مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” 114
الجنة واسعة – تنزيه اللهِ تعالى عن الجسميةِ والجلوسِ والجهة
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد طه النبيّ الأميِّ الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبِه ومَن والاه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ولا ضد ولا ندّ ولا زوجة ولا ولدَ له ولا شبيهَ ولا مثيلَ له ولا جسمَ ولا جسدَ ولا حجمَ ولا جثةَ له، ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا كيفيةَ ولا كميةَ له ولا أين ولا جهة ولا حيّزَ ولا مكان له
كان الله ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان فلا تضربوا لله الأمثال وللهِ المثلُ الأعلى تنزّه ربي عن الجلوسِ والقعود وعن الحركة والسكون وعن الاتصالِ والانفصال لا يحُلُّ فيه شىء ولا ينحلُّ منه شىء ولا يحُلُّ هو في شىء لأنه ليس كمثلِه شىء، مهما تصوّرتَ ببالك فاللهُ لا يشبه ذلك ومن وصفَ اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر.
وأشهدُ أنّ حبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرَّم وعظّمَ وعلى جميعِ إخوانِه من النبيين والمرسلين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين ورضي الله عن جميعِ الأولياء والصالحين.
*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: الجنةُ واسعة لا يعلمُ قدرَ سعتِها إلا الله، الجنةُ أكبرُ من جهنم بأكثر من ألفِ مرة واللهُ يحبُّها لأنها دارُ المؤمنين.
)الجنة يجبُ الإيمان والاعتقاد والتصديق بوجودِها وأنها الآن مُعَدّة ومهَيّأة وموجودة وقد خُلِقَت لأنّ المعتزلة من جهالاتِهم ومن غَوايتِهم ومن ضلالاتِهم أنهم يقولون إنّ الجنة ليست موجودةً الآن إنما ستوجد فيما بعض وهذا جهلٌ عريض، هل الرسول عليه الصلاة والسلام في ليلةِ المعراج عندما رجعَ وأخبر وقال رأيتُ الجنةَ ورأيتُها، ماذا يقولون حديث لا يصح بزعمِهم؟ فإذا كان الرسول أثبتَ أنها موجودة وأنها مُعَدّة وأنها مُهَيّأة وأنها فوق السماء السابعة وأنه رآها صلى الله عليه وسلم وأنه دخلَها صلى الله عليه وسلم وأنّ أكثرَ أهلِها الفقراء وأنه رأى فيها الحورَ العين وسلَّم عليهن بالقول، عندما نقول السلام يعني بالقول، بعض الناس العامة اليوم يقولون لمن صافحَ فلان سلَّم عليه، هذه مصافحة اليد باليد أما إذا قال له السلامُ عليكم هذا يقال له سلام، فالرسول ما صافح الحور العين ما وضعَ يدَه في أيديهن أو في يدِ واحدةٍ منهن لا، إنما سلّمَ عليهنّ بالقول بالكلام بدونِ مصافحة قال لهنّ السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه فردَدْنَ عليه السلام وقلنَ له نحن خيراتٌ حِسان أزواجُ قومٍ كرام، كيف قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم إنه دخلَ الجنة ورآها ورأى الحورَ العين وقال لهن كذا وقلنَ له كذا؟ يعني هي موجودة، فإنْ قالوا الحديث لم يصحّ قيل لهم: كل حفاظ الإسلام وأئمة الدين والعلماء الأعلام الذين أثبتوا وصحّحوا ورَوَوا هذه الأحاديث المتعلقة بالمعراج وبدخول النبي الجنة وبرؤيتِه الجنة كلّ هؤلاء لا يعرفون والمعتزلة الذين هم الأقل الأذل الشرذمةُ الجاهلة هم الذين يعلمون؟ ومن قال هذا؟ إذا كان هكذا فهذا طعنٌ في الطريق الذي وصلَنا منه الدين هذا لا يقول به عاقل.
تعالوا إلى القرآن أليس الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرعن الجنة وعن بعض ما فيها وعن بعض ما حصل فيها معه ثم هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم منه لأمّتِه دليلٌ كافٍ منه صلى الله عليه وسلم مع دليل من القرآن قال الله تعالى {أُعِدَّت للمتقين}-سورة آل عمران/133- هل يقال عن المعدوم أنه أُعدَّ وهُيِّاَ؟ إذا رجعتم إلى اللغة عن أيّ شىءٍ يقال إنه مُعَدَّ ومُهُيِّأ؟ عن الموجود، يعني الجنة موجودة.
ثم الرسول عليه الصلاة والسلام عندما كان يكلّمه النابغة الصحابي الجليل والرسول كان يسمعُ ما يقول قال “بلغْنا السماءَ مجدُنا وسناؤُنا وإنا نرجو فوقَ ذلك مظهرًا”
قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إلى أين؟ قال: إلى الجنة” يعني كان يتكلم عن وجودِها وعن مكانها الرسولُ ما أنكر ولا اعترض، ثم هؤلاء الذين يقولون إنها ليست موجودة الآن إنما ستوجد فيما بعد قولُهم هذا مردود وباطل وخلاف الإجماع.
