الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (60)

يقول فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدِنا محمد النبيّ الأمي العالي القدر العظيم الجاه

وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه

 

)في الدرس الأخير كنا نختم في قصة مُعاذ رضي الله عنه وأرضاه ممّا يدلُّ على تأكيد وأهميةِ علمِ التوحيد ويومَها بسبب انقطاع البث من غيرِ أنْ نُكمِلَ القصة التي بدأْنا بها، والآن نختمُها مُختَصَرةً في نفس الموضوع الذي كنا فيه وهو العمل على نشرِ التوحيد والتأكيدِ والتركيزِ على أمرِ التوحيد لأنه الأصل والأساس، وقلنا إنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم بعثَهُ إلى اليمن وقلنا يومَها كان عالِمًا مجتهدًا شابًّا تقيًّا ورِعًا زاهدًا صالحًا شجاعًا، فهذا الرجل رضي الله عنه وأرضاه الرسولُ عليه الصلاة والسلام عندَما وجّهَه إلى اليمن قال له [إنّك تَقْدَمُ على قومٍ منْ أهلِ الكتاب فادْعُهم أول ما تَدعُهم إليه إلى عبادةِ الله] إلى عبادةِ الله يعني إلى توحيدِ الله، إلى معرفةِ الله لأنّ الإنسانَ إذا كان يدّعي التوحيد ويدّعي أنه عابدٌ لله وهو مشرك يعبُدُ غيرَ الله، يعبُدُ المسيح يعبُدُ عُزيرًا يعبُد الصنمَ يعبُدُ الحجرَ فلا يكونُ موَحِّدًا ولا يكونُ عابدًا لله، بل يكونُ مشرِكًا باللهِ والعياذُ بالله.

فلذلك ليست العبرة باعتقادِهم بأنفسِهم وليست العبرة بما يظنّونَه هم أنه حق، يعني ليس لظنِّهم أنهم على الحقّ صارَ حقًّا لا، بل العبرةُ بما عندَ الله.

لذلك هم كانوا يدّعونَ أنهم أهل الكتاب وأهلُ التوحيدِ وأنهم يعبدونَ اللهَ بزعمِهم، كلّ هذا ما نفَعَهم.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم [ادعُهم أوّل ما تدعُهم إليه] لأنّ الأصلَ والأساس هو معرفةُ الله. فالذي لمْ يعرِف الله لم يعبُد الله لمْ يُوَحِّد الله لا يكونُ عابدًا لله بل يكونُ عابدًا لهذا الشخص للنبيّ أو للوليَّ أو للصنم أو للحجر أو ما شابه.

فلذلك أكَّدَ عليه أوّلًا أنْ يَدْعُوَهم إلى عبادةِ اللهِ تعالى، وبعبادةِ اللهِ إذا هم عبَدوا الله خافوا الله أذْعنوا للإيمان تركوا الكفر نطقوا بالشهادتين دخلوا في الإسلام صاروا عابدينَ لله صاروا موَحّدينَ لله صاروا مؤمنين صاروا مسلمين، بالتوحيد بعبادةِ الله  بمعرفةِ اللهِ بتركِ الكفر بالنطقِ بالشهادتين مع الاعتقادِ الجازم بالدخولِ في الإسلام، بهذا صاروا عابدينَ لله تعالى موَحِّدينَ له.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم لم يقُلْ له هؤلاء يعبُدونَ الله، حاشى الرسول لا يقول هذا عنهم، ما قال هم أهلُ كتاب إذًا علّمْهم أركانَ الوضوء لا، قال [إنك تقْدَمُ على قومٍ منْ أهلِ الكتابِ فادْعُهمْ أوّل ما تدعُهم إليه إلى عبادةِ الله] إلى توحيدِ الله إنْ هم أجابوا إلى ذلك – يعني إذا أسلموا – بعدَ ذلك فعلِّمْهم أنّ اللهَ افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليومِ والليلة.

