الخميس أكتوبر 24, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (47)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلّم على سيّدِنا محمدٍ أبي القاسم طه الأمين وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِهِ ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين

صحيفة (182)

 

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه اللهُ تعالى

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: لِيَشتغِلْ أحدُكُمْ بِفَهمِ المختصَر الذي يُبْدَأُ به فإذا أتقنَ فَهْمَهُ ينتقلُ إلى ما هو فوقَهُ ما هو دونَ المُطَوَّلات ثم إلى المُطَوَّلات بعدَ أنْ يُتقِنَ فَهمَ المُختصرات بعدَ أنْ يفهَمَ قواعدَ العقيدة وأحكامَ الردة وما هي الردة، بعدَ أنْ يعرِفَ هذا يشتغلُ في المُطوَّلات.

(كنا في المجلس الأخير من هذا الكتاب تكلَّمْنا في هذه القضية إلا أنّ الشيخَ رحمه اللهُ هنا أضاف عبارات زائدة على العبارات الأولى لزيادةِ المنفعة، فنُعلِّقُ عليها لزيادةِ أهميةِ هذه القضية, وهي أنّ الإنسانَ الذي يبدأُ بطلبِ العلمِ لا بدَّ أنْ يتمكَّنَ بأمورِ العقيدةِ أولًا لأنه إنْ تمكَّنَ بأمورِ التوحيد والعقيدة والتنزيه يكونُ حصَّنَ نفسَهُ، وماذا يستفيد إنْ حصّنَ نفسَهُ؟ هنا يُغلِق النوافذ والأبواب والمداخل على شياطينِ الإنسِ منَ المشبِّهة والمجسمة وعلى شياطينِ الجن والوَساوس والخواطر الكفرية لأنه بتحصِينِه لنفسِهِ يُبعِدُ نفسَهُ عنْ هذه القضايا.

أما مَنْ لمْ يتعلم ومَنْ لم يتمكّنْ في العقيدة ومَنْ لم يحصِّنْ نفسَهُ بحُصنِ التوحيدِ والعقيدة فإنه إذا قرأ بعضَ الألفاظ المتشابهة كالآياتِ المتشابهات أو الأحاديث المتشابهة هذا قد ينزلِق والعياذُ باللهِ تعالى إلى ما هو مُعارِض للعقيدةِ الإسلامية.

وانتبهوا، لا نقول إنّ الآية هذا معناها ولا نقول إنّ الحديثَ هذا معناه لا، إنما ظاهر الآية المُتشابهة ظاهر الحديث المُتشابه يُوهِم المعنى الغير مُراد منَ الآية، يُوهِمُ شيئًا ليس هو المراد منَ الحديث.

ليس معنى الآيات والأحاديث المتشابهات تجسيمٌ أو تشبيه حاشى، فالقرآنُ كلُّهُ بركة ونور وعلم وضياءٌ وخير وسعادةٌ لِمَنْ فهِمَهُ ووقفَ عندَ حدودِه.

القرآنُ هو سبيلُ الهدى لِمَنْ فهِمَهُ على المعنى الصحيح. إنما هذه الآيات والأحاديث المتشابهة ظواهرُها يُوهِمُ شيئًا ليس هو معناها ومَنْ أخذَ بهذا الذي يُوهِمُهُ الظاهر هذا الذي يقعُ في الكفر، هذا الذي يقع في التشبيه والتجسيم وهذا الذي حذّرَ منه مولانا وسيّدُنا وقدوتُنا وغوثُنا وملْجَؤُنا وغوْثُنا القطبُ الرفاعي الكبير رضي الله عنه وأرضاه قال “صونوا عقائدَكم – أي احفظوها أبعِدوها عن ظواهر المُتشابهات، انتبهوا لها – منَ التمسُّكِ بظاهرِ ما تشابهَ منَ الكتابِ والسنة فإنّ ذلك منْ أصولِ الكفر”.

