ومن الافتراءات التي رمي بها سيدنا نوح عليه السلام نسبة الزنا إلى امرأته، وهذا ليس صحيحا ألبتة، فلا يوجد نبي تحته امرأة زانية، وأما قول الله تبارك وتعالى: {ضرب اللـه مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللـه شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} [التحريم: 10]، فقال القرطبي: «ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيها على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين. قال الضحاك([1]) عن السيدة عائشة رضي الله عنها: «إن جبريل نزل على النبي ﷺ فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة».اهـ. {فخانتاهما} [التحريم: 10] قال عكرمة والضحاك: بالكفر. وقال سليمان ابن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين في ما ذكر القشيري([2]). إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة، إذا أوحى الله إليهما – أي: إلى نوح ولوط عليهما السلام – شيئا أفشتاه إلى المشركين، وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف، دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف، لما كانوا عليه من إتيان الرجال. {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} [التحريم: 10]، أي: لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما – لـما عصتا – شيئا من عذاب الله».اهـ. ثم قال: «ويقال: إن كفار مكة استهزؤوا وقالوا: إن محمدا يشفع لنا، فبين الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته، مع قربهما لهما لكفرهما»([3]).اهـ. ويتبع هذا إنكار أن تكون زوجة سيدنا نوح عليه السلام كانت تقع في السحاق، فلم يرد هذا الوصف في خبر ثابت؛ بل هو من الترهات الدخيلة التي يراد بها الإغراب في النقل ولفت الأنظار، فلا يلتفت إليها.
بعد هذا البيان، يتبين لنا أن أولية نبوة سيدنا نوح عليه السلام إنما هي أولية نسبية، أي: بالنسبة لأهل زمانه، وأن أول نبي أرسله الله إلى البشر على الإطلاق هو سيدنا آدم عليه السلام، وتبين لنا كذلك أن زوجات الأنبياء عليهم السلام لا يقعن في الزنا ألبتة، والذي جرى من بعضهن أنهن خن أزواجهن فيه فذلك في الدين فقط وهو كونهن على الشرك، لأنه كان في شرع نوح ولوط عليهما السلام وشرع بعض الأنبياء يحل زواج المسلم من مشركة أو المسلمة من مشرك كحال آسية بنت مزاحم رضي الله عنها التي كان زوجها فرعون. ومع ذلك قد تكون تحت نبي زوجة كافرة ليس لأن الزنى أشد؛ بل لأن حكم الله هكذا.
[1])) الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني (ت105هـ)، أبو القاسم، مفسر. كان يؤدب الأطفال. ويقال: «كان في مدرسته ثلاثة آلاف صبي».اهـ. وذكره ابن حبيب تحت عنوان أشراف المعلمين وفقهاؤهم. له كتاب في التفسير. توفي بخراسان. المحبر، محمد بن حبيب البغدادي، (ص475). العبر في خبر من غبر، الذهبي، (1/124). الأعلام، الزركلي، (3/215).
[2])) ذكره القرطبي بإسناده، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (18/202).
[3])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (18/201).