مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” – 40
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسم محمدٍ طه الأمين وعلى آل بيتِه وصحابته ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين
)صحيفة 168(
يقول فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه
*وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: حبُّ علمِ الدين علامةُ الخير والفلاح والنجاح.
*وقال رضي الله عنه: دليلُ الخيرِ في الإنسان أنْ يحبَّ العلم، لو حصّل قسطًا من العلم يرغبُ في الازدياد هذا دليلُ الخير أما الذي يظنُّ بنفسِه أنه مُكتَفٍ لا حاجةَ له إلى أحد فهذا علامةُ الهلاك علامةُ الجهلِ والهلاك.
)اللهُ سبحانه وتعالى جعل هذا العلم دليلًا على الفلاح لمن عملَ به والتزمَه لذلك قال شيخُنا رحمه الله “علامةُ الفلاحِ في الإنسان طلب المزيد من علم الدين” هذه العلامة علامةُ خير، فبعضُ الناس ترونَهم والعياذ بالله يزدادون من الحرام من الخمر من القمار من الربا من الظلم من الكذب من عقوق الوالدين، هذه علامة الهلاك والفضيحة والخزي والعار والخذلان، أما الإكثار من العلم والشوق لجمعِ العلم والهمة العالية في طلب العلم والهمة في جمعِ الحسنات فهذه علامة على الخير علامةٌ على الفلاح، فحب الدين وجمع علم الدين والإكثار من ذلك علامةُ خيرٍ للإنسان تدل على حسنِ حالِه عند الله إنْ عملَ بهذا العلم مخلصًا لله تعالى.
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف خلقِ الله وأعظم خلق الله وأكرم العالمين على الله وأعلى المراتب والدرجات والمنازل في الجنة في النعيم له صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء وإمام المرسلين ومَن أقسمَ اللهُ بحياتِه في القرآن، فقال له {لَعمرُكَ إنهم لفي سَكرَتِهم يَعمَهون}[الحجر/٧٢] قال ابنُ عباس رضي الله عنهما {لَعمرُك} أي وحياتك يا محمد، والله عز وجل لا يُقسم إلا بما فيه نفعٌ بمخلوقاتِه واللهُ يُقسِمُ بما يشاء واللهُ أقسمَ بحياةِ محمد صلى الله عليه وسلم ولم يُقسِمْ بحياة غيرِه من ذوي الأرواح لأنه صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إلى الله، وقلبُه الشريف الزكي الطاهر العظيم الملىء بالأنوار والأسرار والبركات والرحمات والخيرات والذي هو مهبِطُ الرحمات، قلبُه الشريف حَوى من محبة وتعظيم وخشية الله ما لم يحوِه قلبُ مخلوقٍ قط، فكان صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله على الإطلاق وأحبّ الأنبياء إلى الله فأقسمَ بحياتِه ولم يُقسِم بحياة آدم ولا بحياة نوح ولا بحياة الخضر ولا بحياة المسيح ولا بحياة جبريل عليهم السلام.
وهؤلاء السادات الكرام كم أعمارُهم؟ وكم قِصَر عمر النبي الشريف صلى الله عليه وسلم بالنسبة لأعمارِهم؟ اللهُ ما أقسمَ بأعمارِهم أقسم بحياة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أحبُّ الخلقِ إلى الله على الإطلاق.
*******هنا يوجد سبق لسان
مكتوب: الرسول صلى الله عليه وسلم أقسم بالتين…..
الصواب: الله أقسم بالتين والزيتون والبلد الأمين وبالشمس وضحاها بأشياء كثيرة أما من ذوي الأرواح لم يُقسِم إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم.
مع هذا القدر العظيم والشأن المنيف العالي الكبير الزكي المقدّس المبارك مع ذلك كان مشتاقًا لزيادةِ العلم ولكثرةِ نزولِ جبريل عليه أكثر مما ينزل فطلبَ منه أن يأتي لزيارتِه وأنْ ينزل عليه أكثر فأخبرَه جبريل أنه والملائكة لا يتنزلون إلا بإذن الله سبحانه وتعالى.
