الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (63)

 

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

الأشاعرةُ والماتريدية

قال مولانا الشيخ رحمه الله رحمة واسعة: فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [افترقت اليهودُ على إحدى وسبعينَ فرقةً وافترَقت النصارى على اثنتَيْنِ وسبعينَ فرقة وستَفترقُ أمتي – هذه الأمة المحمدية – على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهم في النار إلا واحدةً وهي الجماعة].

)منْ هم الأشاعرة والماتريدية؟ نصرهم اللهُ وأيّدَهم ورحمهم. يجبُ الاعتقاد بأنّ هذه الأمة الإسلامية المحمدية لا تُجمِع على ضلالة وأنّ هذه الأمة أمةٌ مرحومة وقدْ مدَحَها اللهُ عزّ وجل ومدحَها الرسولُ صلى الله عليه وسلم، فمُستحيل لخبرِ اللهِ تعالى ولخبرِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم أنْ تكونَ هذه الأمة ضالة أو أنْ تُجمِعَ على كفرٍ وباطلٍ وضلال، يستحيل، لأجلِ خبرِ الله أنها خيرُ الأمم ولخبرِ الرسولِ أنها على حقّ وأنها الفرقة الناجية، فإذًا هذه الأمة لا تُجمِع على باطل ولا على ضلالة، وهذه الأمة المحمدية المباركة قد مدحَها اللهُ في قولِه {كنتمْ خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عنِ المنكر وتؤمنونَ بالله{[آل عمران/١١٠]

هنا إخواني وأخواتي، لو كانت هذه الأمة ضالة لأنها أشاعرة لأنها ماتريدية لأنها على الاحتفال بذكرى مولدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنهم حنفية لأنهم مالكية لأنهم شافعية لأنّ منهم مِنْ فُضَلاءِ الحنابلة مِنْ أهلِ السنةِ والجماعة الذين نزّهوا اللهَ عنْ صفاتِ المخلوقين وقالوا بجوازِ التوسل والتبرك والاستغاثة والاحتفال بالمولد، لو كانوا لأجلِ كلّ هذه العناوين ضالين أو مشرِكين أو قد اجتمعوا على بدعةٍ محرّمة كيف مدَحهم اللهُ بقولِه؟ إذًا اللهُ تعالى مدحهُم ومجموع هذه الأمة أشاعرة وماتريدية، يعني الأشاعرة والماتريدية على حق.

ثم في مجموعِ هذه الأمة أيضًا السادة الصوفية الأجِلّاء أهل التقوى والصلاح والعلم والولاية. وعندما نتكلم نحنُ عن الصوفية لا نعني المتَصوِّف أو الزنديق أو الحُلولي أو الإباحي أو هادم الشريعة أو الذي يُدَجِّل على الناس أو يأكل أموال الناس بالباطل ويلعب بأعراضِهم باسم التصوّف والصوفية،  لا نعني هذا الدجال ولا نعني هذا الخبيث فهذا لا يمثّل الصوفية ولا يمثّل التصوّف لأنّ التصوُّفَ الإسلامي الحقيقي هو صفاءُ المعاملةِ مع الله أداءٌ للواجباتِ واجتنابٌ للمحرّمات اقتداءٌ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم والتزام الشرع الشريف، هذا معنى التصوّف.

لذلك قيل الصوفيُّ مَنْ سلكَ دربَ المصطفى وأذاقَ النفسَ طعمَ الجَفا وجعلَ الدنيا منه على القفا – وراء ظهرِه –

عندما نمدح التصوّف أو الصوفية فلا نعني أبدًا تلك الشاذة المُنحرِفة التي تكلَّمْنا عنها مِنْ شُذّاذِ الآفاق ومِنْ فرَق الضلال الذين يتسترونَ بالتصوّف. ففرقٌ بين الصوفيِّ الحقيقي وفرقٌ بين المُتصوِّف المتستّر بالصوفية كما أنَّ منَ المصلين مَنْ لا يحسن الصلاة ومَنْ يفعلُ فيها ما يُفسِدُها فهل نذُمُّ الصلاة على الإطلاق لأجلِ هذا الجاهل؟ حاشى، لا نذُمُّ الصلاة بل نقول هذا جاهل حرّفَ أفسدَ خرّبَ عمِلَ ما لا يليق لكنْ الصلاة لا دخَلَ لها به، وهكذا في الحجيج وهكذا في المُزَكّين وهكذا في الصائمين وهكذا في قارئي القرآن وهكذا في المُعتَكِفين، وهكذا وهكذا في سائر الأعمالِ الحسَنة إذا وُجِدَ مُفسِد أو شاذّ أو مُنحرِف أو مُغيِّر مُبَدِّل فلا نَذُمّ هذه الأعمال الطيبة ولا نذمّ هذه الأعمال الطيبة الزكية الطاهرة بل المُنحرِف والشاذ هو المذموم، وهكذا مَنْ حرّفَ باسمِ التصوّف فتَحريفُه عليه وليس على التصوّف الحقيقي.

