعد إعادة الجسد الذي أكله التراب إن كان من الأجساد التي يأكلها التراب وهي أجساد غير الأنبياء وشهداء المعركة وكذلك بعض الأولياء لا يأكل التراب أجسادهم لما تواتر من مشاهدة ذلك. (وأول من ينشق عنه القبر سيدنا محمد ﷺ، وأهل مكة والمدينة والطائف من أول من يبعث. وإنما قيل من أول من يبعث لأن الأنبياء هم أول من يبعث، والدليل على أن البعث حق قوله تعالى ﴿ثم إنكم يوم القيامة تبعثون﴾ وغير ذلك من النصوص القاطعة بحشر الأجساد. قال تعالى ﴿وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور﴾)

  * والإيمان بالحشر وهو أن يجمع الناس ويساقوا بعد البعث إلى المحشر وقد ورد أنه الشام ثم ينقلون عند دك الأرض إلى ظلمة عند الصراط ثم يعادون إلى الأرض المبدلة فيكون الحساب عليها. (يكون الحساب على الأرض المبدلة وهي أرض مستوية كالجلد المشدود لا جبال فيها ولا وديان، أكبر وأوسع من أرضنا هذه بيضاء كالفضة. ويكون الحشر على ثلاثة أحوال: قسم طاعمون كاسون راكبون على نوق رحائلها من ذهب وهم الأتقياء. وقسم حفاة عراة وهم المسلمون من أهل الكبائر. وقسم يحشرون ويجرون على وجوههم وهم الكفار فالإنس يحشرون وكذلك الجن والوحوش، قال تعالى ﴿واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون﴾ وقال تعالى ﴿ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما﴾ وقال تعالى ﴿وإذا الوحوش حشرت﴾. الناس يوم القيامة في الحشر على هذه الأحوال الثلاثة، ومن فضل أمة محمد ﷺ على من قبلها من الأمم أنهم أكثر أهل الجنة، فأهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفا، وأمة محمد هم ثمانون صفا من المائة والعشرين صفا. والله تعالى حرم دخول أي أمة الجنة قبل أمة محمد، بعد أن يدخل الرسول ﷺ يدخل الأنبياء الجنة ثم يدخل أمة محمد ﷺ)

    * والإيمان بالقيامة وأولها من خروج الناس من قبورهم إلى دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وقد تطلق الآخرة على ذلك وعلى ما بعده إلى ما لا نهاية له. (ومقدار القيامة خمسون ألف سنة مما نعد. قال تعالى ﴿في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾)

