الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (14)

 

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم حفظه الله تعالى

*فائدة: معنى الآية {فاعلمْ أنه لآ إله إلا الله}[محمد/١٩] يا محمد اثبُتْ على المعرفة التي أنت عليها مِنْ تنزيهِ اللهِ وتوحيدِه وأنك تعتقدُ أنَّ اللهَ وحدَه الذي يستحقُّ العبادةَ.

الآية أمرٌ منَ اللهِ لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بالثبات، أْنْ يدومَ على ما هو عليه منَ المعرفة، ليس معناها أنه كان يشبِّهُ اللهَ بخلقِهِ أو يعبدُ غيرَ اللهِ أو يشكّ في وجودِ الله، هذا لا يليق بالأنبياء، هذا المسلمُ العاميّ إذا فعلَهُ خرجَ من الإسلام يعني إذا شكّ في وجودِ الله إذا عبدَ غيرَ اللهِ ما عادَ مسلمًا صار مشرِكًا صار كافرًا، أليس الله يقول في القرآن {إنّما المؤمنونَ الذين آمنوا باللهِ ورسولِه ثم لمْ يرتابوا}[الحجرات/١٥] الارتياب يعني الشك ومحلُّه القلب وهذا كفرٌ اعتقاديّ ولا يجوزُ على الأنبياء.

والنبيُّ منَ الأنبياء يكونُ على الإيمانِ على التوحيدِ مِنْ طفولتِه إلى مماتِه، فالأنبياءُ عارفونَ بربِّهم بخالقِهم لا يكونون مُنكِرينَ لله ولا لوجودِه ولا شاكّينَ في قدرتِه ولا مُشبِّهينَ له بخلقِه، لا.

إذًا ما معنى {فاعلمْ أنه لآ إله إلا الله}[محمد/١٩]؟ اثبتْ على ذلك وابقَ عليه ودُم عليه إلى الممات.

مثالٌ يوضِحُ هذا المعنى، اللهُ يقولُ في القرآن {يآ أيّها الذين آمَنوا آمِنوا باللهِ ورسولِه}[النساء/١٣٦] إذا سألك سائل أو قال لك قائل كيف يكونُ هذا؟ هم مؤمنون والخطابُ لهم {آمِنوا} كيف؟ فالجواب: يا أيها الذين آمنوا استمروا اثبتوا على الإيمان الذي أنتم عليه، هذا معناه، لأنّ الخطاب للمؤمنين وليس للكافرين، يعني يكونُ الأمرُ لهم بالثبات على ما هم عليه منَ الإيمان.

 

مثالٌ ثالث: اللهُ عزّ وجلّ قال لنبيِّهِ المصطفى عليه الصلاة والسلام {يآأيها النبيّ اتّقِ الله}[الأحزاب/١] هل يليق أو هل يجوز أو هل يصحّ أنْ يُظَنَّ برسولِ اللهِ أنه كان بعيدًا عن التقوى؟ حاشاه، أو أنه والعياذُ باللهِ كان فاسقًا؟ هذا لا يليق ولا يصح ولا يُقبَل.

إذًا فما معنى {يآ أيها النبيُّ اتّقِ الله}[الأحزاب/١]؟ يعني اثبُتْ على تقوى الله، يا أيها النبيّ أنت أتقى العالمين أتقى الناس فدُمْ على هذه التقوى ابقَ عليها.

وهكذا {فاعلمْ أنه لآ إله إلا الله}[محمد/١٩] يعني استمر وابقَ على ذلك وليس معناه أنه كان شاكًّا بربِّه كما يفتري بعض الكفَرة ومنهم مَنْ يدّعي الإسلام يقولون إنه كان شاكًّا بربِّه أو كان يعبُدُ الكواكب كما يُفتَرى على إبراهيم أو الشمس أو القمر، حاشى.

اللهُ عزّ وجلّ قال عن إبراهيم {حنيفًا مسلمًا وما كان منَ المشركين}[آل عمران/٦٧] فإبراهيم لم يكنْ شاكًّا بوجودِ الله ولا عبدَ غيرَ الله ولا شكَّ في قدرةِ اللهِ على إحياء الموتى، حاشى.

فمعنى {أوَلمَ تؤمِن قال بلى ولكنْ ليطمئنَّ قلبي}[البقرة/٢٦٠] بعضُ الأنبياءِ سألَ اللهَ تعالى ودعا وطلب فأُعطيَ كلَّ ما طلبَ اللهُ استجابَ له وحقّقَ له كلَّ ما طلبَه، وبعضُ الأنبياء طلبَ ودعا فأُعطيَ بعضَ ما طلب ولمْ يُعطَ كلَّ ما طلب، والرسولُ محمد صلى الله عليه وسلم أُعطِيَ أشياء ومُنِعَ أشياء، أليس قال [وسألتُه أنْ لا يجعلَ بأسَهم بينَهم فمَنعَنِيها وقال لي يا محمد إني إذا قضيْتُ قضاء فإنه لا يُرَدّ] رواه ابن أبي حاتم في التفسير.

