مجلس كتاب سمعت الشيخ يقول” -86
التقوى ونعيم التقي- المودة والمحبة بين الخلفاء الأربعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدِنا محمد وآل بيتِه ومَن والاه
يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى وغفر له ولوالديه ومشايخه
الدنيا لا تُغني من الآخرة
*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: فعليكم بتقوى الله وذكر الآخرة وذكرِ الموت، قال الله تعالى {قل متاعُ الدنيا قليل والآخرةُ خيرٌ لمَن اتّقى}-سورة النساء/77– (في الأول قال عليكم بتقوى الله ثم في الآية {والآخرةُ خيرٌ لمن اتّقى}-سورة النساء/77- هذه الكلمة الشريفة المباركة التقوى واتّقوا الله واتّقِ الله وعلينا بتقوى الله وخيرٌ لمَن اتقى كثيرًا ما نسمعُ هذه الكلمة المباركة، لكنْ البعض بسبب الجهل يظنّ أنّ التقوى مجرد أنْ يذهب إلى الحج مرةً في العمر أو إذا كان غنيًّا مرةً في كلّ عام، وبعضُهم يظن أنّ التقوى هي مجرّد أنْ يُحسنَ للفقير أو يعطي اليتيم أو الأرملة، وبعضُهم يظن أنّ التقوى أنْ يبَرَّ أمّه ويملأ لها جيبَها، وبعضُهم يظنّ أنّ التقوى مجرّد أنْ يصومَ ويصلي، وكل هذا الذي ذكرناه ليس هو مجرد التقوى بل هو من التقوى يعني هو عملٌ من جملةِ معاني التقوى.
التقوى مِنْ حيثُ التعبير واللفظ هي عبارةٌ خفيفةٌ على اللسان لكنّها عند العمل تحتاج إلى مجاهدةِ نفس. إذا قلنا لإنسان اتّقِ الله يعني أدِّ الوجبات واجتنِب المحرمات، تقوى الله أداء الواجبات واجتناب المحرّمات، وأداء الواجبات واجتناب المحرّمات لا يستطيع الإنسان أنْ يصل إلى ذلك ولا يعرف ذلك إلا بالعلم عليه أْن يتعلم ليعرف معنى التقوى، وبالعلم يدخل في معنى التقوى وبالعلم كيف يتّقي الله وكيف يؤدّي الواجبات ويجتنب المحرمات، هذا معنى التقوى وهكذا تكونون أتقياء وبهذا يتّقي الإنسانُ ربَّه.
أما إن اكتفى بعملٍ من أعمالِ التقوى وترك البقية لا يصير تقيًّا، إذا عمل كل هذا الذي ذكرْناه لكنْ ترك تعلّم الفرضَ العيني لا يصيرُ تقيًّا، التقوى معناها ملازمة الواجبات واجتناب المحرّمات.
فأنت بهذا تصل إلى التقوى تكون قد اتّقيْتَ ربَّك، التقوى أداءٌ للواجبات واجتنابٌ للمحرّمات ومن جملة الفرائض التي لا بدّ ليصل الإنسان إلى التقوى أنْ يعمل بها ويقوم بها ويؤديَها أنْ يتعلم الفرض العيني فإنه إنْ ضيّعَ الفرضَ العيني لو عاش إلى ألف سنة يصوم ويصلي ويزَكي ويوزع أموالًا كالجبال لا يصيرُ تقيا لأنه لم يتعلم الفرض العيني.
