الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -81

 

                الأنبياء جاءوا بالإسلام ومعنى الفرق بين الشرائع

                               بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيّدي محمدٍ رسولِ الله وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَن والاه

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى وغفر له ولوالديه ومشايخه

                              الدنيا دارُ بلاء

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: اللهُ يُلهمُنا الصبر الدنيا دارُ بلاء، لو كانت الدنيا تخلو من البلاء كان الأنبياءُ لا يصيبُهم شىء لكنْ كان البلاءُ عليهم أكثر.

-)الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام هم أفضل خلقِ اللهِ على الإطلاق، هم أعلى العالمين رتبةً وأفضل المخلوقين وأفضل الإنس والجن والملائكة هم الأنبياء، يعني أفضل من الإنس وأفضل من الملائكة وأفضل من كلّ العالمين.

 لذلك قال الإمام الطحاويُّ رضي الله عنه ورحمه رحمةً واسعة في العقيدةِ المشهورة التي أطبقَ على مدحِها واستِحسانِها والثناء والإقبالِ عليها حفظًا ودراسةً وتدريسًا وشرحًا وتأليفًا ونظْمًا العلماء في الشرق والغرب من السلف والخلف.

قال رحمه الله في العقيدة الطحاوية “ونقولُ نبيٌّ واحدٌ أفضلُ منْ جميعِ الأولياء” وهذا هو الحقُّ الذي لا يصحّ غيرُه، يعني لا يجوز أنْ يقال أنّ فلانًا من الأولياء من البشر أفضل من آدم أو فلان من الأولياء من البشر أفضل من يوسف أو من إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، بل قائل ذلك ليس من المسلمين لأنّه كذّبَ القرآن، فلا يُفَضَّل وليٌّ من أولياءِ البشر على نبيٍّ من الأنبياء، وحتى لا يُفضَّل الملَك على الأنبياء، وحتى القولُ المُعتَمَد والصحيح أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة.

مَنْ فضّلَ وليًّا من أولياء البشر على نبيٍّ من الأنبياء ليس من المسلمين هذا كافر. مثلًا الذي يقول أبو بكر أفضل من آدم أو يقول عمر أفضل من نوح، أو يقول عثمان أفضل من داود، أو يقول عليّ أفضل من إبراهيم، هذا ليس من المسلمين، هذا كافرٌ بالله العظيم لأنّ اللهَ قال في سورة الأنعام {وكلًّا فضّلنا على العالمين}[الأنعام/٨٦]

كلّ نبي أفضل من كلّ العالمين ممّن سوى الأنبياء، لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعضُهم أفضل من بعض مثلًا أبو هريرة رضي الله عنه يقول “خِيارُ الأنبياءِ خمسة: محمدٌ إبراهيم موسى عيسى ونوح” عليهم الصلاة والسلام، فيكون أفضل الأنبياء والرسل على هذا الترتيب.

هؤلاء الأنبياء الخمسة الذين هم من أولي العزم يقال عنهم أفضل من إسحق مثلًا هذا ما فيه ضرر لأنّ هذا هو الحق والقرآن أثبت أنّ بعض الأنبياء أفضل من بعض.

اللهُ يقول في القرآن الكريم {تلك الرسلُ فضّلْنا بعضَهم على بعض}[البقرة/٢٥٣] فهذا التفضيل بما ثبت في الشرع حقٌّ ونقولُ به وهو مُعتمَدٌ وصحيحٌ ولا حرجَ ولا بأس به لكنْ بما ثبتَ في الشرعِ ليس  بأهوائِنا، وهذا لا يتعارض مع قولِه تعالى {لا نفرِّقُ بينَ أحدٍ منْهم}[البقرة/١٣٦]

أو {لا نفرِّقُ بين أحدٍ منْ رسلِه}[البقرة/٢٨٥] لأنّ معنى هذه الآية الثانية لا نفعل ما فعلَته اليهود والنصارى. اليهود تكذّب بنبوةِ عيسى وبنبوّةِ محمد عليهما الصلاة والسلام، النصارى لا تؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، أما المسلم يؤمن بمحمد وبعيسى وبموسى وبإبراهيم وبكل الأنبياء، هذا معنى {لا نفرّقُ بين أحدٍ منهم}[آل عمران/٨٤] يعني لا نكفرُ ببعضِهم لا نكذِّب ببعضِهم لا نُنكر نبوّةَ بعضِهم بل نؤمن بهم جميعًا.

وهذا لا يتعارض ولا يتنافى مع الآية التي ذكرْناها {تلك الرسلُ فضّلْنا بعضَهم على بعض}]البقرة/٢٥٣]

ثم إنّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أفضل من الملائكة وأفضل من أولياء البشر ومن أولياء الجنّ.

أفضل الخلق على الإطلاق هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والنبوةُ خاصةٌّ بذكورِ البشر، يعني لا يوجد في الملائكة أنبياء كما لا يوجد في الجنّ أنبياء وهذا القول الصحيح، إنما يوجد في الجن نُذُر جمع نذير، يعني الجن المؤمن يستمعون إلى نبيٍّ من الأنبياء ثم هم ينطلقون بهذه الدعوة إلى جماعاتِهم فيُبَلِّغونَهم، أما النبوة فهي في ذكور البشر.