إذًا يجب الإيمان والاعتقاد الجازم والإقرار والتصديق بوجود الجنة وأنها موجودةٌ مُهَيّأةٌ مُعَدَّةٌ الآن وأنها فوق السماء السابعة ليست ضمن السموات لأنّ السماء تفنى أما الجنة لا تفنى، الله قال في القرآن عن الجنة {خالدينَ فيهآ أبدًا}-سورة البينة/8- أخر آية من سورة البيّنة.
وقال عن السماء {وانشقّتِ السمآءُ فهيَ يومَئذٍ واهية}-سورة الحاقة/16- إذًا السماء تفنى بدليل هذا النص القرآني العظيم.
ثم هناك آيات أخرى الله يقول في القرآن {يومَ نطوي السمآءَ كطيِّ السجلِّ للكتب}-سورة الأنبياء/104- إذًا السماء تفنى تُلَفّ وتزول والجنةُ لا تفنى وهي فوق السماء السابعة منفصلة عنها ليست فيها.
ثم الإيمان بالجنة هو من جملة العقائد الإسلامية التي جاء بها كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا يوجد في الأنبياء مَن أنكرَ وجودَ الجنة حاشا، ولا يوجد في الأنبياء مَن نفى وجود الجنة.
قال العلماء النسخ لا يدخل في الأخبار والتواريخ، إذا كان في الأخبار والتواريخ لا يدخل لأنه يصيرُ كذبًا ولا يجوز أنْ يكونَ في خبر الله تعالى ما هو كذب ولا في خبر الأنبياء، والقرآنُ فيه آياتٌ كثيرة وعديدة عن الجنة وعن بقائِها وعن تخليدِها وتخليدِ أهلِها فكيف يأتي بزعم الكفرة فيقول أنّ من الأنبياء مَن أنكر وجودَ الجنة وقال إنّ النعيم فقط يكون في الدنيا وبعد ذلك نعيمٌ معنوي وليس حسيًّا ولا يوجد أشجار ولا ثمار ولا زوجات ولا حور ولا جماع حقيقي بزعمِهم، وهذا خلاف الحق وخلاف النصوص الحديثية والإجماع، كيف قال الرسول فيما أثبتَه البيهقي رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم [ما في الجنةِ أعزب] إذًا يؤكّد وجود الزواج بل والجماع الحقيقي، كيف يكون مجرد لذات معنوية والله يقول {وكلوا واشربوا هنيئًا بما أسلَفتم في الأيام الخالية}-سورة الحاقة/24- الأكل والشرب يكونُ لذات معنوية فقط؟ أين يكون هذا الكلام بزعمِكم؟ وكيف يكون العذاب معنويًّا أيضًا فقط والله يقول {كلما نضِجَت جلودُهم بدّلْناهم جلودًا غيرَها ليَذوقوا العذاب}-سورة النساء/56- هذا معنوي فقط أم معنوي وحسي معًا؟
فكما أنّ العذاب للكافرين في جهنم حسيّ ومعنوي كذلك النعيم للمؤمنين في الجنة حسيٌّ ومعنوي.
ثم الله سبحانه وتعالى أخبر في القرآن عن الجنة فلا يأتي نبي ويُنكر الجنة هذا لا يجوز لا على عيسى ولا على موسى حاشا، إذا كان النسخ لا يدخل في الأخبار ولا في التواريخ فكيف يدخل في العقائد؟
الإمام النحاس اللغوي المشهور وصاحب كتاب الناسخ والمنسوخ وهذا الكتاب من الكتب التي حصّلناها تلقيًّا بفضلِ الله تعالى وبالإسنادِ يقول فيه “التواريخُ لا يدخلُها النسخ” الأخبار لا يدخلُها النسخ فكيف يدخل في العقائد؟
فالإيمان بوجود الجنة من العقائد لأنّ القرآنَ أثبتَ ذلك وما أثبتَه القرآنُ والأنبياءُ والإجماعُ يجبُ الإيمانُ به بلا شك يجب الإيقان والتصديق الجازم بلا أدنى شك لأنّ الله أثبت وجود الجنة.
فإذًا الجنةُ موجودةٌ وهي مخلوقةٌ مُعَدَّةٌ فوق السماء السابعة كما أثبتنا وهي باقية إلى غير نهاية بإبقاء الله لها، الله أراد لها البقاء لأنّ النعيم في الجنة بلا نهاية كما ذكرنا الآية من آخر سورة البينة {خالدينَ فيهآ أبدًا}-سورة البينة/8-
وقال العلماء إنّ مَن أنكرَ الجنة وسبّها واستهزأَ بها ليس من المسلمين يكونُ حقّر واستهزأَ واستخفَّ بما عظّمَ القرآنُ شأنَه.
والجنة تسمى بدار السلام لأنها دارُ الأمان، كل ما فيها فرحٌ وهناء وسعادة وسرور واطمئنان إلى غير نهاية إلى أبدِ الآبدين، يعني لا يأتي لحظة على الإنسان هناك يصيبه البؤس التعب الانزعاج التحسّر التكدّر الألم النغَص الصداع، هذا لا وجودَ له في الجنة.