لذلك لا بد لنا أنْ نؤديَ الفرائض والسنن والطاعات والعبادات على وفق الشرع الشريف وهذا يكون بالعلم، لذلك قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [طلبُ العلمِ فريضةٌ على كل مسلم]
فالتقوى ليس بمجرد أنْ يكونَ الإنسان حافظ على الصلوات الخمس والتقوى ليست بمجرد أنْ تحملَ مسبحة وتقرأ الأذكار والأوراد، التقوى ليس مجرد أنْ تتردد إلى مساجد البلد تصلي الصبح في مسجد والظهر في مسجد ءاخر، كل هذا من الطاعات والعبادات والحسنات والخيرات والبركات لكنْ لا يكونُ الإنسانُ تقيا إلا بالعلم والعمل يتعلم الفرض العيني يؤدي الواجبات ويجتنب المحرّمات، إذا وصل إلى هذه المرتبة {والآخرةُ خيرٌ لمَن اتّقى}-سورة النساء/77- هذا الذي يصل إلى التقوى يرى إكرامًا عند الموت وبعد الموت وفي القبر وبعد البعث من الموت وفي مواقف القيامة وفي الجنة إلى غير نهاية.
فبالتقوى تأتيك ملائكة الرحمة عند الموت إذا صرتَ تقيا صالحًا يقعد خمسمائة ملَك حول هذا الولي الصالح والنور يخرج منهم وجوهُهم كالشموس كالأقمار يبتسمونَ إليه فإذا رآهم امتلأَ فرحًا وسرورًا وأنْسًا، ثم إذا جاء عزرائيل عليه السلام وهو ملَك الموت ومن رؤساء وسادات الملائكة عليهم السلام، بعض الجهال يقولون عزرائيل ليس اسمًا لمَلك الموت يقول هو اسمُه عبد الرحمن، هذا جهل، نحن كلّنا عبيد للرحمن وحتى الملائكة عبيد لله لكنْ كثيرٌ من العلماء نصّوا على أنه عزرائيل منهم السيوطي وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط وفي عدد من التفاسير عند قول الله تعالى في سورة السجدة {قل يتوَفّاكم ملَكُ الموتِ الذي وُكِّلَ بكمْ}-سورة السجدة/11-
قالوا هو عزرائيل، وممن ذكره بالاسم أيضًا صاحب الشفا القاضي عياض وكثيرٌ من العلماء، إن كان من علماء شروح العقيدة والأصول والتوحيد وممن اشتغلوا في التفسير ممّن ألّف فيما يتعلق بالملائكة وعندنا أسماء كثيرة على مَنْ نصّ على أنّ ملَك الموت اسمُه عزرائيل.
بل بعض العلماء استدلَّ على ذلك بحديثٍ رواه الحافظ البيهقي في البعث والنشور في بعض النسخ المخطوطة التي اطّلَع عليها الشيخ رحمه الله رحمة واسعة، وبعض العلماء أيضًا قال عند الحافظ الطبراني في الطوالات وكثير من العلماء نصوا على أنّه عزرائيل لكنْ يغلب اليوم على مشبهة العصر ومشايخِهم في مؤلَّفاتِهم يُنكِرون يقولون ما وردَ أنه عزرائيل مَنْ قال هو عزرائيل، هو عبد الرحمن، لا، ورد أنه عزرائيل عليه السلام.
فالحاصل عزرائيل الذي هو ملَكٌ عظيمٌ كريم، بعض الناس إذا مات لهم مَنْ يحبون أو مات لهم قريب يشتُمون عزرائيل، هذا خروجٌ من الإسلام، الله قال في القرآن في سورة النساء {ومَنْ يكفر باللهِ وملآئكتِه}-سورة النساء/136- في سورة السجدة {قل يتوفاكم ملَكُ الموت}-سورة السجدة/11- هو ملَك ليس جنيًّا ليس ظالمًا مُعتديًا حاشاه، هو من رؤساء الملائكة فمن سبّ عزرائيل فليس من المسلمين.
الله يقول {ومَن يكفر باللهِ وملآئكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخر فقد ضلَّ ضلالًا بعيدًا}-سورة النساء/136-
وبعض الناس والعياذ بالله يسبّونَه، فمَنْ سبَّ عزرائيل أو جبريل إو إسرافيل أو الملائكة جملةً أو واحدًا منهم هذا ليس من المسلمين.