الجن فيهم أولياء، الملائكة كلّهم أولياء لكنْ ليس فيهم أنبياء، وكذلك لا يوجد في النساء نبيّات لذلك قلنا في ذكور البشر. فإذا قيل لكم أليس هناك مَن قال بنبوةِ بعضِ النساء؟ يقال نعم لكنّه ليس مُعتمَدًا وهذا لم يرد في نصٍّ ثابت، ليس في الحديثِ الصحيح الثابت المتفق عليه أنّ هذه المرأة نبية، إنما هو قول بعض العلماء قال في النساء نبيّات، لكنْ هؤلاء النسوة التي قيل إنهنّ نبيّات لسن من أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم بل في الأمم السابقة، مثلًا بعض العلماء قال بنبوةِ حواء وهي ليست من أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، بعض العلماء قال بنبوةِ أمِّ موسى وهي ليست من أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، بعض العلماء قال بنبوةِ مريم وهي ليست من أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، بعض العلماء قال بنبوةِ سارة وبعضُهم قال بنبوةِ غيرِها من النساء، لكنْ هذا القول ليس قرآنًا وليس حديثًا ثابتًا صحيحًا.

بعض العلماء قال إنّ هناك خمسة من النساء نبيّات بعضهُم قال ستة، لكنْ هذا ليس المعتمَد ولكن مَنْ قال به لا يُضَلَّل ولا يُكفَّر لأنّهم ما قالوا مثلًا فاطمة نبية ما قالوا عائشة نبية، لا، إنما ذكروا نساء في الأمم السابقة الماضية وليات صالحات طاهرات مباركات بعضُ العلماء قال بنبوّتِهنّ.

أما في أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبيَّ بعدَ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك أجمعت الأمة على كفرِ مَن ادّعى النبوةَ بعد سيِّدِنا محمد صلى الله عليه وسلم أو صدّقَ مُدَّعيها.

رأيتم لماذا قلنا مَنْ قال بنبوةِ هؤلاء النسوة لا يُكفَّر؟ لأنّهن في الأمم السابقة الماضية، فمنْ قال بهذا القول لا يُكفَّر لا يُضَلَّل لكنْ يقال له هذا خلاف المُعتمَد.

فإذا قال لكم قائل لا يوجد في النساء نبيّات وهؤلاء النسوة بعض العلماء قال بنبُوَّتِهنَّ؟ يقال له هذا قولٌ لبعضِ العلماء والمفسّرين وليس نصًّا ثابتًا ليس نصًّا قطعيًّا صريحًا.

ثم لا يوجد في النساءِ أيضًا رسول لأنّ اللهَ تعالى قال  {وما أرسَلْنا مِنْ قبلِكَ إلا رجالًا نُوحي إليهم}[يوسف/١٠٩] لا يوجَد في النساء رسول.

فإذا قال قائل كيف لا نُكفِّر مَنْ قال بنبوةِ هؤلاء النسوة والآيةُ تقول {وما أرسلْنا مِنْ قبلِكَ إلا رجالًا نُوحي إليهم}[النحل/٤٣]؟ يقال لهم الآية نصّت على الرسالة ولم تنص على النبوّة فمَنْ قال بنبُوَّتِهنّ لا يُكفَّر لأنه لا يكون كذّب هذه الآية.

فلا يوجد في النساء رسول، فمَن قال بنبوةِ بعضِهنَّ من الأمم السابقة لا يُكفَّر ولا يكون كذَّب هذه الآية {وما أرسلْنا مِنْ قبلِكَ إلا رجالًا}[النحل/١٤٣]

الحاصل أنّ النبوة خاصةٌ بذكور البشر أي ببعض الذكور مَنْ اختارَهم اللهُ للنبوة ولا نعني كلَّ الذكور حاشى، إنما نعني مَن اختارهم الله للنبوة، وليس كل الذكورِ أنبياء حاشى، بل الكثير من الذكور كفار وفسّاق وفجار، إنما قول العلماء النبوةُ خاصةٌ بذكور البشر يعني النبي يكونُ ذكرًا، هذا مرادُهم ليس كل الذكور أنبياء هذا لا يقولُه عاقل ولا مسلم لأنّ الواقعَ والتاريخ يُثبت أنّ ملايين الذكور من البشر بين كافرٍ وفاجرٍ وفاسق وهؤلاء ليسوا أنبياء ولا يصيرونَ أنبياء، ثم لو كان كلّ ذكر نبيًّا من الأنبياء فهل يُبعَثُ النبيُّ  لنفسِه؟ لا.

