#61 22-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد طه الأمين أما بعد، بعد أن قال الخضر لموسى عليهما السلام”هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ”، أَخَذَ مُوسَى بِثِيَابِهِ وَقَالَ: “لا أُفَارِقُكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي بِمَ أَبَاحَ لَكَ فِعْلَ مَا فَعَلْتَ”، فَلَمَّا الْتَمَسَ مُوسَى ذَلِكَ مِنْهُ، أَخَذَ الخضرُ فِي الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ وَقَالَ: “سَأُبَيِّنُ لَكَ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَيُصِيبُونَ مِنْهَا رِزْقًا، يُعِينُهُمْ عَلَى الْكَسْبِ، وَعَدَدُهُمْ عَشَرَةُ إِخْوَةٍ وَرِثُوهَا عَنْ أَبِيهِمْ، بِكُلِّ وَاحِدٍ عِلَّةٌ لَيْسَتْ فِي الآخَرِ، خَمْسَةٌ مِنْهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْعَمَلَ وَخَمْسَةٌ يَعْمَلُونَ، فَأَمَّا الْعُمَّالُ مِنْهُمْ فَأَحَدُهُمْ كَانَ مَجْذُومًا، وَالثَّانِي أَعْوَرَ، وَالثَّالِثُ أَعْرَجَ، وَالرَّابِعُ ءَادَرَ – أَيْ مُصَابًا بِفَتْقٍ شَدِيدٍ-، وَالْخَامِسُ مَحْمُومًا لا تَنْقَطِعُ عَنْهُ الْحُمَّى الدَّهْرَ كُلَّهُ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، وَالْخَمْسَةُ الَّذِينَ لا يُطِيقُونَ الْعَمَلَ: أَعْمَى وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ وَمُقْعَدٌ وَمَجْنُونٌ. وَكَانَ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ فَاجِرٌ اسْمُهُ “هُدَدُ بنُ بُدَدَ” يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ تَمُرُّ فِي بَحْرِهِ غَصْبًا وَيَتْرُكُ الَّتِي فِيهَا خَلَلٌ وَأَعْطَالٌ”، ثُمَّ أَكْمَلَ الْخَضِرُ كَلامَهُ قَائِلًا: “وَلَمْ يَكُنِ الإِخْوَةُ عَلَى عِلْمٍ بِمَا يُرِيدُ الْمَلِكُ فِعْلَهُ، فَأَظْهَرْتُ فِي السَّفِينَةِ عَيْبًا حَتَّى إِذَا جَاءَ خُدَّامُ الْمَلِكِ تَرَكُوهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِذْ لَمْ يَأْخُذْهَا الْمَلِكُ، ثُمَّ أَصْلَحْتُهَا لَهُمْ كَمَا رَأَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَانْتَفَعُوا بِهَا وَبَقِيَتْ لَهُمْ. وَأَمَّا الْغُلامُ الْمَقْتُولُ فَاسْمُهُ “حَيْسُون” وَكَانَ كَافِرًا وَأَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ وَكَانَا يَعْطِفَانِ عَلَيْهِ فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَأَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَقْتُلَهُ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَئُولُ أَمْرُهُ إِلَيْهِ، إِذْ لَوْ عَاشَ لأَتْعَبَ وَالِدَيْهِ بِكُفْرِهِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَحْكُمَ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَيَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ لا يَظْلِمُ أَحَدًا”. وَكَانَتْ أُمُّ الْغُلامِ يَوْمَ قُتِلَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ بِنْتًا كَانَتْ أَرْحَمَ مِنَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا كَبِرَتْ هَذِهِ الْبِنْتُ أَدْرَكَتْ سَيِّدَنَا “يُونُسَ بنَ مَتَّى” فَآمَنَتْ بِهِ وَتَزَوَّجَهَا فَأَنْجَبَتْ عِدَّةَ أبناء (أنبياء) فَهَدَى اللَّهُ بِهِمْ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَكَانَتِ الْعِبْرَةُ فِي قِصَّةِ هَذَا الْغُلامِ أَنَّهُ فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ، وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ، وَلَوْ بَقِيَ كَانَ فِيهِ هَلاكُهُمَا، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا الأَمْرُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ حُكِيَ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمُهُ “أَصْرَمُ” وَالآخَرَ “صَرِيْم” وَاسْمُ أَبِيهِمَا “كَاشَح” وَأُمِّهِمَا “دَهْنَا”، وَكَانَ تَحْتَ الْجِدَارِ كَنْزٌ لَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ لَوْحٍ ذَهَبِيٍّ وَمَالٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، تَرَكَهُ لَهُمَا وَالِدُهُمَا الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يُؤَدِّي الأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعَ إِلَى أَهْلِهَا، وَقَدْ حُفِظَا بِصَلاحِ أَبِيهِمَا. وَفِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ: “إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي ذُرِّيَّتِهِ”. وَلَمَّا كَانَ الْجِدَارُ مُشْرِفًا عَلَى السُّقُوطِ وَلَوْ سَقَطَ لَضَاعَ ذَلِكَ الْكَنْزُ، أَرَادَ اللَّهُ تعالى إِبْقَاءَهُ عَلَى الْيَتِيمَيْنِ رِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَحَقِّ صَلاحِ وَالِدِهِمَا فَأَمَرَ اللَّهُ الْخَضِرَ بِإِقَامَةِ ذَلِكَ الْجِدَارِ لِيُحْفَظَ الْكَنْزَ الَّذِي سَيَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الْيَتِيمَيْنِ عِنْدَمَا يَكْبَرَانِ، وَكَانَ الْيَتِيمَانِ جَاهِلَيْنِ بِأَنَّ لَهُمَا كَنْزًا إِلا أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَيْهِمَا كَانَ عَالِمًا بِهِ. ثُمَّ أَنَّ الْوَصِيَّ غَابَ وَأَشْرَفَ ذَلِكَ الْجِدَارُ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى السُّقُوطِ. ثُمَّ قَالَ الْخَضِرُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لِمُوسَى الْقَضَايَا الثَّلاثَ: “وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي” أَيْ مَا فَعَلْتُهُ بِاجْتِهَادٍ مِنِّي وَرَأْيٍ، إِنَّمَا فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ أُوحِيَ إِلَيْهِ. وهكذا نصِل ُإلى نهاية حلقتنا هذه لنحدثَكم في الحلقةِ القادمةِ من سلسلةِ قصصِ الأنبياء عن قصةِ سيدِنا موسى وقارون الملعون فتابِعونا وإلى اللقاء.