الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (9)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسم محمدٍ طه الأمين وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِه ومَنْ تبِعَهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين

يقول جامعُ هذا الكتاب المبارك بإذن الله تعالى الشيخ جميل حليم الحسيني رحماتُ الله عليه وعلى والديه

صحيفة 117

 

اللهُ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِه

قال الإمامُ الهرريّ رضي الله عنه: قال عليّ رضي الله عنه “إنّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولمْ يتّخِذْهُ مكانًا لذاتِه”.

مع أّنّ العرشَ أكبرُ خلقِ الله خلقَهُ اللهُ لإظهارِ قدرتِهِ لأنهُ يوجَدُ ملائكةٌ لا يعلمُ عددَهم إلا الله يُحيطونَ بالعرش يدورونَ حول العرش يُسَبِّحونَ اللهَ بحمدِه، هؤلاء عندما يروْنَ هذا الجِرمَ الكبير الذي لا يعلمُ حدّهُ إلا الله يزدادونَ يقينًا بكمالِ قدرةِ الله.

الملائكةُ خِلقَتُهم عظيمة بعضُهم منْ شحمةِ أذُنِهِ إلى عاتِقِهِ مسافة سبعُمائةِ عام باعتبار طيرَانِ الطير، هؤلاءِ معَ عِظَمِ خِلقَتِهم عندما يروْنَ هذا العرش الذي لا يعلمُ حدَّهُ إلا الله يزدادونَ خَشيةً منَ الله وعلمًا بكمالِ قدرتِهِ لهذا خلقَهُ، ليس ليَجْلِسَ عليه.

الجلوسُ مِنْ صفةِ الخَلقِ، الإنسانُ يجلس والكلبُ يجلس والبقرُ يجلس، الجلوس جلوسٌ إنْ كانَ قُرفُصاء وإنْ كان ترَبُّعًا وإنْ كان إقْعاءً كالكلب وإنْ كان افتِراشًا.

الجلوسُ جلوسٌ بجميعِ أنواعِهِ فالذي يُثبِتُ هذا لله فهو كافر. اللهُ تبارك وتعالى لا يجوزُ عليه أنْ يكونَ كشىءٍ منْ خلقِهِ. هكذا تكونُ معرفةُ الله ليس معرفةُ الله بأنْ يُعتقَدَ أنهُ جسمٌ فوقَ العرش بقَدْرِ العرش. معتقَدُ أهلِ السنة ومَنْ وصفَ اللهَ بمعنى منْ معاني البشر فقدْ كفر.

(هنا يبيِّن أنّ العرش اللهُ خلقَهُ لحِكَمٍ عديدة والعرشُ خلقٌ منْ خلقِ اللهِ تعالى، العرشُ بالنسبةِ إلى قدرةِ اللهِ تعالى كالذرة كحبةِ التراب كالرمل، هذا وهذا بالنسبةِ لقدرةِ اللهِ على حدٍّ سواء.

اللهُ تعالى لا يحتاجُ للعرش، لا ينتفِعُ بالعرش، العرش كان معدومًا اللهُ أوْجَدَهُ، قال في القرآن {وهو ربُّ العرشِ العظيم}[التوبة/١٢٩] هو خالقُ العرش هو مُوجِدُ العرش يعني اللهُ موجودٌ قبلَ العرش، اللهُ موجودُ في الأزلِ وفي الأزلِ لم يكن العرشُ موجودًا لأنّ العرشَ له بداية والأزليّ الأبديّ وهو الله ليس له بداية. يعني اللهُ ليس جالسًا وليس قاعدًا على العرش وليس محتاجًا إلى العرش لأنّ اللهَ هو الذي أوجدَ العرش.

فالذين يقولونَ إنّ اللهَ جالسٌ أو قاعدٌ على العرشِ يُقالُ لهم على زعمِكم قبل أنْ يخلقَ العرش أينَ كانَ على زعمِكم؟ إنْ زعمْتمْ أنه بعدَما خلقَهُ جلسَ عليه فقد اعترَفتُم أنه تغيّر، والتغيّر أكبرُ علاماتِ الحدوث والمُتغيِّر يحتاجُ إلى مَنْ يُغيِّرُهُ والاحتياجية تُنافي الألوهية. الاحتياجية دليلُ العجزِ والضعف والعجزُ والضعفُ مُحالٌ على الله.