فالحاصل مرادُه أنّ الأنبياء ذكور ولكنْ في الملائكة يوجد رسل وليس أنبياء، والدليل على ذلك من القرآن الله عز وجل يقول في بيانِ أنّ الملائكة فيهم رسل {اللهُ يصطفي من الملآئكةِ رسلًا ومن الناس}[الحج/٧٥] من الناس أي من الذكور الذين تكلّمْنا عنهم، هنا الآية صريحة، ومعنى الرسول في الملائكة مثلًا عندما نقول جبريل رسولٌ من رسلِ الملائكة –ويوجد غيره- معناه يُبلِّغ غيرَه من الملائكة أنّ اللهَ يأمرُكم بكذا وأنْ تفعلوا كذا اللهُ يأمرُكم أنْ تُنزِلوا المطر الله يأمرُكم أنْ تنزلوا إلى هذه القرية إلى هذه المدينة إلى هذه البلدة أنْ تفعلوا كذا أنْ تُهلكوا فلانًا أنْ تدمِّروا هذا البلد…. وهكذا يبَلِّغُهم أوامرَ اللهِ تعالى فيكون رسولًا إلى الملائكة أي يُبلّغَهم أوامرَ اللهِ عزّ وجل، هذا معنى الرسول من الملائكة عليهم السلام.

وتعريف النبي والرسول هنا نتكلم عن الذكور من البشر الذين اصطفاهم الله للنبوة والرسالة. الرسولُ هو مَنْ يأتي بشرعٍ جديد فيَنسخ شرع الرسول الذي قبلَه أو بعضَه.

الرسول لا ينسَخ أصل العقيدة، أصول الاعتقاد ليس فيها نسخ وهذا مُتفقٌ عليه بين كل الأنبياء والرسل إنما النسخ يكون في بعض الأحكام العملية مثل الطهارة الصلاة الزكاة الحج البيوع، في مثلِ هذا.

الله يقول في القرآن إخبارًا عن عيسى عليه الصلاة والسلام {ولِأُحِلَّ لكم بعضَ الذي حُرِّمَ عليكم}[آل عمران/٥٠] رجَعنا إلى أنه ينسخ بعضَ شرعِ الرسولِ الذي قبلَه.

ثم هناك أمور اتفَقَتْ عليه كل الشرائع، مثلًا تحريم القتل بغير حق، تحريم أكل الميتة، تحريم أكل ما ذُبحَ لغيرِ الله، مثلًا أنْ يُؤتى بالبقرة فتُذبَح تقرُّبًا للصنم للشيطان للشمس، هذا اللحم وهذه الذبيحة يحرُم أكلُها في كلّ الشرائع، الظلم تضييع الأنساب هذا ممنوع، الشرائع أمرَت بحفظ الأموال وحفظ الأنساب.

الحاصل هناك مسائل وقضايا اتُّفِقَ عليها في كلّ الشرائع إما أنّها واجبة وبعض الأمور أنها محرّمة، هذا متفقٌ عليه في كلّ الشرائع إنما الاختلاف يكون في بعض الأحكام العملية وليس في كلِّها كما في هذه الآية أنّ عيسى عليه السلام قال {ولِأُحِلَّ  لكم بعضَ الذي حُرِّمَ عليكم} ]آل عمران/٥٠]

يعني عيسى ما قال لهم يجوز لكم أنْ تأكلوا النجاسات والدم والميتة وما ذُبِحَ لغير الله وأُهِلَّ به لغيرِ الله، هذا ما أحلَّهُ لهم، ما قال لهم الظلمُ حلالٌ لكم، قال لهم {ولأُحلَّ لكم بعضَ الذي حرِّمَ عليكم}

مثل مسئلة الزكاة كان القدر المُخرَج في بعض الشرائع رُبع المال، شىء كثير، أما في شريعةِ محمد صلى الله عليه وسلم شىء قليل.

مثلًا إذا أردْنا أنْ نذكرَ رقمًا اثنان ونصف بالمائة شىء قليل، مثلًا بالمليون ليرة لبنانية تزكي عليها خمس وعشرون ألف ليرة، شىء قليل، الفرق كبير بين مائتين وخمسين ألف، في مثل هذا كان الاختلاف.

ثم في بعض الشرائع كانوا يصلون في أماكن مخصوصة ليس في كل مكان، يقال لها الصوامع أو البيَع تُبنى على التلال والمرتفعات والجبال وتكون واسعة من أسفلِها ومِنْ أعلاها ضيّقة.

في شريعة محمد صلى الله عليه وعلى كل الأنبياء وسلَّم إذا قال لك قائل: أنت تقول شريعة محمد أسهل الشرائع، بعض الشرائع كان عندهم صلاتان وشريعة محمد خمس صلوات كيف تكون أسهل؟ يقال لهم: كانوا يصلّون تلك الصلوات في أماكن مخصوصة يعني أينما كانوا يأتونَ إلى هذا المكان ويصلون، في شريعة محمد خمس صلوات لكن يستطيعون الصلاة في أيِّ مكانٍ طاهر لو كان في الطائرة في الجو ودخل وقت الصلاة يجتهد لمعرفة اتجاه القبلة ويصلي قائمًا ليس قاعدًا على الكرسي، ولو كان في الباخرة في الجبل في الوادي لو كان في الجامعة في المدرسة في السوق في الدكان في مكان العمل في البرّية في الجبل في المصلى في المسجد في البيت، هذا معنى شريعة محمد أسهل الشرائع.

