مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -73
الاستغفار للوالدين
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى وغفر له ولوالديه
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه: في هذا الزمن كثُرَت الغفلةُ بين الناس قد يعيشُ المسلمُ منْ جهلِه بعلمِ الدين وغفلةِ قلبِه لا يستغفرُ لأبويْه المسلميْن يقضي أوقاتَه في التلفزيون ونحوِ ذلك من المُلْهِيات هذا خلافُ آدابِ الإسلام.
)هنا يوَجِّهُنا رحمه اللهُ ويُنَبِّهُنا إلى أنْ ننتَبِهُ لأنّ منَ الناس بسبب الجهل بأمورِ الدين وغفلةِ القلب وقسوتِه والبُعد عن الخير وعن الأحسن والأنفع قد يمضي عليه زمن وقت لا يتذكر أنْ يستغفرَ لأبويه المسلمين، بل يصرف الكثير منْ أوقاتِه في المُلهِيات في التلفزيون وما شابه وهذا تضييعٌ للوقت وغفلةٌ وقسوةٌ للقلب وهذا ليس من شيَمِ العلماء ولا منْ عادةِ الأولياءِ والصُّلَحاء.
إخواني وأخواتي في الله، أولًا إذا أردْنا أنْ نأتيَ إلى معاني هذه النصيحة نبدأ بالقسمِ الأولِ منها وهو أنّ السببَ في هذه الغفلة وتضييع الأوقات الجهل بعلمِ الدين.
فالجهلُ بعلمِ الدين بأمورِالدين سُمٌّ قاتل، الجهلُ يَفتِكُ بالإنسان كما يفعلُ السمّ بمَن يشربُه أو يأكلُهُ. السم منه ما يقتلُ في الوقت ومنه ما يقتل بعد ساعة ومنه ما يقتل بعد شهر ومنه بعد عام، السم أنواع والجهل أنواع.
بعضُ الناسِ بسببِ الجهل والعياذ بالله تعالى بعضُهم قد يقع في بعضِ الصغائر وبعضُهم قد يقع في بعضِ الكبائر وبعضُهم قد يقع في الكفر، وبعضُهم قد يقع في الغفلة وتضييع الوقت في غيرِ النافع والمفيد بل ينغمس في المُلهيات، إذًا الحذرَ الحذرَ من الجهل.
والرسولُ صلى الله عليه وسلم حثَّنا على العلم وأمرَنا بالعلم وشجّعَنا على العلم، ثم إنّ اللهَ سبحانه قال في القرآن {قل هل يستوي الذين يعلمونَ والذين لا يعلمون}[الزمر/٩]
إذًا كما لا يستوي النورُ والظلام كما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي العلمُ والجهل لا يستوي العالِم والجاهل.
لذلك علينا أن نعملَ على تحصيلِ العلم، اللهُ عزّ وجلّ يقول في القرآنِ الكريم {فاسألوا أهلَ الذكرِ إنْ كنتم لا تعلمون}[النحل/٤٣] يعني كما قال بعضُ الصحابةِ وعلماء التفسير المراد بأهل الذكر يعني أهل العلم.
فالعالِمُ هو الذي يُرشِدُنا يقول هذا حلال هذا حرام معنى هذه الآية كذا معنى هذا الحديث كذا وكذا، عندما نقول العالِم المراد به مَنْ يتحقق بمعنى العالِمية وتتحقق فيه هذه الصفة ليس مجرد الانتساب وليس مجرد الوظيفة التي تكونُ بلا علمٍ حقيقيّ، إنما بمجرد أنْ يضع العِمامة أو يحمل هذه الورقة التي تسمى الشهادة لا، كم وكم من الأئمة العِظام والكبار لا دخلوا هذه الجامعات العصرية ولا عرَفوا هذه الورقة ولا هذه الشهادات، إنما العبرةُ بإصابةِ الحق وبموافقةِ الحق وبموافقةِ القرآن والسنة النبوية وإجماع الأمة.