إذًا اللهُ خلقَ العرش لحِكَمٍ عديدة منها أنَّ العرش هو منْتهى العالَم منْ جهةِ فوق وهو سقفُ الجنة والملائكة الذين هناك العرش بالنسبةِ لهم كالكعبةِ بالنسبةِ  لنا في الأرض. يعني هؤلاء الملائكة الذين هناك حولَ العرش إذا أرادوا الصلاةَ يتّجهونَ إلى العرش ويطوفونَ حولَه، اللهُ يقول في القرآن {وترى الملآئكةَ حآفِّينَ منْ حولِ العرش يُسَبِّحونَ بحمْدِ ربِّهم وقُضِيَ بينَهم بالحقِّ وقيلَ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين}[الزمر/٧٥]

إذًا العرش بالنسبةِ للملائكة الذين هم حولَه كالكعبة بالنسبةِ لنا في الأرض، والعرش بالنسبةِ للجنةِ هو سقفُها وإنْ كانَ هو أكبر منَ الجنةِ  فالجنة تحتَ قسمٍ من العرش والماء الذي خلقَهُ اللهُ منْ غيرِ أصل وجعلَهُ أصلًا لكلِّ شىء تحتَ قسمٍ آخر منَ العرش لأنّ العرشَ أكبر مخلوقاتِ الله حجمًا.

هذه السماوات السبع لو مُدَّ بعضُها إلى جنبِ بعض العرشُ أوسع منها أكبر منها. كم تسمعونَ عنْ مِساحةِ ومسافة الجنة وعن ما أعدَّ اللهُ للمؤمنين في الجنة وأنّ أقلّ مسلم في الجنة له كهذه الدنيا على عشرِ أمثالِها فكمْ  تكون الجنة؟ مع ذلك الجنة أصغر منَ العرش والسماوات أصغر منَ العرش والأرض أصغر منَ العرش.

إذًا هذه الأجسام العظيمة الضخمة هي بالنسبة للعرش كأنها أجرام صغيرة كأنها بقعةٌ ضيقة. فالعرش هو أكبرُ مخلوقاتِ الله حجمًا. والعرشُ هو مربَّعُ الشكل، هو كالسرير كما بيّن الإمام الحافظ البيهقى أنّ العرش له أربع قوائم يحملُهُ في الدنيا أربعة منَ الملائكة ويومَ القيامةِ يصيرونَ ثمانية إظهارًا لِعِظَمِ ذلك اليوم.

في ذلك اليوم تظهرُ أمورٌ عجيبة منَ الأهوالِ المُخيفة المُرعبة المُفزِعة المُقلِقة والناس لا يعرفونَها، هنا نحنُ في هذه الدنيا لا نعرف كلّ الأهوال التي تظهرُ يومَ القيامة، نحنُ الآن في الدنيا لم نطّلِعْ على ما يكونُ منْ أهوالٍ عِظام في موقفِ القيامة.

ففي ذلك اليوم اللهُ يُظهِرُ أهوالًا، يخلُقُ أهوالًا عجيبة مُرعِبة الناسُ لا يعرِفونَها قبل ذلك.

فالكفار والعصاة والفجّار يمتلِئونَ فزَعًا وخوفًا وقلقًا واضطرابًا، لأجلِ إظهار عِظَمِ وشأنِ ذلك اليوم يصير حمَلة العرش ثمانية، {ويحملُ عرشَ ربِّكَ فوقَهمْ يوْمَئذٍ ثمانية}[الحاقة/١٧] لأنّ الواحد منْ حمَلةِ العرش منْ شحمةِ أذُنِهِ إلى عاتِقِهِ سبعُمائةِ عام بخفقانِ الطير، فكم يكون بقية جسم هذا الملك؟

إذا كان أربعة بهذه الصفة فكيف إذا صاروا ثمانية، لعِظَمِ ذلك اليوم يصيرونَ ثمانية.