إذًا ما هو الأساس والأصل والفرضُ الأول؟ الإيمان باللهِ ورسولِه. وهذا دليلٌ لنا معاشرَ أهلِ السنةِ والجماعةِ أنّ الأمورَ على حسبِ أوْلَويّاتِها في الإسلام، على حسَبِ أوْلوِيّاتِها في الشرع، وليس على ما يظنُّه الجاهل أو الإنسان المشبّه المجسّم، فالمشبّهةُ المجسّمةُ مثلًا يقولونَ في أنفسِهم أنهم صفوةُ خلقِ اللهِ ويظنّونَ بأنفسِهم عبادُ اللهِ المخلَصونَ بزعمِهم، أما في الحقيقةِ هم ما عرَفوا اللهَ لأنهم يعبدونَ جسمًا حجمًا شيئًا توَهَّموهُ تخيَّلوهُ قاعِدًا فوقَ العرشِ لا وجودَ له.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي ينبغي علينا أنْ نأخذَ من هذا الحديث الصحيح الذي هو عندَ البخاري وعندَ غيرِه وأنَّ الأولويّات على حسَبِ ما بيَّنَها الرسول ثم هم إنْ ءامنوا واسْتجابوا وأسلموا واعتقدوا بعدَ ذلك يُبيّن لهم الفرائض العملية كالصلَواتِ الخَمس كالزكاةِ كحجّ البيتِ على المستطيع كصيامِ رمضان، هذا بعدَ أنْ أسلَموا بعدَ أنْ ءامنوا، هكذا تكون الأولويّات.

فإذًا الأصلُ والأساسُ هو معرفةُ اللهِ والرسولِ صلى الله عليه وسلم ولذلك لو لاحظتُمْ في السيَر مثلًا أنه صلى الله عليه وسلم عندما بُعِثَ في مكة كم كان والعياذُ باللهِ تعالى منْ عادات وتقاليد خبيثة محرّمة مُظلِمة وسِخة وكانت مُتفَشّيةً في الناس، كما كان من الأعمالِ الظالمة الفاسدة التي يتباهى بها الظلّام كَوَأْدِ البنتِ وهي على قيدِ الحياة، ومثلَ ما كانوا يفعلونَهُ منَ الطوافِ عراةً حولَ الكعبة، تعليق الأصنام على الكعبة، منْ عبادِة الأوثان وأشياء كثيرة القويّ يأكل الضعيف..

أوّل ما بدَأهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، هل قال لهم تعلّموا الاستنجاء؟ لا، هل قال لهم تعلّموا فرائضَ الغُسلِ؟ لا، هل قال لهم أيتها المرأة تعلّمي كيفيةَ الحجاب؟ لا، أول ما بدَأهم في الأصلِ في الأساس في العقيدة ثم بعدَ ذلك صارت الأحكام تنزلُ تِباعًا، وتعرفونَ أنّ كثيرًا من الأحكامِ العملية الفرعية غالِبُها أو كثيرٌ منها نزلَ في المدينة أما في مكةَ المكرمة كان الأصل الدعوة إلى الإسلام، التركيز على التوحيد على الإيمان على الإسلام على نبذِ الشركِ على نبذِ الكفر على التخَلّي عن الكفر على الدعوة إلى عبادةِ اللهِ ومعرفتِهِ وتوحيدِه.

وكان صلى الله عليه وسلم يمرُّ فيهم حينَ يجتمعونَ منْ نواحٍ شتّى في الموسمِ يقولُ لهم [يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلِحوا] وكان يشرحُ لهم ويُبيِّنُ لهم أنه هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

الرسولُ ركّزَ في الأول على الأصل على الأساس لأنهم لوْ بَقُوا على الشرك، لوْ بقُوا على الكفر والضلال وجاءوا يدّعونَ القيام بصورةِ العبادات أو بصوَر الأعمالِ الصالحة وهم على الكفر، يعني ما زالَ الواحد منهم مشرِكًا كافرًا بالله، فصورة هذه العبادات التي يعملُها ظاهرًا ماذا تنفعُهُ عندَ الله هل تُقبَل منه؟ لا، هل تصح منه؟ لا، فإذًا شرطٌ أساسٌ لقَبولِ العملِ الصالحِ الإيمان باللهِ ورسولِه.