كان صلى الله عليه وسلم من شدة شوقِه للوحي ومن شدة شوقِه للعلم ولبركات وأنوار وأسرار العلم طلب أنْ يأتي جبريل إليه أكثر فقال له جبريل إنه ينزل على حسب ما يأمرُه الله عز وجل.
وهذا موسى عليه الصلاة والسلام الذي هو من أولي العزم وهو كليمُ الله وهو الذي له ذلك المقام الجليل وقد قال اللهُ عنه في القرآن {وكان عند اللهِ وجيهًا}[الأحزاب/٦٩] مع ذلك يسافر ويتحمل المشقات والمتاعب والأعباء ليَلقى الخضر عليه السلام ليَجتمعَ به فيُحصّل منه بعض الفوائد التي هي ليست من الضروريات لأنها لو كانت من الضروريات لا يجوز على موسى النبيّ الرسول أنْ يكونَ جاهلًا بها لكنْ هذا من عظيمِ حبه للعلم وهذا شأنُ الأنبياء وحبُّهم للعلم.
لذلك قال هنا رحمه الله “دليلُ الخير في الإنسان أنْ يحبَّ العلمَ لو حصّلَ قسطًا من العلم يرغبُ في الازدياد هذا دليلُ الخير”
لاحظتم لماذا ذكرنا مسئلة شوق النبي للعلم ولزيادة نزول جبريل عليه وسفر موسى؟ لأجل هذه العبارة لأنّ الإنسان الكامل يبقى متشوّقًا في تحصيل الخير وطلب الازدياد من هذا العلم المبارك الشريف.
لذلك لا تكونوا ممن يجمعون الدنيا وممن يجمعون حطام الدنيا الزائل ويزهدون في العلم فيتركون الفرض العيني وبعضُهم ممن حصّل الفرض العيني يتركونَ تحصيل الفرض الكفائي أيضًا، لا تكونوا من هؤلاء ولا من هؤلاء بل كونوا ممن يرغبون في تحصيل المزيد فيُحصّلون الفرض العيني ويشتغل عددًا من المسلمين بأكثر فيحصّلون الفرضَ الكفائي أيضًا، كونوا متشوِّقين دائمًا لتحصيل العلم فمجلسُ علمٍ واحد خيرٌ من كنوز الأرض، مجلس علمٍ واحد خير من كل ملايين الأرض فلا تبخلوا على أنفسِكم في تحصيل العلم.
لو قيل لك أو لكِ أو قيل لبعض الناس تعالَوا في وقتِ كذا قبل الفجر في مكان كذا من الأماكن الصعبة تأخذون صندوقًا من الذهب يمكن الأعمى يذهب والكسيح يذهب والمفلوج يذهب والمشلول يذهب وربما مقطوع اليدين والرجلين يذهب زحفًا على بطنِه، لماذا؟ صندوق ذهب كل يوم؟ مجلس علم واحد أفضل من كل صناديق الذهب وليس من صندوق واحد فحسب، بل مجلس علم واحد خير من ملء الدنيا ذهبًا فلا تضيّعوا على أنفسِكم هذا الخير ولا تزهدوا في العلم بل ازهدوا في الدنيا وحصّلوا العلم فهو دليل النجاح والفلاح والسعادة والأمن والأمان الفوز والنجاة لمَن عملَ به واتّقى اللهَ مع الإخلاص(
*وقال رضي الله عنه: الإنسانُ بحاجةٍ لعلم الدين التاجرُ بحاجة والذاكرُ بحاجة والداعي بحاجة، الدعاءُ منه ما هو محرّم ومنه ما هو جائز ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو كفر. كل الناس يحتاجونَ إلى علم الدين والذي لا يتعلم كالذي نزل في البحر وهو لا يعرفُ السباحة.