ثم العرش اللهُ تعالى ما خلقَهُ لِيَقْعُدَ عليه أو ليَجلسَ عليه كما يعتقد اليهود والمشبهة المجسمة الذين يقولون جلس على العرش وقعدَ على العرش وبذاتِهِ على العرش، هؤلاء يُعارضونَ القرآن ويُعارضونَ النصوصَ القرءانية والحديثية الإجماع.

يحتجّونَ على زعمِهم بآية {الرحمنُ على العرشِ استوى}[طه/٥] اللهُ ما قالَ جلس قال استوى، وكلمة استوى في لغةِ العرب لها خمسةَ عشرَ معنى كما قال القاضي أبو بكر بن العربي المغربي المالكي.

في حقِّ الله تُحمَل بِما يُوافق القرآن والحديث الصحيح والإجماع ولغة العرب. ولمْ يرِدْ في القرآن والحديث الصحيح والإجماع إطلاق الجلوس والقعود على الله، ما وردَ إطلاق الاستقرار على الله.

إذًا تفسَّر في حقِّ اللهِ تعالى استولى حفظَ سيطرَ قهر أبقى، هذه المعاني تُوافق اللغة وتُوافق الحديث والقرآن والإجماع لأنّ هذا مدحٌ لله.

عندما نقول قاهرٌ للعرش يقول بعضُ المشبهة الذين لم يفهموا ألمْ يكنْ قاهرًا؟ بلى اللهُ صفاتُهُ أزلية أبدية لكن العرش مقهور العرشُ مخلوق وُجِدَ بعدَ عدم فاللهُ لا يحتاجُ إليه.

إذًا الله قاهرٌ للعرش وهذا مدحٌ لأنّ اللهَ قال {وهو القاهرُ فوقَ عبادِه}[الأنعام/٦١] ومِنْ حيثُ الحجم العرش أكبر منْ أفرادِ البشر، فإذًا هنا مدح لله وهنا مدحٌ لله، {وهو القاهرُ}[الأنعام/١٨] يعني فوقية القهر والغلَبة ليس فوقية المكان والمسافة والجهة.

{وهو ربُّ العرشِ العظيم}[التوبة/١٢٩] قهرَ العرش يعني متصرِّف في العرش وبكلِّ العالم كما يريد. وذُكرَ هنا العرش لتُفهِمَنا الآية أنهُ سبحانه إنْ كانَ قاهرًا للعرش فهو قاهرٌ لكلِّ ما هو دونَ العرش مِنْ بابِ أوْلَى وكلُّهم تحتَ مشيئةِ الله.

الله عزّ وجل لا يقهَرُهُ شىء لا يغلبُهُ شىء، هو قال في القرآن {واللهُ غالبٌ على أمرِه}[يوسف/٢١] وقال {وكان اللهُ على كلِّ شىءٍ مُقتدِرًا}[الكهف/٤٥] {والله على كلِّ شىءٍ قدير}[البقرة/٢٤٨] آياتٌ كثيرة.

إذًا عندما نقول {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] قهرَ وهذا مدحٌ لله، أما جلس ليس مدحًا لله، تكذيبٌ وشتمٌ له ووصفٌ له  بصفاتِ خلقِهِ وبالتغيّر والتبدّل وتشبيهٌ له بالإنس والجنّ والملائكة والبهائم، كلّ هؤلاء يجلسون.

هل بلغَكمْ في تاريخِ الدنيا منْ بدايتِها إلى الآن أنَّ إنسانًا سمّى ولدَهُ عبدَ الجالس أو عبدَ القاعد؟ هذا ما وردَ. أما عبد القهّار وعبد القاهر هذا ورد لأنّ القاهر والقهار منْ أسماء الله وهذا مدحٌ لله {وهو الواحدُ القهّار}[الرعد/١٦] عبد القاهر كثير عبد القهار كثير حتى من العلماء من الأئمة، أما عبد القاعد عبد الجالس لا وجودَ له لأنّ القعودَ والجلوس ليس مدحًا لله، الذي يصفُ اللهَ بالجلوس جعلهُ جسمًا أعلى متَّصِلًا بجسمٍ أسفل جوَّزَ عليه المُماسّة  والاتصال والانفصال والكمية والحدوث والزوال والتغيّر، وهذا كلُّه منْ أبشعِ وأصرحِ الكفر لأنّ اللهَ قال {فلا تضربوا للهِ الأمثال}[النحل/٧٤].