ما معنى فإنّ ذلك منْ أصولِ الكفر؟ يعني فإنّ ذلك مُوصلٌ ومُوقِعٌ في الكفر، يعني حمل الآيات والأحاديث المتشابهات على ظواهرِها هذا يُوقع الإنسان في الكفر لذلك حذّرَ مولانا الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه وأرضاه ونفعنَا ببركاتِهِ وأمدَّنا بمدِدِهِ منْ أنْ نأخذَ بالظواهر بل لا بدَّ لِفَهْمِ هذه الآيات والأحاديث المتشابهة على المعنى المراد منها أنْ تُردَّ إلى الآيات والأحاديث المُحكمات كقولِهِ تعالى {ليس كمثلِهِ شىء}[الشورى/١١] كقولِهِ تعالى {فلا تضربوا للهِ الأمثال}[النحل/٧٤] كقولِهِ تعالى {هل تعلمُ له سمِيًّا}[مريم/٦٥] كقولِهِ تعالى {ولمْ يكنْ له كفُوًا أحد}[الإخلاص/٤]

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم [كان اللهُ ولمْ يكنْ شىءٌ غيرُهُ] يعني أزليٌّ أبدي ليس جسمًا وليس له مكان ولا هو قاعدٌ ولا جالس لأنه أزليٌّ أبدي، والأزلي الأبدي لا يتّصِفُ بصفةٍ حادثة ولا يتصف بصفةٍ منْ صفاتِ المخلوقين. هذا الحديث يُعطينا هذا المعنى.

وفي حديثٍ آخر قال صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث رواه السيوطي وكذلك أبو القاسم الأنصاري [لا فكرةَ في الرب] معناه أنَّ العقلَ لا يستطيعُ أنْ يتصوَّرَ اللهَ لأنَّ اللهَ ليس كميةً صغيرة ولا وسط ولا كبيرة، لأنّ اللهَ ليس ضوءًا ليس ظلامًا ليس روحًا ليس ريحًا ليس جسدًا ليس كميةً، مُنَزَّهٌ عنِ الطولِ والعرضِ والعُمق والسَّمكِ والأدوات والجوارح والتركيب والتغيُّر والتطوّر والتبدّل والإحساس واللذة والألم، كلّ هذا مستحيلٌ على الله.

هذا الحديث يُنَزِّه اللهَ عنْ كلِّ ذلك. إذًا العقل لا يستطيع أنْ يتصوَّر الله.

 والرسولُ صلى الله عليه وسلم قال أيضًا كما ثبتَ عنه ذلك في صحيح مسلم وفي سننِ أبي داود وعند الترمذي وعند البيهقي وفي صحيح ابن حبان وفي عددٍ كبيرٍ من كتبِ الحديث، قال صلى الله عليه وسلم [اللهم أنت الأولُ فليس قبلَكَ شىء وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شىء وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقَكَ شىء وأنتَ الباطن فليسَ دونَكَ شىء]

قال الإمام الحافظ الأستاذ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي رحمه الله “منْ هذا الحديث قال بعضُ أصحابِها مَنْ لمْ يكنْ فوقَهُ شىء ولا دونَهُ شىء لمْ يكنْ له مكان” يعني كان موجودًا بلا مكان لا فوقَه شىء ولا تحتَهُ شىء ولا دونَهُ شىء لأنهُ ليس كميةً ليس جسمًا فلا يوصَف بأنّه فوقَ جهة أو تحتَ جهة، هذا مستحيلٌ على الله، لا يوصَف بأنّ له مكانًا تحيَّزَ فيه ولا هو في كلِّ الأماكنِ ولا هو في كلِّ الجهات ولا في جهةٍ واحدة.

ومِنْ هنا يُعلَم أيضًا كفر بعضَ مَنْ يدّعي الإسلام ويقول اللهُ في الكونِ والعالم لا يُعلَم مكانُهُ كما أنّ الزبدة في الحليب لا يُعلَم مكانُها. هذا تشبيهٌ للهِ بالزبدة التي حلَّتْ في الحليب، هذا تشبيهٌ للهِ بخَلقِهِ لو وُجِدَ في كتبِ بعض مَنْ ينتسب للسنة وهذا لا يُصَدَّق عنْ أئمةِ أهلِ السنة لو البعض افترى وكذبَ على أبي حنيفة، وأبو حنيفة حاشاهُ أنْ يقول ذلك، ولو كُذِبَ على الشافعي لو كذِبَ على مالك، على أحمد على ذي النونِ المصري، لو كُذِبَ على فلان وفلان منْ علماءِ أهلِ السنة، هذا لا يُصَدَّق عليهم.