فما معنى {أولَمْ تؤمِن قال بلى ولكنْ ليطمئنَّ قلبي}[البقرة/٢٦٠]؟

إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعدَما ناظرَ النمرود وكسرَه، والنمرود كان يدّعي الألوهية والعياذُ بالله وكان يقولُ للناس أنا ربُّكم الأعلى، لعنه الله، إبراهيم عليه الصلاة والسلام ناظرَهُ وكسرَه وأقامَ الحجّةَ عليه، واللهُ تعالى مدح إبراهيم على ذلك فقال {وتلكَ حُجَّتُنا آتيناها إبراهيمَ على قومِه}[الأنعام/٨٣] يعني الله مدحَ الدليلَ العقليّ الذي استعملَه إبراهيم في الردّ على هؤلاء الكفار يعني استعمال الأدلةِ العقلية لنُصرةِ الإسلامِ هذا ممدوح ليس شيئًا مذمومًا كما تقول المشبهة، ليس شيئًا مذمومًا كما تقول المجسمة لأنّ اللهَ مدحَ إبراهيمَ على ذلك قال {وتلكَ حجَّتُنا} أضافَها إلى ذلك إضافةَ تشريف للحُجج، هذه الحُجَج لها شأن وشرف لأنها لتأييد الإسلام.

اللهُ قال {وتلكَ حجّتُنا آتيْناها إبراهيمَ على قومِه}[الأنعام/٨٣] هذا مدحٌ لله لإبراهيم ولحُجَجِ إبراهيم التي نصرَ بها الإسلام ودمّر بها هؤلاء الكفرَة.

إبراهيم خرجَ وكان النمرود والعياذُ بالله يتوعّده ويتهدده ويريد إلحاقَ الأذى به، وصل إبراهيم إلى البحر أو إلى النهر فرأى جيفة ميْتة في الماء، هذه الجيفة حيتان وأسماك الماء تأكل منها تنهش منها، وتأتي طيور الجو الجوارح فتأكل من هذه الجيفة، ثم إذا تقاذفَتْها الأمواج إلى البر جاءت السباع فأكلتْ من هذه الجيفة ثم ردّتْها الأمواج إلى الماء إلى البحر أو إلى النهر.

إبراهيم رأى هذا المنظر العجيب هذه الجيفة لحمُها توزّعَ في أجوافِ وبطون حيتان وأسماك الماء وطير وكواسر الجو وسباع البر، فأحبَّ إبراهيم أنْ يرى كيف يُحيي الله الموتى فطلب من الله أنْ يُريَه هذا الأمر، ومعنى {ولكنْ ليطْمئنّ قلبي}[البقرة/٢٦٠] يعني هل أُعطَى أْنْ أُرى ما طلبْتُ أم لا؟ هذا معناه، لم يكن شاكًّا في قدرةِ اللهِ على إحياء الموتى لأنّ الذي يشك في قدرة الله لا يكونُ مسلمًا.

هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني نقل عن الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في كتابِه الذي هو المُشكل على أحاديث صحيح البخاري وهو كتاب مطبوعٌ كبير موجود عندنا هنا، نقلَ الإجماع على كفرِ مَنْ أنكرَ قدرةَ اللهِ على كلّ شىء، يعني صار هذا الإجماع الذي أقرَّه ابن حجر ونقله صار قولًا له، لأنّ الذي يحتجّ بقول يستشهد به يروِيه مُقِرًّا له صار قولًا له في المعنى، يعني ابن حجر نقلَ الإجماع وابن الجوزي نقل الإجماع في هذه القضية أنّ الذي يُنكر قدرةَ اللهِ على كلّ شىء هذا كافرٌ بالإجماعِ ليس من المسلمين، فهل يليقُ هذا بنبيٍّ كإبراهيم؟ حاشى.

إذًا معنى {ليَطمئنَّ قلبي}[البقرة/٢٦٠] هل أرى أنْ أُعطَى ما طلبتُ أم لا، هذا معناه.

اللهُ علّمَه ماذا يفعل فأخذَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام الطير ثم ذبَحَها وصبّ الدم الذي في عروقِها في التراب، أُهريقَ في التراب، ثم ريش هذه الطيور نُتِفَ وخُلِطَ ونُشرَ والدم شرِبَه التراب واللحم قطّعَه إبراهيم وخلطَه ثم وزّعَه على رءوس الجبال، وقف إبراهيم عليه السلام في مكان ومعه رءوس هذه الطيور المقطوعة ثم نظرَ إلى رءوس هذه الجبال التي عليها اللحم المُقطَّع المُختلط وناداها قال: تعالَيْنَ بإذنِ الله، اللهُ الذي لا يُعجزُه شىء اللهُ القادر على كلّ شىء أرجَع الدمَ الذي كان في التراب مختلِطًا به وقد شرِبَه التراب، عاد ثم انفصلَ دم كلّ طائر عن البقية وحدَه وهكذا الريش انفصلَ عن بقيةِ الريش وصار كل ريش لكلّ طائرٍ وحدَه وهكذا اللحم، ثم اجتمعت الأجساد وقامت منْ غير رءوس تركض بإذن الله، جاءت وقفتْ أمام إبراهيم عليه السلام فجعلَ يقدِّم رأس هذا الطائر لغيرِ جسدِه فلا يقبلُه فإذا قدّمَهُ لجسدِه قبِلَهُ وعادت الرءوس إلى أجسادِها وذهبت الطيورُ منْ جديد بقدرةِ الله تعالى، فأُعطيَ إبراهيم بهذا الأمر العجيب أنْ يرى كيف يُحيي اللهُ الموتى وهذه معجزةٌ عظيمةٌ باهرةٌ ظاهرة وفيها دليل على كمالِ قدرةِ الله وعلى إحياءِ الموتى بعد موتِهم وعلى إحياءِ الناس يومَ القيامة بعد الفَناء وبعدَ الزوال منْ هذه الدنيا اللهُ يُحْيِيهم في القيامة ويُعيدُهم وهذا ليس بعزيزٍ على الله.