وكل هذه المسائل الكفرية في قولِ المشبهة الله جالس على العرش الله قاعد على زعمِهم، انظروا إلى كمْ كفرية يصلون بهذا القول.

إذًا لم يرِدْ تسميةُ اللهِ بالجالس ولا إطلاق الجلوس على الله ولا عبد الجالس ولا عبد القاعد.

اللهُ منزّه عن الجلوس والقعود، الجالس يكونُ له نصفٌ أعلى ونصفٌ أسفل ينْثني وينطَوي بعضُهُ على بعضٍ ثم القسمُ الأسفلُ منه متصلٌ بما يجلسُ عليه منْ أرض أو كرسي أو ما شابه وهذه صفةُ الأجسام وهذا كلُّهُ لا يجوزُ على الله.

اللهُ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ سيّدُنا علي بن أبي طالب رضي اللهُ عنه وأرضاه قال هذا الكلام، وسيّدُنا عليّ هو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة رضي الله عنها “زوّجْتُكِ بأعلم أمّتي بسُنَّتي”هذا الرجل العظيم هذا البحر من بحور العلم سيّدُنا عليّ رضي الله عنه قال “إنّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولم يتّخِذْهُ مكانًا لذاتِه”

فإذا قال لكم المشبِّه كيف يكونُ إظهارًا لقدرتِهِ؟ يقال له أليس اللهُ أخبرَنا في القرآن {وهو ربُّ العرشِ العظيم}[التوبة/١٢٩]؟ اللهُ ما خلقَهُ ليَقْعُدَ عليه ما خلقَهُ لأنه يحتاج إليه، لو كان يحتاجُ إليه لكانَ عاجزًا ولو كان عاجزًا ما استطاعَ أنْ يخلقَهُ ولو كانَ عاجزًا لَما وُجِدَ العرش، وبما أنّ العرشَ موجودٌ فمُوجِدُهُ لا يحتاج إليه ولا يقعد عليه لأنّهُ كان قبلَهُ بلا جلوسٍ ولا قعود.

ثم إذا قيلَ لكم كيف تقولون إظهارًا لقدرتِهِ؟ هو أخبرَنا في القرآن قال سبحانه {وهو ربُّ العرشِ العظيم}[التوبة١٢٩] هذا يكفينا نحنُ نصدِّق بالقرآنِ كأننا نرى بأعْيُنِنا، نحنُ منْ شدّةِ اليقينِ عندَنا كأنّنا نرى العرش وأنه خَلقٌ منْ خلقِ الله اللهُ يتصرّفُ فيها كما يشاء.

ثم أليس الله أظهرَ العرشَ لملائكتِه الكرام؟ الملائكة أكثر عددًا منا وأخشع للهِ منا وكلُّهم أولياء، فالملائكة عندَما ينظرونَ إلى العرش يزدادونَ تعظيمًا لربِّهم يزدادونَ خشوعًا لخالقِهم يزدادونَ تقديسًا لربِّ العالمين.

الملائكة يرَوْنَ العرش {وترى الملآئكة حآفّينَ منْ حولِ العرش}[الزمر/٧٥] إظهارًا لقدرتِهِ، والإنسُ والجنُّ والبهائم بالنسبة للملائكة كقطرة في جنبِ البحر المحيط أو كعُشرِ العشُر.

اللهُ ما خلقَ العرشَ ليَجلسَ عليه كما تعتقد اليهود والمشبهة بل خلقَهُ إظهارًا لقدرتِه، وفائدة تخصيص العرش بالذكر كما قلنا لأنّ القرآنَ يُفهِمُنا منْ هذه الآية أنّ اللهَ قاهرٌ للعرشِ ولكلِّ ما هو دونَ العرشِ منْ بابِ أولى.