)علمُ الدين لا يستغني عنه عاقل كل مَنْ يعرف من نفسِه أنه عاقل وكل عاقل يعرف من نفسِه أنه بحاجة لعلم الدين ولا يستغني عن علم الدين عاقل، بل مَن ادّعى أنه ليس بحاجة لعلم الدين وهو مستغنٍ عن علم الدين فهو متهتك مغرور لعب به الشيطان ضحكَ عليه.
دكتور الجامعة المحاضر وطبيب المستشفى بحاجة لعلم الدين، كم من قضايا اليوم نظريات كاسدة فاسدة باطلة معارضة للقرآن مكذبة للسنة الشريفة وللإجماع يُحاضر بها دكاترة في الجامعات، كم من طبيب يدخل في العمليات الجراحية أو في علاج بعض المرضى في المحرّم وبما لا يجوز ويأمر بالفسق والفجور كالذي يأمر المرأة الحامل وقد نُفِخَت الروح في جنينِها أنْ تُجهِض فتصير قاتلة مجرمة ملعونة خبيثة تقتل ولدَها الذي نُفِخَت فيه الروح لمجرد التحاليل التي لم تكن نظيفة بزعمِه ويقول لها ربما هذا الولد يتوحّش وربما هذا الولد يتشوّه وربما هذا الولد يكون بمنظر كذا وهيئة كذا بناء على الظن وعلى التحاليل والصور والتخمين، فإنْ أخذت بقولِه وقتلت هذا الولد الذي صار عمرُه مثلًا ستة أشهر أو خمسة أو سبعة نُفخَت فيه الروح وقتلت صارت مجرمة قاتلة إنْ عملت شيئًا أجهضَت أو أخذت دواءً فأجهضَت صارت قاتلة، أما هذا الطبيب إنْ أعطاها هذا الدواء فقتل الجنين هو قاتل لكنْ هي مساعدة شريكة في الجريمة، هذه التي تقتل ولدَها الشاب الذي يمشي على رجليه على وجه الأرض، هذه مثل تلك، فلو قال لها الأطباء والصور والتحاليل والمختبرات الولد مشوَّه، الغيبُ غيبٌ عنا، كم وكم من امرأةٍ قالوا لها الولد مشوَّه طلع من أجمل شباب هذا العصر ونعرف أشخاصًا بأسمائهم وبأعيانِهم ومنهم مَن ذكرْنا أسماءهم في بعض المجالس وها هو ابنُهم صار الآن مهندسًا ومن أجملِ شباب هذا العصر وذكيًّا لا يشكو من عاهة ولا من مرض ولا منْ عوَر ولا من تشوّه بل جميل الخِلقة وهو مِن أذكى الشباب وأمّه كانت تعيش في فرنسا يعني مع ما يسمى الاكتشاف الحديث للطب وتطوّر الطب والآلات الحديثة وقالوا لها الولد متوحّش مشوَّه الولد كذا الولد كذا، فشاورتَ شيخنا رحمه الله فقال لها توكلي على الله ولا تأخذي بقولِهم وإياك فإنْ فعلتِ فأنتِ قاتلة، المرأة متوكلة على الله أخذت بالنصيحة الشرعية فلم تُجهض وكانت الروح قد نُفِخَت في هذا الجنين فلم تقتله توكلت على الله، ولدَت طلَع الولدُ طبيعيا سليمًا مُعافًى ليس فيه عاهة وهو الآن مهندس تزوّج وصار له ولدٌ ذكر، هذا كانوا يريدون من أمّه أنْ تقتلَه والعياذ بالله، وغير هذه الحادثة حادثة أخرى وثالثة ورابعة وخامسة.
الطبيب إنْ لم يكن متعلمًا الشرع يدخل في الكبائر في الفسق في الفجور إلا مَنْ سلّمَه الله وحفظه الله.