إذًا هذا باختصار ما ذكرْناه في درسِ البارحة في التعليقِ على معنى هذه الآية الكريمة {فاعلمْ أنه لآ إله إلا الله}[محمد/١٩] الرسولُ لم يكنْ جاهلًا ولم يكن شاكًّا حاشى، بل كلّ الأنبياء كانوا على الإسلام على الإيمان منْ طفولِتهم إلى مماتِهم لأنّ اللهَ عصَمَهم منَ الكفرِ والكبائر وصغائر الخِسّة قبلَ النبوةِ وبعدَها).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلّم على سيّدِنا أبي القاسمِ طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه الطيبين الطاهرين

أما بعد، يقول جامعُ هذا الكتابُ المُبارك الشيخ عماد الدين جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

(صحيفة 126)

قال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: عن رابعةَ العدَوية – هي قالت –

تَعصي الإلهَ وأنتَ تزعُمُ حبَّهُ          هذا لَعَمري في الفِعالِ شنيعُ

لو كان حبُّكَ صادقًا لأطَعْتَه            إنّ المحبَّ لِمَنْ يحبُّ مُطيعُ

(هذه المرأة الصالحة رابعة العدوية كانت فقيهة صوّامةً قوّامة زاهدة لكنْ للأسف يُفتَرى عليها كثيرًا ولا سيّما في بعض الأفلام والتمثيليات والمسلسلات، وفي هذا المقام مهمٌّ التنبيه أنّ كثيرًا من الأفلام والتمثيليات التي تسمّى إسلامية أو دينية أو تاريخية  يدخلُها التحريف والتزييف والباطل وأحيانًا تكون والعياذُ باللهِ تعالى تشَوِّه سُمعة الإسلام وتكذِب على الإسلام، لأنّ بعضَ هذه الأفلام الله أعلم مَنْ وراءَها مِنْ دول أو جهات تكره الإسلام، فبعضُ هذه الأفلام تَبُثُّ العقائد الكفرية كفيلم يُسمى على زعمِهم سفينة نوح كفيلم يسمى إبراهيم كفيلم يسمى يوسف الصدّيق وفيها كفريات وأكاذيب ورذالات وسفاهات وأشياء لا تليق بالأنبياء ولا بالإسلام، إذًا الحذرَ الحذرَ الدين والعلم والإسلام لا يُؤخَذ بهذه الطريقة إنما يؤخَذ عن العُدولِ الثقات كما تكلّمْنا في الدرسِ الذي كان قبل السابق، تكلّمنا بالتفصيل عمّنْ يُؤخَذ العلم.

بعض الأفلام التي عُملَت قديمًا عنْ رابعة العدوية فيها أنها كانت زاينة وتشرب الخمر وتقعد مع الرجال للرذالات ثم بعد ذلك اجتمعت بذي النون المصري على زعمِهم فصارتْ تائبةً وصارت مع فعلِها لبعضِ الأمور القبيحة لها كرامات على زعمِهم، كيف هذا؟ هذا لا يليق برابعة ولا بمعنى الولاية ولا بتعريفِ الولاية، إنما هي كانت مستقيمة تعلّمت وحصّلَتْ العلم منْ بعضِ الأكابر وكانت قويةَ الهمّة في الطاعات والعبادات والصيام والقيام، نعم وكانت صالحةً لها كرامات لكنْ لم تكنْ زانية ولم تكن شاربةً للخمور إنما هذا يُفتَرى عليها.

ثم كلامُها هذا يدلُّ على عظيمِ فهمِها وعلى عظيمِ خَشيتِها منْ ربِّها لكنْ سنقف عند عبارة من كلماتِها رحمها الله

“لو كان حبُّكَ صادقًا لأطَعْتَهُ” هذا ليس معناه أنّ المسلمَ إذا عصى اللهَ تعالى يكونُ كاذبًا في محبّتِهِ لله، لا، تريد أنّ الإنسانَ لو كانت محبّتُه كاملة يعني لو كان تقيًّا وليًّا صالحًا خاشعًا لكانتْ هذه الخشية والولاية حاجزًا له عن المعاصي، لكن المسلم قد يعصي قد يُذنب قد يقع في الكبيرة فلا يكونُ كاذبًا في قولِه إنه يحبُّ الله، لا،  المسلم إذا قال أحبُّ اللهَ نُصَدِّقُه وهو يحبُّ الله لأنّ الذي لا يحبُّ اللهَ ليس من المسلمين.