لذلك لما نقولُ العالِم يعني مَنْ هو حقيقةً يتصف بهذه الصفة، أليس الرسولُ صلى الله عليه وسلم مدح هؤلاء العلماء الذين هم بهذه الصفة كما في جامع الترمذي؟
قال صلى الله عليه وسلم [وإنّما العلماءَ ورثةُ الأنبياء] انظروا إلى هذا الشرف إلى هذا القدْر إلى هذا المنصب، قد يكونُ الإنسانُ عبدًا مملوكًا، قد يكونُ فقيرًا من حيثُ المال، قد يكونُ أسود اللونِ، قد لا يكون له بيت يأوي إليه لكنّه عالمٌ تقيٌّ عاملٌ بعلمِه صالحٌ ورِع، فهذا مِنْ ورثةِ الأنبياء، يعني منْ ورثةِ علومِ الأنبياء لأنّ الأنبياءَ لا يورَثونَ في المال إنما يورَثونَ في العلم.
لذلك الرسولُ صلى الله عليه وسلم ما اشترطَ أنْ يكونَ هذا العالِم منْ ذريةِ هذا النبيّ بل قال [وإنما العلماءَ ورثةُ الأنبياء] يعني هؤلاء الذين يحملونَ هذا العلم عن الأنبياء ينفعونَ به نفْعًا عظيمًا، ينفعونَ به الخلق يُوصِلونَ هذا الخير الذي هو أعظم وأعلى من كنوزِ الأرض.
فمجلسُ علمٍ واحد خيرٌ من كلِّ كنوزِ الدنيا، خيرٌ من كلِّ كنوزِ الأرض. لذلك العالِم العامِل بعلمِه هو الذي يأمر بالمعروفِ وينهى عن المنكر ويعمل على نشرِ العلم وإيصالِه للغير وإخراجِه للناس.
لذلك روى الخطيبُ البغداديُّ رحمه الله عن بعضِ السلف أنه قال “زكاةُ العلمِ إخراجُهُ للناس” يعني في لفظٍ آخر زكاةُ العلمِ أنْ يُعلَّمَ.
أليس المال له زكاة؟ العلمُ له زكاة بمعنى أنْ يعلِّمَ الناس يعني يعمل بهذا العلم.
لذلك فلْنَحرِص جميعًا على أنْ لا نشبعَ من العلم، ولنحرِص جميعًا على طلبِ العلم والتردد إلى مجالس العلماء وأهلِ العلم ومَنْ أخذ عن العلماء وأنْ لا نشبعَ منْ تحصيلِ هذا الخير، هذا منْ صفاتِ الكاملينَ منْ عبادِ الله.
الجهلُ بعلمِ الدين هو الذي يُوقع في تلكَ المهالك، الجهلُ في علمِ الدين هو الذي يُوصلُ إلى الويلات. من هنا ينبغي أنْ نحَصِّنَ أنفسَنا فنخرج منْ صفة الجهل ونتعلم لنعملَ على إنقاذِ أنفسِنا من المهالك.
هذه النقطة الأولى في هذه الوصية.
قال رحمه الله: الكثير من الناس بسبب الجهل بعلمِ الدين هذه الغفلة تجرُّهم إلى أنْ لا يستغفروا لأمهاتِهم وآبائِهم المسلمين.
يعني يعيش هذا المسلم بسبب الجهل على الغفلة فيقضي عمرَه ربّما أو الكثير منْ عمرِه لا يستغفر لأبويْه المسلمين.
في أيِّ شىءٍ يقضي وقتَه؟ في أيِّ شىءٍ يُقطّع هذا الوقت؟ في التلفزيون يقعدونَ على التلفزيونات ويستعدونَ لذلك وكأنهم يذهبونَ إلى الجهاد، تراهم في بعض الأوقات قبلَ موعد هذا المسلسل قبل موعد هذه التمثيلية هذا الفيلم يتجهزون يُنهُونَ أعمالَهم يُهَيِّئونَ أنفسَهم ويقعدون ينتظرون التلفزيون.
بعضُهم يقعد ثلاث ساعات أربع ساعات خمس ساعات وربما أكثر، وربما بعضُهم نام واستيقظ وهو ما زالَ في مجلسِه في متابعةِ التلفزيونات، هذا سببُهُ الغفلة.
ثم إنّ هذا التلفزيون مَنْ تابَعه وأخذَ ما فيه يتعلم الغفلة وقسوة القلب ويتعلم تضييع الوقت ويُخشى عليه أنْ يتعلم ما هو أخطر منْ ذلك.