تخيّلوا معي إذا كانت ثياب أهل الجنة والواحد من أهل الجنة له الكثير من الأشكال والألوان من الثياب ليس ثوبًا واحدًا، ثيابُهم لا تَبلى إلى أبدِ الآبدين مع كونِ ثيابِهم لا تَبلى فالواحد منهم لا يكون له ثوب واحد إلى أبد الآبدين بل له أثوابٌ كثيرة وألوان جميلة جدا جدا ورائحة طيبة ومن حيثُ الجمال والمنظر الذي يبهر ويشغل الأبصار ويخطفُها من الجمال هذه الأثواب لا مثيلَ لها في الدنيا ولا حتى في ثياب الملوك
لو الإنسان في الدنيا عمل قميصًا له من مليار ليرة ذهبية كم يطلع هذا القميص؟ لو عمل فستان لابنتِه في عرسِها بمليار ليرة ذهبية هذا في الدنيا نهايتُه أنْ يخرب أنْ يتلف أن يفسُد أنْ يتلاشى أن يفنى أن يزول، هي تتعب منه لا تطيق حملَه ثم أشياء كثيرة تلحقُها من التعب والعرق هذا في الدنيا، ثم بعد ذلك يزول وقد تُقتل لأجلِه ومع ذلك كم سيكون جمال هذا القميص هو كلا شىء بالنسبة لجمال أهل الجنة، كل ثياب أهلِ الجنة لها جمال رائعٌ عظيمٌ. تخيّلوا معي إذا كان ثياب أهل الجنة لا تدخلُها يد الصناعة، ليس الخياطة أو الخياط يقعد فيخيط الفستان أو القميص لا، إنما يوجد شجرة في الجنة ورد في الحديث الذي احتجَّ به الحافظ البيهقي قال شجرة طوبى لها أكمام تتفتق عن ثياب أهل الجنة تكون جاهزة ليس يطلع ضيق أو خرب أو لا يليق، ما ترى من حيثُ الجمال والإتقان والرائحة الطيبة وشدة الإتقان والجمال الذي فيه كل ملوك الدنيا ثيابُهم لا تساوي ثوب واحد من ثياب أهل الجنة.
هذه الشجرة قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها [يسيرُ الراكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها]
الشيخ يقول عن سعة الجنة وعن امتداد مساحتها وأنها أوسع من النار بكثير. تخيّلوا إذا كانت شجرة واحدة يسيرُ الراكب في ظلها مائةَ عام لا يقطعُها، ثم ورد مع هذا الحديث [واقرؤوا إنْ شئتم وظلٍّ ممدود] هذه شجرة.
إذا كان أقل مسلم في الجنة له كهذه الدنيا على عشر أمثالِها، كم من ملوك الأرض ملكوا وحكموا بقع من الأرض منطقة محافظة ناحية عاصمة بلد بلدين عشرة عشرين لكنْ مَن من ملوك الأرض الذين حكموا الأرض من شرقِها إلى غربِها؟ قلة قليلة ندرةٌ نادرة، يقال حصل ذلك لنبيّ الله سليمان عليه السلام وللوليّ الصالح الصعب ذو القرنين رضي الله عنه الذي حجّ مع نبيِّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، هو الصعب كان في اليمن ثم طاف حول الكعبة مع نبيِّ اللهِ إبراهيم وحكم الأرض من شرقِها إلى غربِها وبقيَ في الملك والحكم إلى ألفيْ سنة
والصعبُ ذو القرنينِ أمسى ملكُه ألفينِ عامًا ثم صار رميمًا
بعد كل هذه المدة مات كما يموت اليتيم وكما يموتُ الفقير مع أنه كان من الصالحين. بعض الأئمة والعلماء يقول سُمّيَ بذلك لأنه حكم بين مطلِعِ ومغرب الشمس، يعني حكم الأرض من شرقِها إلى غربِها.
وبعضُهم يقول بُختَ نصّر حصل له ذلك إن كان كما يقولون أو هذا الذي يسمى مثلًا الإسكندر المقدوني أو ما شابه، لكنْ كم واحد عددُهم؟ أما بقية ملوك الأرض حكموا أماكن معيّنة وبعضُهم توزّع حكمُه وملكُه إلى كثيرٍ من البلاد، هنا نتكلم عن ملوك وعن نبي كريم وهو سليمان وولي عظيم وهو الصعب ذو القرنين، نقول في الجنة أقل مسلم له كهذه الدنيا يعني كما قال الشيخ كل الأرض المقصود بالدنيا في هذا الحديث كل الأرض التي عليها ناس يسكنونَها أو البقعة التي هي مهجورة قفار براري وديان قاحلة متروكة مظلمة مُعتِمة ليس فيها بشر وحتى كل الأطراف المُترامية كم يكون مساحة هذه الأرض؟ أقل مسلم في الجنة له مثل هذه الأرض على عشرِ أمثالِها، وهذا ما حصلَ لملوك الأرض بل ما حصل لملكٍ من ملِكٍ من ملوك الأرض كلِّها من شرقِها إلى غربِها وزيادة عليها شبر واحد هذا ما حصل، أقل مسلم في الجنة له كهذه الأرض على عشر أمثالِها فكيف بالأتقياء؟ كيف بالأولياء؟ كيف بشهداء المعركة؟ شهيد المعركة قد يكونُ تقيًّا عند قُتلَ وقد لا يكونُ تقيًّا قد يكونُ فاسقًا قبل أنْ يُقتل لكن سبحان الله ربي أكرمُ الأكرمين أرحم الراحمين انظروا إلى بركات الإسلام العظيم، هذا كان فاسقًا دخل المعركة قاتل في سبيل الله وهو مسلم مخلص لكنْ كان من أهل الكبائر قُتل في سبيل الله نال شهادة المعركة غُفرَت ذنوبُه غُسِلَ لكن التقي الصالح مقامُه أعلى.