فإذًا المسلم قد يعصي قد يقع في الكبائر حتى الأولياء قد يقعونَ في الكبائر، وهذا هي لا تدّعي فيه العِصمةَ لنفسِها ولا للأولياء إنّما تريد أنّك لو كنتَ كاملًا في محبَّتِكَ لله لمْ تكنْ مُسترسِلًا في المعاصي، لم تكنْ متتَبِّعًا للذنوبِ والآثام والمعاصي لأنّ الذي يصل إلى المحبة الكاملة تَحجزُه هذه المحبة عن المعاصي والآثام لكنْ إنْ حصل ووقعَ هذا المسلم في الذنب أو التقي أو الولي وقع في الذنب فهذا لا يقدح في أصلِ دينِه ولا في أصلِ محبّتِه لله، مرادُها لو كنتَ كاملَ المحبة لو كنتَ تقيًّا لكانَ حالُكَ غير هذا، لكانَ حالُكَ أحسن.

وقالت بعد ذلك “إنّ المحبَّ لِمَنْ يحبُّ مُطيعُ” معناه ينقاد لطاعةِ الله هذا علامةُ كمالِ المحبة)

وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: مطلوبٌ منَ الإنسانِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه أي بما يجري في زمانِهِ منَ الخير والشر، مطلوبٌ أنْ يعرفَ حتى يتجنّبَ الشر الذي يجري في زمانِه.

(وهذا الكلام مأخوذُ من معنى ما ورد في حديث رواه الحافظ ابن حبان في الصحيح أنّ ما ممّا كان في صحفِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام “وعلى العاقلِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه” لماذا؟

لأنّ المسلمَ إذا كان بصيرًا بزمانِه  بماذا ينفع هذا الأمر؟ أنْ يكونَ خبيرًا مُطَّلِعًا عارفًا بالزمان وأحوالِه، هذا ينفع كثيرًا.

مما ينفعُ فيه هذا الأمر أنك إذا اطّلعتَ على شر على مُنكر على فساد على ضرر على خطر على مكيدة للإسلام على مكيدة  للمسلمين تُنكر تُحذّر تجهر تُنبِّه تُبيِّن تنقذ الناس والنائمين، وإذا رأيتَ خيرًا أيّدتَ دعمْتَ ساعدتَ شجّعتَ دفعْتَ على تقدّمِ الخير، ساعدتَ على نشرِ الخير، لذلك من المهم على العاقلِ أنْ يكونَ بصيرًا خبيرًا بحوادث العصر والزمان.

كم وكم اليوم في عصرِنا هذا من المُنكَرات التي تنتشر في البلاد وعلى الفضائيات وفي مواقع التواصل إنْ سكتَ كلّ الناس الذين رأوا هذه المُنكَرات يكونُ والعياذُ باللهِ أسخَطوا ربَّهم عليهم، لأنّ الساكتَ عن الحقّ شيطانٌ أخرس، فإذا رأوا علِموا سمِعوا شاهدوا بلغَهم هذه المُنكرات يُنكِرون يُحذِّرونَ فيُنْقِذونَ الأمة، يُنقذونَ الشباب والشابات ويحفظونَ المجتمعات، إذا رأوا هذه المنكَرات لا يسكتونَ لها بل يُحذّرونَ منها، هذا منْ جملةِ الفوائد بأنْ تكونَ مُطَّلِعًا خبيرًا بحوادثِ زمانِك، وعلى العاقلِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه.

في الماضي الصحابة الكرام ومَنْ بعدَهم منَ التابعين كانوا إذا رأَوا منكَرًا قام الغريب فيهم لو كان مسلمًا مارًّا في البلد رأى مُنكَرًا فيقومُ فيُنكر فيُؤَيِّدُه الكل يقفونَ معه، أما اليوم للأسف بعض الناس إذا قام يُنكر المُنكَرات أكير الناس يقومونَ عليه ويحاربونَه وربّما بدأ أهلُه بمحاربتِه للأسف، اليوم تغيّر الحال وفسَدت النفوس وقست القلوب إلا مَنْ حفظَهم ربي وسلّمَهم.

لذلك يا إخواني مَنْ كان منكم مطّلِعًا على أخبار العصر وحوادث الزمان فعلِمَ بمُنكَرات لا يسعُه السكوت كلٌّ في موقِعه وكلٌّ على حسبِ استطاعتِه وبقدْر إمكانيّاتِه. ربّما أحيانًا يكون إنسان في موقع رسمي أو في مؤسسة كبيرة لها وزن في البلد بهاتف واحد يُنكر منكَرات كثيرة ويمكن الدعاة والمشايخ على المنابر يُبيِّنون، أما إذا سكتَ الكلّ نزلت اللعنة أثِمَ كلّ مَنْ علِمَ ولم يُنكِر وسكتَ بلا عذر، يعني تركَ إنكارَ المُنكَر وهو قادرٌ على الإنكار لأنّ إنكارَ المنكَرات منْ فروضِ الكفاية يعني إذا قام بهذا الواجب بعضُ أهلِ البلد سقط الحرَج عن البقية مثل صلاة الجنازة، إذا مات مسلم مثلًا بعض المسلمين يقومونَ بتجهيزِه، تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، هذا منْ فروض الكفاية يعني لا يجب على كلّ أفراد البلد أنْ يشتركوا بذلك إنما لو قام بعض أهلِ البلد فجهّزوا هذا المسلم فقد قاموا بالواجب، سقط الحرج عن البقية.