فإذًا مجموع هذه الأمة أشاعرة ماتريدية صوفية حنفية مالكية شافعية فُضَلاء الحنابلة وهؤلاء هم السوادُ الأعظم وقد مدحَهم القرآن ولو كانوا على باطل أو على ضلالة كيف يمدحُهم الله؟ كيف يمدحُهم القرءان؟

فإذا قيل لكم إنما الأشاعرةُ والماتريدة والصوفية والاحتفال بالمولد كل هذا ظهرَ بعدَ السلفِ الصالح بعد القرونِ الثلاثةِ الأولى فالجوابُ عن ذلك اللهُ عالمُ الغيبِ والشهادة لا تخفى عليه خافية وعلمُه أزليّ أبديّ، وعلمُه علمٌ واحد شاملٌ لكلّ الأشياء جملةً وتفصيلًا، فهو عالِمٌ في الأزل أنّ مجموعَ هذه الأمة سيصير أشاعرة وماتريدية وصوفية وحنفية ومالكية وشافعية وحنابلة على مذهب الإمامِ أحمد السني المُنزِّه الذي أجازَ التوسل والتبرك.

فإذًا لا مُتمَسَّكَ لهؤلاء المشبهة المجسمة الذين يقولون إنما الأشاعرة والماتريدية ظهروا في أول القرنِ الرابع الهجري، إنما التصوف ظهر في القرنِ السادس الهجري، إنما الاحتفال بالمولد حصل في القرن السابع الهجري، أجيبوا بهذا الجواب اللهُ عالمٌ في الأزل فيما لا بدايةَ  له أنّ هذه الأمة ستُجمِع على هذه القضايا وعلى هذه الأمور وستُعرَف بها وهي كما مدحها سبحانه بقولِه {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتنْهَوْنَ عن المنكَر وتؤمنونَ بالله}[آل عمران]

هذا بشكلٍ عام، أما إذا جئنا إلى مدحِ الأشاعرة والماتريدية بخصوصِهم فالجواب في هذه القضية واضح:

أولًا: تعالَوا معي إخواني وأخواتي لننظرَ ماذا قال الأئمةُ والعلماء في هذه الآية الكريمة {فسوفَ يأتي اللهُ بقوْمٍ يحبُّهم ويحبّونَه} ]المائدة/٥٤]

روى الإمام البخاري رضي الله عنه والحافظ ابن عساكر في كتابِه تبيين كذِب المُفتري أنّ هذه الآية الشريفة المباركة عندما نزَلَت أشارَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري، هو جدّهُ لأبي الحسن، يعني أبو الحسن الأشعري عليّ بن إسماعيل رأس الأشاعرة إمام أهلِ السنة في العقيدة هذا الرجل العظيم يكونُ منْ ذرية وأحفاد أبي موسى الأشعري، يعني منْ ذرية الصحابيّ الذي عندما نزلَت الآية أشارَ الرسولُ إليه رضي الله عنه قال [هم قومُ هذا]

{فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبُّهم ويحبّونَه}[المائدة/٥٤] هذا مدحٌ لهم.

وأتْباعُ الإنسانِ قومُهُ فإذًا كما في الآية {فأدخلوا آلَ فرعونَ أشدَّ العذاب}[غافر/٤٦] لأنهم أتْباعُه إنْ كانوا منْ أقربائه أو مِنْ غيرِ أقربائِه.

والأشاعرة أتْباع عليّ بن إسماعيل الذي هو منْ أحفادِ أبي موسى، يعني أبو الحسن الأشعري وهؤلاء قومُهُ الأشاعرة وهو مِنْ قومِ أبي موسى والقرآن يقول كما قال اللهُ تعالى {فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبُّهم ويحبّونَه}[المائدة/٥٤] مدحٌ للأشاعرة، بدليلِ هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي موسى وقال [هم قومُ هذا]

هذا دليلٌ قرآني وحديثي على مدحِ الأشاعرة.