كم تسمعون عن الشهداء لكن الولي مقامُه أعلى، فإذا كان الإنسان ولي وشهيد معركة هنا أعلى وأعلى يعني مراتب على مراتب، إذا كان أقل مسلم له كهذه الدنيا على عشر أمثالِها كيف الأتقياء؟ شهيد المعركة كم له؟ التقي الولي الصالح كم له؟ الأنبياء غير الرسل كم لهم؟ الأنبياء الرسل كم لهم؟ سيد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم كم له؟
هذا أردتُه مثالًا لأشرحَ كلامَ شيخي رضي الله عنه في أنّ الجنة أوسع من النار أكبر من النار.
مَن يحصي عدد المؤمنين؟ لا يحصيهم إلا الله، إذا كان أقل مسلم له كهذه الدنيا على عشر أمثالِها كم عدد الشهداء وكم عدد الأتقياء وكم عدد الأولياء وكم عدد الأنبياء وكم عدد الرسل؟ فكم تكون الجنة؟ فمساحتُها لا يحيطُ بها علمًا إلا الله.
يأتي بعضهم يقول الكافر في جهنم ضرسه كجبل أحد أنا أقول لك ومكان مقعدتِه مسيرة ثلاثة أيام وغِلَظ جلدِه يقول مولانا البيهقي أربعين ذراعًا، ماذا تريد أيضًا؟ حجمُه يُضَخَّم في جهنم لكنْ كل هذا الحجم بالنسبة لجزءٍ قليل من هذه الأرض؟ كم يكون بالنسبة لكل الأرض؟ كيف إذا كانت الأرض وعشر أمثالِها لأقل مسلم؟ كم يكون في الجنة من عوامّ المسلمين ثم مَن فوقَ أقل مسلم كم مائة مليار كم مائة مليون تقي كم مائة مليون ولي وهكذا فكم تكون مساحة الجنة؟
لذلك مع أن الكافر جسدُه يُضَخَّم ليشعر بالعذاب أكثر، إذا كان في اليوم الواحد جلدُه يذوب ويحترق وينسلخ ويقع عن عظمِه سبعين ألف مرة في اليوم الواحد، سماكة جلدِه أربعون ذراعًا فكم يكون رأسه؟ إذا ضرسه كجبل أحد كم ضرس عنده وكم يكون رأسه؟ هذا أقل بكثير من أنْ يكون كهذه الدنيا على عشر أمثالِها.
كم يكون حجم جهنم؟ شىء ضخم جدا جدا ومع ذلك فهي من مظاهر الغضب والجنة من مظاهر الرحمة والنار بقعةٌ صغيرة ضيقة بالنسبةِ لبقعة الجنة، ما أجمل الجنة الله يجعلني وإياكم من أهلِها في الفردوس الأعلى بكرامة وجه محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم انظروا من عظيم مساحة هذه الجنة الطيبة العظيمة المباركة أنّ السماوات السبع مع الأرضين السبع لو مدَّ بعضُها إلى جنب بعض كانت الجنة أعرض وأوسع، إذا كان من أرضنا هذه إلى السماء الأولى خمسمائة عام وسمك السماء من الطرف الذي يلي الأرض إلى الطرف الذي يلي السماء الثانية خمسمائة عام، والفراغ الذي بين الأولى إلى الثانية خمسمائة عام كم تكون مساحتُها؟ شىءٌ عظيم الجنة وهي أوسع بكثير من النار وهي من مظاهر الرحمة.
تخيّلوا معي أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام يقول إنّ مَن قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وفي رواية لا حول ولا قوة إلا بالله، كان له بكلِّ واحدةٍ نخلةٌ في الجنة ساقُها من ذهب لا تبلى إلى أبد الآباد، كم مائة مليار مسلم اليوم يوجد؟
إذا كان مثلًا بعض الأولياء والصالحين كل يوم يعمل مائة ألف تسبيحة، هذا العدد كم يحتاج من الأشجار الضخمة الكبيرة ومساحات؟ إذا كان بعض الأولياء من الصلاة على النبي يعملون ثمانين ألف مرة في اليوم، بعض المبتدئين في الطريقة والتسليك كانوا في اليوم يسبّحون اثني عشر تسبيحة، وهذا المبتدىء ليس المُنتهي، هذا كم يحتاج إلى مساحات؟ كل ذلك في الجنة وهي أوسع.