أما لو علمَ كلّ أهل بيروت أنّ مسلمًا مات كلُّهم تركوه لا غسّلوهُ ولا كفّنوه ولا صلَّوا عليه ولا دفنوهُ في مقابرِ المسلمين رمَوْه في المزابل، كلّ الذين علِموا بذلك أثِموا عصَوا الله كلّهم ضيّعَ هذا الواجب.

إذًا إنكار المُنكرات منْ فروضِ الكفاية، ومنَ المهم أنْ تكونَ أيها المسلم أيتها المسلمة ممّنْ يعرفونَ بأحداث وأمور وأخبار العصر حتى تؤيّدوا الإسلام، حتى تساعدوا الدعوة، لأجلِ أنْ تُنكِروا المُنكَرات وتساعدوا على الخيرات، تشجّعوا على الطاعات وعلى نشرِ عقيدةِ أهلِ السنة وعلى نشرِ عقيدةِ الأشاعرة والماتريدية، وعلى نُصرةِ الدين على نصرةِ الإسلام، هذا منْ فروضِ الكفاية.

لذلك عليكم أنْ تكونوا خبيرين مُطّلِعين على ما في عصرِكم، ما في وقتِكم، هذا معنى أنْ يكونَ خبيرًا بزمانِه أنْ يكونَ مطّلِعًا على حوادث العصر، وعلى العاقل أنْ يكونَ خبيرًا بزمانِه يعني بالأحداث التي تحصل لأنّ الإنسان إذا كان بصيرًا بزمانِه عرفَ الأحداث التي تحصل فكما قلتُ إنْ كانت مؤامرة على الإسلام إنْ كانت هناك حرب ضدّ المسلمين يقوم فيُنكر ينَبِّه ويوقظ  النائمين.

لذلك يا إخواني كونوا منْ هؤلاء الذين يقومون على حماية الدين وكلٌّ منكم ليكونَ بصيرًا بزمانِه، وعلى العاقلِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه، وعلى العاقل ما لم يكنْ مغلوبًا على عقلِهِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه، هذا مهم لأنه يساعد على حفظ الدين وإنكار المنكرات ونشر الطاعات والخيراتِ والعلم والواجبات)

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: الذين يتعاونونَ في الدنيا على المعصية بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ يومَ القيامة مهما كانت صداقتُهم في الدنيا قوية يكونون أعداءً هذا عدوٌّ لهذا وهذا عدوٌّ لهذا.

(لذلك قال ربُّنا في القرآنِ الكريم {الأخلّآءُ يومَئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين}[الزخرف/٦٧] يعني مَنْ كانت في الدنيا بينَهم صداقة وصُحبة لكنْ على الفساد والباطل والمحرّمات على المعاصي على التكبّر على الظلم على الفسق على الفجور على السرقة على المُنكَرات وكانوا في الدنيا يحبُّ بعضُهم بعضًا لأجلِ هذه الأسباب الفاسدة، لأجلِ هذه المُنكرات والخبائث ويساعد بعضُهم بعضًا في ذلك، هؤلاء يوم القيامة مودَّتُهم التي كانت بينَهم في الدنيا تنقلبُ في الآخرة عداوة وبغضاء فيَنفِرُ بعضُهم منْ بعض ويهربُ بعضُهم مِنْ بعضٍ.

ورد في الآية الاستثناء {إلا المتقين}[الزخرف/٦٧] لأنّ الأتقياءَ هم الذين اجتمعوا في الدنيا على ما يُرضِي الله وكان الواحدُ منهم إذا رأى منْ أخيهِ طاعةً شجّعَهُ وساعدَه وإنْ رأى معصيةً نصحَه وذكّرَه بالآخرة ذكّرَه بالله خوّفَه من الله، هؤلاء الذين اجتمعوا على طاعة الله وتقوى الله ومحبةِ الله مودّتُهم تنفعُهم في القيامة فيكونونَ بسببِها على منابرَ منْ نورٍ في ظلِّ العرش في أمنٍ وأمانٍ وفرحٍ وسرورٍ واطمئنان، لا يُصيبُهم أذى حرِّ الشمس عندما تدنو من رءوسِ العباد لا يُصيبُهم الفزعُ الأكبر ولا الظمأ ولا يصيبُهم الهوان ولا العذاب ولا الألم ولا القلق ولا الفزع ولا الخوف ولا الاضطراب، لا تضربُهم الملائكة إنّما يكونون في فرح، انظروا الفرق بين هؤلاء وهؤلاء.

فكونوا يا إخواني ويا أخواتي ممّنْ يجتمعونَ على طاعةِ الله، كونوا مجتمِعينَ على تقوى الله على ما يُرضي اللهَ عزّ وجل.