عزرائيل عليه السلام هو بالنسبة للكفار إذا دخل عليهم يرتعبون منه يفزعون يخافون قلوبُهم تكاد تتمزق من الفزع والخوف، لكن الأتقياء الصلَحاء إذا دخل عليهم الله يُثبِّتُهم.
الله قال في القرآن {يُثَبِّتُ اللهُ الذين ءامنوا بالقولِ الثابتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة}-سورة إبراهيم/27-
الأتقياء الأولياء إذا دخلَ عليهم عزرائيل عليه السلام لا يرتاعون لا يرتعبون لا يفزعون لا يخافون لا يضطربون إنما يدخل فيُسلّم عليهم، يا سعدَهم ويا هناهم ملَك الموت يسلِّم على هذا التقي الصالح الولي، بل بعض العلماء قال يقول له عزرائيل السلام عليك يا وليَّ الله.
تخيّلوا أنتم هذه الفرحة العجيبة التي تدخل إلى قلب الولي الصالح التقي قلبُه يمتلىء بالفرح والسرور بالأنس، ثم هذا الرجل الصالح إذا دخل عليه عزرائيل يستبشر لأنّ عزرائيل يدخل عليه ويبشّره ويقول له أبشر برحمةِ الله ورضوانِه، والملائكة حولَه يقعدونَ منه على مدى يعرف أنّ ما يستقبلُه من الأمور أنسٌ وسعادة فرحٌ وسرور ثوابٌ وبشائر، عند ذلك يحب أنْ يخرج من الدنيا بسرعة لا يحب أنْ يبقى في الدنيا بل يحب أنْ يموت، وهذا كله تكون ما خرجَت الروح، لكنْ بسبب هذه البشائر وتبشير عزرائيل له وأنه رأى هؤلاء الملائكة الذين هم كالشموس والأقمار حولَه وأمامه يضحكون له والنورُ يخرجُ منهم يستبشر فيعرف أنّ ما يستقبلُه من الأمر فيه خيرٌ له، وعندما يقول له عزرائيل أبشر برحمة الله ورضوانِه يحب أنْ يموت بسرعة لأنّ البشائر التي له في الآخرة أعظم مما في الدنيا من الملذات والنعيم، كل ملذات الدنيا من طعام وشراب وحلواء وعصير وثيابٌ فاخرة كلا شىء بالنسبة للحظةِ نعيمٍ في الجنة.
الرسولُ صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثالًا على ذلك، الإنسان لو نزلَ إلى الشاطىء ووضع إصبعَه في البحر ثم أرجعَه هذا البلل الذي عاد على هذا الإصبع ماذا يكون بالنسبة للبحر؟ كلا شىء، قال هكذا نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الجنة.
لو جمعنا الآن مثلًا سبعة آلاف رئيس وعشرة آلاف ملِك وسلطان ومائة ألف غني وتاجر كم يكون هؤلاء كلُّهم نعيمُهم الذي تنعّموهُ في الدنيا مجتمعًا؟ كل هذا كلا شىء بالنسبة لنعيم أقل مسلم في الجنة، نعيم الدنيا يتخلله نغص ومغص وهم وغم أما نعيم الآخرة لا يتخلله لحظة من الغم أوالهم أوالانزعاج أوالخوف والألم أو الجوع أو التعب، حتى ما يُزعج في التفكير والخاطر لا وجودَ له في الجنة.
ما يكون للتقي في الجنة أعظم بكثير من كل نعيم الأرض، كل ملوك وأغنياء الأرض كم تنعّموا وتمتّعوا؟ كلا شىء بالنسبة لِما يراه التقي في الجنة، لذلك يعرف أنّ ما في المستقبل في الآخرة له أعظم بكثير مما رآهُ في الدنيا.
