الأحد ديسمبر 22, 2024

#24 2-3 سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان أما بعد زوجة لوط عليه السلام لم تؤمن به ولم تدخل في دينِ الإسلام، بل بقيت كافرةً مع قومِها راضيةً بأفعالهمُ الخسيسة وصفاتِهمُ المذمومة، فحلَّ بها من السَخطِ والعذاب ما حلَّ بقومِها جزاءً لها على كفرِها وتعاطُفِها مع قومِها، ولم ينفعْها عندَ الله أنها كانت زوجةَ نبيِ الله لوط عليه السلام وهي باقيةٌ على الكفرِ والضلال. يقولُ الله تعالى في القرءان الكريم: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} ويقول عزّ وجلّ: {ضَرَبَ اللهُ مثلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}. والمرادُ بالخيانةِ هنا الخيانةُ في الدّين، فإنهما لم تتبعَاهما في دين الإسلام العظيم، بل بقِيتا على الكفرِ والضلال ولم ينفعْهما أنهما زوجتا نبيين من أنبياء الله عظيمَين وهما نوحٌ ولوطٌ عليهما الصلاة والسلام، وليسَ المرادُ بالخيانةِ هنا في الآية الزنى فانتبهوا رحمكم الله. واعلموا رحمكم الله أنّ الله تبارك وتعالى أراد نصرَ نبيِه لوطٍ وإهلاكَ أولئك الكفارِ الخبثاء فأرسلَ الله عزّ وجلّ إلى قومِ لوطٍ ملائكةً كرامًا لإهلاكهم وهم جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ ليَقلِبوا قُراهم عالِيَها سافِلَها ويُنْزِلوا العذابَ بهم وكانت لهم مدائنُ أربع، وكان عددُهم يزيدُ على أربعَمِائةِ ألف. فمرَّ هؤلاء الملائكةُ الكرامُ في طريقهم إلى قُرى قومِ لوطٍ على إبراهيمَ الخليلِ عليه السلام بأمرِ الله تعالى وكانوا قد تشكّلوا بصورةِ رجالٍ حِسانِ الوجوهِ فبشّروا إبراهيم بغُلامٍ حليم وهو إسحاقُ عليه السلام ومن وراء إسحاقَ يعقوب، وأخبروه أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط أهلِ سدوم وتوابِعِها. وبعد خروج الملائكة من عند نبي الله إبراهيمَ الخليلِ عليه السلام توجهوا نحو قريةِ سَدوم وهي أكبرُ قرى قومِ لوطٍ في الأردن، وكانوا قد جاءوا بصُوَرِ شُبّانٍ جميلي الصورةِ اختبارًا من الله تعالى لقومِ لوط وإقامةً للحُجةِ عليهم، ولما وصلوا القريةَ عندَ الظهيرةِ جاءوا إلى نبيِ الله لوط فدخلوا عليه في صورةِ شُبّان مُردٍ جميلين تُشرِقُ وجوهُهم بنَضارةِ الشبابِ والجمال ولم يُخبِروه في البدايةِ بحقيقتِهم، فظنَّ نبيُ الله لوطٌ أنهم ضيوفٌ جاءوا يستضيفونه فرحَّب بهم ولكنّه عليه الصلاة والسلام اغتمَّ من دخولهم عليه وقتَ الظهيرة وأشفقَ عليهم لأنّه خشي عليهم من أولئك الأشرارِ المجرمين، ولا سيما أنهم كانوا من حيث الصورة في غاية من الحسنِ والجمال، وخَشِيَ عليه السلام أن يكونَ قد رءاهم واحدٌ من قومِه حين دخلوا عليه فيذهب فيُخبِرَ قومَه فيعتدوا عليهم، حيثُ كان يُدرِكُ خُبثَ نفوسِ قومِه وفسادَ طَوِيَتِهِم، وكان قومُه عليه السلام قد اشترطوا عليه أن لا يُضيفَ أحدًا، ولكنه رأى أنّ استضافةَ من جاءه أمرٌ لا مَحيدَ عنه خوفًا عليهم من شرِّ قومِه وفسادِهم وشذوذِهم. وسُرعان ما حصلَ ما كان يخشاه إذ خرجتِ امرأتُه وكانت امرأةً كافرةً خبيثةً تتبَعُ هوى قومِها، فأخبرت قومَها وقالت لهم: إنّ في بيتِ لوطٍ رجالا ما رأيتُ مثلَ وُجوهِهم قطّ، وما إن سمِعَ قومُ لوطٍ الخبرَ حتى أقبلوا مُسرعين يُهْرَعونَ إلى بيتِ نبيِ الله لوطٍ عليه السلام يريدونَ الاعتداءَ على ضيوفِ لوطٍ عليه السلام، وأخذَ نبيُ الله لوطٌ عليه السلام يُجادِلُ قومَه المفسدين بالحسنى ويناقشُهم باللطف واللين لعلَّ فيهم من يرتدعُ عن غِيِه وضلالِه، ودعاهم عليه السلام إلى سلوكِ الطريقِة الشرعيةِ المباحةِ وهي أن يتزوجوا بناتِ القرية وأن يكتفوا بنسائِهم ولا يعتدوا. ولكنَّ قومَه الخبثاء رفضوا نصيحتَه، وصارَحوهُ بغرضِهِمُ السيئ من غيرِ استحياءٍ ولا خَجل وقالوا له: ما لنا في بناتك من حقّ -يريدون أنهم ليسوا في حاجة إلى بنات القرية- وأخبروه أنهم لا يرغبونَ إلا في أولئك الشُبانِ الحِسان الذين هم في بيتِه ضيوفًا. والله تعالى أعلم وأحكم. نقف هنا لنتكلم في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى كيفَ أُهلِك قومُ لوط عليه السلام فتابعونا وإلى اللقاء.