كم وكم من الناس بسبب هذا التلفزيون تعلّموا الكفر، كم وكم من الناس بسبب هذا التلفزيون تعلّموا الزنى، تعلموا المخدِّرات تعلموا السرقة، تعلّموا على تأليفِ العصابات للسطو المسلح والاغتصاب والغصب والسرقة والاحتيال والتزوير، كم وكم من الناس بسبب برامج التلفزيونات يتعلمونَ التطاول على الأمهات والآباء؟؟؟؟
كم من البنات والشباب فسَدوا بسبب التلفزيونات لما يَرَوْنَهُ من أخلاقِ الفُسّاق والكفار في معاملة الأمهات والآباء وكيف يكونونَ في الجامعات من التفلّت منْ تضييعِ الأحكام وتضييع الأخلاق من المجاهرة بالقذارة والحقارة والدعارة والمجاهرة بشربِ الخمر وبفعل المُنكَرات وما يسمّى المُساكَنة وما يسّمى حقوق المِثليين على زعمِهم، هؤلاء الذين يشجّعونَ على الدعارة والحقارة والقذارة وقلة الأدب ويقولون حقوق المثليين، هم بدل أنْ يقولوا الشاذّين على زعمِهم ابتَكروا كلمة مثليين يريديون تخفيف الوطأة.
بدلَ أنْ يقولوا الشذّاذ أو أنْ يقولوا مثلًا الذين انحرفوا الذين فسقوا الذين فجَروا الذين صاروا عارًا في المجتمع يقولون المثليين، هذا الذي يريدونَه لماذا؟
لأنّ هذا منَ المُخطّطاتِ التي يُحاربونَ بها الإسلام تحت عنوان الحرية الشخصية.
انتبهوا!!!!!!!!!! هذه التلفزيونات تعلّم هذا تبثّ هذه البرامج وهذه العناوين وهذه المحاضرات واللقاءات يدعونَ الناسَ إلى الرذيلة إلى الانحطاط باسمِ الانفتاح يُشجّعونَ الناسَ على الرذيلة على الفساد.
قبل أنْ يظهرَ هذا التلفزيون كيف كان يعيش الناس؟
كانوا يعيشون ويغلب على الكثير منهم الأدب والحياء والاحترام والحِشمة، كان الكبير يحترم الذي هو أكبر منه والصغير يقف مع الغريب في الطريق كأنه أمام أبيه، أما اليوم انظروا كيف صار الحال.
قبل أن يظهر هذا التلفزيون الناس كيف كانوا يقضونَ أوقاتَهم؟ في الأعمال في الزراعة في التجارة في الدكاكين في الأسواق ثم يأتونَ يأكلونَ في بيوتِهم ويذهبونَ إلى المساجد إلى مجالس العلم يصلّونَ الجماعات، يصلّون العشاء جماعة ثم السنن ثم يأتون إلى البيت يقرءونَ شيئًا من القرآن أو يُقيمونَ مجلس علمٍ في البيت ثم ينامونَ باكرًا ليستيقظوا للتهجّد قبل الفجر، هكذا كانوا، كانت القلوب مُنوَّرة.
أما اليوم بسبب هذا التلفزيون صارت أكثر القلوب مُظلِمة ذهب ذاك النور منها، أكثر القلوب صارت مظلِمة مُعتِمة والوجوه أكثرُها ممسوخة بسبب الفسق والفجور وعند بعضِهم الكفر والضلال والعياذ بالله تعالى.
انتبهوا هذه البرامج الإفسادية، قد يقول لك القائل ليس هناك شيئًا جيدًا بالمرة في التلفزيون؟ أقول لك التلفزيون تستطيع أنْ تستعملَه في الخير وأكثر ما يُستعمَل له الشر للأسف، مثل السكين تستطيع استعمالَها بالخير وبالشر، كالبندقية، وهكذا بعض الناس تأثروا بالتلفزيون أكثر، تأثروا بالبرامج الإفسادية أكثر، قد يكون هناك برامج نافعة، قد يكون هناك شىء نافع وهذا قليل بالنسبة لكثرةِ الفسادِ الذي فيها.
فانتبهوا لأولادكم، هذا التلفزيون يقَسّي القلب، يضيِّعُ العمر يعلّم اللهو والانغماس بالمُلْهِيات وصرف الأوقات في غيرِ النافعِ والمفيد.
لذلك انتبهوا لأنفسِكم.