هذا في الأشاعرة، وأما في الماتريدية والأشاعرة بالعموم فهم داخلونَ في قولِ اللهِ تعالى {كنتم خيرَ أمةٍ}[آل عمران/١١٠] والدليلُ على ذلك لأجلِ أنْ لا يتقوَّلَ متقَوِّل ما نصَّ عليه الفقيهُ المحدّث الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي رحمه الله في كتابِه إتحاف السادة المتقين بشرحِ إحياءِ علوم الدين قال “وحيثُ أُطلِقَ أهلُ السنةِ والجماعة فالمرادُ بهم الأشاعرةُ والماتريدية” هذا المراد بأهلِ السنة، وهذه الآية {كنتم خيرَ أمةٍ}[آل عمران/١١٠] تعني أهلَ السنةِ أم لا؟ بلى، إذًا الأشاعرة والماتريدة داخلونَ في ذلك.

وأما مدحُ الماتريدية بخصوصيةٍ بحديثٍ منْ حيثُ الأكثر بذكرِ رئيسِهم الذي كان ذُكِرَ في الحديث وهو حديثٌ رواه الإمام أحمد ورواه الحاكم والسيوطي قال صلى الله عليه وسلم [لتُفْتَحَنَّ القسطَنْطينية فَلَنِعْمَ الأميرُ أميرُها ولَنِعمَ الجيشُ ذلك الجيش] مَنْ كان هذا الأمير الذي مدحَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالوحي؟ كان ماتريديّ العقيدة السلطان الفاتح العادل الفقيه الإمام العالمُ العلّامة الوليُّ الصالح محمدٌ الفاتح رحمه الله رحمةً واسعة.

كيف قال فيه الرسولُ صلى الله عليه وسلم [فلَنِعمَ الأميرُ أميرُها] وهو ماتريديّ العقيدة فلو كانت الماتريدية ضلالة كيف مدحَهُ الرسول؟ ولو كانت الأشاعرة والماتريدية على ضلال كيف قال ولَنِعمَ الجيشُ ذلك الجيش، لأنّ ذلك الجيش كان أشاعرة وماتريدية.

وارجِعوا إلى كتبِ التواريخ كيف عندَما جهّزَ السلطان للفتح قام الأئمة والفقهاء وخطباء الأمة بجمعِ الناسِ على السلطان وعلى الخروجِ في جيشِه، فجاء الأشاعرة وجاء الماتريدية وكانوا جيشًا لهذا الإمام وكانوا جيشًا لهذا القائد، وكانوا جيشًا لهذا السلطان.

الرسول مدح السلطان محمد الفاتح وهو ماتريدي العقيدة وكان يعتني بالطريقة وبالتوسل وبالتبرك وكان يعتقد في الأولياء وأخرجَ معه الأولياء في الفتح وشاورَهم وتبرّك بهم، وكان يتبرّك بجبّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وبِعِمامةِ الرسولِ وسيفِهِ صلى الله عليه وسلم.

هذا السلطان محمد الفاتح الذي جمعَ كلّ هذه القضايا ماتريدي وجيشُهُ أشاعرة وماتريدية وهو يتوسل ويتبرك ويقبِّل شعرات الرسول ويضع عِمامةَ الرسولِ على رأسِهِ والجبة الشريفة على كتفيْهِ ويعتقد في الأولياء ويتبرك بهم ويُشاورُهم، وكلّ هذه العناوين عند المشبهة المجسمة يعتبرونَها ما بين شركٍ وضلالة، كيف مدحَهم الرسولُ لو كانت هذه القضايا ما بين شرك على زعمِكم كالتوسل والاستغاثة والاستعانة بالأنبياء والأولياء وبين الاحتفال بالمولد وبعض الأمور الأخرى، لو كانت شركًا أو ضلالةً أو محرّمةً وهو هذا السلطان العظيم المبارك كلُّها كان يفعلُها، كيف قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم [فلَنِعمَ الأميرُ أميرُها].

هم سيقولون حديثٌ ضعيف بل بعضُهم سيقول حديثٌ موضوع وكذبوا وافترَوا، وهنا لا تفزعوا أبدًا ولا تخافوا لأنّ التصحيحَ والتضعيف ليست منْ وظيفةِ الجُهَلاء، هؤلاء لوْ جُمِعوا منَ الدنيا وعُصِروا عصرًا لا يخرجُ فيهم حافظٌ واحد.