أبو حنيفة يقول “مَنْ قال بحدوثِ صفةٍ منْ صفاتِ اللهِ أو شكَّ أو توقَّفَ كفر” فكيف بالذي يقول الله مخلوق؟ كيف بالذي يقول الله محتاج؟ كيف بالذي يقول الله له بداية أو له نهاية أو قاعد أو جالس؟

أبو حنيفة يُكفِّرُهُ بلا شك وأحمد يُكفِّرُهُ. سيدُنا الإمام أحمد بن حنبل يقول “مَنْ قال اللهُ جسمٌ لا كالأجسامِ كفر” لو قال لا كالأجسام كفر لأنّهُ بقولِهِ الله جسم يُؤخَذ بإقرارِهِ فيُحْكَم عليه بالكفر لأنّهُ يفهم معنى اللفظ. والجسمُ لا يكونُ إلا حادثًا، لا يكونُ أزليًّا.

ثم لا ينْفعُهُ إنكارُهُ يعني قولُهُ لا كالأجسام لا ينفعُهُ، هذا مثلُهُ كَمَنْ يقول اللهُ مخلوقٌ ثم يقول لا كالمخلوقين، هذا مثَلُهُ كالذي يقول اللهُ عاجزٌ لا كالعاجزين، قولُهُ اللهُ عاجز كفرٌ صُراحٌ بَراح، ثم قولُهُ لا كالعاجزين لا ينفي ولا يدفعُ عنه التكفير ولا يُبَرِّؤُهُ منَ التكفير لأنهُ قال عن الله عاجز. وهكذا الذي يقول الله جالس قاعد ثم يقول لا كالجالسين لا كالقاعدين قولُهُ لا كالجالسين لا ينفعُهُ، هذا كالذي يقول اللهُ جبل لا كالجبال، اللهُ شمس لا كالشموس، اللهُ إنسان لا كالإنسان، هذا لا ينفعُه. وهكذا الذي يقول اللهُ جسمٌ وهو يفهمُ معنى الجسم ثم قال لا كالأجسام.

إذا كان هذا الإمام الجليل الورِعِ المُعذَّب في سبيل الله الصابر على المِحَن الناصر لدينِ الله الناصر لعقيدةِ أهلِ السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول “مَنْ قال اللهُ جسمٌ لا كالأجسامِ كفر”.

وعددٌ كبيرٌ منَ العلماء قالوا هذا، بل هذا الفقيه الحنفي علاءُ الدين البخاري في كتابِهِ “مُلجِمة المجسِّمة” صحيفة 61 يقول “فالمجسِّمُ كافرٌ إجماعًا”

وعندما نقول مَنْ قال الله جسم وعنما نقول المجسم نحنُ نتكلّم عمّن يفهم معنى الجسم ويعرف معنى الجسم هذا لا يُشك في كفرِهِ، بل مَنْ شكَّ في كفرِهِ أو دفعَ عنه التكفير وهو يعرفُهُ أنه يعرف معنى الجسم صار هو كافر معه صار أخوهُ في الكفر، صار داعيًا هو معه لعقيدةِ الكفر وعقيدةِ اليهود، لأنه يعرف ويفهم معنى الجسم هذا لا يُتَوقَّف في تكفيرِهِ بل هناك علماء منذ ألف سنة نقلوا الإجماعَ على كفرِهِ. هذا أمرٌ متفقٌ عليه لا خلافَ فيه.

الجسمُ لا يكونُ إلا حادثًا مخلوقًا لا يكونُ أزليًّا، لو كان جسمًا لا يكونُ أزليًّا ولوْ كانَ أزليًّا لا يكونُ جسمًا.

إذًا اللهُ تعالى لا شبيهَ له بالمرة، هذه عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة عقيدة الأنبياء والملائكة والأولياء اللهُ لا شبيهَ له بالمرة موجودٌ بلا مكان بالمرة ليس كما يقولُ بعضُ الجهال بعضُ الكفار ممّنْ يدّعونَ الإسلام يقولون له مكان أو ليس له مكان ما دخلنا نحن بهذا الكلام أو لا يعنيني، هذا ليس مسلمًا، الذي يقول هذه الأقوال ليس مُكْتَرِثًا بالإيمان بالإسلام لا يمَيّز بين الخالق والمخلوق، يعني عندَهُ لا فرقَ بينَ أنْ يكونَ الخالق هذه الطاولة أو أنْ يكونَ الخالق هذه الخزانة هذه المكتبة أو أنْ يكونَ الخالق هذا الجدار على زعمِهِ، لأنّ الذي لا يمَيّز بين الخالقِ والمخلوق ليس منَ المسلمين، الذي لا يُنَزِّه الله ولا يُعَظِّم الله ولا يَنفي عنِ الله تعالى ما هو منْ صفاتِ المخلوقين هذا ليس مسلمًا ليس مؤمنًا ولا عرَف الإيمانَ ولا الإسلام.

