إنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ على عبادهِ المؤمنين أن شرعَ لهمُ التعاونَ على البرّ والتقوى، قالَ تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَقْوَى} [سورة المائدة: 2] وجعلَ لهمُ الأجرَ والثوابَ في الدلالةِ على الخيرِ والبرِّ ومن ذلك تفطيرُ الصائمِ لأنَّ الصائمَ مأمورٌ بأن يُفطِرَ وأنْ يُعجَلَ الفطرَ، فإذا قامَ المسلمُ بتفطيرِ الصائمِ سواءٌ أكانَ ذلك صيامَ نافلةٍ أو فريضةٍ فسيكونُ لهُ مِنَ الأجرِ مثلُهُ مِنْ غيرِ أن ينقصَ من أجرِ الصائمِ شيءٌ.
فقد روى الترمِذيُّ والإمامُ أحمدُ عن زيدِ بنِ خالدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ فَطَّرَ صائمًا كانَ لهُ مثلُ أجرهِ غيرَ أنَّهُ لا ينقص مِنْ أجرِ الصائمِ شيئاً» فمن فَطَّرَ صائمًا نالَ مِنَ الأجرِ مثلَ أجرِ الصائمِ، نال من أجرِ الصائمِ شيء. وقد كانَ السلفُ الصالحُ يحرصونَ على تفطيرِ الصائمينَ، وما زالتَ هذه سنةً قائمةً وعادةً متعارفةً ينشأ عليها الناسُ جيلًا بعدَ جيلٍ.
وليسَ غريبًا أن يكونَ هذا حال أهلِ الصدقِ معَ اللهِ تباركَ وتعالى وأهلَ التأسي بهِ صلى الله عليه وسلم، فقد كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أجودَ الناسِ وكانَ جودُهُ يتضاعفُ في رمضانَ، فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وكانَ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ مِنْ رمضانَ فيدارسُهُ القرءانَ فلرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخيرِ مِنَ الريحِ المرسلةِ.
وسُئلَ بعضُ السلفِ: لِمَ شُرِعَ الصيامُ؟ قالَ: ليذوقَ الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسى الجائعَ، وهذا مِنْ بعضِ حكمِ الصومِ وفوائدِه. وليسَ تفطيرُ الصائمينَ محصورًا في الفقراءِ والمساكينِ بل إنَّ التفطيرَ يكونُ لكلِّ المسلمينَ فقيرِهم وغنيِهم، وهو بمثابةِ الهديةِ للغنيِّ. ففي هذا الشهرِ الكريمِ تُضاعفُ الحسناتُ وتُقالُ العثراتُ وتُجابُ الدعواتُ. وهو شهرُ الصبرِ والمواساةِ والصدقاتِ، فقد سُئلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ فقالَ: صدقةٌ في رمضان» رواه الترمذي.
فقد أخرجَ ابنُ أبي الدنيا في «قضاءِ الحوائجِ» والبيهقيُّ في «شُعَبِ الإيمانِ» عن أبي هريرة عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أفضلُ الأعمالِ أن تُدْخِلَ على أخيك المؤمنِ سرورًا أو تقضيَ عنهُ ديْنًا أو تُطْعِمَهُ خُبزًا».
فلو أنفقَ الإنسانُ منا ولو شيئًا يسيرًا ربما كان هذا سببًا في عتقهِ منَ النارِ، روى البخاريُ مِنْ حديثِ عديِّ بنِ حاتمٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «اتقوا النارَ ولو بشقِ تمرةٍ». وهذا يرفعُ الوحشةَ ويُؤَلِّفُ بينَ المسلمينَ وتزدادُ المحبةُ بينَهم ويحصلُ الودُّ والرحمةُ والتراحمُ وكلُّ هذا سبيلُهُ دخولُ الجَنَّةِ، ففي سننِ الترمذيِّ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «يا أيُّها الناسُ أفشوا السلامُ وأطعِموا الطعام وصلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجَنَّةَ بسلامٍ».
كما أخرجَ الترمِذيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أيُّما مؤمنٍ أطعمَ مؤمنًا على جوعٍ أطعمَهُ اللهُ مِنْ ثمارِ الجَنَّةِ ومَن سقى مؤمنًا على ظمإِ سقاهُ اللهُ مِنَ الرحيقِ المختومِ». فمَن جادَ على عبادِ اللهِ جادَ اللهُ عليهِ بالعطاءِ والفضلِ. واختلفَ العلماءُ في معنى «مَنْ فَطَرَ صائمًا». فقيلَ: إنَّ المرادَ مِنْ تفطيرِه هو أدنى ما يُفَطِّرُ بهِ الصائمُ ولو بتمرةٍ واحدةٍ فإنَّ لهُ مثلَ أجرِهِ، وما ذلكَ على اللهِ بعزيزٍ، فالصائمُ يُجاهدُ نفسَهُ في تركِ الطعامِ والشرابِ والشهواتِ امتثالًا لأمرِ اللهِ تعالى وإذعانًا لَهُ.
وقالَ بعضُ العلماءِ: المرادُ بتفطيره أن يُشْبِعَهُ لأنَّ هذا هو الذي ينفعُ الصائم طولَ ليلهِ وربما يستغني بهِ عن السُّحورِ، ولكنْ ظاهرُ الحديثِ أنَّ الإنسانَ لو فطَّرَ صائمًا ولو بتمرةٍ واحدةٍ فإنهُ لم مثلُ أجرهِ. ولهذا ينبغي للإنسانِ أن يحرصَ على إفطارِ الصائمينَ بقدرِ المستطاعِ لا سيما مع حاجةِ الصائمينَ وفقرِهم أو حاجتِهم لكونِهم لا يجدونَ من يقومُ بتجهيزِ الفَطورِ لهم وما أشبهَ ذلكَ.
فيا سعادةَ مَنْ أعانَ الناسَ على أفعال البرِّ والخيرِ، فهنيئًا لأناسِ أودعَ اللهُ في قلوبِهم حبَّ الخيرِ، فوجدوا سعادةَ قلوبِهم وراحةَ أفئدتِهم في إدخالِ السرورِ على فقراءِ المسلمينَ، ورسمِ البسمةِ على وجوهِ أطفالِهم.
نسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أن يوفقَنَا لِمرضاتِهِ
ويحشُرَنَا مع أنبيائِهِ، ءامينَ يا ربَّ العالمينَ