كثير من الناس اليوم يعصُون الله يتركون الصلاة ويتركون العلمَ الواجب ويضيّعون الفرائض وصلة الرحم ويضيّعون فقط يعملون ليل نهار ليؤمّنوا مستقبل أولادِهم على زعمِهم، هل مستقبل أولادك في معصية الله؟ يقول أريد أنْ أرى مستقبلي صار عمري ثلاثون عامًا وما تزوجتُ بعد وما عندي بيت، مستقبلك أنْ تترك الصلاة وتعمل ستون عامًا لتعمّرَ منزلًا، والآخرة؟
المستقبل الحقيقي هناك، أنا لا أقول لك لا تعمل بالحلال واجمع بالحلال لكنْ لا تضيّع الفرائض والواجبات.
التقي يعرف أنّ ما يستقبله من النعيم في الآخرة لا مثلَ له في الدنيا من النعيم، فالمستقبل الحقيقي في الجنة.
هذا الصالح التقي عند الموت يفرح فرحًا عظيمًا، تقول لي نحن نراه وهو يتألم ويتوجّع، أقول لك نعم الصلَحاء والأتقياء والأنبياء يُشَدَّد عليهم عند الموت ليس لأنهم هيّنونَ عند الله حاشى، ليس لأّنّ اللهَ تعالى يُبغِضُهم حاشى، التقيّ والولي والنبيُّ عند الموت يُشَدَّدُ عليه رفعةً له في مقاماتِه، هذا الآن صار في إقبالٍ على الآخرة وإدبارٍ عن الدنيا بقي عنده إما لحظة أو لحظات، إما ساعة أو ساعات إما يوم أو أيام إما شهر أو أشهر فيُشَدّد عليه الألم وسكرات الموت ليَرتفعَ مقامَه أكثر وأكثر وأعلى وأعلى في الجنة.
لذلك أخبرَنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لَيُشَدَّدُ على التقي عند الموت، أليس هو نفسُه صلى الله عليه وسلم [إنّ للموت سكرات اللهم أعنّي على سكرات الموت] ويضع يده صلى الله عليه وسلم ويمسح على وجهِه الشريف من شدةِ آلام سكرات الموت هذا فيه رفعةٌ لمقامِهم لدرجاتِهم في الجنة والآخرة، لأجل هذا، الدنيا ليس لها قيمة عند الله.
فالأتقياءُ الصلحاء هذا حالُهم عند الموت لكنْ لهم البشرى، الله يقول في القرآن {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}-سورة يونس/64-
فإذًا هؤلاء يروْنَ هذا الإكرام والنعيم ثم يبدأ الملَك بسحب الروح من الجسد، والتقي يشدّد عليه لكنْ رفعةً له في مقاماتِه هو له منزلة عالية وبهذا الصبر تعلو هذه المنزلة أكثر فأكثر يأخذ أجرًا ونعيمًا حسنات أكثر فأكثر لأجلِ هذا، ثم إذا أخرجَ الملَك عزرائيل عليه السلام روح هذا التقي الصالح من جسدِه لا تتركُها ملائكة الرحمة في يد عزرائيل طرفةَ عين، عزرائيل له أعوان يُعاونونَه، يعني ملائكة الرحمة يستقبلون هذه الروح الطاهرة يأخذونَها من يدِ عزرائيل ويكون معهم منديل –خرقة- من الجنة من حرير يلفّونَ فيها روح هذا الولي الصالح ويطيرونَ به، يا سعدَه، ثم تستقبلُه الملائكة في كل سماء وينادونَه بأحبّ الأسماء إليه ويرى الإكرام والبشائر إلى أنْ يصلوا به إلى السماء السابعة، في السماء السابعة يوجد ديوان تُسَجَّل فيه أرواح أهل السعادة، أرواح الأتقياء الصلحاء والأولياء، أهل هذا الإنسان في الأرض يُهيئونَ الجسد للدفن من تغسيل وتكفين ثم يصلون عليه ويمشون به إلى القبر تأتي ملائكة الرحمة ومعهم هذا الروح ويطيرونَ به فوق النعش، الناس لا يروْن ولا يسمعون، ثم هذا الروح يقول للملائكة قدّموني قدّموني لأنّه يعرف أنّ في القبر والآخرة له نعيم وبشائر وخيرات فلا يكونُ مرتاعًا بعد أنْ قُبض، ثم إذا وُضعَ الجسد في التراب وردَّ عليه التراب وسُوِّيَ تعود الروح إلى الجسد حقيقةً، هذا أمرٌ يجب الإيمان والتصديق به حقًّا وصدقًا لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر عن ذلك وهذا إجماع، وأحاديث هذه القضية أثبتَها السيوطي والنووي وكثير من العلماء وقبلَهم كتب السنة المشهورة لكنْ هؤلاء تكلموا بتوسّع في إثبات هذه القضية.