ثم انظروا الحسرة، يضيِّعُ العمر في هذا ولا يستغفر لأبويه المسلمَيْن، سلْ نفسَك الآن، كلٌّ منّا فليسأل نفسَه كم مرة في اليوم تستغفر لوالديك المسلميْن، لأخي الذي مات لأختي التي ماتت لجدتي لجدي لعمي لخالي لأقربائي لشيخي لأصحابي، كم مرة أستغفر لهم في اليوم؟
يمكن بعض الناس قد تمرّ سنة ولا يستغفر لأبويْه فضلًا عن كلِّ هؤلاء الذين ذكرْناهم، يعني لا هو يستغفر لأبويه ولا لهؤلاء فكيف إذا نسيَ الاستغفار لأبويْه كيف يستغفر لعمِّه لخالتِه لجدِّه ِ لجدّتِه، لجارِه لصديقِه؟ إنْ كان لا يستغفر لأبويْه.
واسمعوا ما وردَ في بعض الأخبار والآثار، وردَ أنّ الولدَ إذا استغفرَ لأبويْه بعد موتِهما دعا لهم ترحّمَ عليهما استغفرَ لهما أهدى لهم ثوابَ الأعمالِ الصالحة الملائكة تأتي هذا الأب بطبقٍ منْ نور شىء مُفرِح منظر مُعجِب، فيقول هذا الأب الميّت مِنْ أين هذا؟ يقول له الملَك من استغفار ولدِكَ لك بعدَك.
هذا الاستغفار إذا قال المسلمُ في أبويه المسلمين ربّ اغفر لأبي وأمي ربّ ارحمْهما ربّ أدخلْهما الجنة، اللهم وسِّع عليهما، هذا كلُّه ينفعُهما وإذا زاد فالثوابُ أكبر فالنفعُ أعظم. إذا ختمَ القرآن وأهدى لوالديه أيُّ نعمةٍ هذه؟ الحرف الواحد بعشر حسنات وهذا أقل ما تُضاعَف إليه الحسنة الواحدة، كم حرف في القرآن؟
إذا كان هذا المسلم تلَقّى القرآن وقراءتُه صحيحة وقرأ مخْلِصًا لله ثم أهدى ثوابَ هذه الختمة المباركة لوالديه لأخيه لجده لإخوانِه لأصدقائه، بذلك إنْ كانوا في العذاب قد ينقطع عنهم العذاب، وإن كانوا في النعيم فيزداد ويعظُم ويكبُر عليهم النعيم ببركةِ إهداء ثواب هذه الختمة المباركة.
وقد قال العلماء يجوزُ للإنسان أنْ يُهديَ ثوابَ أعمالِه الصالحة للمسلم الحيّ أو الميّت، يعني إذا قلتَ مثلًا اللهم أوصِل ثوابَ ما قبِلْتَ من أعمالي الصالحة إلى مولانا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأوصلْ ثوابَ ما قبلتَ من أعمالي الصالحة إلى مولانا الشيخ عبد الله الهرري إلى والديّ إلى إخوتي إلى أصدقائي وأصحابي من المسلمين، ينفعُهم ويصل إليهم لو كانوا من الأحياء أو الأموات.
حتى إنّ الإمام أحمد رضي الله عنه قال بجوازِ ذلك، قال يجوز أنْ يُهديَ الإنسان ثوابَ العملِ الصالحِ للميّت.
فإذًا لا تضيّعوا على أنفسِكم هذا الخير ولا تتركوا مَنْ سبقَكم من أمواتِكم المسلمين منْ إهدائهم ثواب هذا العمل، لا تتركوهم منْ غيرِ أنْ ترسلوا إليهم بثوابِ العملِ الصالح.
يُحكى أنّ مسلمًا كان له صديق توفيَ، ذهب وقفَ عندَ قبرِه قال سبحان الله وبحمدِه ثم أهداهُ ثوابَ هذه التسبيحة، ذهب إلى البيت نام رآهُ في المنام، قال له جزاك اللهُ خيرًا على ما أهْدَيْتَ إليّ اليوم، قال وما أهْديتُ إليك؟ هو لا يذكر، قال: ألستَ أهديْتَني ثواب سبحانَ الله وبحمدِه؟ قال: بلى، قال: وصلني وانتفعْتُ به.
تسبيحة واحدة، فلو قرأتَ سورةَ الملك أو يس أو الواقعة وأهديْتَ ثوابَها لأمواتِكَ المسلمين لا تعرف أنت كم ينزل عليهم من النفع والبركة والنور ببركةِ ثوابِ قراءةِ القرآنِ العظيم.