لذلك الرسولُ عليه الصلاة والسلام كمْ أُوذِيَ لأجلِ هذه الدعوةِ الشريفة المباركة؟ هذا الأصل الذي كان يُرَكِّزُ عليه صلى الله عليه وسلم.

ثم بدأ الإسلام ينتشر في مكةَ المكرمة ويدخل إلى بعضِ البيوتات، يدخلُ إلى نفوسِ بعضِ الناس بدأ التوحيدُ ينتشر، بدأَ الإسلامُ ينتشر، يُسلِمُ هذا العبد يُسلِم هذا الرجل تُسلم هذه المرأة وهكذا..

بلال الحبشي رضي الله عنه وأرضاه ماذا فُعِلَ به في طرقات مكة، لأيِّ شىءٍ كان كلّ ذلك العذاب؟ كلّ ذلك الاضطهاد كلّ ذلك التنكيل لأيِّ شىءٍ كان؟ لأجلِ التوحيد، هل لأنهُ كان مُجرّد يصْدُقُ في الحديث؟ لا، هل لأنه كان أمينًا في المعاملات؟ لا، إذًا لماذا كان كلّ هذا العذاب والتنكيل والاضطهاد والضرب؟ لأجلِ التوحيد لأجلِ الإيمان لأجلِ الإسلام، لأجلِ أنه اعتقدَ أنّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ له، يعني لأنّ اللهَ ليس له بداية لأنّ الذي له شريكٌ والذي له شبيه لا يكونُ أزليًّا، إذًا لماذا نقَموا على بلال؟ لأنه اعتقدَ وآمنَ وأقرّ واعترف وصدّقَ أنْ لا معبودَ بحقٍّ إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولَد ولم يتّخِذْ صاحبةً ولا ولدًا.

لماذا عذّبوهُ وضربوه؟ لأنه كان يقول أحدٌ أحد أحدٌ أحد، يعني يدعو إلى تنزيهِ وتعظيم الله، اعتقدَ وآمَن وصدّقَ أنَّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ له، يعني الله موجودٌ بلا بداية باقٍ بلا نهاية، يعني الله ليس له شبيه ليس له شريك، يعني الله ليس له زوجة ليس له ولد، يعني الله ليس له جسم ليس له كمية لا صغيرة ولا وسط ولا كبيرة لا بقدْر العرش ولا أوسع لا بحجمِ الإنسان ولا أكبر لا بقدْرِ الشمس ولا أكبر، إذًا اللهُ واحدٌ لا شريكَ له منْ معناها أنه ليس كميةً ليس حجمًا وأنه منَزَّهٌ عنِ الطولِ والعرض والعُمق والسّمك والأدوات والجوارح والتركيب والتغيّر والتبدّل والتطوّر والتأثّر والإحساس والشعور واللذة والألم والانفعالات، كلمة اللهُ واحدٌ لا شريك له وأنه منزّهٌ عن كلّ ما كان من صفاتِ المخلوقين، هذه الكلمة تُعطينا كلّ هذا.

عندما نقول بلال اعتقدَ وآمَنَ وصدّقَ أنّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ له يعني أنّ اللهَ ليس له بداية ليس له نهاية ليس ضوءًا ليس ظلامًا ليس روحًا ليس جسدًا، تلكَ الأصنام التي عبدَها الكفار إنْ كانت عُلِّقَتْ على الكعبة أو في الكعبة على سطحِها وعلى جدرانِها أو فيها هي أجسام، كيف تصحّ لها الألوهية؟ لا تصلُحُ الألوهية لجسمٍ،  لا تصلُحُ الألوهية لصنَم، لا تصلُحُ الألوهية لجسد، لا تصلُحُ الألوهية لجسمٍ وشكل وكميةٍ وحجمٍ.