فالحاصل عَوْدُ الروحِ إلى الجسد في القبر ثم يعود إليه الإحساس والشعور. سيدنا عمر سأل الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي عندما تكلم الرسول على عوْد الروح إلى الجسد والسؤال، قال: تعود إلينا عقولُنا؟ قال نعم، قال: كهيئتِنا اليوم؟ قال: نعم كهيئتِكم اليوم، معناه تعود الروح إلى الجسد حقيقة ويعود الإحساس والشعور لهذا الإنسان في القبر ثم يسمع قرعَ نعالِهم إذا انصرفوا عنه من الأهل والأصحاب ثم يأتيه مُنكر ونكير حتى للتقي حتى للصالح للولي.
وتعرفونَ ما وردَ في صفاتِ منكر ونكير في الأحاديث الثابتة من اللون الأسود الأزرق من الحجم من المنظر الذي يرتعب منه الكفار لكنْ التقيُّ الله يثَبّت قلبه {يُثَبّتُ اللهُ الذين ءامنوا بالقولِ الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}-سورة إبراهيم/27- هؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، الله يثبّتُهم فيراهُما الإنسان الصالح التقي لكنْ لا يمتلىءُ رعبًا قلبُه لا يتمزق من الفزع والخوف لا، الله يثبّتُه، فيقولانِ له ماذا كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ محمد؟ وكلمة في هذا ليس معناها أنّ النبيّ يكون معهما تلك اللحظة في القبر إنما هذا سؤال عن النبي الرسول محمد المقصود بهذه الكلمة، فيجيب لا يحصل له ما يحصل للكافر ولا ما يحصل للمسلم الفاسق أهل الكبائر، اللهُ يثبّتُه فيقول: هو عبدُ الله ورسولُه بُعثَ فينا وجاءَنا بالهدى والبيّنات فآمنّا به وصدّقْناه واتّبَعْناه، لا يخاف لا يفزع، فيقولانِ له: إنا كنا نعلم أنك تقولُ هذا انظر إلى مقعدكَ من النار أبدَلكَ اللهُ به مقعدًا من الجنة ثم يُفسَح له في قبرِه، بعض الأولياء والصلحاء مدّ بصرِه وتأتيه رائحة الجنة، من اللذة التي لهذه الرائحة لا يوجد لها مثيل في الدنيا.
اليوم الناس على أيّ شىءٍ يقتتلون في الدنيا؟ على الزعامة؟ هذه الزعامة كلا شىء بالنسبة للذةِ شمِّ رائحة الجنة، ما اللذة التي تعمل حرب عليها في الدنيا لتحصّلَها؟ تتزوج امرأة جميلة؟ قد تبقى عندك لتكبر في السن قد تتشوه قد يذهب جمالها، في بعض الحالات أنت نفسك لا تقترب منها لها أوضاع خاصة وحالات، هذه الدنيا.
