الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (11)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسمِ طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين

أما بعد، يقول جامعُ هذا الكتاب المبارك بإذنِ اللهِ تبارك وتعالى رئيسُ جمعية المشايخِ الصوفية في لبنان الشيخ جميل حليم الحسيني رحماتُ الله عليه وعلى والديه

 

وقال الإمامُ الحافظ عبدُ اللهِ الهرري رضي الله عنه: حظُّ الأغنياءِ منَ التقوى قليل

(لأنّ الكثير منَ الأغنياء عندما يصل الواحد منهم إلى الغنى أو إلى جمعِ المالِ الكثير بعضُهم ينسى الفرائض فينشغل بالتجارة عن الصلاة المفروضة ولا سيّما عند عقد المؤتمرات والاجتماعات المالية والعملية فتفوتُه الظهر إلى أنْ يدخلَ العصر عمدًا ولا يصليها، تقول له هذا حرام هذا من الكبائر لا يجوز يقول لك كنتُ مشغولًا. تراه في السفر ينزل في الفنادق ويذهب إلى المطاعم وإلى البحر وإلى السباحة والصلوات لا يحافظُ عليها، لماذا لا تصلي؟ يقول لك أنا مشغول، صار فاسقًا، فغِناه ولو كان كبيرًا لا يجعلُهُ تقيًّا إنْ كان تاركًا للواجبات أو مُنغمِسًا في المحرّمات.

فهذا مثال في الأسفار وفي الحضَر الكثير ولا نقول الكل، بعضُ الأغنياء أتقياء هذا موجود الحمد لله لكنْ نحنُ نتكلم من حيثُ الغالب الكثر ينشغلونَ بالمال والتجارة عن الصلاة المفروضة، عن صلةِ الرحم وهذا من الفرائض المؤكدة في الإسلام.

وبعضُهم عندما يصير غنيًّا ويصير له صيتٌ ذائعٌ بين الناس له أقرباء فقراء لا يزورُهم لا يصلُهم لا في الأفراح ولا في الأتراح حتى لا يحضُر في جنائزِهم لأنهم منَ الخاملين الغير معروفين أو الفقراء أو الذين لا يُنظَر إليهم في المجتمع، أما هو منَ البارزين من الظاهرين في المجتمع فيقطع والعياذُ باللهِ أرحامَهُ، وهذا من الكبائر أيضًا.

وبعضُ الأغنياء لا يُخرجُ الزكاة وهذه ملْعَنة/ تركُه للزكاة خبثٌ وملعَنة، أما الزكاة طهرٌ ونَماء. وانظروا إلى الفرق بين الطهرِ والنماء وبين الخُبثِ والملْعنة.

صار غنيًّا بدلَ أنْ يخرجَ الزكاةَ بنفسٍ طيّبة فيُبَرّىء ذمَّتَهُ ليومِ القيامة يمنع الزكاة. وبعضُهم يُخرج أقل ممّا يجبُ عليه مثلًا زكاتُهُ التي يجب عليه أنْ يُخرِجَها مائة ألف دولار فيُخرج ألف دولار هذا عليه كبيرة، وأحيانًا يترك إلى سنة إلى خمسة لا يزَكي وهو قد وجَبَتْ عليه وقادر وميسور ومن الأغنياء بقيَت في ذمّتِهِ وصار مرتكبًا للكبيرة، ثم إنْ تابَ الآن يلزَمُهُ أنْ يُخرجَ تلكَ الزكوات، هذا يبقى في ذمّتِه، فإنْ لم يفعَل يُطالَب يومَ القيامةِ والعياذُ بالله، وإنْ مات بلا توبة ومِنْ غيرِ أنْ يُخرجَ استحقَّ عذابَ الله في جهنم.

ومانعُ الزكاة له عذابٌ عظيم، تصوّروا الذهب والفضة التي لمْ يزَكّيها في الدنيا اللهُ يُعيدُها يومَ القيامة فيُحمَى عليها في نارِ جهنم وتصير كالصحائف ثم تُكوَى بها جِباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم، هذا منْ جملةِ عذابِ مانِعي الزكاة.

أما في الإبل والغنم والبقر التي لمْ يزَكّيها اللهُ يُعيدُها يومَ القيامة {وإذا الوحوشُ حُشرَت}[التكوير/٥] اللهُ لا يُعجزُهُ شىء. تأتي هذه الأغنام والأبقار والإبل بقوائمِها وبحوافِرِها تضربُهُ بين الخلائقِ يوم القيامة إذلالًا وإهانةً له لأنّه لمْ يؤَدِّ حقّ اللهِ في المال – الزكاة – هذه الأنعام ما أدّى زكاتَها اللهُ يحشرُها يومَ القيامةِ فتضربُهُ وتعذّبُه انتقامًا منه لأنه وقعَ في هذه الكبيرة ويكون ذلك بين الناس إهانةً وإذلالًا له والعياذُ بالله.

 

وبعضُ الأغنياء إذا صار عندَه مال كثير ينجر أحيانًا إلى شرب الخمر وأحيانًا إلى الزنا والعياذ بالله بسب الاجتماع مع بعضِ النساء أحيانًا وفي بعضِ الأسفار ينجر إلى الزنا وهذا فسقٌ وفجور أيضًا وهو منْ كبائر الذنوب.