أليسَ اللهُ هو مالكُ الدنيا والآخرة؟ قال تعالى {مالكِ يومِ الدين}[الفاتحة/٤] أليس اللهُ مالكُ الإنسِ والجنّ والملائكة والبهائم؟ قال {ملِكِ الناس}[الناس/٢] لفائدةٍ لحكمةٍ بليغة وهكذا  {الرحمنُ على العرشِ استوى}[طه/٥] لحكمةٍ بليغة اللهُ عزّ وجل لا يحتاج للعرش ولا لغيرِ العرش لأنه هو خالقُ العرش وخالق كلّ هذا العالم والخالقُ لا يشبهُ المخلوق ولا يحتاج إليه بوجهٍ من الوجوه.

ثم إنّ اللهَ سبحانه وتعالى خلقَ هذا العرش وجعلَهُ بالنسبةِ للملائكةِ كالكعبة والقبلة كما ذكرْنا في البداية. فالملائكة عندَما يصلّون يتّجهونَ إلى العرش ويطوفونَ حولَه كما أننا نطوفُ حولَ الكعبةِ في الأرض وكما أننا نستقبلُ الكعبةَ في الصلاة واللهُ لا يسكنُها كذلك الله لا يسكنُ العرش ولا يجلس عليه بل هو موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكان.

فإذا قال لك قائل لماذا خلقَ اللهُ العرش؟ قل له لحكمةٍ بيّناها وهذا لشىءٍ منَ الحكَم وإلا فاللهُ خلقَ العرشَ لحِكَمٍ عديدة منها أنّ الملائكة كلما رأوا العرش ازدادوا تعظيمًا وتقديسًا وتمجيدًا لربِّهم لخالِقهم وجعلهُ كعبةً للملائكة وجعله بالنسبةِ لهم هناك يزدادونَ تعظيمًا لربِّهم لأنهم يطوفونَ حولَهُ ويُسبِّحونَ اللهَ ويُعظِّمونَهُ كما يفعل الطائفون حولَ الكعبةِ في الأرض والله ليس في الأرض ولا في الكعبة ولا في السماء ولا في العرش موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكان، ومنَ الحِكَمِ أنه سقفُ الجنة.

إذًا الله خلق العرش لحكَمٍ كثيرة وعديدة لا ليَجلسَ عليه. ثم انظروا في تاريخ الدنيا هل يوجَد في تاريخ نبيٍّ أو وليٍّ أو إمامٍ منْ أئمةِ أهلِ السنةِ نسبَ الجلوسَ إلى الله؟ واللهِ لا يوجَد، كلّ الأحاديث والأخبار التي فيها لفظُ جلس أو قعد عن الله مكذوبة ومُفتَراة وموضوعة وضعيفة ومقطوعٌ في رواتِها وليس لها إسنادٌ متصل.

وهذا الكلام أقولُهُ في معرض التحدي للمشبهة المجسمة نتحّداهم منَ الآن إلى مائةِ سنة، معكم مهلة مائة سنة على زعمِكم أنْ تأتوا بعشرة حفّاظ صحّحوا حديثًا واحدًا فيه نسبة القعود والجلوس إلى الله على زعمِكم ولنْ تجدوا ولنْ تقدِروا، قد يقول القائل شدّد وصعّب عشرة حفاظ. حافظ واحد لا يوجَد ممّن صحّحوا حديث نسبة الجلوس والقعود إلى الله، حتى الأحاديث التي أنتم تُورِدونَها في نسبةِ الجلوس والقعودِ إلى الله أنتم تعرفونَ أنّ بعضَ مَنْ تنتسبونَ إليهم طعنوا في هذه الأحاديث وضعّفوها لكنْ أنتم تريدونَ الانتصار لعقيدتِكم التشبيه والتجسيم فتارةً تقولون قاعد وتارةً تقولون جالس وتارةً تقولون جسم وتارةً تقولون متحرك وتارةً تقولون ساكن وتارةً تقولون تحدُثُ فيه الحوادث وتارةً تقولون شابٌّ أمرد وتارةً تقولون يلبس جبة حمراء وتارةً تقولون في رجليه نعلين منْ ذهب وتارةً تقولون يصير بحجم أصغر من البعوضة فتحمِلُهُ البعوضة وتطيرُ به، وتارةً تقولون إنه والعياذُ بالله ينزل بذاتِهِ حقيقةً إلى العرشِ إلى السماء الدنيا ولا يفرُغُ منه العرش ولا يصير العرش فوقهُ، ما هذا التناقض؟ كيف ينزلُ بذاتِهِ ولا يفرُغُ منه العرش وكيف يصير في السماء بذاتِه ولا يكون العرش فوقَه؟ وكيف ينزل منْ هذا الحجم الضخم الكبير العرش إلى السماء التي حجمُها صغيرٌ ضيّق يعني على زعمِكمْ  يصير كالمطاط يتوسّع ثم يصغُر يكبُر ثم يصغُر هل هذا يقولُه عاقل ؟ لو سمع مجموع هذه العقائد الخبيثة إبليس أو فرعون أبو جهل أبو لهب لو سمعَها الحاخامات لضحكوا عليكم مع أنكم تُوافقونَهم في عقيدتِهم لكنْ أنتم زدتُمْ عليهم ببعضِ الأشياء وهم زادوا عليكم بأشياء.

