#31 4-9 سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان أما بعد موضوعُ حلقةِ اليوم دخولُ يوسفَ عليه السلام السجن. شاعَ خبرُ امرأةِ العزيزِ ويوسفَ عليه السلامُ في أرجاءِ المدينةِ وأخذَت ألسِنةُ النساءِ من نساءِ الأُمراءِ وبناتِ الكُبراءِ في الطعنِ على امرأةِ العزيزِ وعَيبِها، والتشنيعِ عليها على فعلتِها، كيف تعشقُ سيدةٌ ذاتُ جاهٍ ومنصِبٍ وجمال فتاها وتراودُه عن نفسِه فتطلبُ منه مواقعتَها، وبلغَ ذلكَ امرأةَ العزيزِ فأرسلت إلى هؤلاءِ اللائِماتِ من ذواتِ الثَراءِ والجاهِ ودبّرت لهنّ مكيدةً حتى يَعذُرنَها في حبّها وغرامِها ليوسفَ عليه الصلاة والسلام فجمعتهُنّ في منزِلها وأعدّت لهنّ ضِيافَةً تليقُ بحالهنّ، فقد هيأت لهنّ مَكانًا أنيقًا فيه من النَمارِقِ والوسائِد ما يتّكِئنَ عليه، وقدّمت إليهِنّ طعامًا يحتاجُ إلى القطعِ بالسكين، وقيلَ: ناولت كلَ واحدةٍ منهُنّ أُترُجَّةً – والأترُج نوعٌ من الفاكِهة- وسِكّينًا وقالت لهنّ: لا تَقطَعنَ ولا تأكُلنَ حتى أُعلِمَكُنّ، فلما خرجَ عليه السلام إلى مَكانِ جلوسِ هؤلاء النِسوةِ ورأينَه بَهَرَهُنَّ جمالُه وألهاهُنَّ حُسنُه الفائِقُ وتَشاغلنَ عمّا في أيديهنّ فصِرنَ يَحزُزْنَ أيديَهُنَّ ويُقطِّعْنَها وهنَّ يَحسَبنَ أنهنّ يُقَطِّعْنَ الطعامَ والفاكهة، وهنَّ لا يَشعُرنَ بألمِ الجُرح، وأَعلَنَّ إكبارَهُنَّ وإعظامَهُنَّ لذلكَ الجمالِ الرائع الذي كان عليه سيدُنا يوسفُ عليه الصلاة والسلام، حيثُ ما ظننَّ أن يكونَ مثلُ هذا الجمالِ في بني ءادم. عندَ ذلكَ باحَتِ امرأةُ العزيزِ بِحُبِها وشَغَفِها بيوسفَ عليه السلام الذي بَهرَها جمالُه ومَلَكَ عليها قلبَها، وقالت للنِسوةِ معتذرةً في عِشقِها يوسفَ وحُبِها إياه: فذَلِكُنَّ الذي لُمتُنَنّي فيه، ثم مدحت يوسفَ عليه السلام بالعِفّةِ التامّةِ والصِيانة، واعترفَت وأقرَّت لهنّ بأنها هي التي راودتهُ عن نفسِه وطلبت منه ما تريدُ ولكنَّه استَعْصَمَ وامتَنَع، وأخبرَتْهُنّ أنّه إن لم يُطاوِعْها إلى ما تريدُ من قَضاءِ شَهوتِها ليُحبَسَنَّ في السجنِ ويكونَ فيه ذليلًا صاغرًا على زعمها. وقامتِ النساءُ يُحَرِضنَ يوسفَ عليه السلام على السمعِ والطاعةِ لسيدَتِه ولكنَّه عليه السلام أبى أشدَّ الإباء ودعا ربَّه مُستغيثًا به فاستجابَ الله تعالى دعوةَ نبيِه يوسفَ عليه السلام وصرَفَ عنه كيدَهُنّ. ثم بدا بعد ذلك للعزيزِ وامرأتِه وغيرِهما وظَهرَ لهم من الرأيِ سَجنُ يوسفَ إلى وقتٍ مع علمِهم ببراءته، ليكون ذلك تخفيفًا لكلامِ الناسِ في تلك القضية، وليَظُنَ الناسُ بحبسِ يوسفَ عليه السلام أنّه هو الذي راودَها عن