والزنا في عِظَمِ ذنبِهِ هو الذنبُ الثالث، أكبرُ الذنوبِ على الإطلاقِ  الكفر بأنواعِهِ هذا الذنب الذي لا يسبقُهُ ذنب، هو أكبر وأشدّ وأعظم وأخطر الذنوبِ على الإطلاق الكفر.

بعدَ الكفرِ والعياذ بالله تعالى قتلُ النفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحق وهذا ذنبٌ عظيم، ومَنْ قتلَ إنسانًا بريئًا بغيرِ حقٍّ، لا يجوزُ عليه حرامٌ عليه لا هو قصاص ولا هو معتدي جاء ليَقتُلَك فدفَعْتَ عن نفسِك فقُتلَ وإنْ كان منْ غيرِ قصدٍ منك أو بقصدٍ ببعضِ الحالات لأنك وصلْتَ إلى مرحلة إنْ لم تدفعْهُ يقتلُك، لا ليس في مثلِ هذه الصور، إنما واحد جاء ليسرق هذا أحيانًا يقتل مَنْ يسرق منهم فيكون سارقًا وقاتلًا والعياذُ بالله، أو يعتدي على امرأةٍ ثم يقتلُها، هذا الذي يقتل بغيرِ حق، قتَلَ إنسانًا بغيرِ وجهِ حقٍّ ارتكبَ أعظمَ وأكبر الجرائم بعدَ الكفر، إذًا هذا الذنب الثاني، أولًا الكفر ثم القتل بغير حق، الثالث هو الزنا والعياذُ بالله.

واليوم في هذه الأزمنة كثيرًا ما ينتشر بين الناس عن تفشي الزنا وهذا نعوذُ بالله منْ أسبابِ تعجيلِ الانتقام ومنْ أسبابِ البلاء والفقر والأمراض والمصائب بل ليتوقعوا العجائب.

بعضُ الناس ما سبب هذه الأمراض التي لمْ تكنْ موجودةً في الماضي؟ ما سبب الغلاء ما سبب الزلازل ما سبب الطوفان ما سبب الحرائق ما سب المجاعة؟؟؟

قال صلى الله عليه وسلم [إنّ الناسَ إذا رأوا المنكرَ فلمْ يُغيِّروهُ أوشكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقاب] رواه أحمد، هذه النكَبات العامة التي تنزل عليهم في الدنيا.

وفي صحيحِ مسلم سُئلَ عليه الصلاة والسلام [قيلَ له يا رسولَ الله أنَهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا عمَّ الخبَث] المنكَرات والفساد والكفريات بأنواعِها عمّت وطمّت، فاليوم تفشّا الزنا وانتشر القتل بغير حق وانتشر الكفر.

في الفضائيات يتكلمون بالكفريات على المنابر بعض الخطباء يتكلمونَ بالكفر ينشرون الكفر كهذا الخطيب الذي قال في موسم الحج: أيها الحجاج لا تفسدوا حجّكُم بالسفرِ للتبركِ بقبرِ محمد، والعياذ بالله، مثلُ هذا على المنبر وعلى الفضائية يعلّم الناسَ الكفر.

وكذاكَ الذي قال: اللهُ تعالى جالسٌ على العرش، وهذا الذي قال والعياذُ باللهِ تعالى: إنّ اللهَ يتحرك.

هذا ينشر الكفر، كم وكم منْ كفرياتِ اليوم في الفضائيات في الخطب في المؤتمرات، كمْ من مؤتمرات في إباحةٌ للزنا إباحةٌ لشربِ الخمر إباحةٌ لتعطيلِ الشريعة، هذا تكذيبٌ للدين.

فإذًا هذا سبب انتشار البلايا في الدنيا فكيف في الآخرة؟ عذابُ الآخرة أعظم وأكبر وأشد.

بعضُ الأغنياء يموت وهو لا يصوم، يموت ولا يذهب إلى الحج وهو قادر على الصيام كان مستطيعًا، وكان مستطيعًا للحجّ أيضًا يموتُ ولا يحجّ يموت ولا يصلي يموت ولا يصوم ومعه مئات الملايين أو الملايين.

لذلك قال الشيخ رحمه الله أكثر الأغنياء ليسوا أتقياء.

وانتبهوا هذا ليس للكل لأننا قلنا في البداية يوجَد من الأغنياء أتقياء والحمدُ لله، كمْ يوجَد في الأغنياء مَنْ فيهم الشفقة والرحمة والأدب والصدق والتواضع وفيهم الخوف على الأمة وعلى المسلمين، يخرِجونَ الزكَوات ثم زيادةً على الزكواتِ الواجبة يدفعونَ مبالغ باهظة لإنقاذِ المسلمين منَ المهالك ويصلون ويصومون.

إذًا الأغنياء فيهم أتقياء لكنْ نحنُ كلامُنا عن الأكثر الذي لا يصلي لا يصوم لا يزكي لا يحج لا يصل الرحم يشرب الخمر يزني يلعب القمار يغُش في البيع والشراء يُدلّس يحتال يقذف يحلف بالله كذبًا ليُنَفّق البضاعة، هذا من الكبائر).

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: منْ علامةِ المُفلِحِ أنْ يكونَ اهتِمامُهُ بما افترضَ اللهُ عليه واعتناؤُه بذلك فوقَ اعتنائِه بالنوافل.