تخيل معي إذا كان بعض المسلمين عاش عشرين سنة وهذا خمسين وهذا مائة و هذا ثلاثمائة وهذا سبعمائة سنة من الأمم الماضية وكانوا كلهم يشتغلون بالتسببيح والتحميد والتهليل والحوقلة مئات الآلاف من المرات كم يكون لهم من المساحات في الجنة؟
الجنة من مظاهر الرحمة وهي أوسع بكثير من جهنم، هذا من عظيم فضل الله على عباده والله أكرم الأكرمين يعطي المؤمن على الحسنة الواحدة أقل ما يضاعَف له الحسنة إلى عشر أمثالِها فكم تكون الجنة؟ وقد تضاعَف إلى أنْ تصير بسبعمائة ضعف أو مائة ألف ضعف أو تضاعف في كفة الحسنات إلى أن تكون كأمثال الجبال، أليس الله يقول في القرآن {واللهُ يضاعفُ لمن يشآء}-سورة البقرة/261-
إذا كان أقل ما تُضاعَف إليه الحسنة الواحدة إلى عشر أمثالِها فإذًا كم تكون مساحة الجنة؟(
*وقال رضي الله عنه: لا يوجَدُ فوق العرش إلا كتاب كتبَ اللهُ فيه إنّ رحمتي غلبَت غضبي، معناه الشىء الذي أحبه من المخلوقات أكثرُ مما أكرَهُه، الملائكةُ أكثر من الإنس والجن وأوراق الأشجار ورمال الخلَوات هؤلاء كلُّهم اللهُ يحبُّهم –الملائكة- لأنهم مؤمنون لأنهم لا يعصونَ الله ما أمرَهم اللهُ به يفعلون ثم الأنبياءُ ثم المؤمنونَ الذين آمنوا بالأنبياء هؤلاء اللهُ يحبُّهم والجنةُ اللهُ يحبّها لأنّها دارُ المؤمنين وهي أوسعُ من جهنمَ بمراتٍ عديدة، أقلُّ شخصٍ هناك له مثلُ الدنيا وعشر أمثالِها، اللهُ يعطي المؤمنَ في الجنةِ قوةَ نظر يرى مسافةَ ألفِ سنة يرى أقصاها كما يرى أدناها كما يرى أولَها يرى آخرَها من قوةِ النظر.
(يجبُ الإيمانُ والاعتقاد أنّ اللهَ تعالى لا يجلس على العرش ولا يسكن الجنة وأنّ اللهَ تعالى ليس حالًّا في الفضاء كالهواء وأنّ اللهَ ليس جسمًا وليس حجمًا، هذا أدلّتُه كثيرة لكن مرت معنا هنا عبارة مهمة وهي قال: لا يوجد فوق العرش شىء يعني مما له إرادة وقدرة وحياة وعلم وسمع وبصر هذا لا وجودَ له فوق العرش، قال إلا كتاب فيه كتب اللهُ إنّ رحمتي سبقت غضبي، أولًا صفاتُ الله ليس فيها سابقٌ ولا مسبوق وصفاتُ الله لا تحدُثُ شيئًا بعد شىء كما تحدث صفاتُ المخلوقين، وصفاتُ الله ليست كصفات المخلوقين، فصفاتُ اللهِ كلُّها أزلية أبدية ليس فيها سابق ومسبوق ليس فيها ما وُجِدَ بعد غيرِه لأنّ هذا صفة المخلوق وهذا مستحيلٌ على صفات الله.
مَن الذي يوجَد في صفاتِه شىء بعد شىء؟ نحنُ المخلوق، الله قال في القرآن {واللهُ أخرجَكم من بطونِ أمّهاتِكم لا تعلمونَ شيئًا}-سورة النحل/78- بعد ذلك عندما يصير يميّز العلم فيكتشف الأمور شيئًا بعد شىء يعني حدثت له صفة كان جاهلًا هذا الإنسان صار عالمًا بهذه الأشياء، فمن الذي تحدُثُ له صفة لم تكن؟ المخلوق، من الذي صفاتُه يحدثُ بعضُها بعد بعضٍ؟ المخلوق، وهذا مستحيلٌ على الخالق وإلا لو كانت صفاتُه كصفاتِنا لكانَ مخلوقًا لكان محتاجًا إلى مخصِّص والمحتاج إلى مخصِّص لا يكونَ إلهًا بل يكونُ ضعيفًا عاجزًا مجعولًا لجاعل.
إذًا ما معنى إن رحمتي سبقت غضبي؟ هذا الحديث صحيح رواه البخاري والبيهقي وابن حبان بألفاظ متقاربة، الآن بعد هذه المقدمة تعالوا لننظر ما معنى هذا الحديث.
“إنّ رحمتي سبقت غضبي” وفي رواية ثانية “إنّ رحمتي غلبَت غضبي” هؤلاء الذين يقولون على الظاهر بلا تأويل جعلوا صفات الله متقابلة وحاشا لله تنزه الله ليس كمثله شىء، إذًا ما معنى إنّ رحمتي غلَبَت غضبي أو سبقت غضبي؟
قال علماء أهل السنة والجماعة يعني ما يحبُّه الله أكثر مما يُبغضُه الله، فيكون معنى الحديث الملائكة الذين هم أكثرُ خلقِ اللهِ عددًا والجنة التي هي أوسع من النار بكثير ومضاعفة الحسنات إلى أضعافٍ كثيرة والسيئة سيئة لا تُضاعَف كالحسنة كل هؤلاء من مظاهر الرحمة، هذا معنى “إنّ رحمتي سبقت غضبي” يعني مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب.