إذًا جزمًا يعتقد المسلم أنّ اللهَ لا شبيهَ ولا مثيلَ له موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان ومَنْ كذّبَ هذه العقيدة فليس منَ المسلمين، مهما أتعبَ نفسَهُ بعدَ ذلك  بصورِ العبادات من صلاةٍ وصيامٍ وقراءة القرآن وقيام الليل وقراءة الأوراد والأذكار وزيارة المقامات والعمرة والحج والتردّد إلى قبورِ الأنبياء كلّ هذا لا ينفعُهُ لأنه على عقيدةِ التجسيم والتشبيه وقدْ قال ربُّنا في القرآنِ {ليس كمثلِهِ شىء}[الشورى/١١] ومَنْ كذّبَ اللهَ لا يُشَكّ ولا يُختَلَف في كفرِهِ، مَنْ كذّبَ الله لا يُتَوقّف في تكفيرِهِ، هذا القرآن {ليس كمثله شىء}]الشورى/١١]

فإذًا بعدَ ذلك مَنْ جاءَ وشبَّهَ اللهَ بخلقِهِ اعتقدَهُ كميةً حجمًا جالسًا متغيِّرًا له مكان واحد أو هو في كلِّ الأماكن كذّبَ اللهَ ومَنْ كذّبَ اللهَ لا يُشَكّ في كفرِهِ.

ينبغي تمكينُ الناسِ أولًا في أمورِ العقيدة وهذا دليلُهُ القرآن والحديث والإجماع، اللهُ تعالى يقول  في القرآن {ومآ أرسَلْنا مِنْ قبلِكَ مِنْ رسولٍ إلا نُوحِي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبُدون}]الأنبياء/٢٥]

أليس روى البخاري ومالك رضي الله عنهما أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم – واللفظ الذي سأذكره الآن للإمام مالك في الموطأ – قال صلى الله عليه وسلم [أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ منْ قبلي لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له] هذا تمكينُ التوحيدِ والعقيدةِ والتنزيه وترسيخ ذلك في نفوسِ الكبار والصغار.

أليس قال عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما وجُندب بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قالا “كنا – يعني عند الرسول  أي الصحابة أي في المنهج النبوي المحمدي وكانوا قاربوا البلوغ – ونحنُ فِتيان حزاورة نتعلم الإيمان قبل القرآن فإذا قرأْنا القرآنَ ازْدَدْنا به إيمانًا” فإذا قرأْنا القرآنَ وجَدْنا حلاوتَهُ، هذا بعدَ معرفةِ الإيمان.

أليس قال صلى الله عليه وسلم [أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ باللهِ ورسولِه]؟ هذه الأفضليةُ المُطلَقة.

أليس قال صلى الله عليه وسلم [أفضل الأعمال إيمانٌ لا شكَّ فيه]؟

أليس قال اللهُ في القرآن {إنما المؤمنونَ الذين آمنوا باللهِ ورسولِهِ ثمّ لمْ يرْتابوا}[الحجرات/١٥]؟

إذا كان الشك والارتياب ينفي الإيمان ويهدم الإيمان فكيف بمَنْ لمْ يعرِف الخالق منَ المخلوق؟ كيف بِمَنْ لمْ يُنَزِّه اللهَ ولا عرَفَ اللهَ أصلًا ولا وحّدَ اللهَ أصلًا ولا عبدَ اللهَ أصلًا، إنما عبدَ جسمًا كالضوءِ أو الظلام أو الروح أو نسبَ له الجلوس والتغيّر والحجمية والكيفوفية وما شابه، هذا ليس منَ المسلمين ليس منَ المؤمنين بل هو مكَذِّبٌ لربِّ العالمين.

اللهُ عز وجل قال في القرآن الكريم {سبحانَ الذي أسرى بعبدِه}[الاسراء/١] سبحان هذا تنزيه، السَّبحُ التباعُدُ في لغةِ العرب أي باعد ربَّك يعني نزِّهْ ربَّكَ عمّا لا يليقُ به.