إذًا عندما نقول اللهُ واحدٌ لا شريكَ له أي هو منزّهٌ عن كلِّ هذه المعاني، مُنزَّهٌ عن كلِّ ما كانَ منْ معاني المُحدَثين وصفاتِ المخلوقين وسِماتِ العالمين لأنّ اللهَ قال {فلا تضربوا للهِ الأمثال}[النحل/٧٤] لأنّ اللهَ قال {ليس كمثلِهِ شىء}[الشورى/١١] لأنّ اللهَ قال {هل تعلمُ له سمِيًّا}[مريم/٦٥] لأنّ اللهَ قال {ولمْ يكنْ لهُ كُفُوًا أحد}[الإخلاص/٤] لأنّ اللهَ قال {سبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى}[الأعلى/١] لأنّ اللهَ قال {سبحانَ الذي أسرَى بعبدِه} ]الإسراء/١]

إذًا الله نزّهَ نفسَهُ  عنْ كلِّ ما كان منْ صفاتِ المخلوقين. والرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [لا فكرةَ في الرب] ماذا بقيَ بعدَ كلِّ هذه الآيات وهذا الحديث والحديث الصحيح الذي في البخاري [كانَ اللهُ ولمْ يكنْ شىءٌ غيرُهُ] كان الله أي وحدَه في الأزل ولم يكنْ سماءٌ ولا عرشٌ ولا ماءٌ ولا هواءٌ ولا خَلاءٌ ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا شمس ولا قمر، كلّ هذا العالم لم يكنْ موجودًا في الأزل، كلّ هذا العالم حادثٌ مخلوقٌ وُجِدَ بعدَ عدَمٍ، يعني بعدَ أنْ كان معدومًا وُجِدَ بإيجادِ اللهِ  له اللهُ خلقَهُ فصارَ موجودًا، ليس العالمُ خلقَ نفسَه وليس الإنسانُ خلقَ نفسَهُ وليس الإنسانُ خلقَ أعمالَهُ كما تقولُ المعتزلةُ القدَرية وبعضُ دُعاتِهم اليوم كالذين يتكلمونَ في المواقعِ والفضائيات ويقولون الشر ليس له خالق، هؤلاء أشركوا بربّهم بخالقِهم، هؤلاء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [إنَّ لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولونَ لا قدَر]

فلا تنخدعوا بالدكتور محمد راتب النابلسي،  لا تنخدعوا بعبدِ الهادي الباني، لا تنخدعوا بمحمد أمين شيخو، لا تنخدعوا بتقيّ الدينِ النبَهاني وحزب التحرير المسمّى الإسلامي، فهؤلاء في عقائدِهم في مؤلَّفاتِهم في محاضراتِهم هم في المشيئة معتزلة قدرية مكَذِّبونَ لربِّ العالمين جعلوا للهِ شرَكاء لا يُحصَوْن.

فهذا محمد راتب النابلسي عندنا فيديو له صوت وصورة يقول الشر ليس له خالق، واللهُ يقول في القرآنِ الكريم {منْ شرِّ ما خلق}[الفلق/٢] واللهُ قال {قلِ اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] اللهُ ما قال قل الله خالق الخير وحدَه دونَ الشر، ما قال.

{قلِ اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] يعني الخير والشر الإيمان والكفر الطاعة والمعصية الفوزُ والخُسران التوفيقُ والخِذلان الصحة والمرض الحياة والموت الحرارة والبرودة الليونة والخُشونة، كلّ هذا بخلقِ اللهِ يوجَد. ما وُجِدَ ودخلَ في الكونِ بخلقِ الله وما سيوَجد في هذا الكون والعالم إلى قيامِ الساعة فبِخلقِ الله وما يكونُ في الجنةِ والنارِ إلى غيرِ نهاية فبخلقِ اللهِ وبمشيئةِ الله.