فإذا قال لكم قائل أليس الشياطينُ كفار؟ بلى، والمؤمن منهم هو جني، لكن الأكثر منهم شياطين وهم كفار، فإذا قيل لكم كيف تقولون إنّ مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب والشياطين كفار؟ ثم إنّ الله قال في القرآن {ولكنّ أكثرَ الناسِ لا يؤمنون}-سورة هود/17- وقال {ومآ أكثر الناسِ ولو حرَصتَ بمؤمنين}-سورة يوسف/103- فكيف إذا قالوا لكم أوردوا عليكم هذه الآيات وتلك المسئلة في قضية الشياطين مع كل هذا كيف تقولون مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب؟
الجواب عن ذلك ما قاله الله في القرآن {ومآ يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلا هو}-سورة المدثر/31- الملائكة من حيث العدد أكثر من الإنس ومن الجن المؤمن ومن الشياطين الكافرين وأكثر من أوراق الشجر وأكثر من حبات الرمال في الفلَوات والسهول وشواطىء البحار وأكثر من الحصى وأكثر من قطرات الماء.
{واللهُ يضاعفُ لمن يشآء}-سورة البقرة/261- في قضية الحسنات وأما السيئات فلا تُضاعَف.
وقال الحافظ السيوطي رضي الله عنه وأرضاه إنّ الملائكة الذين هم حول العرش عددُهم أكثر من الملائكة الذين يسكنون السموات السبع، إذا كان هؤلاء فقط الذين حول العرش.
وليس هذا فقط بل قال بعض العلماء الإنس والجن والبهائم والحصى وأوراق الشجر وقطرات الماء والرمال كنقطة في جنب البحر المحيط بالنسبة للملائكة وقال بعضُهم كعُشر العشر، هذا معنى إن رحمتي سبقت غضبي مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب، فالجنة من مظاهر الرحمة ومضاعفة الحسنات من مظاهر الرحمة والملائكة من مظاهر الرحمة، وهذا بلا شك أكثر بمئات الملايين الملايين المرات من الشياطين ومما ذكرنا، هذا معنى الحديث.
وهناك فائدة ثانية فيه وهي أنّ هؤلاء الوهابية الذين يقولون إنّ اللهَ بذاتِه على العرش يقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث “إنّ فوقَ العرشِ كتاب كتبَ اللهُ فيه إنْ رحمتي سبقت غلبي” فأنتم أيها الوهابية ساويتم بين الله وبين ذلك الكتاب، أنتم أيها الوهابية يا من حُرمتم الفهم السليم والعقيدة الصحيحة جعلتم اللهَ كهذا الكتاب ساويتم بين الله وبين ذلك الكتاب، الرسول ما قال الله بذاته على العرش لكن قال فوق العرش كتاب فيه كتب اللهُ إن رحمتي سبقت غضبي.
أليس وردَ في حديث آخر رواه الضياءُ المقدسي أنه صلى الله عليه وسلم قال [نزلَ من كتابٍ فوقَ العرش آخر آيتين من سورة البقرة {آمن الرسولُ}-سورة البقرة/285- هناك كتابان، كتاب كتب الله فيه “إنّ رحمتي سبقَت غضبي” وكتاب منه آخر آيتين من سورة البقرة، وتعالوا أيضًا لتزدادوا غيظًا يا وهابية أنّ من علماء التفسير والعقيدة قالوا إنّ اللوح المحفوظ فوق العرش أيضًا، هذا على قول، فعلى هذه الأقوال وهذه الأحاديث صار يوجد ثلاث أشياء فوق العرش: اللوح المحفوظ، كتابٌ منه نزلَ آخر آيتين من سورة البقرة، كتابٌ كتبَ اللهُ فيه “إنّ رحمتي سبقت غضبي”، وأنتم تقولون الله بذاته فوق العرش، فهذه الكتب الثلاثة –لأنّ اللوحَ المحفوظ يُطلَق عليه كتاب من حيثُ اللغة أيضًا فقلتم هذه الكتب فوق العرشِ بذاتِها كما أثبت الرسولُ ذلك وتقولون الله بذاتِه على العرش، فهذه الكتب وهذا اللوح المحفوظ هم أمام الله أم خلفَه بزعمكم فوق العرش؟ إم عن يمينه أم عن شمالِه؟ أم هو دخلَ عليهم بالمساحة أم هذه الثلاثة دخلت عليه بالمساحة؟ أم هو أخذَ مساحة أكبر أم هم؟ أم هو أخذ مساحة أصغر أم هم على زعمِكم؟