وفي سورة البقرة مما أخبرَنا اللهُ عنِ الملائكة {قالوا سبحانَكَ لا علمَ لنا إلا ما علَّمْتَنا إنكَ أنتَ العليمُ الحكيم}[البقرة/٣٢] سبحانَكَ تنزيهٌ تعظيمٌ لربِّ العالمين، أي أنتَ يا الله ليس لك بداية ليس لك نهاية لستَ جسمًا لستَ حجمًا لستَ جسدًا لستَ صورةً ليس لكَ طول ليس لك عرض ليس لك عُمق ليس لك سَمك ولا أبعاض ولا أبعاد ولا حدود ولا كميات لا حدٌّ صغير ولا وسط ولا كبير، أنت يا الله منزّهٌ عن القعودِ والجلوس وعن كلِّ ما كانَ منْ صفاتِ المخلوقين، هذا معنى ما قالتْهُ الملائكة عليهم السلام، هذا اعتقادُ الملائكة.

هذه عقيدة الأنبياء والملائكة هذه عقيدةُ الرسل عقيدة كلّ المسلمين. الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ منْ قبلي لا إله إلا الله] معنى لا إله إلا الله إفرادُ اللهِ وحدَهُ بالخَلقِ والإيجاد، عبادةُ اللهِ وحدَهُ وأنْ لا يُعبَدَ شىءٌ معه ولا شىء دونَهُ، لا أحدَ يستحقُّ العبادةَ إلا الله، لا شبيهَ ولا مثيلَ لله، لا جسمَ ولا كميةَ لله، لا أبَ ولا أم ولا أختَ ولا أخ للهِ تعالى، ليس أبًا وليس ابنًا، ليس زوجًا وليس له زوجة، لا إله إلا الله تنفي عن الله كل صفاتِ المخلوقين كل ما كان منْ معاني المُحْدَثين.

هذا القرآن وهذا الحديث وهذا الإجماع الذي نقلَهُ الإمام الأستاذ الفقيه المؤرّخ العلّامة أحد رؤساء الأشاعرة وأحد مشاهير الأشاعرة عبد القاهر بن طاهر التميميُّ البغدادي أبو منصور المُتوفّى في أولِ القرنِ الخامسِ الهجري429 للهجرة في كتابِهِ “الفرق بين الفرق” في الصحيفة333 منْ طبعة دار المعرفة يقول “وأجمعوا على أنهُ لا يحويهِ مكان ولا يجري عليه زمان” إجماع نقلَهُ قبل ألف سنة.

هذا الإجماع هذا القرآن هذا الحديث هذه نقول العلماء على تكفيرِ مَنْ شبَّهَ اللهَ بخلقِه.

عرَفتمْ لماذا الأصل والأساس والبداية أنْ يُمَكَّنَ الطالب أولًا في العقيدة في التوحيد في التنزيه ليُحَصِّنَ نفسَهُ ويحفظَها منَ الكفر والتشبيه والتجسيم ثم يعمل على حفظِ وتحصينِ غيرِهِ، أما الذي لا يتمكن في العقيدة ولا يتحصّن ولا يُحصِّن نفسَهُ بها هذا سهلٌ على شياطينِ الإنسِ والجن أنْ يلعبوا به، أنْ يُجَرَّ إلى الكفرِ والضلالِ بالأوهام بالوساوس بالخواطر، سهلٌ أنْ يُجَرَّ إلى التشبيهِ والتجسيمِ بالتمويهات بالشُّبَه، أما مَنْ تمَكَّنَ وتحصَّنَ يصيرُ هو يرُدُّ على أهلِ الشُّبَهِ على أهلِ التشبيهِ والتجسيم بالأدلة والبراهين ينقُضُ أوهامَهم، أما الذي لم يتعلّم فهو عُرضةٌ لأنْ يُجَرَّبَ أو لأنْ تجُرَّهُ المشبهة أو المجسمة أو الشياطين إلى كفرِهم وضلالِهم.

 

وأما المسئلة الثانية هي مسئلة معرفة أقسام وأحكام الردة. كم منَ الناس اليوم لا يعرفونَ أنّ هناكَ شيئًا يُقالُ له باب الردة أو أحكام المرتدين وهذا الشىء أثبتَهُ القرآن والحديث والإجماع وبعضُ الجُهلاء اليوم حتى ممنْ يدّعونَ المشيخة صاروا يسْتَسْهِلونَ الكفر ويُسَهِّلونَ الكفرَ للناس ويُشَجِّعونَ الناسَ على الكفر، فصاروا يقولون لِمَنْ تكلَّمَ بالكفرِ عندَ الغضب عند اللعب عند المُزاح كنتَ لاعبًا ما قصدْتَ ما نويْتَ ما كفرْتَ، يُبيحونَ له الكفر فيَكفرونَ بربِّ العالمين.