اللهُ يقول في القرآن {وقالوا لجُلودِهم لِمَ شهِدْتُمْ علينا قالوا أنْطَقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شىء}[فصلت/٢١]

سؤال يا أهلَ العقلِ السليم يا أهل الحجا يا أصحابَ الفَهم مَن الذي خلقَ إبليس والملائكة؟ من الذي خلقَ فرعون والأنبياء؟ هو الله، {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] اللهُ عالمٌ في الأزلِ مَنْ هو إبليس أم ليس عالمًا؟ إنْ قلتُمْ ليس عالمًا فقدْ نسبْتُم الجهلَ إلى الله، ونسبتُكم الجهلَ إلى الله نفيْتُم الله ونفيْتُم أنْ يكونَ إلهًا وبهذا لا كلامَ لنا معكم لأنكم أعْلَنتُم أنكم كفار، انقطع الحديثُ معكم لأنكم تصَرِّحونَ وتُعلِنونَ أنّ اللهَ جاهلٌ وأنه والعياذُ باللهِ تعالى لا يكونُ إلهًا، لأنّ الجاهلَ لا يكونُ إلهًا.

اللهُ عالمٌ في الأزل مَن هو إبليس وماذا سيكون إبليس وماذا سيقول إبليس وماذا سيفعل إبليس وإلى أيِّ شىءٍ سيَدعو إبليس ومع ذلك خلقَهُ أم لا؟ خلقَه، {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء} ]الرعد/١٦]

مَن الذي مكّنَ إبليس وأقدَرَهُ وأنطَقَهُ بما نطقَ به من كلِّ الكفرِ والضلالِ منذُ خُلِقَ إلى قيام الساعة؟ الله، هذه الآية واضحة {وقالوا لجلودِهم لِمَ شهِدْتُمْ علينا قالوا أنْطقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شىء}[فصلت/٢١] هذا القرآن، أما أنتم تكذّبونَ الله وتقولون الشر ليس بخلقِ الله وليس من صنعِ الله، واللهُ يقول {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء} [الرعد/١٦]

وهذا سيّدُنا وحبيبُنا وليُّ الله الخليفة الراشد أمير المؤمنين المجتهد المُطلَق عمر ابن عبد العزيز رضي الله وأرضاه روى عنه الحافظ ابن الجوزي قال “لوْ أرادَ الله أنْ لا يُعصَى ما خلقَ إبليس”

هذه عقيدةُ الصحابة عقيدةُ الأنبياء والسلف والخلف كلّ شىءٍ بخلقِ الله.

مَنْ خلقَ فرعون ومَنْ خلقَ أعمالَه ومَنْ خلقَ أقوالَهُ؟ {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] وأنتم تقولون الشر ليس بخلقِ الله جعلُتم اللهَ كاذبًا حيثُ قال إنه هو خلقَهم وخلقَ أعمالَهم وأقوالَهم, وجعلتُم اللهَ عاجزًا حيثُ جعلتُمْ له شركاء وجعلتُم اللهَ مغلوبًا حيثُ دخلَ في ملكِهِ شيئًا ما شاءَه، وجعلتُم اللهَ ضعيفًا مقهورًا مغلوبًا حيثُ حصلَ في ملكِهِ ما لم يشأْهُ وهذا لا يقولُهُ مسلم، بل لا يقولُهُ إلا مَنْ هو منْ أكفرِ الكافرين.

مَنْ خلقَ النمرود؟ مَنْ خلقَ هامان؟ مَنْ خلقَ الفراعنة؟ مَنْ خلقَ الحاخامات؟ مَنْ خلقَ الشياطين والملائكة؟ مَنْ خلقَ الكافرين والمسلمين؟ هو الله، {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] {واللهُ خلقَكُمْ وما تعملون}[الصافات/٩٦] {هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله}[فاطر/٣]

بعدَ كلّ هذه الآيات ماذا يريد هؤلاء من ادّعائِهم الإسلام ظاهرًا وهم باطنًا يُكذّبونَهُ؟

ماذا يريدونَ مِنْ تستُّرِهِم بالإسلام ظاهرًا؟ جمع المال؟ الشهرة؟ الصيت؟ الزعامة؟ الاستعلاء على رقابِ العباد؟ يدّعونَ الإسلام وهم مُكذّبونَ للإسلام باطنًا ومعنًى واعتقادًا، يتظاهرونَ بالإسلام وهم يُصرِّحونَ بتكذيبِ الإسلام حيثُ صرّحوا وقالوا إنّ الشر ليس بخلقِ الله، واللهُ يقول {وقالوا لجلودِهم}[فصلت/٢١] الكفار يومَ القيامةِ يقولونَ لجلودِهم لمَ شهدتُم علينا؟ {قالوا أنْطقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شىء}[فصلت/٢١] هذا القرآن الكريم.