وقراءة القرآن على الأموات المسلمين هذا جائزٌ بالإجماع كما نقلَ الإجماعَ على ذلك الحافظُ السيوطيُّ رحمه الله.
ويُروى عن عليّ رضي الله عنه وأرضاه أنه قال “مَنْ قرأ بفاتحةِ الكتاب وأهدى ثوابَها لأهل الجبانة –يعني أهل المقابر- كان له حسنات بعددِهم”
ويُروى عن عبدِ اللهِ بنِ عمر رضي الله عنهما أنه أوْصى أنْ يُقرأَ له عند قبرِه إحدى عشرَ مرة قل هو اللهُ أحد وخاتمة البقرة “آمنَ الرسول” وفاتحة البقرة.
هذا عبدُ الله بن عمر الولي الصحابي العالم الصالح الذي شهدَ له الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالصلاح أوصى بذلك.
ثم القرآن العظيم نفعُهُ للأحياء والأموات، فالصحابة كانوا يقرأونَ لا سيّما الأنصار أهل المدينة إذا دفنوا الواحدَ منهم يقعُدونَ عند قبرِه ويقرأونَ له سورة البقرة أو ربّما ختموا القرآن.
الحافظ النووي يقول “لو قرأوا سورةَ البقرة لكان حسَن ولو ختموا القرآن كان أحسن”
يعني إذا قرأوا كلَّ القرآن للميّت المسلم يكونُ أحسن وأعظم وأنفع.
قد يسأل البعض الإهداء كيف يكون، هذه المسئلة فصّلَ فيها العلماء قالوا إذا ذهبَ إلى القبر وقعدَ عند القبر وقعد هذا يصل إليه مِنْ غيرِ إهداء لأنّ نيَّةَ القارىء هذا الميّت الذي هو عنده، أما إذا كان في البيت وقرأ هذا قبلَ القراءة أو بعدَ إنهائِه للقراءة يقول “اللهم أوصِل ثوابَ ما قرأتُ منْ سورةِ يس إلى أمي” أو عند البداية يقول “اللهم أوصل ثوابَ ما أقرأ من سورة يس إلى أبي” هذا يكون إهداء إذا كان قبل القراءةِ أو بعدَها إذا كان بعيدًا عن القبر كأنْ كان في البيتِ مثلًا وهذا يصلُ إليه.
أما الذي قال من العلماء لا يصل ما مرادهُم؟ يعني كان بعيدًا عن القبر ولا يصل بغيرِ إهداء، قرأ ولم يُهدِ، قرأ القرآن ختمَه أو سورة البقرة لكن لم يقل اللهم أوصل ثوابَ ما قرأتُ من القرآن أو من سورة البقرة إلى فلان، عن هذا قال العلماء لا يصل لأنه لمْ يُهدِ، أما إذا كان عند القبر أو كان بعيدًا فقرأ وأهدى يصل إلى هذا الميّت المسلم وينتفع بذلك نفعًا عظيمًا.
فإذًا ينتبه الكبار والصغار وليتَعوَّدوا أنْ يُهدوا أمواتَهم المسلمين ثوابَ هذه الأعمال الصالحة.
أنا مرةً طلبَ مني الشيخُ رحمه الله ورضي اللهُ عنه كنا في موسمِ حج، قال لي أكلمُك على انفراد، فدخلتُ معه إلى غرفتِه قال لي بكلّ حنان وانكسار كأنه منْ بابِ الرجاء قال لي أطلبُ منك هذا الطلب، قلت تفضلوا مولانا، قال: تحجُّ هذا العام عن والدي؟ قلت له: نعم مولانا بكلّ فرحٍ وسرور وهذا يشرِّفُني، فرِحَ فرحًا عظيمًا حتى من شدةِ فرحِه وتأثّرِهِ ظهرت الدموع في عينيه ثم رفعَ يديهِ وصار يدعو لي، وحجَجتُ بفضلِ اللهِ عن والدِ شيخِنا.
انظروا هذا مِنْ عظيمِ برِّه بوالدِه بعد موتِه، والشيخ رحمه الله كان مِنْ أحبِّ الأشياء إليه أنْ يُدعى لأبَويه وأنْ يُتَرَحَّم عليهما وأنْ يُستغفَرَ لهما، مع أنه كان بارًّا بهما في حياتِهما وفي حياتِه بعدَ موتِهما كان بارًّا بهما، رضي الله عنه وعنهما
الإنسان ينبغي أن لا ينسى مَنْ سبقَه منْ أهلِه لا سيّما الأم والأب.