يا إخواني ويا أخواتي القرآنُ أثْبَتَ وجودَ ثلاثة أقسام منَ الكفرِ وحذّرَ منْ كلِّ الكفريات.

اللهُ يقول في القرآن {يحلِفونَ باللهِ ما قالوا ولقدْ قالوا كلمةَ الكفرِ وكفروا بعد إسلامِهم}[التوبة/٧٤] دليل على الكفر القولي والتحذير منَ الكفرِ القولي وأنه بالقولِ باللسان وأنه لا يُشترَط أنْ يكونَ معه نية ولا قصد ولا انشراح الصدر ولا معرفة حكم هذه المسئلة أنها كفر.

لأنه لو شخصٌ سبَّ اللهَ وقال لكم أنا لا أعرفُ أنّ مسبةَ اللهِ كفرًا، لا يُعذَر لو كانَ أسلَمَ الآن، لو دخلَ الآن في الإسلام ثم قال مسبة اللهِ ليست كفرًا، هذا لا عُذرَ له. هذا شىءٌ يدرِكُهُ الإنسانُ بعقلِهِ يعني الاستخفاف بالله سبُّ الله شتمُ الله تشبيهُ اللهِ بخلقِهِ تحقير والاستخفاف بالقرآن بدينِ الإسلام بالأنبياء هذا لا يُحتاج لِبَسطِ الأدلة وإظهار المراجع والمصادر لا.

يقال لهذا الشخص الذي سبَّ الله تشهّد مسبَّتُكَ للهِ كفر وقولُكَ لا أعرف أنَّ مسبةَ اللهِ كفر كفرية ثانية تشهّد عنْ كلِّ هذا للدخولِ في الإسلام.

اللهُ قال في سورة التوبة {يحلِفونَ بالله ما قالوا ولقدْ قالوا كلمةَ الكفر}[التوبة/٧٤] كلمة يعني لا يُشترَطُ أنْ يكونَ معها اعتقاد ولا نية ولا انشراح الصدر ولا معرفة حكم هذه الكلمة، {وكفروا بعدَ إسلامِهم}[التوبة/٧٤] ليس وكفرَ قولُهم، بعض زنادقةِ المشايخ بعضُ ملاحدةِ الدكاترة قال القولُ كفرَ أما القائل لا يُكفَّر، هذا تفنّن بإباحةِ الكفرِ للناس هذا الدكتور الذي يطلع بالفضائيات وله شهرة أنا سمِعْتُه ورَدَدْتُ عليه وذكرْتُ اسمُهُ في أحدِ كتُبي، ردَدْتُ عليه باسمِهِ، قال أُكَفِّرُ القول ولا أكفِّرُ القائل، يعني واحد سبَّ اللهَ والرسول والقرآن والإسلام والأنبياء بالَ على المصحف داسَ على المصحف وضعَ الغائط على المصحف، لعنةُ اللهِ على مَنْ يفعل ذلك وعلى مَنْ يُحَسِّن ذلك وعلى مَنْ يعتبرُهُ ليس كافرًا، تعرفونَ ما معنى كلامِهِ هذا؟ لا يوجَد كافر على وجهِ الأرض بزعمِهِ، معنى هذا يا ناس كلما غضِبْتُمْ أو لعِبْتُمْ أو مزَحْتُمْ سبّوا اللهَ فأنتم لا تُكَفَّرون إنما يُكَفَّر القول على زعمِ هذا الكافر الزنديق الشيخ الدكتور الملحد.

أيُّ زمنٍ وصلْنا إليه أيُّ زمنٍ نحنُ فيه؟ لا يستحي منَ اللهِ هذا الوقح يقول أكفِّرُ القولَ ولا أكفّرُ القائل.

اللهُ قال {وكفروا}[التوبة/٧٤] ما قال وكفر قولُهم، هم القائلون المتلَفِّظون، {وكفروا بعدَ إسلامِهم}[التوبة/٧٤] يعني كانوا مسلمين وصاروا كافرين. والآيات كثيرة، اللهُ يقول {إنَّ الذين آمنوا ثم كفروا}[النساء/١٣٧] ما قال ثم كفرَ قولُهُم.