إذًا الذي يقول الشر ليس بخلقِ الله هذا مشرك لو ادّعى الإسلام لو عندَه مائة فضائية ومائة شهادة ولو عندَه مائة دال قبل اسمِه، دكتور، وهو يقول إنّ الشر ليس بخلقِ الله ويقول إنّ الشر بخلقِ الإنسان وهذا لا يُحتجّ فيه على زعمِه إلى أنْ يكونَ وُجِدَ بخلقِ الله، يعني على زعمِك الله مغلوب ضعيف عاجز مقهور، أنت أيها المشرك يا مَنْ تقول بهذه العقيدة مَنْ كان وحيثُ كان يا مَنْ تكذّب بالقدر عندما تدخل إلى بيتِك وتجد فيه أناسًا يتصرّفونَ فيه رغمًا على أنفِكَ ويدوسونَ على رقبتِكَ في بيتِكَ ويتصرّفونَ في بناتِك وأولادِك وأموالِك ببيتِكَ رغمًا على عينِكَ الجامدة، هذا يدلُّ على قوّتِكَ ونفاذِ إرادتِكَ في بيتِكَ أم على ضعفِكَ وعجزِكَ وذلِّكَ وهوانِكَ وعلى صَغارِك؟ يدلُّ على صَغارِكَ وذُلِّكَ وهَوانِكَ ودَوْسِ رقبتِكَ لأنك ضعيف عاجز مغلوب وهذا مستحيلٌ على الله أنْ يكونَ ضعيفًا، ويستحيل على الله أنْ يكونَ عاجزًا، ويستحيل على الله أنْ يدخلَ في مُلكِهِ شىء بغيرِ مشيئتِه، ذرة واحدة في الكونِ والعالم لا تتحرك إلا بمشيئةِ الله، إلا بخلقِ اللهِ عزّ وجل.

لذلك قال صلى الله عليه وسلم [إنّ لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولونَ لا قدَر] احذورهم واعرِفوهم لو ادّعَوا الإسلام ولو تستّروا بالسنة وبالأشاعرة وهم يُكذّبونَ بالمشيئة كهؤلاء جماعة حزب التحرير لهم وجود في الأردن في أندونوسيا في ماليزيا في مصر في لبنان في سوريا في إنكلترا، يقولون في كتابِ زعيمِهم المسَمّى الشخصية الإسلامية “إنّ ما يفعلُهُ الإنسانُ بإرادتِهِ – يعني هو يصمّم وينوي ويقصِد ويفعل ويُباشِر – لا دخَلَ للقضاء والقدر فيه” وهذا تكذيبٌ لقولِ الله {إنّا كلَّ شىءٍ خلقْناهُ بقَدَر}[القمر/٤٩]، هذا تكذيبٌ لقول اللهِ تعالى {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] هذا تكذيبٌ لقولِ اللهِ تعالى {هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله}[فاطر/٣] هذا تكذيبٌ لقولِ اللهِ تعالى {سيقولُ الذين أشركوا لوْ شآءَ اللهُ مآ أشرَكْنا}[الأنعام/١٤٨] يُقِرّونَ بذلك ويعترفون.

والآياتٌ كثيرة {وما همْ بضآرِّينَ به مِنْ أحدٍ إلا بإذنِ الله}[البقرة/١٠٢] {وما أصابكمْ يومَ الْتَقى الجَمْعانِ فبإذْنِ الله}[آل عمران/١١٦] بخلقِ اللهِ بمشيئةِ الله، آياتٌ كثيرة بالمئات.