( لأنّ الفرائضَ هي الأصل هي الأساس. فلو جاء الإنسان يوم القيامةِ وقدْ أدّى كلَّ الفرائض واجتنبَ كلَّ المحرّمات هذا لا عذابَ عليه في الآخرة ولا نكدَ عليه لا يدخل النار لا يعذَّب في مواقف القيامة لا يُهينُه الله لا تضربُهُ الملائكة، بل هذا تقيّ أدّى الواجبات واجتنب المحرّمات، لأنّ الاعتناءَ بالفرائض هو الأصلُ والأساس.

قال ربُّنا في الحديثِ القدسيّ الذي رواه البخاري، قال الله عزّ وجل [[وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشىءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضْتُ عليه]ٍ]

يعني الثواب في الفرائض أعظم وأعلى وأكبر من ثوابِ الفرائض. إذا أدّى الفرائض برّا ذمّتَه، إذا أدّى الفرائض لا مسؤوليةَ عليه في الآخرة، إذا أدّى الواجبات واجتنبَ المحرّمات كان من السعداء الآمِنين في الآخرة، بل يدخل الجنة من دونِ سابقِ عذاب.

أما لو أنّ إنسانًا اعتَنى عنايةً بالغةً بالنوافل يقوم الليل يصلي التهجد كل ليلة يعمل خَتمة، يصلي التراويح يصلي الضحى والسنن الراتبة والنفل المطلَق ثم يشتغل بمائة ألف تهليلة كلّ يوم لكنْ لا يحافظ على الصلوات الخمس يترك صلاة المغرب عمدًا إلى أنْ يدخل العشاء، هذا فاسق، أو يترك النفقة الواجبة على أبويْه الفقيريْن المسلمين بل أحيانًا يبقى لاصقًا في المساجد لكنّه عاقٌ لأبويْه، يصلي السنن في المسجد ويحضُر الجماعات في أولِ وقتِها وفي الصف الأول وقبلَ الأذان يكون في المسجد لكنْ مع أبويه كيف؟ يضرِبُهما يعذِّبُهما لا يُعطيهِما النفقة الواجبة وإنْ أُلزِمَ بالنفقة يقول أُعطيهِما عنْ طريقِ المحكمة والمخفر، يعني إذلالًا لأبويه والعياذُ بالله، هذا منَ الفاسقين لو جاء بكلِّ النوافل كل السنن وهو عاقٌّ لأبويْه ظالمٌ لهما لا يكونُ عند اللهِ تقيًّا بل هو فاسق لو كان يعمل كل يوم مائة ألف تهليلة، لو كان كل يوم يصلي مائة ركعة منَ السنة، لو كان كلّ يوم يعمل ختمة من القرآن هذا تاركٌ للفرائض مشتغلٌ بالنوافل هذا متَهَتِّك هذا مغرور كما قال الأكابر من العلماء، هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني نقل عن بعضِ الأكابر من العلماء “مَنْ شغلَهُ الفرضُ عن النفلِ فهو معذور” اشتغل بالفرائض لكنْ إنْ كان له وقتٌ يسَع الأحسن بعدَما يؤدي الفرائض أْنْ يأتيَ ببعضِ النوافل، هذا أكمل هذا أحسن وهذا المُرَغَّب به في الشرع.

لكنْ نحنُ نتكلم عنْ حكمٍ شرعي أدّى الواجبات واجتنبَ المحرَّمات هل يعذَّب في الآخرة؟ لا، أدّى الفرائض برّأَ ذمّتَهُ اجتنبَ المحرّمات هل عليه ملامة في الشريعة؟ لا، ما هو الأحسن والأفضل والأعلى والأكمل؟ أنْ يأتيَ بالنوافل لكنْ إنْ لم يفعل ليس عليه معصية، فإنْ جاءَ بكلّ النوافل وتركَ الفرائض متهتّكٌ مغرورٌ يستحقّ العذاب في الآخرة ولا يكونُ تقيًّا.

احفظوا هذا الحديث القدسي الصحيح الله يقول [[وما تقرّبَ إليّ عبدي بشىءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه]] يعني الفرائض أحبّ إلى الله من النوافل، الفرائض ثوابُها أعلى وأكبر بكثير.

لذلك القرب المعنوي من اللهِ تعالى بمُلازمةِ الفرائض باجتنابِ المحرّمات فإنْ زادَ بعدَ ذلك بالنوافل كان مقامُهُ أعلى أكمل.

وهنا انظر، ما معنى [[وما تقرّبَ إليّ عبدي]]؟ هذا القرب المعنوي  ليس بالحسّ والمسافة ليس بالمكان،  لا، لأنّ اللهَ ليس جسمًا فهو منزّهٌ عنِ القرب المسافي ومنزّهٌ عن القرب المكاني ومنزّهٌ عن القربِ الحسيّ هذا كلُّه  لا يجوزُ على الله.

القرب والبعد بالحس والمسافة والمكان هذا صفة المخلوقين صفة الأجسام واللهُ منزّهٌ عن ذلك لأنّ اللهَ منزّهٌ عنِ الأينينةِ والكيفيةِ والجسميةِ.

القرب المعنوي يعني التقي يحبُّهُ اللهُ ويكرمُهُ ويدخلُهُ الجنةَ بلا عذاب يُنزّل عليه البركات والرحَمات ينتقم له منْ أعدائِهِ كما قال ربُّنا في الحديثِ القدسي [[مَنْ عادى لي وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحرب]]

إذًا هذا القرب المعنوي، كذا إذا قلتَ الكافر بعيد عن الله يعني البعد المعنوي ليس بالمسافة حاشى لأنّ اللهَ لا مكانَ له اللهُ ليس جسمًا أزليٌّ أبديٌّ فهو موجودٌ بلا مكان. فإذا قلنا الكافر بعيدٌ منَ الله معناه البعد المعنوي يعني الله غاضبٌ عليه ساخطٌ عليه ينزِّل عليه اللعَنات ينتقم منه يعذّبهُ في الآخرة إنْ ماتَ على الكفر هذا معنى البُعد المعنوي.

