يقول خالد الجندي في شريط بعنوان «عليهم صلوات من ربهم»: «كما حدث في الإسراء والمعراج يوم دخل النبي على بساط الأنس الإلـٰهي في الحضرة الإلـٰهية. وقال التحيات لله والصلاة الطيبات فقال الله لنبيّه: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».
الرَّدُّ: الله تعالى غني عن العالمين، أي: مستغن عن كل ما سواه أزلًا وأبدًا فلا يحتاج إلى مكان يقوم به أو شيء يحل به أو إلى جهة. من صفات الإلـٰه أنه مستغن عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه، ومن كان محتاجًا إلى مكان يستقر أو يتحيز فيه فإنه ليس إلـٰهًا. وقد قال سيدنا علي كرم الله وجهه: «من زعم أنّ إلـٰهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود» رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه «حلية الأولياء».
وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما في «الصحيفة السجادية»: «سبحانك أنت الله لا إلـٰه إلا أنت لا يحويك مكان لا تُحسُّ ولا تُمسّ ولا تُجس» رواه الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين». ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيّز والجهة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11] فلو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدثًا محتاجًا لمن حدّه بهذا الطول وبهذا العرض وهذا العمق، هذا الدليل من القرءان، أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره»، ومعناه: أنّ الله موجود في الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا جنيّ ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان ولا جهات، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه. وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور. قال الإمام أبو حنيفة في «الفقه الأبسط»: «كان الله ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق، كان ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء وهو خالق كل شيء». «فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر». كذلك من قال إنه على العرش ولا أدري العرش في السماء أم في الأرض. وإنما كفّر الإمام عليّ قائل هاتين العبارتين لأنه جعل الله مختصًّا بجهة وحيّز وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج إلى محدِث بالضرورة أي بلا شك.
فهذه العبارة التي تفوهت بها وهي قولك: «دخل على بساط الأنس الإلـٰهي في الحضرة الإلـٰهية» توهم جهة فوق لله تعالى والحضرة في اللغة هي المكان. فلو تعلمت العلم من أهل العلم الثقات لقلت وصل النبي إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام أي أصوات الأقلام التي تنسخ فيها الملائكة من اللوح المحفوظ ولكنّ الجهل والكبر يهلكان صاحبهما، والغرور كذلك.
أما هذه القصة المكذوبة التي يرويها بعض الكذابين وقد نالت مع كونها مكذوبة على الله والرسول شهرةً كبيرة فيجب بيان ذلك للناس. والقصة المكذوبة هي قول بعضهم: «لما وصل الرسول ليلة المعراج إلى المكان الذي سمع فيه خطاب الله قال التحيات لله فقال الله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. قالت الملائكة السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين». وهذه الصيغة لم تفرض تلك الليلة. وقد كان بعض أصحاب رسول الله يقولون قبل أن تفرض عليهم صيغة التشهد السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل ثم قال لهم الرسول: «إنّ الله هو السلام» وعلمهم أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.