ماذا قال السيوطي في ألفيّتِه في التصحيح والتضعيف؟

“وخذْهُ – أي الحديث – حيثُ حافظٌ عليه نصّ        أو مِنْ مصنَّفٍ بجمعِه يُخَصّ”

تعالَوا لِنَتكلّم في المصطلَح وفي التصحيح والتضعيف وما هي القاعدة في ذلك عند الحفّاظ ليس عند الغَوغاء والببغاء والجُهَلاء والمشبهة والمجسمة وليس عند نُفاةِ التوسل والتبرك والمولد لا، بل عند الحفّاظ الذين أسّسوا وبيّنوا قواعد الاصطلاح.

تعالَوا لننظر كيف يُؤخَذ الحديث إنْ في التصحيح أو التضعيف:

“وخذْهُ” يعني طريقة أخذ الحديث والحكم والجزم بأنه صحيحٌ أو ضعيف يكون كيف؟

“وخذه حيثُ حافظٌ عليه نصّ” يعني العاميُّ والأميُّ ومجرّد الفقيه حتى مجرّد المحدّث الذي لم يصل إلى مرتبة الحافظ وحتى المفسّر، بل حتى مَنْ هو منْ علماء الأصول إنْ كان منْ أصولِ العقيدة أو أصول الفقه، بل أكثر منْ ذلك حتى القاضي حتى المفتي إنْ لم يكنْ بلغَ مرتبةَ الحفظِ ليس هو الذي يُصحِّحُ أو يضعِّفُ، فلا تنشغلوا ولا تخافوا ولا تفزعوا ولو سمعتُم منهم بأجمعِهم، بل ولو قرأتُم في مؤلَّفاتِهم، اسمعوا واعرِفوا كيف يؤخذ الصحيح والضعيف

“وخذه حيثُ حافظٌ عليه نصّ” هذا الإمام الحافظ الطبراني صاحب الكتب المشهورة والكثيرة في الحديث المعجم الصغير والمعجم الأوسط والمعجم الكبير والكثير من الكتب في الحديث، مات في سنة 360 للهجرة وهو إمامٌ حافظٌ معروف.

في الجامع الصغير نصّ نصًّا صريحًا على تصحيحِ حديثِ عثمان بن حنيف المصحَّح عند عددٍ من الحفاظ، لا يظنّ المشبهة أننا فقط متمسكونَ بحديث الطبراني بحديث عثمان بن حنيف لا، نحنُ عندَنا أكثر منْ خمسةَ عشرَ حافظًا نصّوا على تصحيحِه، ولي قصد بأنْ ذكرتُ هذا الحديث بعينِه، في المعجم الصغير الحافظ الطبراني يذكر سندًا إلى الصحابة ثم الحديث ولا يقول صحيح لا يقول حسن لا يقول ضعيف إلا عندما جاء على حديث عثمان بن حنيف ساقَ السند والحديث ذكر المتن الذي فيه أنّه صلى الله عليه وسلم علّمَ الأعمى التوسل قال له [إيتِ الميضأة توضأ وصلِّ ركعتين ثم ادعُ بهؤلاء الكلمات ثم قل اللهم إني أسألُكَ وأتوجّهُ إليك بنبيِّكَ محمدٍ نبيِّ الرحمة يا محمدُ إني أتوسلُ بك إلى ربي في حاجتى لتُقضى لي]

هذا توسل أم لا؟ بلى توسل واستغاثة واستعانة، فإذا قلتم هذا كان في حضرتِه صلى الله عليه وسلم قلنا: كذبتم لأنّ الرسولَ قال للأعمى [إيتِ الميضأةَ] يعني فارِقْنا، فارِق المجلس، هذا دليلٌ من نفسِ الحديث.

وهناك دليلٌ آخَر أنّ عثمان بن حُنيف راوي الحديث عن الأعمى يقول “ما تفرَّقْنا ولا طالَ بنا الحديث – يعني لا زالوا بنفس المجلس ولم يطُل زمن التحدّث بينَهم – إلا وقد دخلَ علينا الرجل وقد أبصر وكأنه لمْ يكنْ به ضرٌّ قط” يعني عندما توسّل لم يكن في حضرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان في مكانٍ آخَر، ثم عثمان بن حنيف أوضحَ ذلك.