  * والإيمان بالحساب وهو عرض أعمال العباد عليهم يعرض عليهم ما عملوا في الدنيا. (ويكون الحساب بتكليم الله للعباد جميعهم، فيفهمون من كلام الله السؤال عما فعلوا بالنعم التي أعطاهم الله إياها، فيسر المؤمن التقي، ولا يسر الكافر لأنه لا حسنة له في الآخرة، بل يكاد يغشاه الموت، فقد ورد في الحديث الصحيح ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان رواه أحمد والترمذي. فالناس يوم القيامة تعرض عليهم أعمالهم، كل معه كتابه الذي كتب فيه ما عمل. هذا الكتاب يأخذه المؤمن بيمينه والكافر بشماله. ﴿يومئذ تعرضون﴾ على الله للحساب وليس ذلك عرضا يعلم الله به ما لم يكن عالما به بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة ﴿لا تخفى منكم خافية﴾ فهو عالم بكل شىء من أعمالكم ﴿فأما من أوتي﴾ أي أعطي ﴿كتابه﴾ أي كتاب أعماله ﴿بيمينه﴾ وإعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة ﴿فيقول﴾ المؤمن خطابا لجماعته لما سر به ﴿هاؤم﴾ أي خذوا، وقيل تعالوا ﴿اقرءوا كتابيه﴾ والمعنى أنه لما بلغ الغاية في السرور وعلم أنه من الناجين بإعطائه كتابه بيمينه أحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا له. ﴿إني ظننت﴾ أي علمت وأيقنت في الدنيا ﴿أني ملاق حسابيه﴾ في الآخرة ولم أنكر البعث. ﴿فهو﴾ أي الذي أعطي كتابه بيمينه ﴿في عيشة﴾ أي في حالة من العيش ﴿راضية﴾ يعني ذات رضا أي رضي بها صاحبها، وقيل عيشة مرضية وذلك بأنه لقي الثواب وأمن من العقاب. ﴿في جنة عالية﴾ مكانا فهي فوق السموات السبع، وعالية في الدرجة والشرف والأبنية. ﴿قطوفها﴾ أي ما يقطف من ثمار الجنة ﴿دانية﴾ أي قريبة لمن يتناولها قائما أو قاعدا أو نائما على السرير انقادت له وكذا إن أراد أن تدنو إلى فيه أي فمه دنت لا يمنعه من ثمرها بعد، ويقال لهم ﴿كلوا واشربوا﴾ أمر امتنان لا تكليف أي يقال لهم ذلك إنعاما وإحسانا وامتنانا وتفضيلا عليهم فإن الآخرة ليست بدار تكليف ﴿هنيئا﴾ أي لا تكدير فيه ولا تنغيص لا تتأذون بما تأكلون ولا بما تشربون في الجنة أكلا طيبا لذيذا شهيا مع البعد عن كل أذى ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول، ولا بصاق هناك ولا مخاط ولا وهن ولا صداع ﴿بما أسلفتم﴾ أي بما قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة ﴿في الأيام الخالية﴾ أي في أيام الدنيا التي خلت فمضت واسترحتم من تعبها. ﴿وأما من أوتي كتابه﴾ أي أعطي كتاب أعماله ﴿بشماله فيقول﴾ لما يرى من سوء عاقبته التي كشف له عنها الغطاء ﴿يا ليتني لم أوت كتابيه﴾ أي تمنى أنه لم يؤت كتابه لما يرى فيه من قبائح أفعاله. روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستون ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ قال فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم بارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله مسودا وجهه ويزاد في جسمه ستون ذراعا على صورة ءادم ويلبس تاجا من نار فيراه أصحابه فيقولون اللهم اخزه فيقول أبعدكم الله فإن لكل واحد منكم مثل هذا. ﴿ولم أدر ما حسابيه﴾ أي وتمنى أنه لم يدر حسابه لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب ولا طائل إذ كله عليه لا له. ﴿يا ليتها﴾ أي الموتة التي متها في الدنيا، فإنه تمنى أنه لم يبعث للحساب ﴿كانت القاضية﴾ أي القاطعة للحياة ولم أحي بعدها فلم أبعث ولم أعذب، فقد تمنى الموت ولم يكن شىء عنده أكره منه إليه في الدنيا لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمر مما ذاقه من الموت. روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول نعم، فيقول قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب ءادم أن لا تشرك، فأبيت إلا الشرك. ﴿ما أغنى عني ماليه﴾ يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا. ﴿هلك عني سلطانيه﴾ يعني ضلت عني كل بينة فلم تغن عني شيئا وبطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، وقيل زال عني ملكي وقوتي. ﴿خذوه فغلوه﴾ أي يقول الله تعالى لخزنة جهنم خذوه واجمعوا يديه إلى عنقه مقيدا بالأغلال ﴿ثم الجحيم﴾ أي نار جهنم ﴿صلوه﴾ أي أدخلوه واغمروه فيها ﴿ثم في سلسلة﴾ وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة، وهذه السلسلة عظيمة جدا لأنها إذا طالت كان الإرهاب أشد ﴿ذرعها﴾ أي قياسها ومقدار طولها ﴿سبعون ذراعا﴾ الله أعلم بأي ذراع هي ﴿فاسلكوه﴾ أي أدخلوه، والظاهر أنهم يدخلونه في السلسلة ولطولها تلتوي عليه من جميع جهاته فيبقى داخلا فيها مضغوطا حتى تعمه، وقيل تدخل في دبره وتخرج من منخره، وقيل تدخل من فيه وتخرج من دبره)

 

  * والإيمان بالثواب والعذاب أما الثواب فهو الجزاء الذي يجازاه المؤمن في الآخرة على العمل الصالح مما يسره وأما العذاب فهو ما يسوء العبد ذلك اليوم من دخول النار وما دون ذلك من العقوبات على المعاصي (العقاب على قسمين أكبر وأصغر، فالعقاب الأكبر هو دخول النار والعقاب الأصغر ما سوى ذلك كأذى حر الشمس يوم القيامة فإنها تسلط على الكفار فيغرقون حتى يصل عرق أحدهم إلى فيه ولا يتجاوز عرق هذا الشخص إلى شخص ءاخر بل يقتصر عليه حتى يقول الكافر من شدة ما يقاسي منها رب أرحني ولو إلى النار، ويكون المؤمنون الأتقياء تلك الساعة تحت ظل العرش، وهذا معنى الحديث الذي رواه البخاري وغيره: سبعة يظلهم الله في ظله (أي في ظل عرشه) إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ويلتحق بهم أناس ءاخرون ذكروا في أحاديث أخرى صحيحة)

     * والإيمان بالميزان أي ما يوزن عليه أعمال العباد فالكافر ليس له حسنات يوم القيامة إنما توضع سيئاته في كفة من الكفتين وأما المؤمن فتوضع حسناته في كفة وسيئاته في الكفة الأخرى (﴿والوزن يومئذ الحق﴾ قال تعالى ﴿فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية﴾).

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/FwmkhzsX-j8

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-4