واللهُ يقول في القرآن {ومَنْ يرْتَدِدْ منكم}[البقرة/٢١٧] الخطاب للمسلمين.

{ومَنْ يرتَدِدْ منكم عنْ دينِهِ فيَمُتْ وهو كافر فأولئكَ حبِطَتْ أعمالُهم في الدنيا والآخرة}[البقرة/٢١٧] اللهُ ما قال ومن ارتدّ قولُهُ أو كلامُهُ، لا، قال {ومنْ يرتدِدْ منكم} يعني الخطابُ للمسلمين، {منكم} يعني الأشخاص الذين هم منَ المسلمين بعضُهم هو ينتقل عن الدين والعياذُ باللهِ، بعضُهم يكفر يترك الإسلام يُفارق الإسلام بعدَ أن كانَ مسلمًا.

فماذا يقول هؤلاء الزنادقة الذين فتحوا بابَ الكفرِ على مصراعيْهِ للناس ويقولونَ نُكفِّر القول ولا نكفِّرُ القائل، منْ أينَ جاءوا بهذه القاعدة الكفرية الشيطانية الإبليسية الفرعونية؟؟

هذه القاعدة يمكن أبو جهل ما سبقَهم إليها، يمكنْ إبليس ما سبقَهم إليها، مِنْ أينَ جاءوا بها قولُهم نُكفِّرُ القولَ، القولُ يكونُ مكلَّفًا على زعمِكم لتُكَفِّروا القول؟ كيف تُكفِّرونَ القول؟

إذا أردْتُمْ أنْ تتكلموا بالجواهر والأعراض القول ماذا يكون؟ وإذا أردتمْ أنْ تتكلموا في أحوالِ المكلّفين فهل القولُ يكونُ مكلَّفًا؟ فإذًا كيف تكفّرونَ القولَ على زعمِكم؟

بأيِّ معنى ومنْ أيّ باب تحكمونَ على القول بالكفر وأما القائل الذي هو أخوكم في الكفر فتُبَرِّءونَهُ؟ أما القائل الذي هو أخوكم في الكفرِ والضلالة وسبَّ اللهَ تقولونَ لا تكفِّرونَهُ؟ منْ أينَ جئتُمْ بهذا الدين المُرَكّب المُفتَعَل؟ هذا دينٌ جديدٌ يفرَحُ به إبليس تفرحُ به الشياطين.

أما دينُ اللهِ فالآياتُ التي ذكَرْناها وهناك آيات وأحاديث كثيرة ونقلَ عددٌ كبيرٌ منَ العلماء الإجماعَ على كفرِ مَنْ سبَّ اللهَ لو كان مازحًا أو لاعبًا أو غاضبًا.

دينُ اللهِ ليس ملعبةً لأحد، دينُ اللهِ يجبُ أنْ يُحتَرَمَ في كلِّ حال. إذا كان وصلَ بكم الأمر لتقولوا نكَفِّر القول ولا نكفّر القائل لماذا؟ لأنَّ مَنْ سبّ اللهَ بنظرِكم ليس بكافر. إذا كانَ مَنْ سبَّ اللهَ مَنْ أشرَكَ باللهِ مَنْ عبدَ غيرَ اللهِ مَنْ فعلَ وقال واعتقدَ الكفريات لا يكونُ كافرًا إنما تكفِّرونَ القولَ أو الفعل أو الاعتقاد إذًا أجيبونا عنْ هذا السؤال جهنم لِمَنْ خُلِقَتْ؟ مَنْ يدخلُهُا؟ القولُ والفعلُ والاعتقاد؟ وأنتم وإخوانُكمْ كفارُ الإنس وإخوانُكمْ منْ شياطينِ الجنّ أينَ تكونونَ بزعمِكم إنْ متّمْ على هذه الحال؟ أجيبوا عن هذا السؤال.