لذلك لا أحد يستغني عن علم الدين لا دكتور محاضرات الجامعات ولا طبيب المستشفيات والعيادات والطبيب المعالج ولا الرئيس ولا المرؤوس ولا الأمير ولا الوضيع ولا الغني ولا الفقير، التاجر بحاجة لعلم الدين فإنْ لم يتعلم قد يأكل السحت والحرام ويجمع العار والنار والشنار، أليس قال صلى الله عليه وسلم [كلُّ جسدٍ –كل لحم- نبت من سُحتٍ فالنارُ أوْلى به]؟ وفي بعض الأحاديث لا يدخل الجنة، يعني مع الأولين، لأنه يأكل الحرام جمع الحرام يطلب الحرام يشتغل بالحرام غُذِيَ بالحرام.
كم من التجار اليوم نَمّوْا الثروات ووسّعوا المصانع والمعامل وعدّدوا الفروع بالحرام؟
لذلك يا إخواني ويا أخواتي التاجر بحاجة للعلم، كم من التجار اليوم يحلفون بالله كذبًا ليُنَفِّق بضاعتَه يقول أقسم بالله العظيم رأس مال هذه البضاعة عليّ كذا وهو يكذب، يحلف بالله ويُقسم بالله ليبيع ويُرَوّج البضائع يقع في الكبيرة، وهذه اليمين الغموس يعني الإنسان يستحق أنْ يُغمَسَ في النار في العذاب بسببِها لأجل كيلو لحم أو لأجل أنْ تبيع هذه السيارة تحلف بالله كذبًا تقول رأس مال هذه السيارة عليّ الف دولار وهو اشتراها ب900دولار مثلًا، هذا حلف بالله كذبًا وهكذا يمكن بعض الناس لأجل كيلو بصل يحلفون بالله كذبًا، نعوذ بالله هؤلاء فسَقة فجرة ملاعين تهاونوا بتعظيم اسمِ الله عز وجل لأجل كيلو بصل أو نصف كيلو لحم فيحلفون بالله كذبًا.
إذًا التاجر بحاجة لعلم الدين الغني بحاجة لعلم الدين، كم من أغنياء اليوم إذا مات أبوهم الرجال يأكلون التركة ويحرمون البنات لهم أخوات نساء، الشباب يتقاسمون التركة ويقولون نحن عائلات عشائر نحن ضيَع قبائل لا نورِّث النساء فقط الرجال يرثون.
مَن أنتَ يا جاهل بالنسبة للقرآن؟ القرآن حكمَ لها، أليس في القرآن {للذكرِ مثلُ حظِّ الأنثَيَيْن}[النساء/١١]؟ القرآن أثبت لها، الرجل له عشرة مثلا وهي لها خمسة من التركة لماذا تريد أنْ تأكل عليها هذه التركة؟
بعض الحمقى من الرجال يمنعون البنات أنْ يرِثْنَ من آبائهنّ والعياذ بالله يقولون عندنا في العشيرة المرأة لا ترث ذهبت إلى زوجِها هو غريبٌ عنا كيف يذهب مالُ أبينا إلى صهرِنا؟
هي أرخص عندَكم من المال يا أحمق؟ تضع أختك تحت هذا الرجل تقول عنه غريب وتمنعَها أنْ ترث لأجل أنْ لا يذهب المال إلى صهرِك يا جاهل؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما هذا التفكير السقيم؟ هذا تفكير الجاهليين.
إلى اليوم كم من نساء فقيرات كبيرات لها أولاد حصّتُها كبيرة من أبيها إخوتَها الشباب تسلّطوا عليها منعوها ظلموها أكلوا حصّتَها صاروا ملاعين من أهل الكبائر، أكلوا نارًا في بطونِهم.