مثل الطعام الشهي تشتغل تتعب تسافر تتاجر تجلب المال تأخذ زوجتك المال تنزل إلى الأسواق تدور وتتسوق وتدخل المطبخ، تحضير وتهيئة ونار ليجهز الطعام، صار طعامًا يُشتهى، انظر إليه بين أضراسك وأسنانِكَ قبل المضغ كيف يكون وبعد المضغ كيف يكون ثم يخرج منك قذرًا مُنتِنًا تعافُه الأنفُس، بل إنّ براز الإنسان تعافُه الأنفس أكثر مما تعاف روْث الغنم الغنم والبقر والبعير.
رأيتم متاع الدنيا ونعيمها وملذاتها إلى أين؟ تعرفون هذا المعنى وارد في الحديث؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إنّ اللهَ تعالى ضربَ مطعمَ ابنِ آدمَ مثلًا للدنيا فهو وإنْ قزَحَه وملَحَه فانظرْ إلى ماذا يصير]-رواه ابن حبان-
الدنيا إلى خراب البناية إلى دمار سيارة تحترق تخرب الثياب إلى المزابل، هذه الدنيا، على ماذا كنتَ تقاتل لتحصّل ملذات الدنيا، شهوة النساء؟ انظر النتائج، شهوة الطعام؟ انظر النتائج، شهوة السيارة؟ انظر النتائج، شهوة القصر والبيت والبناية؟ انظر النتائج، شهوة الزعامة؟ ماذا تعمل لك الزعامة؟
العبرة أنْ تنظر إلى حقيقة الدنيا فتتّعظ وتعتبر، لذلك ينبغي على الإنسان العاقل أنْ يعمل ليصيرَ تقيًّا.
هذا التقي الصالح يوَسَّع عليه مدّ البصر، بعض الأتقياء والأولياء مد البصر، رائحة الجنة التي تأتيه إلى القبر كل أنواع عطور أهل الدنيا كلا شىء بالنسبةِ لرائحة الجنة الطيبة الزكية العظيمة التي هي من أعظم أنواع النعيم.
تصوّروا أنتم هذا القبر بهذه الرائحة من الجنة تأتيه أنوار تتلاطم في قبرِه، أما هنا وأنت في القصر انقطعت الكهرباء شغّلوا الموتور خلص البنزين تكت الساعة احترق الموتور والناطور، هذه الدنيا، أما في الجنة لحظة واحدة فيها تلذذ وتشم رائحة الجنة أعظم من كل ملذات الدنيا التي تحصّلها من طعام وشراب وعطور فرنسية وإنكليزية وغيرها.
حتى العطر الذي يتفاخر به بعض الناس يقول عطر فرنسي، الغالية أجمل، ماذا يعني عطر سويسري؟ هذه الدنيا، أما الجنة يعيش فيها إلى أبد الآبدين بلا تعب ولا بؤس ولا زعل ولا انزعاج ولا غم ولا هم… لا تخرج منه رائحة عرق مُنتِنة، تقول لي أليسوا يأكلون ويشربون ماذا يصير بالجسد؟ أين يذهب كل هذا؟ نعم يأكلون ويشربون لكن لا بول ولا غائط وهذا الطعام والشراب الذي يأكلونَه في الجنة ويتلذذون، الله يقول في القرآن {كلوا واشربوا هنيئًا}-سورة الطور/19-
هذا الطعام والشراب يأكلونه ويشربونَه حقيقة ويتلذذون ولا يتحوّل إلى غائط ولا إلى بول لأنّ الجنة ليس فيها بول ولا غائط ليس فيها مُستقذَرات ولا نجاسات، لا مخاط ولا ما تعافُه الأنفس، هذا الأكل والشرب يتحوّل إلى شىء يخرج من مسام أبدانِهم في الجنة لا رائحة جميلة جدا كرائحة المسك.