الحاصل أنّ الاختلاف بين شرائع الرسل كانت في بعض الأحكام العملية، هنا ملاحظة عندما نقول كان الاختلاف بين شرائع الرسل في الفروع، كلمة اختلاف ليس معناها عداوة وتنافر وتباغض وضغينة وحقد وذم وطعن، حاشى، هذا لا يجوز على الأنبياء، كل نبي يحترم ويُعظِّم كل الأنبياء، كل نبي يؤمن بكل الأنبياء، فلا يوجد نبي يكذِّب نبي هذا مستحيل، لا يوجد نبي يطعن بنبي هذا مستحيل.

اختلاف يعني الحكم الشرعي في هذه المسئلة في شريعة مثلًا يعقوب غير الحكم في هذه المسئلة في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

كلُّ الأنبياء أطهار يحبُّ بعضُهم بعضًا ويحترمُ بعضُهم بعضًا ويُعظِّمُ بعضُهم بعضًا لأنّ مَنْ كذّب نبيًّا أو شتمَه أو حقَّرَه هذا ليس من المسلمين.

منْ هو الرسول؟ هو مَن جاء بشريعةٍ جديدة نسَخَتْ شرعَ الرسول أو بعض شرعِ الرسولِ الذي كان قبلَه. ثم قد يجتمع أكثر من رسول على شريعةٍ في زمنٍ واحد مثلًا سيدنا هارون كان رسولًا وهو أخ سيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام وكانا في زمنٍ واحد في زمن فرعون موسى، يعني فرعون الذي كان في زمن موسى لأنه كان يوجد  فرعون يوسف –وهذا أسلم- يعني فرعون الذي كان في زمن يوسف.

فرعون الذي كان في زمن موسى هو الوليد بنُ مصعب بن ريان هذا مات على الكفر بالإجماع وبنص القرآن والحديث، فإذا قرأتم في بعض الكتب أنه آمنَ وأنه منْ أهلِ الجنة وأنه ليس من أهلِ النار اعرفوا أنّ هذا تكذيب للقرءان، {فأخذَه اللهُ نَكالَ الآخرةِ والأولى}[النازعات/٢٥] كيف يكونُ مؤمنًا ناجيًا من أهلِ الجنة على زعمِ بعض الزنادقة؟

أما فرعون يوسف –الذي كان في زمن يوسف- أسلم هكذا ذكر بعض علماء التأريخ وعلماء التفسير والسيَر.

هذا معنى الرسول ينسخ –النسخ هو أنْ يُرفَع حكم شرعي سابق بحكم شرعي لاحق- يعني مثلًا نقول رُفِع العمل بهذا الحكم والآن وجب العمل بهذا الحكم، الناسخ والمنسوخ، لا نتكلم بكلام فيه ذم وتحقير للشرائع السابقة حاشى، تلك الشرائع التي كانت للرسل محترمة ومُعظّمة، الشريعة يعني الفروع العملية.

مَنْ حقّرَ مَنْ شتم أو سبّ أو ازدرى شرائع الرسل السابقين هذا كافر، لأنّ هذه شريعة لموسى شريعة لإبراهيم شريعة لآدم، فمَنْ سبَّها يكون والعياذ بالله تعالى حقّرَ الوحي حقّر الإسلام حقّر ما كان عليه النبي، فلما نتكلم عن الناسخ والمنسوخ علينا أن ننتبه لا نقول عبارات فيها ذم وقدح وطعن في الشرائع السابقة إنما نقول نُسِخَ العملُ بها، مثال:

في زمنِ سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وهو أولُ نبي وأول رسول كان عنده شريعة، ومن الأدلة القاطعة برسالةِ سيدِنا آدم أنه زوّجَ بعضَ بنيه من بعضِ بناتِه، وماذا تكون الشريعة إلا هذا؟ والشريعة على مَن تنزل؟ على الرسول، يعني آدم كان رسولًا وليس فقط نبيًّا وإلا مِنْ أين زوّجَ بعضَ بنيه من بعض بناتِه؟ هذا يُعرف بالشرع.

هل كان يوجد قبل آدم رسول؟ لا، وآدم نزلت عليه شريعة وطبّقَ ذلك على أبنائِه يعني آدم رسول. فمن قال آدم ليس رسولًا ويُنكر رسالةَ آدم يكون يقول البشر أولاد حرام أولاد زنا، لأنّ هذا الفعل لو كان ليس شريعة كيف يصح أنْ يتناسلوا بعد ذلك وأنْ يكونوا بعد ذلك آباءًا وأجدادًا وأمهاتًا وأحفادًا وبناتًا وحفيدات، لأنّ الذي حصل في زمن آدم كان صحيحًا، زوّج البنت من البطن الثاني الولد الذكر من البطن الأول.

بعض العلماء يقول أنّ السيدة حواء رضي الله عنها وهي على القول المُعتمَد الصحيح أنها ولية. فإذا تكلمنا عن السيدة حواء نتكلم بأدب باحترام، هي ولية وهي أمّنا رضي الله عنها وتستحق أنْ يُتَرضّى عنها ويُترحَّم عليها، كانت ولية صالحة طيبة مباركة، أمدّنا اللهُ بمددِها ونفعنا ببركاتِها وجعلنا تحت أنظارِها، بعض كبار الأولياء يستمدّونَ منها.

