#26 – سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام
الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان أما بعد فكلامنا اليوم عن سيدنا شعيب عليه السلام وهو من الأنبياءِ العرب. وكان شعيب مشهورًا بالفصاحة وعُلُوِّ العبارة، وببلاغتِه في دعوةِ قومِه إلى الإيمانِ والإسلام العظيم. وذُكِر نبيُ الله شعيبٌ عليه الصلاة والسلام في القرءانِ عشرَ مرات. وقد أرسله الله تعالى إلى أهل مَدْيَن الذين كانوا من العرب يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهةَ الشام قريبًا من خليجِ العقبة من الجهةِ الشمالية، وكانوا على دين إبراهيم عليه السلام الذي هو الإسلام والذي هو دينُ جميعِ الأنبياء ولكنّه لم يَطُلْ بهمُ العهدُ حتى غيّروا دينَهم الحقّ وكفروا بالله وعبدوا غيرَ الله، وانحرفوا عن الصراطِ المستقيمِ فغرّتهمُ الحياةُ الدنيا ومتاعُها الفاني، فقد كانوا أصحابَ تجارةٍ وسِلَع وكانوا على الجادةِ التجاريةِ الكبيرة بين اليمنِ والشام وبين العراقِ ومِصر على ساحلِ البحرِ الأحمر ولكنّ حُبَّ المال سيطرَ على قلوبِهم وأعماهُم عن اتّباعِ الحقّ، فقد كانوا يعبدونَ الأيكة وهي شجرةٌ من الأيك حَوْلها أشجارٌ ملتفّةٌ على بعضِها، وزيادةً على كفرهِم وضلالِهم فقد كانوا يُنْقِصونَ المكيالَ والميزان ويُطفّفونَ فيهما، أي يأخذونَ مع الزيادة ويدفعون مع النقصان ويأكلون المالَ الحرام والعياذ بالله تعالى. ولم يكتفوا بهذهِ المعاملةِ السيئةِ بل كانوا يَقطعونَ الطريقَ على المارة، ويتعرضونَ للقوافل فيتوعدونها ويُخيفونَها ويَعيثونَ في الأرضِ فسادًا. وسطَ هذا المجتمع ِالفاسدِ والكفرِ والضلال الذي كانت تعيشُ فيه قبيلةُ مدين، بعثَ الله تعالى فيهم رجلًا منهم هو رسولُ الله شعيبٌ عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى دينِ الإسلام العظيم وعبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، ونهاهُم عليه السلام عن المفاسِد والأفاعيلِ القبيحةِ التي كانوا واقعين فيها، وأمرَهم بالعدلِ والميزانِ بالقِسطِ وأن لا يَبْخَسوا الناسَ حقوقَهم، وأن لا يقطعوا الطُرُقَ على المارةِ ويأخذوا أموالَ الناسِ بالباطل، ولكن لم يؤمن بدعوتِه إلا العددُ القليلُ من قومِه. ورغمَ المحاولاتِ العديدةِ والأساليبِ المختلفةِ التي بذَلها نبيُ الله شعيبٌ في دعوةِ قومه إلى الدينِ الحقّ وتركِ المنكرات، تجاهل قومُه الخبثاء دعوتَه واستمروا على جهلِهم وضلالهم وكفرهم وردّوا عليه بالسخريةِ والاستهزاء. ولما رأى نبيُ الله شعيبٌ عليه السلام عنادَ قومِه وتصميمَهم على تكذيبِه وردِ دعوتِه، استنصَرَ ربَه عليهم في تعجيلِ ما يستحقونَه من العذاب، فأنزلَ الله القويُ المتينُ العذابَ الشديدَ على قومِ شعيب وجعلَهم عبرةً لمنِ اعتَبر، قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي رجفَت بهم أرضُهم وزُلزلت بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه زِلزالًا شديدًا أَزهقَت أرواحَهم من أجسادِهم، ولقد جمعَ الله على قومِ شعيبٍ الذين كذّبوا نبيَه وءاذَوْهُ أنواعًا من العقوباتِ وأشكالًا من البَلِيّات، وذلك أنهم أصابَهم حَرٌّ شديد وأسكنَ الله هبوبَ الهواءِ عنهم سبعةَ أيام، فكانَ لا ينفعُهم مع ذلكَ ماءٌ ولا ظِل ، فهربوا من محلَّتِهم إلى البريِة فأظلَتهم سحابةٌ فوجدوا لها بَردًا ولَذّة فنادى بعضُهم بعضًا، فاجتَمعوا تحتَها ليستَظِلوا بظِلِها، فلمّا تكاملوا فيها أرسلَها الله العزيزُ القويُ عليهم ترميهم بشرَرٍ وشُهُبٍ، ورَجَفَتْ بهمُ الأرضُ وجاءتهم صيحةٌ قويةٌ من السماءِ فأزهقت أرواحَهم، والله تعالى عزيزٌ ذو انتقام. ونجّى اللهُ تبارك وتعالى نبيَه وحبيبَه شُعيبًا عليه السلام ومن معه من المؤمنينَ ونصرَهم على القومِ الكافرين. وقد عاشَ سيدُنا شعيبٌ عليه الصلاة والسلام مدةً من الزمن بعد هلاكِ قومِه وماتَ عليه الصلاة والسلام في الأردن ودُفنَ فيها وقبرُه هناك في وادٍ يُسمّى اليوم بوادي شعيب، وهو مقامٌ معروفٌ ومشهورٌ هناك، ويقالُ إنّه ماتَ بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورُهم غَربيَ الكعبةِ بين دارِ الندوة ودارِ بني سهم. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. في الحلقة القادمة من سلسة قصص الأنبياء سنكلمُكم بإذن الله على نبي الله يعقوب عليه السلام فتابعونا وإلى اللقاء.