وأيّ شىءٍ أجبتم من هذه الأجوبة على هذا السؤال تكفرون بالله العظيم، فإن قلتم هذه الكتب أكبر منه مساحةً جعلتموهُ حجمًا وإن قلتم هي أصغر جعلتموه شيئًا حقيرًا، وإنْ قلتم هي أمامَه أثبتّم له المسافة والتحيّز والحلول، وإن قلتم لا هي ليست أمامَه خلفَه فقد جعلتُموه كخلقِه يكون شيئًا أمامَك وشيئًا خلفَك، وهذا صفة الأجسام، فأين المهرب؟ ما هو جوابُكم؟ لا جوابَ عندكم، ستقولون بلا كيف، كيف بلا كيف وتقولون جسم وقاعد وجالس وتحيطُ به المخلوقات وساويتُم بينه وبين المخلوقات وتقولون بلا كيف؟ ما هذا التناقض؟
فأنتم صرتم كما قيل في المسلوب المضروب في عقله الذي يرى الشمس فيقول هذه ليست شمسًا هذه طنجرة بل أنتم أشد، فرقٌ كبير بين مَن يخلط بين الطنجرة والشمس لأنه خلط بين جسمين مخلوقين حجمين، أما أنتم يا بؤساء فقد خلطتم وشابهتم بين الخالق والمخلوق، فأنتم صرتم أضرب من المسلوب، هذا المسلوب إذا كان غاب عقلُه ما عليه ضرر في العقيدة أما أنتم ساويتم المخلوقَ خالقًا وساويتم الخالقَ مخلوقًا وقلتم إنه كخلقِه وهذا لا يقولُه مسلم فتعسًا وبؤسًا لكم لأنكم لم تعرفوا الخالق العظيم لم تؤمنوا بربِّكم الذي خلقكم فسوّاكم، لم تؤمنوا بالخالق الذي أنزل القرآن وفيه قال {ليس كمثله شىء}-سورة الشورى/11- وفيه قال {فلا تضربوا لله الأمثال}-سورة النحل/74- وفيه قال {هل تعلمُ له سميًّا}-سورة مريم/65- وفيه قال {ولم يكن له كفُوًا أحد}-سورة الإخلاص/4- وفيه قال {الحمد لله ربّ العالمين}-سورة الفاتحة/2- وفيه قال {قلِ اللهُ خالقُ كلِّ شىء}-سورة الرعد/16- وفيه قال {سبحانَ الذي أسرى}-سورة الإسراء/1-
أنتم كذّبتم كل هذه الآيات فجعلتم اللهَ عديلًا للوحِ المحفوظ وجعلتم اللهَ عديلًا لذلك الكتاب الذي منه نزل آخر آيتين من سورة البقرة، وأنتم جعلتم اللهَ عديلًا لذلك الكتاب الذي فيه كتب الله “إنّ رحمتي سبقت غضبي” أو تسبقُ غضبي، ما هو جوابُكم ولا نريدُكم أن تجيبوا أصلًا ولا نريدُكم أنْ تتكلموا نحن لا نسألُكم لتُجيبوا بل نسألُكم لتبكيتِكم لترجعوا إلى الحق لتؤمنوا لتعتقدوا التوحيد والتنزيه وتخرجوا من التشبيه والتجسيم وتتخَلَّوا عن الكفر والضلال وتدخلوا في مذهب أهل السنة والجماعة بعد دخولِكم بالإسلام بالشهادتين لأنّ الذي جعلَ اللهَ عديلًا لمن يركب على الرحل فوق البعير كيف يكون مؤمنًا؟ الرحل هو ما يوضَع فوق البعير ليُجلَسَ عليه.
لما الواحد يطلع على البعير ويقعد عليه على الرحل ويطلع خلفَه يقولون أردف خلفَه الفضل أو أردف خلفَه أسامة وهذا في الصحيح، يعني هذا الذي جلس خلفَك على الرحل على البعير صار عديلًا لك في الجِلسة، صار مساويًا لك على البعير، أنتم جعلتمُ اللهَ عديلًا مساويًا لمخلوقاتِه بل لم تفرّقوا بين الخالق والمخلوق، أنتم كما قال السبكي رضي الله عنه قال في زعيمكم الحراني “جاء بضلالةٍ لم يُسبَق إليها جعلَ الأزليَّ حادثًا والحادثَ أزليًّا” هذا حالُه وشأنه.
هذا الحديث الشريف دليل أنّ الله لا يسكن ولا يجلس على العرش وأنّ الله موجود بلا مكان ولا يقال أنّ الله موجود بذاتِه فوق العرش كما تقولون ولا يقال بذاتِه في السماء كما تزعمون، بل يقال {الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5- فسّرتها الآية الثانية {وهو ربُّ العرشِ العظيم}-سورة التوبة/129- يعني خالقُ العرشِ وقاهرُه مُتصرِّفٌ فيه كما يريد، {الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5- أين قال جلس بزعمِكم؟ والله ما قال ولا أراد جلس وإلا جعلتم الخالقَ مخلوقًا، كلمة استوى في لغة العرب لها خمسة عشر معنى كما شرحنا في رسائل الإمام الهرري في شرح الصفات الثلاث عشرةَ وفصّلنا في كلمة استوى وجئنا بالأدلة والأمثلة، الآن أذكر لكم مثالًا واحدًا.