السيدة حواء على قول بعض المفسّرين ولدَت أربعين بطنًا وبعضُهم يقول عشرين، وفي كل بطن أنثى وذكر على اختلاف المفسّرين إنْ كان أربعين بطنًا أو عشرين.

إلا البطن الأول حملَت بنبيّ وهو شيث عليه السلام، نُبِّىءَ وصار يُعلِّمُ إخوتَه وأولادَه والناس أنْ يتمسكوا بشريعةِ آدم عليه الصلاة والسلام.

هؤلاء الأولاد الذين ولَدَتهم السيدة حواء الذكور والإناث كان سيّدنا آدم عليه الصلاة والسلام الأنثى من البطن الأول يزَوِّجُها من الذكر من البطن الثاني وهكذا كان الزواج.

أما الممنوع والمحرّم والزنا كان أنْ يأخذَ الذكر توأمَته التي خرجَت معه من نفس البطن، وهذا بفضل الله لم يحصل إنما الذي حصل هو الزواج.

وهذا كان لحكمةٍ عظيمة، فلا يجوز أْن يقول واحد ما هذه الشريعة الوسخة المقرفة، هذا يكون كافرًا لأنه يتكلم عن شريعة سيّدِنا آدم، وهذا القرف منه هو هذا الخبيث الذي يقول عن شريعة آدم وسخ أو قرف لأنّ الإخوة تزوجوا من الأخوات من البطون المختلفة، هذا كان لحكمة من جملةِ هذه الحكم أنْ يكثُرَ البشر وإلا كيف كان سيكثُر البشر ويتناسل البشر؟

كان أدم قد عاش ألف سنة، خُلق في الجنة اللهُ عز وجل أمر عزرائيل أنْ يأخذ ترابًا من جميع تراب الأرض وأنْ يصعدَ به إلى الجنة وأنْ يُعجَنَ هذا التراب ذي الألوان المختلفة الابيض والأسود وما بين ذلك والطيب والخبيث وما بين ذلك من أنواع التراب الذي على وجه الأرض ثم عُجِنَ هذا التراب بماء من الجنة في الجنة وصُوِّرَ كالفخار وتُركَ ما شاء الله ثم نفخَ فيه الملكَ الروح بأمرٍ من الله، عندما دخلت فيه الروح عطس فكانت أول كلمة نطق بها وتكلّم بها آدم “الحمد لله”، وهذا دليل على أنه لم يكن أخرس اللسان كما في كتب التخريف والتحريف والتزييف التي جاءت من غير المسلمين لأنّ بعضَهم يقولون عن آدم كان بشعًا مخيفًا يشبه القرود وحاشى، هذا نبيٌّ رسول وهو أول البشر وأبو البشر وأول نبي وأول رسول ولم يكن قبلَه بشر، قبل آدم ما كان أوادم كثير كما يقول بعض المخرّفين من أهل هذا العصر ومَنْ سبقَهم إنما آدم هو أول البشر وأبو البشر.

وسمّيَ بآدم لأنه خُلقَ من أديم الأرض التراب الذي على وجهِها فأول كلمة نطق بها قال “الحمد لله” وهذا ثابتٌ في الصحيح، عند البخاري والبيهقي وعند عدد من الحفاظ، ثم قام فرأى جمع من الملائكة فألهمَه الله أنْ يسلِّمَ عليهم فقال لهم آدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه، فردّوا عليه السلام, وقالوا له: هذه تحيَّتُك وتحيةُ ذريتِكَ مِنْ بعدِك.

هذا دليل أنّ ليس الفينيقيين هم مَنْ وضع الحروف الأبجدية وعلّموا الناس النطق والحروف والكلام، وبدليل ما جاء في القرآن {وعلّم آدمَ الأسمآءَ كلَّها} ]البقرة/٣١]

وأيضًا ما جاء في سورة النمل في قصة الكتاب وأنّ سليمان أرسلَ كتابًا إلى بلقيس مع الهدهد {إنه منْ سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}[النمل/٣٠] يعني كان يوجد قراءة وكتابة ويعرفون اللغات والحروف.

وفي المستدركِ على الصحيحين للحاكم أّن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: كان لسليمان كتاب يكتب فيه كل شجرة تنبُتُ فتُكلّمُه –تقول أنا أنفع لكذا أنا علاج لكذا دواء لكذا- فيكتب سليمان.

وقبل سليمان كذلك ورد في المستدرك على الصحيحين أنّ اللهَ علّمَ آدم أسماء الأشياء حتى الدلو  حتى الفأس والفرس، كل هذا كان يعرفه آدم وليس صحيحًا أنّه كان أخرس ويشبه القرود ولا يعرف الكلام، هذه نظرية المخرّف داروين، هذا يقدح في الأنبياء، الله قال في سورة إبراهيم {ومآ أرسلنا مِنْ قبلِك منْ رسولٍ إلا بلسانِ قومِه ليُبَيِّنَ لهم}[إبراهيم/٤] ليُببيّن: من البيان، وبلسانِ قومِه يعني بلغة قومه.

