الأحد ديسمبر 22, 2024

#58 19-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام

نكمل ما بدأنا به من قصة موسى والخضر عليهما السلام. انْطَلَقَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ الَّذِي كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَيُرَافِقُهُ وَيَخْدِمُهُ، وَأَخَذَا سَمَكَةً مُمَلَّحَةً مُهَيَّأَةً لِلأَكْلِ وَخُبْزًا زَادَا لَهُمَا وَمَضَيَا، ثُمَّ وَصَلا إِلَى مُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ وَيُقَالُ إِنَّهُمَا بَحْرُ “فَارِسَ” وَ”الرُّومِ”، وَجَلَسَا عِنْدَ ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ قُرْبَ ضِفَّةِ الْبَحْرِ وَوَضَعَا رَأْسَيْهِمَا فَنَامَا، وَكَانَ فِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنُ مَاءٍ يُقَالُ لَهَا “عَيْنُ الْحَيَاةِ” تَنْزِلُ مِثْلَ شَلاَّلٍ صَغِيرٍ، لا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَىْءٌ إلَّا حَيِيَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَأَصَابَ السَّمَكَةَ الْمُمَلَّحَةَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَحَرَّكَتْ وَانْسَلَّتْ مِنَ الْوِعَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَدَخَلَتِ الْبَحْرَ، وَالْغَرِيبُ أَنَّ هَذِهِ السَّمَكَةَ كَانَ قَدْ أُكِلَ نِصْفُهَا وَبَقِيَ النِّصْفُ الآخَرُ، فَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُعْجِزَةً لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَيُذْكَرُ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ رَأَوْا بَعْدَ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ نَوْعًا جَدِيدًا مِنَ السَّمَكِ كَانَ مِنْ نَسْلِ تِلْكَ السَّمَكَةِ، فَأَحَدُ جَانِبَيْهَا شَوْكٌ وَعَظْمٌ وَجِلْدٌ رَقِيقٌ عَلَى أَحْشَائِهَا، وَالْجَانِبُ الآخَرُ صَحِيحٌ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمَّا حَيِيَتْ بَعْدَ أَنْ أُكِلَ مِنْهَا اسْتَمَرَّتْ فِيهَا تِلْكَ الصِّفَةُ ثُمَّ فِي نَسْلِهَا. وَاسْتَيْقَظَ الْفَتَى يُوشَعُ فَرَأَى السَّمَكَةَ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْوِعَاءِ فَقَالَ: “لَنْ أُوقِظَ رَسُولَ اللَّهِ مُوسَى الآنَ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُهُ عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظُ”، وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ مُوسَى نَسِيَ فَتَاهُ أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ خُرُوجِ السَّمَكَةِ وَنَسِيَ مُوسَى سُؤَالَ الْفَتَى إِنْ رَأَى شَيْئًا غَرِيبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا وَلَمْ يَشْعُرَا بِجُوعٍ وَلا تَعَبٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ وَقَدْ مَشَيَا مَسَافَةً طَوِيلَةً قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: “ءَاتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ تَعِبْنَا مِنَ هَذَا السَّفَرِ”. وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى التَّعَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ يُوشَعُ سَيِّدَنَا مُوسَى عليه السلام بِالْقِصَّةِ، فَقَالَ وَقَدْ شَعَرَ بِاقْتِرَابِ لِقَائِهِ بِالْخَضِرِ: “ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِيهِ وَنَطْلُبُهُ”، ثُمَّ عَادَا فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَتَيَا مِنْهُ حَتَّى رَجَعَا إِلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي كَانَا عِنْدَهَا، وَهُنَاكَ وَجَدَ مُوسَى سَيِّدَنَا الْخَضِرَ عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ وَهُوَ مُسَجَّى بِثَوْبٍ أَخْضَرَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: “السَّلامُ عَلَيْكُمْ”، فَكَشَفَ الْخَضِرُ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: “وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ، وَهَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلامٍ؟” لأِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا فِي ذَاكَ الْوَقْتِ مُسْلِمِينَ. ثُمَّ سَأَلَ الْخَضِرُ مُوسَى “مَنْ أَنْتَ؟” قَالَ: “أَنَا مُوسَى”، فَقَالَ: “مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟” قَالَ: “نَعَمْ، وَمَا أَدْرَاكَ أَنِي مُوسَى؟” قَالَ: “أَدْرَانِي بِكَ الَّذِي أَدْرَاكَ بِي، أَلَمْ يَكُنْ لَكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا يُشْغِلُكَ عَنِ السَّفَرِ إِلَى هُنَا؟” قَالَ: “بَلَى وَلَكِنِّي أُمِرْتُ أَنْ ءَاتِيَكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا”، فَقَالَ الْخَضِرُ: “أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لا أَعْلَمُهُ أَنَا”. فَتَلَطَّفَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْقَوْلِ وَتَجَمَّلَ بِأَحْسَنِ مَا وَهَبَهُ اللَّهُ مِنْ أَدَبِ الْحَدِيثِ وَفَضْلِ التَّوَاضُعِ وَقَالَ: “هَلْ تَأْذَنُ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَنْ تَفِيضَ عَلَيَّ بِعِلْمِكَ، عَلَى أَنْ أَتْبَعَكَ وَأَلْتَزِمَ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ؟” وَكَانَ الْخَضِرُ قَدْ أُلْهِمَ أَنَّ مُوسَى لا يَصْبِرُ عَلَى السُّكُوتِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَقَالَ لِمُوسَى: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَلَوْ أَنَّكَ صَحِبْتَنِي سَتَرَى ظَوَاهِرَ عَجِيبَةً وَأُمُورًا غَرِيبَةً، فَقَالَ مُوسَى وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى الْعِلْمِ، تَوَّاقًا إِلَى الْمَعْرِفَةِ: “سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا”. فَقَالَ الْخَضِرُ: “إِنْ صَحِبْتَنِي ءَاخُذُ عَلَيْكَ عَهْدًا وَشَرْطًا، أَنْ لا تَسْأَلَنِي عَنْ شَىْءٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّرْطُ وَتَنْتَهِيَ الرِّحْلَةُ وَإِنِّي بَعْدَهَا سَأُبَيِّنُ لَكَ مَا قَدْ تَتَسَاءَلُ عَنْهُ وَأَشْفِي مَا بِصَدْرِكَ”. والله تعالى أعلم وأحكم نقف هنا الآن لنكمل ما بدأنا به من قصة موسى والخضر عليهما السلام في الحلقة القابلة من سلسلة قصص الأنبياء فتابعونا وإلى اللقاء.