الرسولُ عليه الصلاة والسلام أمرَه أنْ يُفارقَ المجلس الذي فيه الرسول وأنْ يذهبَ إلى مكانِ الوضوء ثم يصلي ثم بعدَ السلام يدعو بهذه الدعَوات، ثم عثمان قال الرجل جاء إلى المجلس الذي كان فيه، كل هذه دلائل منْ نفسِ الحديث أنه لم يكنْ في مجلس الرسولِ صلى الله عليه وسلم بل كان في غَيْبتِه، فإذا قلتُم إنّ التوسلَ بالحيّ الحاضر جائز لأنه كان في حضرتِه يُرَدّ عليكم بما ذكَرْنا بأنّ التوسلَ كان في غَيْبتِه ولم يكن في حضرتِه، وإنْ قلتم إنّ التوسلَ شرك فقدْ زعمتُم أنّ الرسولَ علّم الأعمى الشرك، والرسول قال [إنّ ليَ خمسة أسماء أنا محمد وأحمد والماحي الذي يمحو اللهُ بيَ الكفر] هذا الحديث رواه عددٌ منَ الحفّاظ في الصِّحاح وفي غيرها.

لو كان شركًا كيف علّم الأعمى قال [وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ بيَ الكفر] وأنتم تقولونَ إنّ التوسل والاستعانة والاستغاثة شرك؟ وهنا الحافظُ الطبراني يقول “والحديثُ صحيح”

لوْ رجَعْتم إلى الجامع الصغير للطبراني لا تجدون هذا النص بالتصحيحِ على حديث غير هذا الحديث وكأنّ اللهَ ألْهَمَهُ اللهُ أعلم أنه سيأتي مَنْ يطعن في صحةِ هذا الحديث فسبقَهم ونصّ على صحتِه، مع أننا عندَنا عددٌ من الحفاظ الذين نصّوا على صحةِ هذا الحديث.

ثم إذا قالوا الحديث يُطلَق فقط على المرفوع ولا يُطلَق على الموقوف على الصحابي يُقال لهم ارجعوا على ما ذكرَه ابنُ الصلاح والنووي وإلى ما ذكرَه السخاوي وإلى ما ذكره السيوطي أنّ الحديث يُطلَق على الموقوف – يعني إلى الصحابي – ويُطلَق على المرفوع – يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم – والطبراني قال بعد جملةِ الحديث “والحديثُ صحيح” يعني الموقوف صحيح والمرفوع صحيح والمُرادُ به تصحيح الحديث المرفوع لأنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم هو الذي علّمَه ذلك.

تعالَوا الآن لنَنْظر هنا ماذا استفَدْنا أنّ هذا الحديث نصَّ نصًّا صريحًا على صحتِه حافظٌ معتَبَر وهو الطبراني في المعجم الصغير وارجعوا إليه والكتابُ مطبوعٌ وموجودٌ في الأسواق، هذا مثالٌ من الأمثلة كيف نعرف أنّ الحديثَ صحيح.

لو قرأنا مثلًا ابن عثيمين ابن باز الفوزان السديس الألباني فلان وكل هؤلاء ومَنْ سبقَهم منْ أئمّتِهم ومَنْ تفرّقَ منهم  إذا قالوا صحيح أو ضعيف، كل هؤلاء لا يُساوونَ حافظًا واحدًا ولا يطلُع قولُهم بمثابةِ قولِ حافظٍ واحد، ليسوا حفّاظًا ولو عندهم شهرة عندكم يا مشبهة، ليست العبرة بالشهرة والمراكز الدنيوية العبرة بمراتب العلماء، المراتب الخاصة للعلماء التي تصحّح وتُضعِّف هو الحافظ، والألباني هو قال أنا محدّثُ كتاب ليس محدّثًا ليكونَ حافظًا، فاتقوا اللهَ كيف تُروِّجونَ لهذا الرجل الذي شهِدَ على نفسِه بأنّه ليس محدِّثًا بل قال أنا محدِّثُ كتاب عندما ناظره ذلك المحامي في دمشق وقال له المحامي أنا أتحدّاك اذكر لي عشرة أحاديث منك إلى النبي بالإسناد المتصل، قال أذكرُها لك منَ الكتاب، قال منَ الكتاب؟ قال: نعم أنا محدِّثُ كتاب، فقال المحامي وأنا أذكرُها لك من الكتاب، يعني أنا محدّث كتاب، فما الفرق بيني وبينَك؟ فسكتَ الألباني.

ثم ارجعوا إلى اليوتيوب والفيس بوك تجدونَ هذا شيخ الوهابية المروِّج لهم العريفي يقول عن الألباني لم يأخذ علم الحديث عنْ إمامٍ أو محدّث إنما كان يضع السلم ويصعد إلى المكتبة يبقى قريب الربع ساعة واقفًا على السلم يقرأ في الكتب، هو يقول عنه لستُ أنا، هو يقول أنه ما أخذ هذا العلم عن حافظ عن عالم عن شيخ مُعتبَر إنما قراءة في الكتب، يعني ما هبَّ ودبّ، فإذًا هكذا لا يصيرُ محدّثًا.