بعد كل هذه الآيات والأحاديث في قصة آدم وسليمان ماذا يقولون على زعمِهم أنّ البشر قديمًا كانوا قردة فتطوّروا؟ لا، اللهُ يقول {إني خالقٌ بشرًا من طين}[ص/٧١] ماء وتراب.

الله يقول في القرآن الكريم {ولقد كرّمْنا بني آدم}[الإسراء/٧٠] كيف يكون قردًا؟ إذا كان أصل الإنسان قرد ثم تطوّر لماذا إلى الآن يوجد قرود لم تتطوّر؟ لماذا هذه تطورت بزعمِكم أيها المخرفون المحرفون وهذه لم تتطوّر؟ إنما القردُ خُلق قردًا والإنسانُ خُلقَ إنسانًا.

الله يقول في القرآن الكريم {إني خالقٌ بشرًا من طين}]ص/٧١]

فالحاصل، آدم كان يعرف النطق والكلام والحوار واللغات عليه الصلاة والسلام.

آدم خُلقَ في الجنة وعاش فيها مائة وثلاثون سنة وبقية الألف عاشها في الأرض، صار عنده أولاد في الأرض، حواء لم تلد في الجنة إنما ولدت في الأرض، ثم لما مات آدم عدد أولادِه وأولاده أولاده بعض العلماء والمؤرخين يقول صار عددهم أربعين ألف إنسان، هذا يؤكد أنهم كان عندهم رسول ومسئلة الشريعة والزواج ثم بعد أنْ مات آدم نُسِخَ العمل بمسئلة تزويج الأخ من البطن الأول من أختِه من البطن الثاني، هذا نُسخَ ما عاد يُعمَل بهذا الحكم وحُرِّمَ وكان هذا لفترة لمصلحة عظيمة لتكاثر البشر.

هذه شريعة لا يقال قرف ولا يقال وساخة وكيف يتزوج أخته لو من البطن الأربعين، يقال له أنت مُعترضٌ على الله أنت مُحَقِّرٌ لنبيِّ اللهِ آدم ولشريعتِه الطاهرة.

الحاصل أنّ هذا معنى اختلاف الشرائع.

اليوم مثلًا في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز أنْ يتزوج الواحد من أختِه لو من البطن الخمسين، ومحرّمٌ أيضًا بعد آدم.

ليس فقط الأخت التي هي من أب واحد أو من أم واحدة أو الأخت التي من أم أو الأخت التي من أب، بل حتى من الرضاعة في شريعة محمد حرام.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال [يحرُمُ بالرَّضاع ما يحرُمُ بالنسب]

هذا العمل في هذا الحكم في هذه المسئلة في شريعة آدم ما عاد يُعمَل به الآن لأنه رُفِع.

في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم صار محرّمًا، هذا معنى اختلاف شرائع الرسل في بعض الأحكام العملية.

اللهُ فعّالٌ لما يريد يشرَعُ ما يشاء، اللهُ يُحلُّ هذا ويحرِّمُ هذا واللهُ لا يحرِّمُ شيئًا إلا لحكمة ولا يخلقُ شيئًا إلا لحكمة.

نرجع إلى ما كنا نقول إنّ الرسول هو الذي جاء بشريعةٍ جديدة تنسخ شرع الرسولِ الذي كان قبلَه يعني بعض الأحكام أو الكثير منها، لكن بعض الأحكام متفق عليها في كل الشرائع.

نقول هذا القيد لنصل إلى نتيجة مهمة وهي أنّ أصلَ الاعتقاد لا خلافَ فيه بين نبيٍّ ونبيّ ولا بين رسولٍ ورسولٍ آخر، يعني كلّ الأنبياء والرسل إذا كنا نريد أنْ نقولَ بالعدد الذي ورد في صحيح ابن حبان 124 الف نبيّ و313 رسول.

فنقول هؤلاء الأنبياء الكرام وضمنهم ال313 رسول كلّهم على أصل واحد في الاعتقاد، فلا خلاف بين نبيٍّ ونبيّ ولا بين رسول ورسول ولا بين رسول ونبي في أصل الاعتقاد لا خلافَ بينهم في ذلك والدليل ما جاء في القرآن، قال الله تعالى {وما أرسلْنا قبلَك منْ رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لآ إله إلآ أنا فاعبدون}[الأنبياء/٢٥] هذا أصل الدين، أصل الاعتقاد، التوحيد الإيمان التنزيه الاعتراف بوجود الله والإيقانُ بذلك والإيمان بذلك بلا شك ولا ريب وأنه موجود بلا بداية باقٍ بلا نهاية ليس جسمًا ليس جسدًا ليس شكلًا ليس حجمًا ليس صورةً ليس ضوءًا ليس ظلامًا ليس روحًا ليس ريحًا لا يسكن السماء لا يجلس على العرش ليس قاعدًا في الجنة ليس حالًّا في الفضاء ليس في الأرض ليس في قلوب الأولياء ولا في أجسادِ الأنبياء ولا في الكعبة وأنه لا يشبه شيئًا من خلقِه وأنه منزّهٌ عن الطول والعرض والعمق والسمك والأعضاء والأدوات والجوارح والتركيب والحدوث والتغيّر والتطوّر والتبدّل والإحساس والشعور واللذة والألم، وأنه سبحانه وتعالى لا يشبه شيئًا من خلقِه بالمرة ولا بوجهٍ من الوجوه وأنه موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان، وكما أنه أزليٌّ أبديّ فصفاتُه أزليةٌ أبدية وصفاتُه لا تشبه صفات المخلوقين، هذا كان عليه كل الأنبياء والرسل لأنّ هذا معنى لا إله إلا الله، فلا يجوز على أيّ نبيٍّ أو رسول أنْ يكذِّب لا إله إلا الله، ولا أنْ يُكذِّب الشهادة أو أنْ يكذّبَ الإسلام أو أنْ يكذِّب الله أو أنْ يشبِّهَ الله بخلقِه أو أنْ يعتقد أنّ الله ضوء أو جسم أو له مكان أو قاعد أو جالس أو جسد أو جسم أو حجم أو كيفية أو كمية، هذا لا يجوز على الأنبياء والرسل.

