الجمعة أكتوبر 18, 2024
    • الألباني ينكر تأويل البخاري:

    أنكر الألباني([1]) تأويل البخاري لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88]، أي: إلا ملكه فقال الألباني([2]) أيضًا عن هذه التأويل: «هذا لا يقوله مسلم مؤمن».اهـ. وذكر أنه ليس في البخاري مثل هذا التأويل الذي هو عين التعطيل ثم قال ما نصّه ([3]): «ننزه الإمام البخاري أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات وهو سلفي العقيدة والحمد لله».اهـ.

    الرَّدُّ:

    الألباني بهذا يكون كفَّر من أوَّل هذه الآية بهذا التأويل فيكون بهذا حكم على الحافظ البخاري  بالكفر؛ لأن نُسَخ البخاري كلها متفقة على هذا ولا يستطيع أحدٌ أن ثبت نسخة خالية عن هذا التأويل لكنه كابر هربًا مما يتوقعه، فمثله كمثل من أراد أن يغطي الشمس بكفه في يوم صحو رابعة النهار. ثم ليس هذا التأويل مما انفرد به البخاري بل أوَّل([4]) الإمام المجتهد سفيان الثوري  هذه الآية: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] بقوله: «ما أريد به وجهه».اهـ.

    ثم إن تأويل البخاري([5]) لهذه الآية ثابت عنه، فقد قال في أول سورة القصص ما نصّه: «{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] إلا ملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجه الله».اهـ. فإنكار الألباني لذلك دليل جهل الألباني بهذه الروايات فكيف يدعي أصحابه بأنه حافظ محدث؟ سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.

    وأما قوله بأن هذا التأويل لا يقوله مسلم مؤمن؛ لأنه على زعمه يكون من أهل التعطيل الضالين، فماذا يقول عن البخاري بعد ثبوت ذلك عنه، هل يرميه بالتعطيل([6])؟

    أما تخجلون – يا نفاة التأويل – من إطلاق هذا القول «التأويل تعطيل» وقد أوَّلتم كل ءاية ظاهرها يوهمُ أن الله في الأرض وكذلك كل حديث. فقد أوَّلتم قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْربُ فأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [سورة البقرة: 115]، وأولتم قول الله تعالى إخبارًا عن سيدنا إبراهيم : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سورة الصافات: 99] فلم تأخذوا بظاهره، وأولتم حديث البخاري([7]): «وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّهُ فإذا أحببْتُهُ كنتُ سمعَهُ الذي يسمعُ به وبصرَهُ الذي يُبصرُ بهِ ويدَهُ التي يبطشُ بها ورجلَهُ التي يمشي بها»([8]) فلم تأخذوا بظاهره، وأولتم حديث([9]): «ما تصدقَ أحدٌ بصدقةٍ من طيبٍ، ولا يقبلُ الله إلا الطيبَ، إلا أخذها الرحمـٰن بيمينِهِ وإن كانت تمرةً فتربو في كفِّ الرحمـٰن»، فلم تأخذوا بظاهر هذا الحديث أن يد المتصدق فوق يد الله، أما قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [سورة الفتح: 10]، فقد حملتموه على الظاهر، فما هذا التناقض؟!

    [1]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

    [2]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

    [3]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

    [4]() أخرجه البخاري في شعب الإيمان (5/350).

    [5]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: سورة القصص (3/1382)، وابن حجر العسقلاني، فتح الباري (8/505).

    [6]() حصل من شخص وهابي قيل له: البخاري أوَّل فقال في صحيحه في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88]: إلا ملكه، فقال الوهابي: البخاريُّ في إيمانه شك. فبعد هذا يظهر للمتأمل شدة بغض الوهابية لأهل الحق أهل = السُّنَّة والجماعة وازدرائهم بالأئمة الكبار. وقد كفَّروا الحافظين النووي وابن حجر العسقلاني، كما في كتاب من تأليف محمد بن صالح العثيمين، سمَّاه لقاء الباب المفتوح.

    [7]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: التواضع (5/2384).

    [8]() هذا الحديث معناه: أحفظ له سمعَه وبصرَه ويده ورجله، أو: أعطيه قوة غريبة في سمعه وبصره ويده ورجله.

    [9]() تقدّم تخريجه.