تخيّلوا هذا المنظر العظيم في القبر يُفسَح له على مد بصرِه تأتيه أعطار وأنوار من الجنة، يرى من النعيم ما لا يستطيع الإنسان في الدنيا أنْ يستحضر ويشعر بذلك تمامًا حقيقة كما يشعر به الولي في القبر. نحن الآن نتكلم كلامًا، الطفل الذي ولدَ أعمى وعاش وبقي أعمى إذا قلت له عن سبعين لون وجمال ألوان العصافير والهدهد والببغاء والطاووس هو لم ير الألوان بالمرة، وأنت تتكلم له عن جمال الألوان وهو ما رآها.
وأنا الآن أتكلم عن نعيم المؤمن التقي الولي الصالح في القبر بالآيات بالأحاديث بالأخبار لكنْ نحن لا نحس الآن لا نشعر كما يحس الولي التقي الصالح في قبره، الله يرزقني ذلك وإياكم جميعًا أنْ نحس ويحصل لنا ذلك في القبور وأن نكون من أهل هذا النعيم في القبور وفي الآخرة.
{والآخرةُ خيرٌ لمَن اتّقى}-سورة النساء/77- هذه الدنيا كما ورد معنا متاعها قليل، في القرآن {قل متاعُ الدنيا قليل}-سورة النساء/77-
جاء واحد لعند سيدنا أبي بكر الصديق، هذه القصة فيها فائدة من ثلاث جهات، جهة عن عظيم صفات وأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعن حبّ الصحابة لبعضِهم، والجهة الثالثة عن حقيقة نعيم الدنيا، روى الفقيه البرزنجيُّ الشافعي رحمه الله أنّ يهوديا جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وأبو بكر هو أفضل ولد آدم بعد النبيين وأفضل أولياء البشر على الإطلاق وأبو بكر أول مَنْ يدخل الجنة بعد النبيين، أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فضائلهُ لا يُحصيها إلا الله، قال اليهودي لأبي بكر رضي الله عنه: صف لي أخلاق محمد، قال أبو بكر رضي الله عنه: اذهب إلى عمر، انظروا إلى تحسين الظن والرابط الذي بينهم والعلاقة وأنْ يُحيلَ الواحد منهم على أخيه من الصحابة هكذا كانوا مُتَوادّين فيما بينَهم، فجاء اليهودي عند عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال له: صف لي أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: اذهب إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وسيدنا علي باب مدينة العلم، انظروا إلى المحبة والمودة بينهم، وهكذا مع عثمان وإنْ كان ليس مذكورًا في القصة لكن كانوا يحبون بعضهم وصاهروا بعضهم وكانوا يصلون وراء بعض، تخيّلوا مثلًا سيدنا علي قريب الخمس والعشرين سنة يصلي الصلوات الخمس وصلوات الأعياد والجُمَع والجماعات خلف أبي بكر وعمر وعثمان، وعمر صلى خلف أبي بكر وعثمان صلى خلف عمر وعلي صلى خلف عثمان، وسيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه زوّجَ ابنتَه من عمر أم كلثوم بنت علي، أمها فاطمة وأخواها الحسن والحسين جدها الرسول صلى الله عليه وسلم جدتها خديجة الكبرى زوجها عمر بن الخطاب، انظروا هذه القرابة وهذا المصاهرة.
تخايلوا أنّ فاطمة هي حماة سيدنا عمر يعني كان يستطيع مصافحتها وتقبيلها وينظر إلى شعرها.
سيدنا علي زوّجَه إياها بعد مشاورة الحسن والحسين فوافقا عليه وجاءه منها ولد سماه زيد بن عمر بن الخطاب.
بعض المراجع عند غير أهل السنة في كتاب لهم يقولون: باب مَنْ لا يرثُ أمَّه ويذكرون قصة أم كلثوم بن علي وابنُها زيد، لأنهما ماتا في ساعة واحدة لا يُعرَف مَنْ مات قبل.