فإذًا انتبهوا التصحيح والتضعيف ليس وظيفة الألباني، وليس وظيفة السديس والعفاسي والفوزان والوهابية، التصحيحُ والتضعيف وظيفة الحفّاظ كالإمام أحمد كمالك كالشافعي كالسيوطي كابن حبان كالطبراني كالبيهقي، هؤلاء حفّاظ، أما تقول صحّحه الألباني من أين تقول هذا؟ الألباني ضعّفَ أحاديث في الصحاح وصححَ أحاديث في الموضوع – يعني مكذوبة – كيف يقولون صحّحَه ابن عثيمين وابن باز؟ ما هذا الكلام؟

استفيقوا وانتبهوا واعرِفوا عمّن تأخذون.

إذًا الحافظ الطبراني نصّ على تصحيح حديث عثمان بن حنيف الذي هو في المعجَم الصغير للطبراني توفي سنة 360 للهجرة.

أما القسم الثاني من بيت الألفية التي للسيوطي قال:

“أو مِنْ مُصَنَّفٍ بجمْعِه يُخَص” تعالَوا إلى طريقةٍ ثانية للتصحيح والتضعيف، إذا جئنا إلى حافظٍ من الحفّاظ المعتبَرين، إذا ذكروا لنا واحدًا منْ هؤلاء المعاصرين المجسمة نمتحنُه بصفاتِ الحافظ نسألُهم عنه وعن صفاتِ الحافظ، وما هي صفات الحافظ وإذا كان فيهم صفة منْ صفات الحافظ، تعالوا لننظر ماذا قال السيوطي

الحافظ المُعتبَر إذا التزمَ يعني اشترطَ على نفسِه، قال صرّح أوضح بيّن فقال هذا المؤلَّف هذا المصنَّف هذا الكتاب التزِمُ أنْ لا أذكرَ فيه إلا الصحيح، جرّدتُه للصحيح لنْ أذكرَ فيه الضعيف لا أورِد فيه الحديث الضعيف إلا الصحيح، هذا معنى التزام الحافظ، أنه أفردَ كتابًا للصحيح، جئنا لهذا الكتاب بالطريقة المعتبَرة إنْ كان بخطّ الحافظ أو بتوثيق مَنْ وثّقَه من الأئمةِ والعلماء والحفّاظ، أو مَنْ نقلَ عنْ خطِّه بطريقةٍ موثوقة فرأينا أنه ذكر حديثًا معيّنًا  لا يُرضي الوهابية، مثلًا: حديث الزيارة [مَنْ زار قبري وجبَت له شفاعتي]،المثال الأول والثاني يزعجُهم، يعني حديث التوسل والاستعانة والاستغاثة نصّ عليه أنه صحيح، والقسم الثاني أنه التزم في المصنّف الثاني أن لا يذكر إلا الصحيح مثل حديث [منْ زار قبري وجبت له شفاعتي]

الحافظ المقدسي في كتابِه المختارة، يعني الأحاديث المختارة، له اسم آخر وهو ضخم وقد طُبَع واسمُه صِحاحُ الأحاديث، من عنوانِه التزمَ فيه أنْ لا يذكر فيه إلا الصحيح وذكر فيه حديث [مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي] سبحان الله، وهم يقولون عنه موضوع باطل ضعيف ومطعونٌ فيه، هذا حافظ الضياء المقدسي صحّحه.

مثال آخر أيضًا يُزعجُهم وهو الحافظ سعيد بن السكَنْ في كتابِه المُسنَد الذي التزمَ فيه أْن لا يذكرَ فيه إلا الصحيح وذكر فيه حديث الزيارة.

في القسم الأول نصّ الحافظ على صحةِ الحديث، في القسم الثاني من البيت أنْ يلتزِمَ الحافظ أنْ لا يذكرَ في هذا الكتاب إلا الصحيح.

عرفتم كيف نأخذ الحديث إنْ كان صحيحًا أو ضعيفًا؟ من تصحيحِ أو تضعيف الحفّاظ.

هذا الحديث الذي بسببِه دخلْنا في هذا الموضوع هو حديث [لتُفْتَحَنَّ القسطنطينية فلَنِعمَ الأميرُ أميرُها ولَنِعمَ الجيشُ ذلك الجيش] حسّنَهُ بعض الحفّاظ، أما أنتم تقولون موضوع مكذوب أو ضعيف.