إذًا علينا أنْ نعتنيَ بالفرائض أكثر منْ كلّ النوافل ونحافظ على النوافل. لا يفهَمَنَّ إنسانٌ خطأً كلامي ليس معناه لا نشتغل بالنوافل، لا نحنُ نشتغل بالنوافل ونحثُّ عليها لكنْ نبيِّن حكم شرعي، مَن تركَ الفرائض هذا مغرور متهتّك لا يصيرُ تقيّا صالحًأ لو جاء بكلّ السننِ والنوافل. ومَن تركَ الفرائض هذا ملعونٌ عند الله كيف يصيرُ تقيًّا؟ أمّا إذا جاء بالفرائض واجتنبَ المحرّمات ولمْ يُكثرْ من النوافل فليس عليه معصية لكنّه إنْ زاد بالنوافل يكون مقامُه أعلى)

 

وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: القربُ الحقيقيُّ منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم القربُ النافع الذي تعلو به الدرجات هو تقوى الله.

وقال رضي الله عنه: تركُ معصيةٍ واحدةٍ أفضلُ عند اللهِ منْ عملِ ألفِ حسنة. الذي يكفُّ نفسَهُ عن معصيةٍ منْ معاصي اللهِ تعالى عند اللهِ أعلى درجةً منَ الذي يُواقِع المعاصي ويُكثرُ من النوافل.

(هنا المراد عند قولِهِ رحمه الله “أفضل عند الله من عملِ ألفِ حسنة” يعني منْ حسناتِ النوافل، مثلًا أفضل مِنْ أنْ يصلي ألف ركعة منَ السنة. فالإنسانُ إذا تجنّبَ المعاصي خوفًا منَ الله له ثوابٌ عظيمٌ جدا جدا عند الله، يتجنبُها خوفًا من الله ليس لأجلِ الناس.

أما لو تركَ الإنسان مثلًا لعب القمار تعرفون كثير من الناس يصرفون مالًا كثيرًا على القمار لكن في السر زوجته لا تعرف أبوه لا يعرف، فإذا بلغَه أنّ أهلَه عرَفوا يترك القمار خوفًا منْ أهلِه ليس خوفًا من الله، هذا لا يكون له تلك المرتبة لا يكون له تلك المزيّة.

أما منْ تجنّبَ المعاصي خوفًا منَ الله لأنّ اللهَ حرّمَها ترَكها يكونُ في هذه المرتبة العظيمة وله كثير من الخير والبركة.

كذلك الإنسان الذي يترك السرقة خوفًا من الدولة من الأمن من السجن، هذا لا يكونُ تركَ السرقة خوفًا من الله فلا يكون له ذلك المقام.

كذلك الذي يترك الزنا خوفًا منْ زوجتِهِ ليس من الله فهذا ليس له ذلك المقام إنما إنْ أرادَ تلكَ المرتبة العالية يترك المعاصي خوفًا من الله ليس لأجل الناس ولا لخاطرِهم إنما خوفًا من الله تعظيمًا لأمرِ الله عز وجل فيكون في تلك المرتبة)

 

وقال رضي الله عنه: عاملوا اللهَ بحُسنِ النيات واتّقوهُ في الحركاتِ والسّكَنات

(يعني الإنسان يراقب عندما يكون في الأعمال في الطاعات في العبادات أو مع الناس أو مع أهلِه أو وحدَه في البيت، أو في الشارع أو في العمل أو في المدرسة أو في الجامعة أو في السفر أو في الحضَر يراقب اللهَ عزّ وجل.

ما معنى يراقب الله؟ يعني يستحضر دائمًا في قلبِهِ أنّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليه وأنَّ اللهَ عالمٌ به وأنّ اللهَ يراه وأنّ اللهَ لا تَخفى عليه خافية، فهذا معنى المراقبة لله تعالى، فيؤدّي الواجبات يأتي بالأحسن بالأكمل بالأفضل يُخلص لله بنيّتِه ويتجنّب المنكَرات والمحرّمات والقبائح).

 

وقال الهرري رضي اللهُ عنه: أسعدُ الخَلقِ في هذه الحياة هو مَنْ وُفِّقَ لامْتِثالِ أمرِ اللهِ تعالى فأدّى الواجبات ولاجتنابِ محارِمِه فاجتنبَ المحرَّمات، هذا أسعدُ الخَلق لأنه أرْضَى خالِقَه.

(ومعنى أسعد الخَلق يعني منْ أسعدِ الخَلق لأنّ أسعدَ الخَلقِ على الإطلاق هم الرسُل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء في الآخرة، لماذا قلنا هم أسعد الخَلق؟ لأنّ أعلى مراتب النعيم والفرح والسعادة والفرح والمقامات في الجنة للأنبياء والرسل ثم بعدَهم الأولياء على حسبِ درجاتِهم.