فإذًا الذي يُكذّبُ بالقدرِ ليس منَ المسلمين، الذي يُكذّبُ بالمشيئة ليس من المسلمين، هذا عدوُّ الله، لذلك قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [إنّ لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولونَ لا قدَر] فاحْذروهم ولا تنخَدِعوا بأسمائِهم ولا بألقابِهم ولا بالدكتور هذا كلُّه لا ينفَعُهم لا يُغْنيهم، أليس قال صلى الله عليه وسلم [صنفانِ مِنْ أمتي لا نصيبَ لهما في الإسلام المُرجِئةُ والقدرية] هذا الحديث رواه أبو حنيفة بل واحْتجَّ به في بعض رسائلِه.

وأما أقوالُ الصحابة فقد قال عبدُ اللهِ بنُ عباس رضي اللهُ عنهما “كلامُ القدريةِ كفرٌ” ماذا تريدونَ بعدَ ذلك؟

سيّدُنا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وبابُ مدينةِ العلم رضي الله عنه وأرضاه على منبر الكوفة قال “ليس منّا مَنْ لمْ يؤمن بالقدرِ خيرِهِ وشرِّه”

هنا في هذا الموضع ليس منا يعني ليس من المسلمين يعني كافرٌ بربّ العالمين لأنه مُكذِّبٌ بالقدر.

كذلك عبدُ الله بن عمر ومن التابعين الحسن البصري والأوزاعي وكثير قالوا فيهم “مَنْ كذّبَ بالقدرِ فقدْ كفر”

هذا الإمام الأوزاعي قال في غَيلان القدري “كافر وربّ الكعبةِ يا أميرَ المؤمنين” رواه ابن عساكر في كتابِهِ تاريخ دمشق في المجلد 48 حرف الغين في ترجمة غيلان بن مروان أبو مروان الدمشقي القدري، وقال فيه “اقتلُه ودمُه في عُنُقي يا أميرَ المؤمنين”

هذا الحكم والتنفيذ للخلفاء للحكام لأجلِ أنْ لا تحصُلَ مفسَدةً بين الناس ليس العامة هم مَنْ يُنفِّذونَ إنما الرؤساء الزعماء الأمراء الخلفاء الحكام السلاطين، لذلك الأوزاعي قال للخليفة هشام بن عبد الملِك “أعلى سلطة” قال له: ماذا تقول فيه يا أوزاعي؟ قال: كافرٌ وربِّ الكعبةِ يا أميرَ المؤمنين، يُقسِمُ بالله عزّ وجل.

وهذا الخليفة هارون الرشيد قال “وجدتُ الكفرَ في المُرجِئة” يعني يُكفِّرُهم لعقائدِهم الفاسدة.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي احذروا هؤلاء ولو ادّعوا الإسلام ولو تستّروا بالإسلام، ولو قيل عنهم أو فيهم الشيخ والدكتور والأستاذ والعلّامة والقاضي والمؤلف ورئيس كذا، كلّ هذه الألقاب ليست هي العبرة والأصل والأساس.

لذلك هذه المسئلة ينبغي أنْ يُتَنبَّه لها: مَنْ كذّبَ بالقدرِ فقدْ كفر، مَن كذّبَ بالمشيئةِ فليس منَ المسلمين لأنه جعلَ للهِ شرَكاء فلا يكون من المسلمين.

ثم إنّ هذا سيّدُنا وإمامُنا مالك رضي الله عنه وأرضاه إمام دار الهجرة قال في القدرية عندَما سُئلَ عنْ نكاحِ القدري أجابَ بآية من القرآن {ولَعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ مِنْ مشرِكٍ ولوْ أعْجَبَكم}[البقرة/٢٢١] يعني يقول عن القدري مشرك وهذا الإمام مالك صاحب الورع والتقوى الذي ببعضِ الأسانيد والروايات هو صاحب سلسلة الذهب رضي الله عنه، بل قال الإمام أحمد “إذا ذُكرَ الحديثُ فمالكٌ النجم”