المخلوق الذي يفهم عربي وإنكليزي ويوناني وتركي وكردي وغيرها من اللغات إذا قيل أمامَه استوى القمرُ بدرًا هل أحد يظن أنّ القمر نزل من الفضاء وجلس على الكنباية في الصالون؟
لو أتيتم بواحد معتوه ولا يفهم لغة من لغات الأرض وقلتم أمامَه استوى القمرُ بدرًا هل يظنّ أو يعتقد أو يخمّن القمر نزل وقعد على الكرسي وعلى الكنبة؟ لا أحد يظن هذا مع أنّ القمر جسم مخلوق له بداية ويتغيّر ويظهر ويغيب ويضعف ويقوى ولا يُظَنّ فيه أنه يجلس فكيف تظنون من كلمة {الرحمن على العرش استوى}-سورة طه/5- وهو أزلي أبدي ليس مخلوقًا ليس جسمًا ليس حجمًا لا يتغير لا يتبدل لا يوصَف بصفةٍ من صفاتِ خلقِه، كيف اعتقدتُم فيه أنه يجلس ونفيْتم الجلوسَ عن الجسم الذي هو قمر؟ والله هذا من عجائب الدهر، تنزّهون القمر عما لا تنزّهونَ اللهَ عنه.
الحاصل استوى ليس جلس {الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5- لو كان جلس أين التمدّح في ذلك؟ إذا كان استوى يعني جلس يعني يقول عن نفسه ضعيف محتاج بزعمِكم ويحتاج للكرسي ليقعد عليه، فهمتم أم بعد؟ أين يكون التمدّح في ذلك؟ لكنْ لما كان استوى في حق الله كما في الآية {وهو الواحدُ القهّار}-سورة الرعد/16- كما في الآية {وهو ربُّ العرشِ العظيم}-سورة التوبة/129- وكما في الآية {فعّالٌ لما يريد}-سورة البروج/16- كان في الآية مدحًا وتمدُّحًا له سبحانه، هذا معنى {الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5-.
مَن أفهم أنتم أم سيدنا عليّ أمير المؤمنين باب مدينة العلم رضي الله عنه يقول “إنّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لذاتِه ولم يتّخِذْهُ مكانًا لذاتِه”
مَن أفهم أنتم أم سيّدنا الشافعي؟ الشافعي يقول “مَن اعتقد أنّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر” هذا حكم الشافعي إمام السلف فيكم أنتم يا مَن تقولون أنكم سلفية وأنتم لستم كذلك لا زمانًا ولا مُعتقَدًا، كيف يكون معنى استوى جلس والشافعي يقول عمّن قال عن الله جلس كفر؟ يعني الشافعي يكفِّر نفسَه والخلف والسلف والتابعين لأنهم فسّروا استوى بجلس كما تزعمون؟ كيف هذا؟ هذا لا يقولُه مسلم ولا عاقل، الشافعي إمامٌ في اللغة في الفقه في التفسير في الأصول في العقيدة إمامٌ بكل الفنون قال “مَن اعتقدَ أنّ اللهَ جالسٌ على العرش فهو كافر”
السلف ما فسّروا استوى بجلس بل بما قاله الشافعي الذي قال “البارىءُ تعالى لا مكانَ له” وقال “المجسّمُ كافر” من أين جئتُم أنتم الرحمن على العرش استوى يعني جلس؟ معناه تقولون هو محتاج ضعيف عاجز مخلوق كما الكرسي مخلوق أنا تعبتُ وأريد أن أجلس على الكرسي كما تتعبون، هذا يقوله اليهود المجسمة يقولون تعبَ فاستلقى على قفاه على العرش ليرتاح، أما الله يقول {ليس كمثلِه شىء}-سورة الشورى/11- لما تقولون يتعب وجلس كذّبتم {ليس كمثله شىء}-سورة الشورى/11- استوى وليس جلس.
استوى القمر بدرًا ولا تقبلون أنْ يكون القمر جلس على رؤوسِكم ولا على الكرسي ولا على الكنبة، فإذا كان هذا المخلوق لا تقبلون أنْ تكون استوى بحقه بمعنى جلس كيف تقبلون استوى في حق الخالق بمعنى جلس؟ ولو كان الله أراد بالآية {الرحمنُ على العرش استوى}-سورة طه/5- جلس لكان ذمًّا ووصفُه بالعجز والاحتياجية والضعف والمغلوبية وهذا ينافي صفات الإله وينافي الفصاحة والبلاغة التي نزل بها القرآن.
أجيبوني عن هذا السؤال الله أنزل هذه الآية متمدِّحًا مُعظِّمًا نفسَه مبيِّنًا أنه القاهر القادر الغالب المتصرّف في الكونِ والعالم كما يريد أم ليُبيِّن أنه محتاج ضعيف عاجز يقعد على الكرسي؟ هذا هو انتهى الموضوع الذي يفهم يفهم والذي لا يفهم لو علّقوا له مكتبة في رقبته وجرّوه وإياها لن ينفع، {أم على قلوبٍ أقفالُها}-سورة محمد/24-
والحمد لله رب العالمين