وهذا الإنسان تقيٌّ فيكون منْ أسعدِ خَلقِ الله لكنْ مقامُهُ لا يكون فوقَ مقامِ النبيين. ثم لوْ كان تقيًّا وصلَ بهذه الحال إلى التقوى لكنْ لمْ يدخلْ في الولاية الوليّ يكون أسعد منه، وحتى الأولياء في الولاية هم درجات.

فمثلًا أعلى أعلى درجة في أولياء البشر لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وأرضاه هذا الرجل العظيم الذي حفِظَ الإسلام ونصرَ الإسلام ونشرَ الإسلام وقاتلَ المرْتدّين وكان أول خليفة لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفضائلُهُ لا يُحصيها إلا الله.

يكفيهِ شرفًا وعزًّا وفخرًا أنّ اللهَ تعالى أنزلَ فيه وفي  رسولِه المصطفى صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إذْ يقولُ لصاحبِهِ لا تحزنْ إنّ اللهَ معنا}[التوبة/٤٠]

ما قال له إنّ اللهَ معي، هذا تأييدٌ منَ اللهِ لأبي بكرٍ، تأييدٌ منْ ربِّ العالمين لهذا الرجل العظيم لأنَّ اللهَ عالمُ الغيبِ والشهادة واللهُ هو الذي أنزلَ القرآن فهو الذي أنزلَ هذه الآية على رسولِه الكريم {إنّ اللهَ معنا}[التوبة/٤٠] فهذا تأييدٌ لأبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه.

فأبو بكر أعلى أعلى أعلى أولياءِ البشر يعني اسْتَثْنِ الأنبياء اسْتثْنِ الرسل بعدَ الأنبياء أول مرتبة في الأولياء في البشر لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وأرضاه وأمدَّنا بمددِه ونفعَنا ببركاتِه وبعلومِهِ، ذاك الرجل العظيم الذي يشَفِّعُهُ اللهُ يومَ القيامةِ في خلائق كثيرين لِما له منَ القدرِ العالي والعظيم يشفع لمئات الآلاف منَ المسلمين يومَ القيامة.

هذا أبو بكر أفضل رتبة في ولاية البشر له رضي الله عنه وأرضاه، بعدَه عمر بعدَه عثمان بعدَه عليّ رضي الله عنهم جميعًا وهكذا على حسَبِ  رتبةِ كلّ وليّ.

إذًا مَنْ يكون الأسعد فالأسعد؟ على حسَبِ المقامات والدرجات الأتقى أكثر في السعادة، الأعلى في التقوى أعلى في السعادة هذا معناه.

وهنا معناه أسعد الخلق يعني منْ أسعد الخَلق).

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: العالِمُ التقيُّ له هيبة لو كان وحدَهُ يمشي بين الناس له هيبة

(وهذه الهيبة ليست بسبب المال لأنّ هذا التقي قد يكون منَ الفقراء، إنما هذه الهيبة بسبب النور والسر الذي ينزل في قلبِه، اللهُ يُعطيه تلكَ الهيبة العظيمة.

فمثلًا هذا زينُ العابدين الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللهُ عنه وأرضاه الملَقّب بالإمام السجاد والملقب بزين العابدين، لُقِّبَ بالإمام السجّاد لكثرةِ صلاتِهِ وسجودِه كان في اليوم يصلي ألف ركعة من غيرِ الفرائض.

وسُميَ بزينِ العابدين أيضًا لكثرةِ عبادتِهِ كان صوّامًا قوّامًا وكان يُنفق ويصرف على مائةِ بيت في المدينةِ المنورة، ليس على مائة إنسان، يمكن هذا البيت الواحد في عشَرة يمكن فيه خمسة، وكان رضي الله عنه منْ شدّةِ حبِّهِ للآخرة ولعملِ الخير في الليلِ يتقنّع ثم يحمِل هو الطعام والأثاث والثياب والمال ثم يدور على بيوتات الفقراء والأيتام والأرامل يضع هذا المال أو الطعام أو الثياب على حسبِ حال كلّ بيت، يضرب الباب وهو يختفي وهو مُقنّع لأجلِ أنْ لا يُعرَف.

عندما مات رضي الله عنه وجُرِّدَ منْ ثيابِهِ منَ السرّة إلى فوق مع سترِ العورة رأوْا في ظهرِهِ وعلى أكتافِهِ خطوط منْ أثرِ الأحمالِ التي كان يحمِلُها ويدور على الناس ليُنفق ويساعد ويُعطي ويقدّم.

هذا زينُ العابدين كان إذا مشى في الطريقِ وحدَهُ الأمراء والأغنياء والتجار ومَنْ له وظائف في ديوان الخلافة عند الأمراء والملوك والسلاطين يرتَجِفونَ منه منْ شدةِ هيبَتِه.

كان في زمانِهِ رضي الله عنه له هيبة ظاهرة بين الناس الزعماء الأمراء يَهابونَه والناسُ يُقبِلونَ إليه أكثر من الملوك وهكذا كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه.

هذا سيّدُنا زين العابدين ما كان رئيسًا ما كان ملِكًا، كان لمّا يمشي في الطريقِ الناس يَهابونَهُ منْ تقواه مِنْ ورَعِهِ منْ خشيَتِهِ منَ الله الله يُنزّل عليه السكينة والهيبة والوَقار يصير حولَهُ هيبة ظاهرة وعظيمة الناسُ يحترمونَهُ ويُقَدّرونَهُ.