إذًا اللهُ منزّه عن القعود والجلوس لا يوجَد في تاريخ نبيٍّ أو عالم بإسنادٍ صحيح ثابت متُفق على صحةِ الإسناد وعلى توثيقِ رواتِهِ أنه نسبَ القعود أو الجلوس إلى الله.

هذا الإمام الشافعي أفهم منا ومنكم قال “من اعتقدَ أنّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر” ماذا تقولون في الشافعي؟ أنا أعرف الشافعي لا يُعجبُكم وبعضُكم صرّحَ في تكفيرِ الشافعي، قال لإنسانٍ أنا أعرفُه هو حدّثني قال له ماذا تقول بالشافعي؟ قال الشافعي كافر، وهذا الرجل ما زال على قيدِ الحياة هنا منْ أهالي بيروت.

هذا ابنُ المعلم القرشي في كتابِه نجم المهتدي ورجم المعتدي وهذا ابنُ الرفعة أحمد بن محمد أبو العباس نجمُ الدين في كتابِهِ كفاية النبيه شرح التنبيه المجلد الرابع كتاب الصلاة باب صفة الأئمة صحيفة 24 من النسخة المطبوعة عن القاضي حسين عن نصّ الشافعي قال “من اعتقدَ أنّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر”

ماذا تريدونَ بعد كلِّ هذا؟ لو كان هذا قولُ السلف كان الشافعي يُكفِّرُهم؟ الشافعي أفهم منكم بالسلف وبعقيدتِهم، عقيدة السلف التنزيه والتوحيد وتكفير مَنْ ينسِب لله الجلوس، سيّدُنا عليّ يُكفِّرُكم الإمام الشافعي يكفِّرُكُم كلّ علماء الإسلام أجمعوا على تكفير مَنْ نسبَ لله القعود والجلوس.

اللهُ خلق العرش لحكم عديدة ما خلقَهُ ليَقْعُدَ أو ليجلسَ عليه. فإنْ قالوا لا يصح أنْ تقولوا {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] أنّ استوى تُعطي معنى لم يكنْ مُستوِيًا ثم استوى هذا مُغالَبة وتغيُّر، يُقال لهم إنْ قلتُمْ لا يصحّ أنْ تقولوا استوى بمعنى استولى لأنّ استولى تعطي معنى المُغالَبة يعني لم  يكنْ مسْتوْليًا ثم استولى على زعمِكم كيف نردّ عليكم؟ أليس الله قال في القرآنِ الكريم في بيانِ مدحِ نفسِهِ وتعظيمِ نفسِهِ {واللهُ غالبٌ على أمرِه}[يوسف/٢١]؟ هل يعني هذا أنه لمْ يكنْ غالبًا ثم غلبَ؟ لا.

كذلك تفسير استوى باستولى لا يعطي معنى المُغالبة لأنّ اللهَ استواؤُه أزلي والعرشُ حادث فأينَ تكونُ المُغالَبة؟ اللهُ تعالى صفاتُهُ أزلية أبدية فكيف تكونُ هناك مُغالَبة؟ إنما هذا منْ توهُّمِكم من تخيُّلاتِكم لأنكم إنْ قلتم كيف تفسرون استوى باستولى يعني لم يكنْ مستوليًا ثم استولى فهذه مغالَبة، يقال لكم {واللهُ غالبٌ على أمرِه}[يوسف/٢١] هل يعني ذلك لم يكن غالبًا ثم غلب؟ لا، وهكذا تفسير استوى باستولى لا تُعطي معنى المغالبة.