إذا تكفِّرونَ القول وليس القائل والاعتقاد وليس المُعتقِد والفعل وليس الفاعل فجهنم مَنْ يدخُلُها بزعمِكم؟ إذا كان كما تزعمون اللهُ تعالى ما كان خلقَ جهنم بزعمِكم، كان ما بعثَ الرسل كان ما أنزلَ الكتب كان تركَ الناس وما هم عليه بزعمِكم يا مَنْ تُبيحونَ الكفرَ للناس تقولونَ عنْ مسبّةِ اللهِ نكفّرُ القول ولا نكفّر القائل؟؟

ثم الآن أجيبونا عن هذا السؤال لو أنَّ إنسانًا قتلَ أولادَكم ماذا تقولون نرفع دعوى على القتل أمْ على القاتل؟ أين هذا القتل؟ مَنْ تُحاكمون القتل أم القاتل؟ أمْ ستفرحونَ بقتلِ أبنائكم وتقولون لا يوجَد مَنْ نقتلُهُ إنما نرفع دعوى على القتل وليس على القاتل؟

تشتكون على السرقة أم على السارق؟ ترفعونَ دعوى وتطلبون الجهات الأمنية والمخافر لِمَنْ قتلَ وسرقَ واعتدى على أبنائكم أمْ على الفعل؟

أجيبوا عنْ هذا السؤال…

عندكم مَنْ كذبَ ماذا يقال عنه؟ منْ قتلَ ماذا يقال عنه؟ مَن سرق من ظلم ماذا يقال عنه؟ الكاذبُ كاذب والسارق سارق والقاتل قاتل والزاني زاني والظالم ظالم والمعتدي معتدي فلماذا الكافر عندكم لا يكونُ كافرًا بل تكفّرونَ القول، أيُّ دينٍ هذا؟؟؟

أقسامُ الكفرِ الثلاثة العلماءُ ذكروها وتكلّموا عنها وألّفوا فيها عشرات الكتب وقدْ ذكرْتُ لكمْ عددًا منْ علماء المذاهب الأربعة، ثم هناك قضية صريحة جدًّا باختصار.

قال الفقيه الحافظ المحدّث اللغوي النحوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابِهِ “إتحاف السادة المتقين بشرحِ إحياءِ علومِ الدين” في المجلد الثاني قال: وقدْ ألّفَ أئمةٌ منْ علماءِ المذاهب الأربعة الرسائل في بيانِ الألفاظ المُكفِّرة.

ماذا تريدون بعد كلّ هذه الآيات والأحاديث والنصوص والمراجع وأسماء العلماء والإجماع وعلماء منَ المذاهب الأربعة ألّفوا الرسائل في بيان الألفاظ المكفّرة كما أكّدَ هذا ونصّ عليه الفقيه الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي.

لماذا تسهّلونَ للناسِ أنْ يسبّوا الله مَنْ وراءكم؟ ما الذي حمَلكُمْ على إباحةِ الكفرِ للناس؟

 لو أنّ إنسانًا تكلّمَ في بناتِكم في أمهاتِكم في النت والفيس بوك والواتساب وركّب الأفلام المزوّرة عليهن هل ترفعونَ دعوى عليه أم على الفعل؟ ترفعون دعوى على الساب والشاتم أم على المسبة والشتيمة؟ على مركّب الفيلم أم على الفيلم؟ ما هذا التخريف والتحريف والتزييف؟ في مسبة الله تهَوِّنونَ الأمور للناس أما إذا تعرّضَ لبناتِكم وأمهاتِكم وأخواتكم تعملونَ ما يسمى المحاكم الدولية وكما يقال تُقيمونَ الدنيا ولا تُقعِدونَها لأنه تعرّضَ لبناتِكم لأخواتكم لأمهاتِكم أما في مسبةِ اللهِ صار الأمرُ عندكم هيِّنًا إلى هذه الدرجة؟

قال ربُّنا في سورة النساء {ومَنْ يكفر باللهِ وملآئكتِه ورسلِهِ واليومِ الآخِر فقد ضلَّ ضلالًا بعيدًا}[النساء/١٣٦]

سمّاه كافر وضالّ في آيةٍ واحدة.

إخواني وأخواتي هذه القضية مهمة فينبغي على طالبِ العلمِ قبلَ أنْ يخوضَ ويغوصَ في المُطَوَّلاتِ والمُتوسّطات أنْ يبدأَ بالمختصَرات فيتمَكَّن بالعقيدة ويعرف باب الردة وأحكام المرتدين ويتمكن بأحكام الطهارةِ والصلاة وما هو منْ فروضِ العين، بعدَ التمكن وبعدَ الأخذِ على العلماء وعن العلماء ينتقل إلى المتوسِّطات لا برأيهِ إنما بالتلقي على العلماء.

هذا أمرٌ عظيم أمرٌ مهم فلا تبخلوا على أنفسكم ولا على أبنائكم أنْ تتقَوَّوا في العلم وأنْ تتمكّنوا في العلم.