وقد روى البخاري في صحيحِه من حديثِ خولةَ الأنصارية رضي الله عنها [إنّ رجالًا يتخوّضون في مال الله بغيرِ حقٍّ فلهم النارُ يوم القيامة]
أنت تفرح أنك استكثرْتَ من المال بالحرام لكنْ ماذا ستفعل في القبر وماذا ستفعل في مواقف القيامة وماذا ستفعل في جهنم إنْ دخلتَها؟
هناك ماذا ستفعل؟ الغنى والشهرة والعشيرة والقبيلة والقرية والضيعة لنْ تدفعَ عنك عذاب جهنم إنْ دخلتَها، إذًا اتّقِ اللهَ عز وجل غنيًّا كنتَ أم فقيرًا، أعطِ أختكَ حظّها من الإرث هي لها حق القرآنُ أثبتَه والرسولُ صلى الله عليه وسلم والإجماعُ أثبتَه كيف أنت تأكل حقّها من التركة وتقول نحنُ لا نوَرِّث النساء؟
كم وكم من الأخوات تبكي في الليالي وتدعو على إخوتِها الشباب أكلوا حصّتَها من التركة إلى اليوم هذا موجود وليس فقط في القرى والضيع بل في المدن.
يكون هذا الأخ الكبير غنيّ يصرف على العائلة فإذا مات الأب يضع يدَه على المال، تأتي أختُه تكون فقيرة تقول يا أخي أعطِني حصتي أريد أنْ أصرف على أولادي يقول لا أنا أصرف عليكم أنا الآن إنْ سلّمتُكم المال أنت تُبَدِّدونَه تصرفونَه فيسْتَولي على مالِها بزعمِه هو يُقَنِّن وهي لا ترضى وهذه كبيرة، لو قال أنا أريد أنْ أعطيَها وهو يُمسك المال وهي لا ترضى، هذه أيضًا كبيرة لأنه يتصرف في مالِها بغيرِ إذنِها ولا رضاها، هذا ملعون من أهل الكبائر، وإنْ أكلَه بالمرة فلم يُعطِها فهذا أشد والعياذ بالله تعالى.
إذًا حتى الغني بحاجة للعلم حتى الفقير بحاجة للعلم حتى التاجر بحاجة للعلم حتى الشيخ بحاجة للعلم حتى إمام الجامع بحاجة للعلم حتى المؤذن بحاجة للعلم.
كم من مؤذّنين اليوم يعتمدون على الرزنامة وعلى الساعة وهذه الساعة تعرفون قد يحصل لها عطل قد يختلّ ضبطُها للأوقات للحظات للدقائق للثواني للساعات، كم وكم من مؤذّن أذّنَ في رمضان قبل المغرب بعشر دقائق والناس الذين حول المسجد أو الذين سمعوا الإذاعة ولم يتحققوا ولم يتسرّعوا فأكلوا وشربوا ثم قال المؤذن أو هذا المذيع نعتذر خطأ رفعنا الأذان وبقي عشر دقائق للمغرب ماذا يكون حصل؟ فسد صومُهم، كل النهار ذهب عليهم، عليهم أمساك ما بقي وعليهم القضاء الفوري.
تعرفون اليوم أكثر الإذاعات ماذا تفعل؟ تعتمد على ما يسمى البرمجة يضعون برنامجًا في الكومبيوتر يذهب المدير ينام في البيت في المكيف الإذاعة شغالة عبرنامج الكومبيوتر أو الموظف يكون جالس مع زوجتِه في البيت يحضر تلفزيون والإذاعة شغالة على برنامج الكومبيوتر فيحصل أحيانًا برامج تتداخل أو عطل فيدخل الأذان قبل الوقت ويطلع في الإذاعة، ماذا يصير بعد ذلك؟ وقد حصل، إن كان في تلفزيونات أو في راديو حصل مرات عديدة، إذًا لا بد من التثبّت والتحقق. هنا في بيروت مرة حصلت حادثة عجيبة على شاطىء البحر في ناحية، ساحل لبنان كبير حتى لا أحد يسأل عن أي جامع أتكلم، في محلة في منطقة في ساحل من السواحل فيها مساجد واحد أتى ليصلي العصر وقد غربَت الشمس المؤذن اليوم الذي يضعونَه لا يعرف أحكام الأذان ولا كلمات الأذان ولا أوقات الأذان بالطريقة الشرعية، موظف رآه يركض على الجامع ليصلي العصر، ما بك يا ابني، قال له أريد أنْ أصلي العصر لم أصلِّ بعد، قال له لا تخف صلِّ على مهلك لن أضع الأذان لتنتهي من صلاة العصر، والمغرب قد دخل وهو على الساحل الشمس غربَت.