نفسِها ودعاها إلى ذلك، ولذلك سجَنوا يوسفَ الصِدّيقَ ظُلمًا وعُدوانًا من غيرِ جريمةٍ اقترَفها وارتَكبها، ودخلَ السجنَ معَ يوسفَ عليه السلام فَتَيانِ أحدُهما رئيسُ سُقاةِ الملِك، والثاني رئيسُ الخبّازينَ عندَه، وكانَ الملِكُ قد اتهمَهُما في دسِّ السُمِ لاغتِيالِه والتخَلُصِ منه، فسجَنَهما ورأى كلٌّ من ساقي الملِكِ وخبّازِهِ في ليلةٍ واحدةٍ رؤيا شغلت فِكرَهما، أما الساقي فقد رأى كأنَّ ثلاثةَ قُضبانٍ من الكَرمِ والعِنب قد أورَقت وأينَعت فيها عناقيدُ العِنب فأخذَها واعتَصرها في كأسِ الملِك وسقاهُ منها، ورأى الخبازُ على رأسِه ثلاثَ سِلالٍ من خُبزٍ وضَواري الطيورِ تأكلُ من السلّةِ العُليا، فقصَّ كلٌّ من الساقي والخبازِ رؤيَيْهِما على يوسفَ عليه السلام وطلبا منه أن يُفسِرَ لكلِ واحدٍ منهما رؤياه ويُعبِرَها لهما. فلما استمَعَ يوسفُ عليه السلامُ إلى الرجلين وسمعَ ما رأيا في منامِهما من رؤيا أرادَ يوسفُ عليه السلام بِحكمتِه أن يتحدثَ معهما في الأهم ِوالأولى فدعاهما لتوحيد الله تعالى والإيمان به سبحانه، وكانت دعوتُه لهما إلى عبادةِ الله وحدَه وإلى دينِ الإسلامِ في هذهِ الحالِ في غايةِ الكمالِ لأنّ نُفوسَهما كانت مُعَظِمَةً ليوسف عليه السلام سهلةَ الانقيادِ على تَلقّي ما يقولُ بالقَبول، فناسَبَ مِن نبيِ الله يوسفَ عليه السلام أن يدعُوَهما إلى ما هو الأنفعُ لهما مما سألا عنهُ وطلبا منهُ، فبيّنَ لهما أنّ الله سبحانَه وتعالى هو الإلهُ الواحدُ القهّارُ الذي يَستحقُ الألوهيةَ بِخِلافِ الأصنامِ صغيرِها وكبيرِها، وبيّن لهما أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته ولا يشبه شيئًا منها، ثم أخبرَهُما بعد ذلكَ بتأويلِ رؤياهما فقالَ للأوّلِ وهو الساقي: أمّا الأغصانُ الثلاثةُ فثلاثةُ أيامٍ يَبعثُ إليكَ الملِكُ بعدَ انقضائِها فيرُدُكَ إلى عملِك ساقيًا. ثم قال للخباز: السلالُ الثلاثُ ثلاثةُ أيامٍ ثم يبعثُ إليك الملكُ عندَ انقضائِهنّ فيقتُلُك ويصلِبُك ويأكلُ الطيرُ من رأسِك. وبعد أن عبّرَ وفسّرَ نبيُ الله يوسفُ عليه السلام رُؤييهِما طلبَ منَ الذي ظنَّه ناجيًا من هذينِ الرجلينِ وهو الساقي أن يذكرَ أمره وما هو فيه عندَ الملِك وأن يُخبِره أنّه مَحبوسٌ ظُلمًا، ولكنّه نسي بعد خروجه أن يذكُرَ ما وصّاهُ به يوسفُ عليه السلام، فلبِثَ يوسفُ عليه السلام في السجنِ سبعَ سنوات، وكلُّ هذا بمشيئةِ الله وإرادتِه. والله تعالى أعلم وأحكم. في الحلقة المقبلة من سلسلة قصص الأنبياء إن شاء الله تعالى لنا موعدٌ معَ قِصةِ رؤيا الملِكِ وخروجِ يوسفَ عليه السلام من السجن. فتابعونا وإلى اللقاء.