يقول اللهُ تعالى {يومَ يفرُّ المرءُ مِنْ أخيهِ* وأمِّه وأبيه* وصاحبتِه وبَنِيه* لكلِّ امرىءٍ منهم يومَئذٍ شأنٌ يُغْنِيه}[عبس/٣٤-٣٧] هذا فيمَن كان بينَهم في الدنيا مظالِم، {يوم يفرُّ المرءُ من أخيه}[عبس/٣٤] لأنه كان ظلمَه آذاه ضربَه ظلمًا وعدوانًا افترى عليه تسلّطَ عليه فأكل مالَه بالباطل، بغير حقٍّ، هذا الإنسان يهربُ منه لأنه يخاف أنْ يُطالبَه بحقِّه فيُعاقَب بسببِ ذلك، وهكذا بين الإنسان وزوجتِه بين الإنسان وأقاربِه وأصدقائِه، لذلك علينا أنْ ننتبِه، {يومَ يفرُّ المرءُ منْ أخيه* وأمِّه وأخيه* وصاحبتِه وبَنِيه}[عبس/٣٤-٣٦]

أنت الآن سلْ نفسَك هل ظالمٌ لأبوَيك هل أنت منْ هؤلاء؟ هل أنت ظالمٌ لزوجتِكَ أو هل أنتِ ظالمةٌ لزوجِك؟ ظالمٌ لإخوانِك ظالمٌ لأصدقائِكَ؟ إذًا تهربُ منهم يومَ القيامة.

أما الذين كانوا قد اجتمعوا على ما يحبُّه اللهُ ويرضاه لا يهربُ بعضُهم منْ بعض بل يفرح بعضُهم ببعض عندما يلتقون يُسِرّون يمتلئونَ فرحًا وسرورًا يقول {هآؤُم اقرأوا كتابِيَه}[الحاقة/١٩] لأنه بُشّرَ فيُحبّ لأحبابِه ولأصدقائِه ولأهلِهِ أنْ يطّلِعوا على البشرى التي أخذها

لذلك الحذرَ الحذرَ أنْ تكونوا منْ هؤلاء الذين يجتمعونَ على الفسقِ والفجورِ أو على الكفر وهذا أخطر وأشد وأكبر، لأنّ بعضَ الجماعات والأحزاب يجتمعون مع أصدقائِهم وحلفائِهم على الضلالة على التشبيه على التجسيم على تكذيب القرآن على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء عاقبَتُهم وخيمة يومَ القيامة.

لذلك مَنْ كان في هذه الدنيا بينَه وبينَ أهلِه أو بينَه وبينَ إخوانِه مظالِم هو يهرب لأنه ظالمٌ لهم، أما إنْ كانوا ممّن اجتمعوا على طاعةِ اللهِ وعلى الخير لا يهربُ بعضُهم بل يفرح بعضُهم ببعض إذا ما الْتَقَوا).

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: أعلى درجةٍ في الإسلام والإيمان هو أنْ يكونَ العبدُ يخشى ربَّهُ كأنه يراه وإنْ كان لا يراه، فقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [الإحسانُ أنْ تخشى اللهَ كأنكَ تراه فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنه يراك]

(هذا الحديث مَنْ يتحقق بمعناه يكونُ مُستغرِقًا في بحر المحبة، مَنْ وصلَ إلى مقامِ الإحسان هذا يكونُ مُستغرِقًا في بحر المحبة مثل أمير المؤمنين وليُّ الله عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، هو كان وصلَ إلى هذه المرتبة مرتبة الإحسان، فما معنى هذا الحديث؟ [أنْ تعبُدَ اللهَ كأنكَ تراه فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك]؟

نحنُ في الدنيا لا نرى الله، النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال [واعلموا أنكم لنْ تَرَوا ربَّكم حتى تموتوا] هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم الإجماعُ الذي نقَلَه الإمامُ الكلَباذي أنّ اللهَ لا يُرى في الدنيا، إذًا ما معنى [أنْ تعبُدَ اللهَ كأنكَ تراه] ؟ يعني أنْ تكون منْ شدةِ تعظيمِك لله ومنْ شدةِ خوفِكَ من اللهِ ومنْ شدةِ حبِّكَ لله تؤدّي العبادات والطاعات كأنك ترى الله، أنت لا تراه لكنْ مِنْ شدةِ اسْتِحضار الخوفِ من الله من شدةِ ما تستحضر في قلبِك محبةَ اللهِ تعظيمَ الله تصير في شدةِ هذا اليقين كأنك ترى الله وأنت في الدنيا لا تراه، [أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراه فإنْ لم تكنْ تراه فإنه يراك] إذًا تستحضر في خلَواتِكَ وجَلَواتِكِ في لحظاتِك أنّ اللهَ مُطّلِعٌ عليك، لأنّ المراقبة لله معناها أنْ تستحضرَ في قلبِكَ أنّ اللهَ مُطّلِعٌ عليك وأنّ اللهَ عالِمٌ بك وأنّ اللهَ لا تخفى عليه خافية، وأنّ اللهَ تعالى عالمُ الغيبِ والشهادة.