واسمعوا معي لو كان بزعمِكم منْ حيثُ الإسنادِ ضعيفًا لكنْ الأمة لا تُجمِعُ على باطل، والأمةُ أجمعت على مدحِ السلطان محمد الفاتح وعلى مدحِ الأشاعرة والماتريدية.

إذًا مدح الأشاعرة والماتريدية من القرآن ومن حديث [هم قومُ هذا]، مدحُ الأشاعرة والماتريدية من حديث [لتُفتَحنّ]  هذا القرآن، هذا الحديث، بقي الذي ذكرتُه لكم عن الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في كتابِه الإتحاف قال “وحيثُ يُطلَقُ أهلُ السنةِ والجماعة فالمرادُ بهم الأشاعرةُ والماتريدية”

يا إخواني يا أخواتي، الأشاعرة والماتريدية ليس دينًا جديدًا، الأشاعرة والماتريدية ليس عقيدةً مُسْتَحْدَثةً مؤلّفة مركّبة كعقيدةِ المشبهة المجسمة، بل عقيدةُ الأشاعرة والماتريدية مؤيّدَة من القرآن ومنَ السنة الصحيحة ومنْ إجماع الأمة، وهذه من مصادر التشريع.

ثم الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو نفسُه قال في هذا الحديث الذي رواه أبو داود في سننِه وهو من الأحاديثِ المُشتهرة، عند علماء المُصطلح الحديث المشهور ما رواه ثلاثة فما فوق، هذا رواه عشَرة من الصحابة وهو، قال صلى الله عليه وسمل [ستفترِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلّهم في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي] وفي رواية [وهي السواد الأعظم] وفي رواية [وهم الجمهور]

هذا الحديث فيه يبيِّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الفرقةَ الناجية السالمة التي هي على ما كان عليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم والصحابة في الاعتقاد وفي الفقه، في العقائد والأعمال.

ومنْ هي هذه الفئة اليوم والفرقة التي على ما كان عليه النبيّ والصحابة؟ أهلُ السنةِ والجماعة، الأشاعرة والماتريدية.

لو شئتُم اعملوا جدول وارجعوا إلى مراجع أهلِ السنة وأدلتِهم من الكتاب ومن السنة ومن الإجماع وارجِعوا إلى المشبهة المجسمة وكل فرق الضلال تعرفون مَنْ هم المعنيون بقولِه صلى الله عليه وسلم [إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي]

هناك حديثٌ ءاخر قال صلى الله عليه وسلم [فمَنْ أرادَ بُحبوحةَ الجنة فلْيلْزَم الجماعة] رواه البيهقي، والمقصود بالجماعة هنا هم السواد الأعظم، ما كان عليه النبي والصحابة، يعني أهل السنة والجماعة، يعني الأشاعرة والماتريدية، يعني جمهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لا يَزيغُون ولا يُضلّون ولا يُجمِعونَ على كفرٍ ولا على ضلالة ولا على باطل.

حديثٌ ثالث: قال صلى الله عليه وسلم [المُتمسِّكُ بسنّتي عندَ فسادِ أمتي له أجرُ شهيد] رواه البيهقي

سنتي يعني شريعتي عقيدةً وأحكامًا، ما كان عليه النبي والصحابة، [المتمسك بسنتي] يعني الذي يثبُت على ما عليه أهلُ السنةِ والجماعة يعني على ما عليه السواد الأعظم، الجمهور، كما في الأحاديث عند أبي داود وفي صحيح ابن حبان وفي سنن ابن ماجه وفي كثير من كتبِ السننِ والأحاديث.

حديث رابع: قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في القضاء والقدر [ستةٌ لعنْتُهم ولعنَهُم الله ولعنَهم كلُّ نبيٍّ مُجاب] ذكر الستة وعدّ فيهم [التاركُ لسنتي المُفارِقُ للجماعة] التاركُ لسنتي شريعةً وأحكامًا، المُفارق للجماعة يعني هذا الشاذ.

حديث خامس: وهو ما رواه مسلم في صحيحه وعدد منَ الحفاظ قال صلى الله عليه وسلم [مَنْ شذّ شذّ إلى النار] وفي لفظٍ [شذّ في النار]

منَ هم الذين على الحق مع النبيّ والصحابة مع السواد الأعظم مع الجمهور هم أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية هم الذين لم يشِذّوا.