انظروا ماذا يفعل الجهل.
واحد آخر هنا في بيروت نعرفُه شخص من الطيبين الثقات هو أخبرني قال وضع المؤذن الأذان قبل صلاة الظهر بسبع دقائق، فجاء هذا الطيب الثقة الذي نعرفه رجل كبير مسن وهو ملازم في المسجد قال له يا حاج فلان بعدُ ما دخل الوقت كيف تؤذن قبل الوقت؟ قال له المؤذن أو الخادم الجاهل: يا أبو فلان خلي الناس تصلي بكير وتروح عأشغالها، انظروا إلى الجهل، يريد لهم أنْ يشتغلوا أكثر للدنيا والصلاة أنْ تُصلّى أبكر بزعمِه من جهلِه.
حتى المؤذن يحتاج للعلم حتى خادم المسجد يحتاج للعلم. كم وكم من الخدام الذين يعملون في المساجد تأتي امرأة تتبرع بشىء يكون وقفًا للمسجد بمصحف مثلًا أو سجادة تقول له يا أبو فلان يا فلان هذه وقف للمسجد، ماذا يفعل بعض الخدام؟ يبيعَها يقول نحن اليوم بحاجة مثلًا لمازوت أو بنزين لموتور الكهرباء فعلى زعمِه يبيع هذا الشىء الذي أوقِفَ للمسجد ويشتري شيئًا آخر، أليس الرسول قال [المسلمونَ عند شروطِهم]؟ يعني سواء تريد بيعها لتحصل على مازوت أو بنزين هذه المرأة أوقفت السجادة للمسجد، لو عرَفَت أنك ستبيعَها بزعمِك لا ترضى ولا تأذن ولا تسمح جعلَت هذا وقفًا.
بمَن أضرب لكم مثلًا؟ أو أمثلة؟ إذا كان من الخادم صعودًا، بل حتى عامل التنظيفات في الشارع يحتاج للعلم، قد يجد لُقَطةً في الطريق إنْ لم يُعرِّفْ عنها يأخذُها ويأكلُها فيكون والعياذ بالله تصرّف بها على غير الطريقة الشرعية بما لم يأذن به الشرع بما حرّم به الشرع، قد يرى ورقةً عليها آية قرآنية فيضعها في كيس الزبالة أو بصندوق الزبالة مع الأوساخ وهذا لا يليق، بل إذا رأى آية أو ورقة عليها أسماء مُعظَّمة لا يخلِطُها بالقاذورات لا يُضيفُها إلى المُستقذَرات والأوساخ والنجاسات بل يُنَحِّيها يرفع هذه الورقة وحدَها، مثلًا عليها اسمُ الله يفرّق الحروف أو يُحرق هذه الورقة أو أن يضعَها في مكان نظيف لا تصلُه الأقدام، أما أنْ يضع هذه الأوراق التي عليها آيات أو أسماء معظّمة مع القاذورات مع النجاسات مع الأوساخ فهذا لا يجوز هذا خلافُ دينِ الله، أليس الله يقول {ذلك ومَن يُعَظِّم شعآئرَ اللهِ فإنّها من تقوى القلوب}[الحج/٣٢]؟