إذًا نحنُ في الدنيا لا نرى الله فالذي يصل إلى هذا المقام يصير كأنه منْ شدةِ الخوف من اللهِ ومحبة الله وتعظيمِ الله وخشيةِ اللهِ تعالى يصير كأنه يرى الله مع أنه لا يراه، فيأتي بالعباداتِ على أكملِ وجه ويهربُ منَ المعاصي والآثام، هذا معنى [فإنْ لم تكنْ تراه فإنه يراك]، عالمٌ بك مطّلِعٌ عليك لا تخفى عليه خافية عالمُ الغيبِ والشهادة، {وما اللهُ بغافلٍ عمّا تعملون}[البقرة/٧٤] وأما في الآخرة اللهُ تعالى لا يكونُ حالًّا في الجنة ولا يكونُ في جهةٍ ولا في مكان إنما المؤمنون هم يكونونَ في الجنة فيرَوْنَ اللهَ الموجود بلا مكان بلا جهة بلا مُقابلة بلا اتصالِ شعاعٍ بينَهم وبينَ الله، يروْنَه ليس كمثلِه شىء كما عرَفوهُ في الدنيا، اللهُ قال {وجوهٌ يومَئذٍ ناضرة* إلى ربِّها ناظرة}[الإنسان/٢٢-٢٣] يعني منْ آثار الفرح والسرور يظهر عليها النور وتكون وجوه هؤلاء المؤمنين في الجنة وجوهُهم مُشِرقة بالأنوار بالفرح بالسرور، علاها النور والبهجة والفرح والسرور، {إلى ربِّها ناظرة}[الإنسان/٢٣] يعني ترى اللهَ بلا كيفٍ ولا مكانٍ ولا جهة ولا مقابلة ولا مسافة، يروْنَه كما عرفوه ليس كمثلِه شىء، هذا معنى أنّ المؤمنَ يرى اللهَ في الآخرة لكنّ اللهَ تعالى لا يكونُ حالًّا في الجنة إنما هو موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان).

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: لو كنا نرى اللهَ في الدنيا لخَشِيناه خشيةً كاملة ولَما عصَيْناه ولكنّنا لا نراه لذلك نتجرّأُ على معصيتِه.

(هذا معنى مقام الإحسان لأنك إذا وصلتَ إلى مقامِ الإحسانِ لنْ تُقدِمَ على المعاصي بل تؤّدّي الواجبات والطاعات على  أكملِ وجه وأنت تتلذذ بها، أما نحنُ في الدنيا وبما أنّنا فيها في دار الغفلة والسهو واللهو والذنوب والمعاصي وقلوبُنا قاسية نُذنِب نُخطىء نعصي لأنّنا في الدنيا لا نرى الله فتجرّأْنا على معصيتِه، وهذا لا يكونُ عذرًا لِمَنْ عصى الله لأنه واجبٌ عليه أنْ يتجنّبَ المعصية لكنْ هذا العلماء يذكرونَه ليُدَلِّلوا به على أنّ الإنسانَ في الدنيا لا يرى الله لكنْ لا يكون له عذرٌ أنه لا يرى الله فيعصِيه، هو واجبٌ عليه أنْ يتجنّبَ المعاصي لأنّ الجنةَ لا يتجرأُ الإنسانُ فيها أصلًا على فعلِ شىءٍ هو قبيح أو محرّم لأنّ الجنة ليست دار تكليف، الجنة دار نعيم دار الجزاء على الأعمال ولا يدخُلها إلا المسلم، لا يدخلُها الكافر، بعضُ الجهال يقولون الكافر الملتزِم بدينِه يدخلُ الجنة، هذا تكذيبٌ للقرآن.

اللهُ تعالى يقول {وقال المسيحُ يا بني إسرائيل اعبدوا اللهَ ربّي وربَّكم إنه مَنْ يُشرك بالله فقد حرَّم اللهُ عليه الجنة ومأواهُ النار وما للظالمينَ مِنْ أنصار}[المائدة/٧٢]

والرسولُ عليه الصلاة والسلام قال [فإنّ الجنةَ حرامٌ على غيرِ المسلم] إذًا الكافر لا يدخل الجنة لو كان بزعمِه مُلتزِمًا بدينِه، بل على زعمِه ملتزِمًا بدينِه هذا يزيدُه عذابًا ويزيدُه كفرًا لأنّه كان يسترسلُ في الكفر ويراه عبادةً، يسترسل في الفسقِ والفجور ويزعُم أنه يتقرّب إلى الله بذلك وهذا زيادة في الكفر فيكون أبعد عن الجنة، إنْ مات على ذلك يكون في جوْفِ جهنم وبعيدًا عن الجنة.