أليس الله يقول في القرآن الكريم {وهو القاهرُ فوقَ عبادِه}[الأنعام/١٨]؟ هل معنى هذا أنه كان مقهورًا من العباد ثم هو قهرَ العبادَ بعدَ أنْ كانوا قاهرين له؟ هذا لا يقولُهُ مسلم ولا عاقل، أصلًا  لا مغالبةَ بينَ الله وبين المخلوقين بزعمِكم أنْ يكونَ اللهُ مغلوبًا للمخلوق، بل الله هو الغالب القاهر لكل شىء {وهو الواحدُ القهّار}[الرعد/١٦] هو القاهرُ الغالبُ القادر على كلّ شىء.

إذًا تفسير استوى باستولى لا تقدَحُ في العقيدة وهي موافقة للدين واللغة وللقرآن وللحديث أما أنتم فسّرتُم استوى بجلس وهذا  لا دليلَ له لا من الكتاب ولا منَ السنة ولا منَ الإجماع ولا من العقل.

أنتم مَنْ خرجتم عنْ كلِّ الأدلةِ عن كلّ البراهين وعن الأدلة السمعية والعقلية وعن عقيدةِ الأنبياء فجعلْتمُ الله مقهورًا مغلوبًا قاعدًا جالسًا محتاجًا يجوزُ عليه التغيّر والتطوّر واللهُ يقول في القرآن {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤]

هذه بعض الفوائد والتعليقات على هذا الموضوع اليوم وهنا عندنا مسئلة تتعلق بدرس البارحة. أرسل بعض الأحبة يسأل عن العبارة التي ذكرتها وهي أنّ لفظَ الجلالة أفضل منْ باقي الأسماء كالرحمن الرحيم الملك القدوس، لكن انتبهوا في القسم الأول من المسئلة لم أتعرض إلى أنّ هذا لا يصح به الدخول في الإسلام، أنا ما قلتُ هذا لا يصحّ الدخول به في الإسلام إنما قلتُ لفظ الجلالة الله في الشهادة لأنّ لفظ الجلالة أفضل من باقي الأسماء، هذا الذي ذكرتُهُ والتسجيل موجود، فسأل البعض ما معنى هذا؟

المعنى أنّ اسمَ الله “الله” أفضل من اسم الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس، لذلك كان هذا الاسم المبارك في الشهادة الأولى.

أما للدخول في الإسلام هذا موضوعٌ آخر يعني مثلًا الحافظ النووي في كتابِه روضة الطالبين في المجلد العاشر يتكلم “بأّنّ الإيمانَ ينعقد بغيرِ القولِ المعروف وهو كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غيرُ الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما مِنْ إلهٍ إلا الله أو لا إله إلا الرحمن”، يعطي أمثلة ثم يقول “صار مؤمنًا”.

هذا موضوعٌ آخر أنا ما تكلمتُ في هذه القضية إنما تكلمتُ أنّ اسمَ الله “الله” في الشهادةِ الأولى لأنّ هذا الاسم المبارك أفضل منْ سائرِ الأسماء.

إلى هذا الحد كانت المسئلة لكنْ للدخول في الإسلام أنا أعطيتُ أمثلة أنّ الكافر لو قال “لا إله إلا الله أو أشهدُ أْن لا إله إلا الله أو لا ربّ إلا الله أو لا خالقَ إلا الله محمدٌ نبيُّ الله أحمدٌ رسولُ الله أبو القاسم رسولُ الله، كلّ هذا يصِح.

فإذًا هذا الجواب لسؤالِ بعضِ الإخوة لهذه القضية أنّ اسمَ اللهِ “الله” في الشهادةِ الأولى لأنّ اسمَ اللهِ أفضل منْ باقي الأسماء إلى هذا الحد المسئلة ولم أتعرّضْ هنا في هذا القسم لمسئلة الدخول في الإسلام، وهذا جواب الإمام النووي إذا كان شخص يريد التوسع في الجواب هذا الجواب الذي قرأناهُ لكم.

والحمدُ لله ربّ العالمين