لذلك يا إخواني ويا أخواتي حتى عامل التنظيفات بحاجة لعلم الدين الذي بعض الناس بالعامية يسمونَه زبال وليست المسئلة بالوظيفة قد يكون إنسان له هذه الوظيفة وهو أفضل مني عند الله، أنا أتكلم عن بعض مَنْ يفعل ذلك بسبب الجهل، بعض عمال التنظيفات من الطيبين ومتعلمين ويتوضأونَ ويصلّون في الشارع وعلى الطريق وعلى الرصيف وإذا رأوْا أوراقًا فيها أشياء معظّمة يرفعونَها لكن البعض لا يعرف والكثير من الناس لا يعرف، لا أحد يستغني عن العلم كلّنا بحاجة للعلم كبارًا صغارًا نساءً أئمة مساجد خطباء دكاترة أطباء قادة زعماء رؤساء أغنياء فقراء، كلنا بحاجة للعلم، علم الدين لنا أهم من المال أهم من تنفس الهواء، بعلم الدين لمَن عملَ وصدق مع الله وأخلص يدخل الجنة أما لو أكلتَ وشربتَ وتنفّسْتَ ومِتَّ على الكفر أو على الفسقِ والفجورِ والعصيان كنتَ من الهالكين، كيف تنجو؟ بالعلم مع العمل، كيف تسلم؟ بالعلم، ليس بمجرد الدنيا ولا المناصب ولا الألقاب، كم من ألقاب كما يقال فضفاضة وضخمة وواسعة هي وَمَن أضيفت إليه لا وزنَ لهما العبرة بما عند الله ليست بالمظاهر الفارغة ولا بالألقاب الفضفاضة العبرة بتقوى الله {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}[الحجرات/١٣]
من هنا يا إخواني قال الشيخ رحمه الله أنّ الكل بحاجة للعلم التاجر بحاجة للعلم كما شرحنا وأعطيْنا أمثلةً عن ذلك(
*وقال رضي الله عنه: علمُ الدينِ دليلُ الفلاحِ والنجاح والنجاةِ في الآخرة وبه يُعلَمُ شكرَ اللهِ تعالى لأنّ شكرَ اللهِ هو طاعتُه أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرمات، هذا الشكر.
)الإنسان الذي لم يتعلم لا يميّز بين الشكر الواجب والشكر المندوب، الإنسان الذي لم يتعلم يخلِط ويخبِط خبطَ عشواء. كما يقال حرب شعواء وعشواء هذا الجاهل يصير كالناقة العمياء التي تخبطُ خبطَ عشواء.
فإذًا الإنسان الذي لم يتعلم قد يقع في الكبائر وهو يظن في نفسِه التقوى والصلاح، الإنسان الذي لم يتعلم كيف يعرف طريقَ النجاة كيف يعرف طريق الجنة فيمشي فيها وكيف يعرف طريقَ النار فيهرب منها وعنها؟
إذا لم يتعلم لا يعرف، أما بالعلم يعرف ذلك، لذلك يا إخواني ويا أخواتي كلّ منا ينبغي عليه أنْ يتعلم ليقومَ بالشكر الواجب يؤدي ما فرض اللهُ يجتنب ما حرّم الله يستعمل نِعَمَ الله بطاعةِ الله لا يستعمل هذه النِّعم في المعاصي.
ما هو الشكرُ الواجب؟
أنْ تؤديَ ما فرض اللهُ عليك وتجتنب ما حرّم الله، النِّعم التي أعطاك الله تستعملَها في الطاعات والخيرات يعني أنْ تحفظَ بدنَك من المعاصي أنْ تستعملَه في الواجبات والنوافل والخيرات والمستحبات، أما أن تستعملَ بدنَك في المعاصي لا تكون أدّيتَ الشكرَ الواجب، أن تستعملَ مالكَ في المعاصي لا تكون أدّيتَ الشكرَ الواجب.