هكذا كان عمر بن عبد العزيز مع أنه كان خليفة لكنْ كان عندَما صار خليفةً خلعَ ثياب الإمارة ولبِسَ ثوبًا أقلّ ثمنًا منْ ثوبِ العبدِ المملوك، خشنًا، وكان فرشَ موضِعًا منْ بيتِهِ بالتراب في الليل يقوم يصلي مائة ركعة يضع وجهَهُ على التراب ويبكي حتى يبتلَّ التراب منْ دموعِهِ، هذا عمر بن عبد العزيز تركَ موكبَ الخلافة ويمشي هكذا زاهدًا متواضِعًا مُنكسِرًا مُقبِلًا على الآخرة مُعرِضًا عن الدنيا، والناسُ يَهابونَهُ ملأَ الدنيا عدلًا رضي الله عنه وأرضاه، هذا بسبب التقوى ليس بسبب المال الذي في بيت المال ولا بسبب الدولة والجيش الذي حولَهُ لا، كم منْ رؤساء وملوك كان عندَهم جيوش لكنْ هنا الهيبة، الهيبة الحقيقية بتقوى الله، الهيبة الحقيقية تأتي منْ خشيةِ اللهِ تعالى، الهيبة الحقيقية تأتي منْ شدةِ خوفِكَ منَ الله ومُلازمتِكَ للواجبات واجتنابِكَ للمحرّمات، عند ذلك الملوك يهابونَك الأمراء يخافونَكَ منْ هيبتِكَ التي أعطاكَ الله.

هذه الهيبة الحقيقية لا تأتي الهيبة منْ جلدِ الضبع ولا تأتي منْ خاتم العقيق ولا تأتي الهيبة منْ أنْ تحملَ نوعًا منَ المعادن، لا، هذه قد يحمِلُهُا الفاسق والفاجر، لكنْ أين الهيبة الحقيقية؟ في تقوى الله عزّ وجلّ).

 

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: اللهُ تعالى فرضَ على الإنسانِ أنْ يحفظَ جوارِحَهُ عينَهُ ولسانَهُ ويدَهُ عمّا حرّم الله.

كثيرٌ منَ الناسِ لا يحفظونَ ألسنَتَهم في هذا الزمن إذا غضبوا يسبّونَ الله يسبّونَ الدين، وبعضُهم في حالِ المَزحِ يكفر ولا يشعر أنه يكفر، كلُّ كلامٍ فيه استخفافٌ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم أو باللهِ عزّ وجلّ أو بشريعةِ اللهِ عزّ وجل فهو كفر، مَنْ تكلَّمَ به يكفُر لو لمْ يقصِدْ أنْ يتركَ الإسلام وينتقلَ إلى غيرِه.

(هذه القضية مهمة جدًّا، لأنّ الكثير منَ المشايخ والدعاة والدكاترة والخُطباء تركوا وظيفتَهم الأصلية التي هي تعليم الناس وبيان العقيدة والتحذير منَ الكفريات وصاروا يستعملون المنابر والجامعات والمدارس والمعاهد والفضائيات ومواقع التواصل للغزوات والحوادث التاريخية وللمنامات أو لأمورٍ أخرى وتركوا تعليمَ الناسِ العقائد والأصول وتركوا تحذيرَ الناس من الكفريات.

اسمعوا ماذا قال الفقيهُ الحنفيُّ المشهور الزاهدُ الصفّار رحمه الله تعالى، هذا كان في القرن الخامس الهجري قال “يجب على خطباء الجمعة أنْ يُبيِّنوا العقيدةَ الإسلامية على المنائر وأنْ يحذّروا الناسَ منَ المنكَرات” هذا هو أصل عمل الأئمة والخطباء والمشايخ.

أما اليوم للأسف الكثير نسُوا هذه المهمة الأصلية الأساس ثم ذهبوا إلى أمورٍ تُعتبَر جانبية فضاعوا وضيَّعوا الناس وهذا خطرٌ عظيم.

كم وكم مِنْ أدعياءِ الدكترة والمشيخة يطلُعون في الفضائيات يقعد يتكلم في السياسة أكثر من السياسيين ولا يعلّم الضروريات للناس، وليس معنى كلامي أنّ الدعاة والمشايخ لا يتكلمون في السياسة لا، حيثُ اقتَضَت المصلحة يتكلمون لكنْ ليس هذا عملُهُم الأساس، ليس هذه وظيفتُهُم الأصل، هذا واجبٌ عليهم.

ثم هذا الأمر عندما ضيّعوهُ ماذا يحصلُ بين الناس وللناس وللمجتمعات وفي طلاب المدارس وفي رواد المساجد وفي الأولاد في البيوت عند الأهل؟ ينشأونَ على الجهل، فيَعمّ الجهل في المجتمعات فيَخرب ويتدمّر والعياذ بالله تعالى.

لذلك يجب علينا أنْ نحفظَ جوارحَنا اليد اللسان العين البطن القلب الرجل البدن، اللهُ قال في القرآن الكريم {ولا تقفُ ما ليس لك بهِ علم إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كان عنهُ مسئولًا}[الإسراء/٣٦]

لاحظوا الآية ذكرتْ ثلاثة من الجوارح، الفؤاد هو القلب هذا العضو الصنوبريُّ الشكل في ذكرِ هذه الجوارح الثلاثة قال العلماء إشارة إلى بقية جوارحِ وأعضاءِ الإنسان وأنه مسؤولٌ ومُحاسَبٌ ومُؤاخذٌ عليها يومَ القيامة.