إذًا العقيدة التي جاء بها الأنبياء والرسل الله أزليٌّ أبديّ ليس جسمًا لا يشبه شيئًا من خلقِه موجودٌ بلا مكان ولا جهة فهو منزّهٌ عن القعود والجلوس والحلول والاتصال والانفصال والمُماسّة والإحساس والشعور والتغيّر والانفعالات، كل الأنبياء كانوا منزّهين الله عن صفات المخلوقين.

هذه الآية تعطينا كل هذا المعنى، قال الله تعالى {وما أرسلْنا مِنْ قبلِكَ مِنْ رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لآ إله إلآ أنا فاعبدون}[الأنبياء/٢٥] هذه تكفينا، وإذا أرَدْنا أنْ نفصّل تعالَوا إلى قولِ الله إخبارًا عن عيسى {قال إني عبدُ الله ءاتانيَ الكتاب وجعلني نبيًّا} ]مريم/٣٠]

وإذا أردنا أنْ نفصّل تعالَوا إلى ما أخبر اللهُ عن نوحٍ في القرآن {ل أرسلْنا نوحًا إلى قومِه فقال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكم مِنْ إلهٍ غيرُه}[الأعراف/٥٩]

تعالوا إلى كل الأنبياء، قال الله تعالى في سورة البقرة {ومآ أوتيَ النبيّونَ من ربِّهم لا نفرِّقُ بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}[البقرة/١٣٦]

عندنا أيضًا آية كلّكم يقرأُها صباحًا ومساءً في التحصينات وهي {آمنَ الرسولُ} [البقرة/٢٨٥]

انظروا إلى المعاني العظيمة الشريفة المباركة في هذه الآية، لو واحد من أهل العلم أراد أنْ يشرح هذه الآية كان كل كلمة تأخذ محاضرة، {آمن الرسولُ بما أُنزِلَ إليه منْ ربِّه والمؤمنونَ كلٌّ آمنَ}[البقرة/٢٨٥] يعني ليس فقط أمة محمد تؤمن بهذه الأمور، كل المؤمنين السابقين يعني الذين كانوا في زمن آدم كانوا يقولون لا إله إلا الله آدم رسولُ الله، في زمن إبراهيم لا إله إلا الله إبراهيم رسول الله في زمن عيسى لا إله إلا الله عيسى رسول الله، في زمن موسى لا إله إلا الله موسى رسول الله، في زمن نوح لا إله إلا الله نوح رسولُ الله، {والمؤمنونَ كلٌّ آمنَ}[البقرة/٢٨٥] يعني لا يصح الإيمان والإسلام بدون هذه العقيدة [بالله وملآئكتِه وكتبِه ورسلِه واليوم الآخر] هذه أركان الإيمان التي ورد في حديث جبريل قال ” الإيمان أنْ تؤمن بالله وملآئكتِه وكتبِه ورسلِه واليوم الآخر وبالقدر خيرِه وشرِّه” حديث صحيح رواه مسلم وكثيرٌ من الحفاظ.

هذه العقائد كل الأنبياء والرسل كانوا عليها وجاءوا بها ودَعَوا إليها، فلا يوجد نبي من الأنبياء يكذّب بواحد منها لأنّ مَنْ كذّبَ بواحدةٍ منها فليس من المسلمين، كافرٌ بالله العظيم، فهل يجوز على نبيٍّ من الأنبياء أنْ يكونَ كافرًا بالله؟ مستحيل.

هذه من الأدلة القرآنية السمعية، ومن الأحاديث هناك الكثير منها ما عند مالك في الموطأ والبخاري قال صلى الله عليه وسلم [أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ منْ قبلي  لا إله إلا الله] هذا عند البخاري، عند مالك في الموطأ بزيادة [وحدَه لا شريكَ له] هذه عقيدة كل الأنبياء والرسل والملائكة والصحابة وآل الرسول وكل مسلم من السلف والخلف، ومَنْ كذّبَ بهذه العقيدة التوحيد والتنزيه وأركان الإيمان الستة فليس من المسلمين.