وروى الحافظ ابن المنذر في كتابِه الإشراف عن مالك أنه قال في أهلِ الأهواء “أرى أنْ يُعرَضوا على السيف فإنْ رجَعوا وإلا ضُرِبَتْ أعناقُهم (“

قال الشيخ رحمه الله: كلُّ فردٍ  ليَشتغلْ بالتوحيدِ في مجالسِكم وفي أسفارِكم انشروا التوحيد تكلّموا بالتوحيدِ أينَما كنتم في البيوتِ وغيرِ البيوت في رحلةِ الحجّ أو العمرة، إصلاحُ الفسادِ يحتاجُ إلى بذلِ الجُهدِ أنْوُوا أنْ تُصلِحوا الفساد (يعني كلّ واحدٍ منا يجزِم ينوي يُصمّم يعزِم في قلبِهِ أنْ يعملَ على إصلاحِ الفساد بأنْ ننشرَ الصلاحَ والعلمَ فينْدحِر الفساد ويُعرَف الخير)

وقال رضي اللهُ عنه وأرضاه: الذي يَذُبُّ عنْ دينِ الله عنْ عقيدةِ التوحيدِ فهو كالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ لو ماتَ على فراشِهِ يموتُ شهيدًا له أجرُ شهيد (يعني ما يُشبه أجر الشهيد وهذا شرحْناه)

في هذا الزمن الذي كثُرَ فيه المُغَيِّرونَ لدينِ الله ( تكلّمنا الآن مثالًا عن محمد راتب النابلسي عبد الهادي الباني محمد أمين شيخو وحزب التحرير تقي الدين النبهاني وأمثالهم، هؤلاء مُغيّرون لدينِ اللهِ تعالى)

يقول رحمه الله: في هذا الزمن الذي كثُرَ فيه المُغَيِّرونَ لدينِ الله مَنْ ردَّ عليهم فكأنه يُقاتلُ في سبيلِ الله (ردّ عليهم بالعلم بالبرهان بالدليل) كأنه يُقاتلُ الكفارَ بالسلاح إنْ رجَعَ سالمًا له أجرٌ كبيرٌ وإنْ ماتَ فإنه يكونُ شهيدًا أو فإنه يكونُ يُشبِهُ في الأجرِ ما للشهيد هذا مثلُ هذا.

الذي يعتقدُ عقيدةَ أهلِ الحقِّ ويُدافعُ عنها المُنحرفين هذا كأنهُ يُقاتلُ الكفارَ بالسلاح إنْ رجَعَ سالمًا فهو له أجرٌ كبيرٌ عند اللهِ في الجنة اللهُ تعالى أعدَّ له وللمجاهدين في سبيلِ الله مائةُ درجةٍ ما بينَ درجةٍ ودرجة مسيرةُ خمسُمائةِ سنة. (يعني هذا الذي يدافع عن التوحيد والعقيدة والإسلام ينشر التنزيه ويُحذّر منْ أهلِ الضلال له ما يُشبه ما للمجاهدينَ  في سبيلِ الله مائة درجة في الجنة ما بين درجةٍ ودرجة خمسُمائة سنة)

الذين يدافعون عن الدين عن عقيدة أهلِ السنة لهم هذه المائة درجة للمجاهدين الذين يجاهدونَ الكفارَ بالسلاح والذي يدافعُ عن دينِ الله في هذا الزمن الذي كثُرَ فيه المُفسِدون، الآنَ الثبوت على العقيدةِ والثبوت عليها والردّ على مَنْ يُحرِّفُها كالذي يجاهدُ الكفارَ بالسلاح.

)يعني الذي يقوم بهذه الوظيفة والعمل الذي شرَحْناهُ وبيّناه هذا شرفٌ وعزٌّ ومجدٌ وتأييدٌ للحقِّ والإسلام وهذه الوظيفة تشبِه وظيفةَ المجاهدينَ في سبيلِ الله الذين إنْ قُتِلوا لهم في الجنةِ مائة درجة ما بين درجةٍ ودرجة  خمسُمائة سنة.

رزقني اللهُ وإياكم ذلك في الفردوسِ الأعلى

والحمد لله ربّ العالمين