حديث سادس: قال صلى الله عليه وسلم [مَنْ رَغِبَ عن سنّتي فليس مني] سنتي يعني شريعتي عقيدةً وأحكامًا، يعني الذي لا يُعجِبُهُ ما كان عليه الرسول فهذا ليس تابعًا للرسول ليس من المسلمين.

هناك أحاديث كثيرة تُثبتُ وتؤكد وتوُضِحُ وتبيّن أنّ السوادَ الأعظم أنّ جمهور الأمة الإسلامية هم الأشاعرة والماتريدية نصرهم الله. وفي زمن الرسولِ صلى الله عليه وسلم كانوا يقول لهم الجماعة، لشرفِ صُحبةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان الاسم الغالب الصحابة، هذا تشريف للصحابة لأنّها إضافة إلى أنه صاحبٌ لرسولِ اللهِ فهذا الاسم الغالب الظاهر المشهور المنتشر للصحابة، الجماعة، ثم بعد ذلك صار يقال أهل السنة والجماعة، يُقال لهم أيضًا ممّا أُخذَ من الأحاديث السواد الأعظم وجمهور الأمة الإسلامية، وجمهور الأمةِ المحمدية، وفي أوائل القرن الرابع الهجري صار لهم اسمٌ في نفس الجماعة لنفس الناس وهو الأشاعرة والماتريدية، ليس لأنه دينٌ جديد ولا لأنه عقيدة جديدة ظهرت لا.

في ذاك الوقت كان بدأ يظهر أهل الضلال منْ مرجئة جهمية قدرية ومشبهة، بدأت فرق الفساد والكفر والضلالة والزندقة تنتشر، بزغَ هذا وظهر ذاك، الصحابة ردّوا عليهم بل إنّ منَ الصحابةِ مَنْ كفّرَهم وقد سبق لنا في دروسٍ مضَتْ، من التابعين مَنْ ردَّ عليهم وألّف في الرد عليهم وهذا ذكرْناه بالتفصيل.

ما الذي حصل؟

بدأت تنتشر فرق الضلالة وأهل الأهواء إلى أن جاء محمد بن محمد، أبو منصور الماتريدي، وعلي بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري رضي الله عنهما، كانا منْ رءوسِ أهلِ السنة والجماعة.

 صارا يردّان على أهلِ الضلالة وينصران مذهب أهلِ السنة، ما قعدا مع الشياطين كما فعل فرق الضلالة والأهواء وطلعوا بعقائد خليط لا، أتيا بعقيدةِ الصحابة نظرا فيها فرتّباها ووضعا عليها الأدلة من الكتاب والسنة وردّا على المخالفين ثم قاما بتأييدِ عقيدةِ أهلِ السنةِ وبنصرةِ مذهبِ أهلِ السنة وبتأييدِ عقيدةِ الصحابة، ثم لم يكتَفِيا بذلك بل خرجا لمناظرة كلِّ رءوسِ أهلِ الأهواء والبدَع الاعتقادية فكسَرا فرق الضلالة ونصرا عقيدة أهل السنة وأظهرا الأدلة القرآنية والحديثية والعقلية، ففرحَ الناسُ بهما صار المسلم يقول أنا أشعري وهذا يقول أنا ماتريدي نسبةً لأبي الحسن ولأبي منصور ليس لدينٍ جديد ليس لعقيدةٍ جديدة بل لأنهما نصَرا عقيدة أهلِ السنة والجماعة، يعني اليوم مثلًا لما نقول المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي ليس معنى هذا أنها أديان هم ألّفوها وإنْ كانت في الفروع، والأشاعرة والماتريدية ما ألّفا أديانًا، هم أتَيا بعقيدةِ الصحابة ووضعَا أدلةً منَ القرآنِ والحديثِ والأدلة العقلية عليها ونصراها وأظهَراها وناظرَا فرق أهلِ الضلالة والإلحاد والزندقة والتشبيه والتجسيم والحلول والاتحاد وأهل الأهواء فكسرَا كلّ أهلِ الضلال ففرِحَ بهما الناس وانتسبَ الناسُ إليهما، منْ هنا جاء اسم الأشاعرة والماتريدية ليس لدينٍ جديد حاشى، بل دينُهما الإسلام والتوحيد والعقيدة والتنزيه مؤَيَّدًا بالأدلةِ والبراهين.

قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي “وحيثُ أطلِقَ أهلُ السنةِ والجماعة فالمرادُ بهم الأشاعرةُ والماتريدية”.

والحمد لله رب العالمين