إذا أردنا التكلم في الأدلة العقلية أين المصلحة في أنْ يكونَ خلافٌ بين نبيٍّ ونبيٍّ في أصل الاعتقاد؟ هذا يؤدي إلى التنافر والتكذيب والبغضاء، فمَن كذّب نبيًّا صار كافرًا، هل يجوز أنْ يقول نبيّ عن نبيّ آخر كذّاب؟ مستحيل، إذًا عقيدتُهم واحدة.

ومن هنا أنَبِّهُ لمسئلةٍ مهمة وهي أنه لا مصلحةَ للعباد أنْ يختلفَ الرسل والأنبياء في أصل الاعتقاد بل يؤدي إلى التكذيب.

قال علماء الأصول وعلماء أسباب النزول:العقائد والتاريخ لا يدخلُه النسخ.

إذا كان في التاريخ لا يدخل النسخ كيف يدخل في العقائد؟ ممّن ذكر ذلك النحاس في كتابِه الناسخ والمنسوخ.

لا يجوز أنْ يأتي نبيّ من الأنبياء ويقول إدريس قال إنّ هناك أهرامات في مصر وأنا أقول لا يوجد أهرامات، هذا كذب، مستحيل أنْ يأتي نبي ويكذّب إدريس، مستحيل أنْ يأتي نبي وينسخ شىء يتعلق بالتاريخ أثبتَه نبي أو أثبتَه الواقع أو التاريخ، لأنّ هذا يؤدّي إلى الكذب والكذب مستحيل على الأنبياء.

إذا كان في مثل هذا في القضايا التاريخية لا يدخل النسخ كيف يدخل في أصل الاعتقاد؟ مستحيل هذا لا يحصل.

فإذًا العقيدةُ الأصل والأساس واحدة بين كل الأنبياء والرسل كما قدّمْنا.

أما تعريف النبي فهو إنسانٌ من البشر ذكر يوحَى إليه ومأمورٌ بالتبليغ ليس كما تقول بعض الكتب ليس مكلّفًا بالتبليغ فإنْ كان مكلّفًا فهو رسول، إذا كان ليس مكلّفًا بالتبليغ لماذا صار نبيًّا؟ هل صار نبيًّا لنفسِه؟ لا، أليس من معاني النبوة الإنباء عن الله؟ يعني الإخبار، فكيف يكونُ نبيًّا ولا يكونُ مكلَّفًا بالتبليغ؟ هل بزعمِكم صار نبيًّا لنفسِه أم صار نبيًّا ليقعد في بيتِه؟ وهذا لا يستقيم ولا يصلُح ولا يصح لا مع الواجب الذي هو التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا مع معنى النبوة.

في القرآن في سورة البقرة قال ربُّنا {كان الناسُ أمةً واحدة فبعثَ اللهُ النبيينَ مُبشِّرين ومُنذِرين}[البقرة/٢١٣]

النبيين تشمل النبي الرسول والنبي الغير رسول، يعني النبي الرسول والنبي الغير رسول كلاهما  بالتبليغ، {فبعثَ اللهُ النبيين مبشرين ومنذرين}[البقرة/٢١٣]

والآية التي في سورة الحج ذكرت الرسول والنبي ثم قال ربُّنا في هذه الآية {إلا إذا تمَنّى} ]الحج/٥٢]

قال الرازي تمَنّى يعني تلا على قومِه، والتلاوة والقراءة نوعٌ من أنواعِ التبليغ.

فكيف يقال النبيُّ ليس مكلّفًا بالتبليغ؟ كيف يقال النبي ليس مأمورًا بالتبليغ؟

إذا كان نحن العوام آحاد الناس الله عز وجل فرض على المكلفين أحيانًا يكون فرض كفاية وأحيانًا يتعيّن على شخص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أصلُ الحكم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه من فروض الكفاية لكنْ في بعض الحالات يصير فرض عين على هذا الإنسان كان بلَغَتْه المنكَرات وكان قادرًا على الإنكار ولا يوجد غيرُه يُنكِر صار مُلزَمًا تعيّنَ عليه، أما منْ حيثُ الإجمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية.

والله يقول {كنتم خيرَ أمةٍ أخرِجَتْ للناس تأمرونَ بالمعروف وتَنْهَوْنَ عن المنكر}[آل عمران/١١٠]

الرسول صلى الله عليه وسلم يقول [كان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه وأُرسِلْتُ إلى الناسِ كافة]هذا دليل من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ النبيَّ بُعثَ إلى قومِه، كان النبيّ يبلِّغ مَن استطاعَ أنْ يُبلِّغَهم ويصلَ إليهم، فكيف يقال النبيّ ليس مكلّفًا بالتبليغ؟ هذا الكلام ليس صحيحًا ليس مُعتمَدًا، فالقولُ المُعتمَدُ الصحيحُ الموافق للآيات والأحاديث أنّ النبي غير الرسول والنبي الرسول كلاهما مكلّفٌ بالتبليغ، مكلّفٌ بنشر الدين والإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذا معنى الأنبياء والرسل إنْ شاء الله في الدرس المقبل نكمل في شرح كلام شيخِنا لماذا الأنبياء هم أكثر من غيرِهم بلاءً.

والحمد لله رب العالمين