وانتبه معي:
عند قولِنا وأنْ تستعملَ بدَنَك بالمستحبات والطاعات على معنى أنْ تحفظَها من المعاصي لكنْ ما هو الواجب؟
الواجب هو أنْ تؤدي الواجبات وتجتنب المحرّمات لكن من الشكر المندوب أنْ تُكثِر من الحسنات الزائدة على الفرائض مثلًا كأنْ تشتغل بلسانك بالحمد لله الشكر لله الفضلُ لله، أو بالتهليل والتسبيح والتقديس والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا مستحب سنة وفيه ثواب وأجر وبركة ونور وينبغي أنْ نُكثرَ منه، لكنْ الشكر الواجب تؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات فإنْ أكثرتَ وزدتَ على ذلك بأن اشتغلتَ بلسانِك مثلًا عشرة آلاف مرة في اليوم الحمد لله الشكر لله، هذا شكرٌ مندوب مسنون مستحب، لا يجب أنْ تقول بالمسبحة أو على الأنامل بعدٍّ أو بغيرِ عد بالعداد أو بدون عدّاد، أن تقول مائة مرة ألف مرة عشرة آلاف مرة الحمد لله الشكر لله هذا ليس واجبًا بل هو من السنن، هو من الشكر المسنون فيه خير وأجر وثواب، فبالعلم تميّز الشكر الواجب من الشكر المسنون المندوب.
فيا إخواني بالعلم الإنسان يعرف كيف يقوم بشكر اللهِ الواجب ويتطوّع بالشكر المندوب، بالعلم يعرف كيف يشتغل بالإكثار من شكر المُنعم، بالعلم يعرف أنْ يعمل بقولِ الإمام الغوث السيد الجليل القطب الذي جعله اللهُ آيةً في التواضعِ والرحمة رضي الله عنه وأرضاه وهو مفزَعُنا وسيّدنا وغوثُنا وإمامُنا الرفاعي الكبير رضي الله عنه وأرضاه وأمدّنا بمددِه ونفعَنا ببركاته وأسرارِه وعطّفَ قلبَه علينا وجعلنا تحت أنظارِه إلى الممات وثبّتنا على حبه بل علّقوا قلوبَهم بحبِّه، المرءُ مع مَن أحبَّ يومَ القيامة وهو الذي قال له سيّدُ العالمين محمد صلى الله عليه وسلم “أنتَ وجهٌ لا يُخزيهِ اللهُ أبدًا في أتْباعِه إلى يوم القيامة” ويومَ زار الرسول صلى الله عليه وسلم وقبّلَ يدَ الرسول صلى الله عليه وسلم وحصلَت تلك المعجزة العظيمة الباهرة الظاهرة الطاهرة لسيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتلك الكرامة للغوث الرفاعي والذي قال عنها الحافظ السيوطي إنها متواترة قال له الرسول صلى الله عليه وسلم “قم فإني آخذٌ بيدِكَ وبيدِ ذريتِك وأتباعِكَ إلى يومِ القيامة”
والرفاعي رضي الله عنه وأرضاه كان يداوي البهائم والكلاب الجرِبة يداويها ويُطعِمُها ويتعطّف عليها فكيف على عباد الله؟ والرفاعيُّ لا يترك أتباعَه ولا يتخلى عن أحبابِه، علّقوا قلوبَهم بمحبّتِه هو الذي قال له الرسولُ صلى الله عليه وسلم “أنتَ وجهٌ لا يُخزيهِ اللهُ أبدًا في أتباعِه إلى يومِ القيامة”
هذا السيد الغوث الإمام البحر المتلاطم في الأسرار والأنوار والرحمات والخيرات والعلوم ماذا قال “لا تنشغلْ بالنعمة عن شكرِ المُنعم”
إخواني وأخواتي شدوا الهمم في تحصيل العلم بارك الله بكم وأحسن الله إليكم
والحمد لله رب العالمين