وأيضًا هو مرةً قال لي عملْتَ التهليلة يعني المُعتِقة عن والدتِكَ؟ كنا صغارًا تلكَ الفترة، قال لي ابدأ بها، يعني سبعين ألف مرة لا إله إلا الله، عملتُها بطلبٍ من الشيخ هو ذكّرَني، لكن انظروا على عظيمِ شفقَتِه حتى على الأموات المسلمين.
لذلك عندما تسمعون أو تروْنَ في المساجد في التعازي في الجنائز نطلبُ من الناس الذين حضروا وأحيانًا يكونونَ بالمئات خمسمائة ستمائة أو ألف أن يقولوا “اللهم أوصل ثوابَ ما قبلتَ منْ أعمالِنا الصالحة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإلى الأنبياء والأولياء والصالحين وإلى عامةِ المسلمين والمسلمات وأحيانًا نسمّي الميّت الذي حضرْنا منْ أجلِه، تخيّلوا كم يصل إليه من الأجر والثواب والنفع والفوائد.
يعني أنتم الآن تذكّروا مَنْ مات مِنْ إخوانِنا في هذه الأيام من أخواتنا أهدوهم لا تبخلوا عليهم وأنتم يصل إليكم، عندَما نقول نحن هذا في المجتمعات نقول وعامة المسلمين والمسلمات يعني يصل إليكم، فأنتم الآن حيثُ أنتم الذين في ألمانيا في تركيا في لبنان في أستراليا في كندا في فرنسا في أميركا في أي بلد، كلّ واحد الآن يتذكّر مثلًا الحاج صعب رحمه الله أختنا سُليمة رحمها الله، فلانة فلان تذكّروهم وقولوا، أنا الآن سأقول: اللهم أوصل ثوابَ ما قبلتَ مِن أعمالي الصالحة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وللإمام الشافعي ولشيخِنا الهرري لأهلي وأمي وأبي وإخوتي لسُليمة للحاج جمال صعب، هذا أمرٌ مهم ينفعُهم ويفرحون به فلا تبخلوا على أنفسِكم ولا على موتاكم المسلمين، هكذا ينبغي أنْ لا نترك مَنْ كان لنا من الأحياء والأموات، هذا هو النفع هكذا تكون الرحمة والتعاطف والتواصل لا بتلك الأخلاق والأعمال القذرة التي يُسمّونَها الشذوذ والانحراف من سحاق وزنى ولواط ويقولون حرية شخصية(
قال رضي الله عنه وأرضاه: قد يعيشُ المسلمُ منْ جهلِهِ بعلمِ الدين وغفلةِ قلبِه لا يستغفرُ لأبويْه المسلميْنِ يقضي أوقاتَه في التلفزيون ونحوِ ذلك من المُلْهيات.
)اليوم إنْ سألتَني مثل ماذا “ونحو ذلك من المُلهِيات” أقول لك هناك الكثير من المُلهيات مثل الفيس بوك الواتساب المقهى المطعم ما يسمى عند بعض الناس التسلاية وتضييع الوقت بلعب الزهر وورق الشدة، وهذا حرام، وبعضُ الناس الجهال إذا قلتَ له لا تلعب هذا النردَشير الزهر هذا لا يجوز، وردَ في الحديث [مَنْ لعبَ النردَشير فكأنما غمسَ يدَه في دمِ خنزير ولحمِه[
الصحابي الجليل أبو اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنه وعن أبوَيْه قال “مَنْ لعبَ بالنردشير فقد عصى أبا القاسم”
تقول له هذا حرام لعب الزهر وورق الشدة، ولو كان مع مال يكون الذنب أكبر، بالقمار يكون الذنب أكبر وأعظم، لو كان بدون مال حرام ولا يجوز.
