العِصمة في اللغة معناها: المنع([1])، يقال: عصمته من الطعام، أي: منعته من تناوله، وعصمته من الكذب، أي: منعته منه، قال ابن فارس([2]): العين والصاد والميم يدل على إمساك ومنع وملازمة، من ذلك العصمة أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه([3])».اهـ. ومنه قول الله تعالى في حقّ ولد سيدنا نوح عليه السلام: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، أي: يمنعني من الغرق، وقوله عزَّ وجلَّ إخبارًا عن امرأة العزيز عندما برّأت سيدنا يوسف عليه السلام: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32]، أي: امتنع امتناعًا شديدًا. وجاء في الحديث الشريف قوله ﷺ: «أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله»([4])، أي: منعوا مني دماءهم وأموالهم.
وشرعًا: العصمة بالنسبة للأنبياء والرسل هي حفظ الله تعالى لهم من الوقوع في الكفر والذنوب الكيرة والصغيرة التي فيها خسة ودناءة نفس قبل النبوة وبعدها، والحكمة من ذلك أن الله عزَّ وجلَّ أمر باتباعهم والاقتداء بهم، فهم القدوة الحسنة والأسوة الصالحة للخَلْق، ولذلك حفظهم الله من الكفر والكبائر وصغائر الخسَّة فهم آمنون من كل ذلك.
وإنما الذي يجوز على الأنبياء هو ما سوى ذلك من الصغائر التي ليس فيها خسّة ولا دناءة نفس، وهذا لأجل إثبات وموافقة ما ورد في النصوص القرآنية والحديثية، وهذا قول أكثر العلماء كما نقله غير واحد، وعليه الإمام أبو الحسن الأشعريّ([5])، وخالفه بعض الأشاعرة، وقولهم مرجوح متروك.
وممن خالف في هذا تاج الدين السبكيّ([6]) في قصيدته النونية: (الكامل)
والأشعريُّ إمامُنا لكنّنا |
| في ذا نخالفُه بكلّ لسانِ([7])».اهـ. |
[1])) لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ع ص م)، (12/403).
[2])) أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسن، من أئمة اللغة والأدب أصله من قزوين، وأقام مدة في همذان ثم انتقل إلى الريّ فتوفي فيها وإليها نسبته، من تصانيفه: (المجمل)، و(مقاييس اللغة)، و(متخير الألفاظ)، توفي سنة 395هـ. الأعلام، الزركلي، (1/193).
[3])) مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة: (ع ص م)، (4/331).
[4])) رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما. صحيح البخاري، البخاري، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: {فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1/12). صحيح مسلم، مسلم، كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، (1/38).
[5])) علي بن إسماعيل بن إسحاق أبو الحسن، إمام أهل السُّنَّة والجماعة، من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري (ت324هـ)، مؤسس مذهب الأشاعرة. كان من الأئمة المتكلمين ولد في البصرة. وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. وتوفي ببغداد. من مصنفاته: (إمامة الصديق)، و(الرد على المجسمة)، و(الإبانة عن أصول الديانة) – مع ملاحظة أن الذي في الأسواق فيه دس فليحذر -. الأعلام، الزركلي، (4/263).
[6])) عبد الوهاب بن عليّ بن عبد الكافي السبكيّ (ت771هـ)، أبو نصر تاج الدين قاضي القضاة، المؤرخ الفقيه. ولد في القاهرة، وانتقل إلى دمشق مع والده العلامة الأصوليّ تقيّ الدين السبكيّ. فسكنها وتوفي بها. نسبته إلى سُبْك من أعمالِ المنوفية بمصرَ وكان طلق اللسان، قويّ الحجة. من تصانيفه: (طبقات الشافعية الكبرى)، و(معيد النعم ومبيد النقم)، و(جمع الجوامع) في أصول الفقه، و(الأشباه والنظائر). الأعلام، الزركلي، (4/145، 148).
[7])) طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، (3/387).