بعض الحمقى قال لا هذا ليس ابن عمر لأنها كانت ممنوعةً عليه هناك حاجز معنوي لا يستطيع أنْ يصل لها، فكيف يأتيه منها ولد؟ قال له واحد: يعني يا خبيث أنت تتهم أم كلثوم بنت علي حفيدة الرسول بالزنا؟ إذا كان عمر ما قرب منها زيد من أين أتى؟ ؟؟؟؟
إذًا لا بد أنّ عمر دخل عليها، اسمه زيد بن عمر بن الخطاب أمه أم كلثوم بنت علي وفاطمة أخت الحسن والحسين.
زيد بن عمر كان لقبه “ذا الهلالين” يعني والده عمر وجده علي، أيُّ محبة هذه؟ كيف سيدنا علي أرسل ابنَته لعنده ليراها فرآها ووافق أنْ يتزوجها، تطعنون في شرف وعرض علي؟ حاشى وكلا، لولا أنّه يراه وليا صالحًا طيبا مباركا كيف زوّجه ابنتَه؟
النبي محمد متزوّج عائشة بنت أبي بكر، النبي محمد متزوج حفصة بنت عمر، النبي محمد زوّج ابنتيْه لعثمان بن عفان، ماتت الأولى زوّجه الثانية رقية وأم كلثوم، النبي محمد زوّج ابنتَه لعلي بن أبي طالب، على بن أبي طالب زوج ابنتَه أم كلثوم من عمر بن الخطاب وكان يصلي وراءهم خمس وعشرون سنة الأعياد والجُمع والجماعات هذا دليل محبة.
عمر رضي الله عنه كان يقول “ويلٌ لمُعضِلةٍ ليس لها أبو حسن” وعلي كان يقول “إنّ اسمَ الصدّيقِ أنزلَه اللهُ من السماء على لسان محمد” لأنّ الأمة أجمعت على تسميتِه بالصدّيق بعد حادثة الإسراء والمعراج.
علي بن أبي طالب يقول “كيف لا نرضى لدنيانا مَنْ رضيَه رسولُ اللهِ لدينِنا” في أمر الخلافة لأبي بكر.
روى الحافظ السيوطي عن علي بن أبي طالب يقول “لقد مرض النبي وأنا حاضر لستُ غائبًا صحيح لستُ مريضًا وقدّمَ أبا بكرٍ للصلاة عليّ” هذا قول علي
الآية تكفينا {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللهُ عنهم ورضُوا عنه}-سورة التوبة/100- ربُّنا يُخبِرُنا أنه راضٍ عنهم أنت ماذا تريد منهم أيها الثرثار الخبيث الذي تطعن في عرض وشرف علي وفي عرض وشرف الحسن والحسين وتطعن في شرف أم كلثوم بنت علي وفاطمة أخت الحسن والحسين حفيدة النبي وخديجة؟ كيف تطعن في عرضِهم وشرفِهم؟
ماذا قال عمر لليهودي؟ قال له: اذهب إلى عليّ بن أبي طالب، جاء اليهودي عند سيدنا علي، قال له: يا علي صفْ لي أخلاقَ، قال له سيدنا علي: صفْ لي متاع الدنيا –نصل إلى موضع الشاهد متاع الدنيا قليل وزائل- قال له اليهودي: ومن الذي يستطيع أنْ يصف نعيم الدنيا؟ قال له سيدنا علي: أنت لا تستطيع أنْ تصف لي متاع الدنيا والله يقول في القرآن {قل متاعُ الدنيا قليل}-سورة النساء/77- وتريد مني أنْ أصفَ لك أخلاقَ محمد واللهُ يقول {وإنك لعلى خلقٍ عظيم}-سورة القلم/4- انقطع اليهودي وأُلقِمَ الحجة انبهر بكّتَه، فقال اليهودي: أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسولُ الله، دخل في الإسلام بهذا الجواب المُفحِم.
رأيتم ما هو متاع الدنيا وما هي حقيقة الدنيا؟
يتبع…….