لذلك الكافر الذي هو بنظرِ الكفار ليس مُلتزِمًا أو الكافر الذي هو بنظرِهم كان مُلتزِمًا بدينِه كلاهُما مخلَّدٌ في النار ومَنْ كانَ أكثرَ كفرًا كان أشد عذابًا، والكافر يُعذَّب يومَ القيامةِ على كفرِهِ وعلى فعلِهِ للمعاصي، ليس على الكفرِ فقط يُعذّب بل على الكفر والمعاصي وتركِ الواجبات، معنى ترك الواجبات هنا يعني كان يجب عليه أنْ يُسلِمَ فيُؤدّي الواجبات، لكنْ لم يُسلِم فيكون عذابُه على الكفر وعلى ارتكابِ المعاصي والآثام، لذلك ينبغي أنْ يُتَنبَّهَ لذلك.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة] وفي حديثٍ [فإنّ الجنةَ حرامٌ على غيرِ المسلم] والآية التي ذكرْناها فهذا دليلٌ أنّ الجنةَ لا يدخلُها الكافر لا الكافر الذي هو بنظرِ قومِهِ فاسقًا ولا الكافر الذي هو بنظرِ قومِهِ ديِّنًا مُلتزِمًا، كلاهما مُخلّدٌ في النارِ إنْ مات على ذلك، والمُلتزِمُ بدينِهِ أكثر على زعمِهم عذابُه أشد لأنّه يكونُ مُتَوَغًّلًا مُسترسِلًا في الكفرِ أكثر فيكون عذابُه مُضاعفًا)

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: العبدُ على قدْرِ ما تعلو درجتُه عند الله يكونُ خوفُهُ منَ الله يكونُ تعظيمُه للهِ تعالى.

وقال رضي الله عنه: الواجبُ على الإنسانِ أنْ يراقبَ اللهَ تعالى ويسْتحضرَ الخوفَ منه في كلِّ حال.

(يُراقب الله كما شرحنا يعني أنْ يستحضرَ في قلبِه الخوف من الله وأنّ اللهَ يراه وأنّ اللهَ مُطّلِعٌ عليه وأنّ اللهَ لا تخفى عليه خافية وأنّ اللهَ سبحانه وتعالى عالمُ الغيبِ والشهادة، فإذا كان هذا حالُه في كلّ وقتٍ في الليلِ والنهار كان أبعد عن المعاصي أبعد عن المنكَرات وكان إلى الطاعاتِ أقرب إلى الخيراتِ أقرب، لذلك المسلم إذا كان مُراقِبًا لله يعني يستحضر في قلبِه أنّ اللهَ يراه أنّ اللهَ مطّلِعٌ عليه هذا ينفعُه نفعًا عظيمًا وكبيرًا، وهذه المراقبة تساعدُه على الخشوع على ترقيقِ القلب على أنْ يكونَ أعلى في المقامات والدرجات، لذلك مَنْ جرّب هذا الأمر واستحْضرَهُ يجد لذةَ هذا الأمر في نفسِه وقلبِه، فهنيئًا لِمَنْ كان هذا حالُه وهنيئًا لمَنْ كان مُنتبِهًا فيكون مؤدّيًا للواجبات مُجتنِبًا للمحرّمات قبل أنْ يصيرَ في عِدادِ الأموات ويوضعَ تحتَ التراب ويصير في البرزخ لأنّ الدنيا ليست الجنة وليست منتَهى الأمر وليست الآخرة بل هذه الدنيا زوالٌ وفناء.

الدنيا ساعة فاجعلْها طاعة النفسُ طمّاعة عوِّدْها القناعة، الدنيا خائنةٌ كذّابة تضحكُ على أهلِها مَنْ مالَ إليها بُلِيَ فيها ومَنْ مالَ عنها سلِمَ منها، هي كالحية ليِّنٌ لمسُها قاتلٌ سُمُّها، لذاتُها سريعةُ الزوال وأيامُها تمضي كالخيال.

انظر الآنَ إلى نفسِكَ في المرآة تقول كيف مضى عمري وانقَضى؟ كيف ظهرَ هذا الشيب الذي غزاني؟ كيف تكاثرَت عليّ الأمراض؟ كيف انقضَى هذا العمر؟

وهكذا أيها الإنسان بلحظة تموت فتبكي ربّما في وقتٍ لا ينفعُ فيه البكاءُ والندم، أما إنْ كنتَ مستعِدًّا ومُتهَيّئًا فستربح ربحًا عظيمًا.

الدنيا هذه مزرعةُ الآخرة، غدًا تُوَفّى النفوسُ ما كسَبتْ ويحصُدُ الزارعونَ ما زرعوا إنْ أحسنوا أحسنوا لأنفسِهم وإنْ أساءوا فبئسَ ما صنعوا.

اتّعظوا بمرورِ الوقت وبمُضِيِّ العمر وخذوا عبرة من رمضان، الآن قبل أيام كنا نقول كم بقي لرمضان، متى رمضان بأيّ حالٍ يأتي على الفقراء وعلى المرضى وعلى الناس، انظروا نحنُ الآن في ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، كيف مضى؟ هكذا يمضي الشهر، هكذا يمضي العام وهكذا يمضي العمر.

الوقتُ أغلى من الذهب إنْ لم تغتَنِمْه في الخير عليك ذهب، الوقتُ كالسيف إنْ لمْ تقطعْهُ قطعَك، وعمر الإنسان قصير وهو يسير فلْيُقَدِّم الأولى فالأولى.

جعلني اللهُ وإياكم من هؤلاء المُنتبِهين المتيَقِّظين

والحمد لله رب العالمين