فمَنْ ضيَّع هذه الجوارح فوقعَ وانغمسَ وغرِقَ في المحرّمات وأهملَ الفرائض كان من الهالكين الخاسرين، لذلك علينا أنْ نحفظَ هذه الجوارح ولا سيّما اللسان لأنّ معاصي اللسان أكثر منْ معاصي العين وأكثر من معاصي الأذن وأكثر منْ معاصي اليد وأكثر منْ معاصي الرجل لأنّ اللسان قطعة صغيرة تتحرك بسرعة وكثير من الناس شهوةً يتكلمون لا يُراعونَ الشريعة ولا يضعون الكلام الذي يريدونَ قولَهُ في ميزانِ الشرعِ قبل النطقِ لا، يتكلمون شهوة ليُضحِكوا الناس ليَلعبوا ليَمزَحوا إذا غضبوا تراهم والعياذُ بالله يتساقطونَ في الكفر تساقط الفراش في النار.

لذلك مَنْ كان مازحًا، غاضبًا، لاعبًا، فتكلَّم بالكفر لا عذرَ له، دينُ اللهِ ليس ملعَبةً لأحد يجبُ أنْ يُحترَمَ في كلِّ الأحوال، دينُ اللهِ يجب أنْ يُعظّمَ عندَ الغضبِ وفي الرضا، لا تقل كنتُ غاضبًا فشتمْتُ الله، أعوذُ باللهِ العظيم لا عذرَ لك في ذلك، لا تقل كنتُ لاعبًا ومازحًا فسَبَبْتُ الصلاة فسببتُ الملائكة فشتمْتُ القرآن حاشى لا عذرَ لك في ذلك.

قال الله تعالى {ما يلفظُ منْ قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ}[ق/١٨] اللهُ ما قال ما يلفظُ منْ قولٍ ومعه نية ولا قال ومعه اعتقاد ولا قال ومعه قصد، هذا ردّ على هؤلاء الدجاجلة الزنادقة الذين استحلّوا الكفر وأباحوه فيقولون لمَنْ سبَّ الله أنتَ كنتَ غاضبًا ما نويتَ وما قصَدْتَ وما كنتَ شارحًا صدرَكَ وما أردتَ أنْ تخرجَ منَ الإسلام وتدخلَ في دينٍ آخر، كل هذا لا عبرةَ به، هذه الشروط باطلة ليست منْ دينِ اللهِ في شىء.

تخيّلوا معي إنسان سبَّ اللهَ في الشارع هل هذا يُسأل إنْ كان شارحًا صدرَهُ وناويًا وقاصدًا ومُريدًا الخروج منَ الإسلام والدخول في دينٍ آخر؟ على هذا الشرط الباطل على زعمِ هؤلاء الزنادقة لا يبقى كافر على وجه الأرض وهذا تكذيبٌ للقرآن.

قال الله تعالى {ما يلفظُ منْ قولٍ}[ق/١٨] يعني لمجرد القول وهو يفهم ما يقول وتكلّمَ عمدًا سجِّلَ عليه، {إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ}[ق/١٨] هذا يُؤاخَذ ويُسجّل عليه ويُحسَب.

وقال الله في سورة التوبة {يحلِفونَ باللهِ ما قالوا ولقد قالوا كلمةَ الكفرِ وكفروا بعدَ إسلامِهم}[التوبة/٧٤]

{كلمةَ الكفر}[التوبة/٧٤] يعني لا يُشترَط أنْ يكونَ معها نية ولا قصد.

هؤلاء الذين يُبيحونَ للناس مسبةَ الله بدعوى أنه لمْ ينوِ ولم يقصد هل يرضَوْنَ ممّنْ سبّهمْ وشتمَهم وهتكَ عرضَهم أنْ يقولَ لهم ما كنتُ ناويًا؟ هل يقبَلونَ منه أنْ يقولَ لهم ما قصدْتُ أمْ يرفعونَ عليه دعوى في المحاكمِ الدولية؟ مَنْ أنتم أمامَ تعظيمِ اللهِ أيها الدجاجلة؟

تريدونَ أنْ تُعظَّموا أكثر مما يُعَظّمَ الله أيها الزنادقة؟ يبيحونَ الكفرَ للناس هؤلاء لهم وجود في لبنان وفي عددٍ منَ الدول وبعضُهم ذكرَ ذلك في مؤلَّفاتٍ له قال لا بدّ أنْ يكونَ شارحًا صدرَهُ قاصدًا ناويًا، هذا شرطٌ باطل ليس في دينِ الله.

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري [كلُّ شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ فهو باطل ولو كان مائةَ شرط] هذا هو دينُ الله

وفي سورة التوبة {ولئنْ سألتَهم ليَقولُنَّ إنّما كنّا نخوضُ ونلعب قلْ أبالله وآياتِهِ ورسولِهِ كنتمْ تسْتهْزِئون* لا تعتذروا قدْ كفرْتُمْ بعدَ إيمانِكم}[التوبة/٦٥-٦٦]

قال ربُّنا في سورة البقرة {ومَنْ يرتَدِدْ منكم عنْ دينِهِ}[البقرة/٢١٧] يعني هناك مَنْ يرتد عن الإسلام {فيَمُتْ وهو كافرٌ فأولئكَ حَبِطَتْ أعمالُهُم في الدنيا والآخرة}[البقرة/٢١٧]

إذًا عليكم بحفظِ اللسان لا تتكلموا شهوةً بحبِّ الكلام، بعضُ الناس يقول لا أستطيع أنْ أسكت إنْ سكتُ قلبي يؤلمُني يحصل معي وجع في معدتي، بعض الناس يتكلم ليَضحك الناس عليه.