فمن هنا لا بدّ أنْ ننتبه ونحذر ونتعلم من هذه المُلهِيات التي تجرُّنا إلى المُهلكات أحيانًا، فانتبهوا لأوقاتكم ولأنفسِكم ولأنفاسِكم ولأمواتِكم المسلمين وترحّموا عليهم واستغفروا لهم ولا تتركوهم في القبور فتنسوْنَهم هذا لا يليق ولا ينبغي(
قال رحمه الله: وغفلةِ قلبِه (يعني قد يعيشُ المسلم من جهلِه بعلم الدين وغفلةِ قلبِه) لا يستغفر لأبويْه المسلمين يقضي أوقاتَه في التلفزيون ونحوِ ذلك منَ المُلهيات هذا خلافُ آدابِ الإسلام.
)يعني عليه أنْ ينتبه إذا كان كبيرًا في العمر رجلًا أو امرأة يكون يعلّم أولادَه وأحفادَه ما هو خلاف آداب الإسلام وما هو مذمومٌ وقبيح ويُنْسيهم الصالح والمَليح منَ الأعمالِ الحسنة.
أحكي لكم هذه القصة التي حصلت معي، كنا مرةً في عزاء في بيروت في قاعة مشهورة جدا في البلد، تكلّمتُ في العزاء عن برّ وعقوق الوالدين، كان مُعظَم الدرس عن هذا الأمر وكان في هذا المجلس نائب وله شهرة في البلد وله عملٌ سياسي له مكانتُه في البلد عند بعض السياسيين.
الحاصل بعدما أنهيْتُ كلمتي قام هذا الرجل في بيروت يسمّونَه البيك قام وجاء ووقف حيثُ أنا قال يا شيخ هذا الكلام الذي حكيتُه أنت مطلوب يتعمم على كلّ المجالس ويُحكى عالمنابر ومطلوب يعرفُه الكبار والصغار، يُثني على كلامي ويُشجّع على نشرِه وتكرارِه في المجالس.
قال لي اسمع هذه القصة، اتصل بي فلان مدير المؤسسة الفلانية –واحدة من المؤسسات التي تسمى اجتماعية- قال له يا بيك اتصلْنا فلان، واحد من أغنياء البلد قلنا له أبوك مات تعالَوا لاستلامِه فقال الولد التاجر الغني قال: أووووف بعدو عايش لهلأ؟ لا يعرف إذا والده لا زال حيًّا أو ميتًا، قال ولو يأتوا لاستلامِه.
لو تعرفون ماذا يوجَد في المؤسسات التي يُسمّونَها مصحات عقلية أو نفسية أو تسمى مؤسسات اجتماعية من زعماء وأغنياء وعائلات سياسية وعائلات، رؤساء وزراء وُجهاء وُضعوا في هذه المؤسسات، أغنياء زعماء من قِبَلِ أبنائهم رمَوهم في هذه المصحات بالتزوير، زوّروا الأوراق الطبية والصحية ودفعوا مبالغ للأطباء للمؤسسات ليعتبروه مجنونًا أو مريضًا نفسيا أو عصبيا ويرموه في تلك المؤسسة ويخلصون منه ويبلعون الورثة والتركة.
كم مِنْ آباءٍ أُلقِيَت ورُميَت في الشوارع كم مِنْ أمهاتٍ بكت على أبواب المؤسسات الأمنية، كالمخافر ليأتي ابنَها يعطيها النفقة الواجبة، كم منْ أم أُلقَيَت في الشوارع إرضاءً للزوجة، كم منْ أب أُلقيَ في المزابل والشوارع والطرقات والأدراج ليُرضيَ خاطرَ زوجتِه رمى والدَه، إذا كانوا في حياتِهم يفعلونَ معهم هذا تستغربون أنهم بعد موتِهم لا يستغفرونَ لهم؟
نسألُ اللهَ السلامة، أنتم وأولادكم ابدأوا بهذا الأمر بالاستغفار للأمهات والآباء المسلمين الأحياء والأموات.
يعني أنت الآن أولادك حفّظْهم قول ربّ اغفر لأمي وأبي كل يوم، لو أنت وزوجتك لا زلتما حيَّيْنِ، وأنت لو والديك لا زالا حيَّيْن كل يوم قل في الصلاة وغير الصلاة “اللهم اغفر لأبويّ اغفر لأمي اغفر لأبي” تعوّدوا هذا وعوّدوا أولادكم وأحفادَكم لا تضيّعوا هذا العمل العظيم لا تكونوا من الغافلين المُغفّلين ولا تكونوا من هؤلاء الذين لا يستغفرون لأمهاتِهم وآبائِهم المسلمين والعياذ بالله تعالى.
والحمد لله رب العالمين