هذه التي تسمّى بزعمِهم النُّكَت بعضُها فيها استخفاف بالله بالإسلام بالقرآن بالصيام بالصلاة بالزكاة بالحج بالكعبة بشهر رمضان بالجنة، هذا تكذيبٌ لربِّ العالمين.

اللهُ قال في القرآن {ذلك وَمنْ يُعَظِّم شعآئرَ اللهِ فإنها منْ تقوى القلوب}[الحج/٣٢] فالذي يستخفّ بشعائر الله كذّب الله. إنْ كان هذا الشىء مُعظَّمًا عند الله كيف يسُبُّه؟ كيف يستهزىء بالكعبة؟ كيف يستهزىء بشهر رمضان؟ كيف يُنكر الجنة والآخرة كيف يعترض على الله كيف يسبّ الملائكة كيف يسبّ الرسول كيف يسبّ الأنبياء كيف يستهزىء بالصلاة؟

لذلك احفظ لسانَك لأجلِ أنْ لا تندم لأجلِ أنْ لا تقع في النار

روى البخاري ومسلم والترمذي بألفاظٍ مُتقاربة قال صلى الله عليه وسلم [إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النارِ سبعينَ خريفًا]  [يهوي بها في النارِ أبعدَ مما بين المشرقِ والمغرب]

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه الكلمة ما كان استخفافًا بالله أو بدينِه أو برسولِه.

هذا اللسان إنْ لمْ نحفظْهُ يُهلِكُنا لذلك قال عليه الصلاة السلام [عليك بطولِ الصمتِ إلا منْ خير فإنه مطردةٌ للشيطانِ عنك وعوْنٌ لكَ على أمرِ دينِك]

وعونٌ لك يعني يساعدُكَ على حفظِ دينِكَ، أما الذي يكونُ ثرثارًا سخيفًا يستخف بالإسلام بالدين بالقرآن يعترض على الله يسب الله والأنبياء فقط ليضَحك سخيف صغير.

الذي يُحقِّر دينَ الله هو الحقير وحاشى لدينِ الله، دينُ اللهِ عظيم ومجيد وكريم ومُقدّس ومعظّم ومبارك، هذا الدين جاء به كلّ الأنبياء، الذي يحقّر الإسلام أو يقع في كفرية من الكفريات أهلكَ نفسَهَ سفِهَ نفسَهُ تعْسًا له، خرجَ من الدين بدليلِ هذه الآيات وهناك آياتٌ كثيرة {إنّ الذين ءامنوا ثم كفروا}[النساء/١٣٧] آياتٌ عديدة ..

وهذا الحديث وهناك أحاديث كثيرة

لذلك يا إخواني يا أخواتي علينا أنْ نحفظَ جوارحَنا لا سيّما اللسان وأنْ لا نتكلّم إلا بخير.

بعض الناس يقول تريدون لنا أنْ نسكت؟ نريد لكم الخير أنْ تتكلموا في الخير في الأجر في القرآن في الذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إدخال الفرح والسرور إلى قلب اليتيم والضعيف والمريض في صلة الأرحام في نشر العلم في نشر الدين في نشر العقيدة في الخير تكلّم ولا تسكت.

أنا لا أريدُك هكذا أنْ تسكت لأنظرَ إليك وأنت ساكت ليس هذا مرادي، مرادي أنْ تسكت لتسلَمَ منَ المهالك فإنْ كان في الخير فلا تسكت، قل وأكثِر وتكلّم في الليل والنهار، هذا الذي نريدُه.

نحنُ نريدُ لكم الخير نحب لكم الخير واللهِ ونكره لكم الشر ونخافُ عليكم منه ونخاف عليكم من النار كما نخاف على أنفسِنا

الدينُ النصيحة

نريدُك أنْ تسكتَ في الشر لحبِّ الخير لك، لتسلَمَ أنت. إنْ تكلّمتَ في الشر فهلَكتَ أنا ماذا يصيبُني؟ أنت تكلمتَ فهَلَكتَ، أما أنا أريدُ لك السلامة والنجاة وأنْ تنجوَ من الشر

هذا الذي أريدُه لك ولي جعلني اللهُ وإياكم منْ أحبابِهِ منْ أوليائه منْ عبادِه الكاملين من عبادِه الصالحين رزقني الله وإياكم أنْ نحفظَ أبدانَنا وجوارحَنا من المنكرات والآثام، جعلني اللهُ وإياكم ممنْ يستعملونَ هذه الأبدان والجوارح في الخيرات والطاعات وجعلني وإياكم خدامًا لدينِه إلى الممات وأعتقنا وإياكم من النار في هذا الشهر العظيم المبارك وضاعف لنا ولكم الأجور وبرّدَ قلوبَنا وقلوبَكم بذكرِه ومحبتِه سبحانه وشغل ألسنتَكم وألسِنتَنا بتلاوة كتابِهِ وذكره بالتهليل بالاستغفار بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

جمع اللهُ لي ولكم بين خيري الدنيا والآخرة وأفاض علينا وعليكم في هذه الليالي المباركة من الخيرات والأسرار والبركات والرحمات والأنوار والهيبة إنه على كلّ شىء قدير

والحمد لله رب العالمين